تجتاح إسرائيل الموجة الثانية من جائحة كورونا، ومع ارتفاع أعداد المصابين لتسجل قرابة نصف مليون حالة، وتجاوز أعداد الوفيات 2500 حالة، دخلت إسرائيل في إغلاق ثان لها كلف الاقتصاد الإسرائيلي وفق بيانات وزارة المالية من 11 -12 مليار شيكل، مع ارتفاع معدلات العجز بصورة غير مسبوقة إلى 100 مليار شيكل، وتجاوز أعداد العاطلين في إسرائيل مليون عاطل من إجمالي القوي العاملة في البلاد. وتُشير هذه الأرقام إلى دخول الاقتصاد الإسرائيلي لمنحني منخفض صعب الخروج والتعافي منه بسرعة.
وعلى الرغم من الأثار السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، شهد هذا الشهر تقدمًا على صعيد التعاون الدولي؛ حيث وقعت البحرين والسودان اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل؛ لتنضم إلى الأمارات العربية المتحدة.
- الأبعاد الاقتصادية للاتفاقيات العربية الجديدة مع إسرائيل:
تمكن هذه الاتفاقيات إسرائيل الناحية الاقتصادية من طرح أنشطة اقتصادية متعددة وتعمل على تطوير وتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما في العديد من المجالات منها؛ التجارة والنقل والسياحة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والتمويل والصحة وحماية البيئة، وتحلية المياه وتبادل تكنولوجيا الزراعة المتقدمة، كذلك التعاون في قضايا الطاقة المتجددة وتصدير النفط إلى الغرب عبر خط إيلات –عسقلان[1].
- تنظر إسرائيل إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين كمصدر آخر للنفط ونواتج التقطير. ولدعم هذا الاتجاه؛ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إنشاء “صندوق إبراهيم”، وهو صندوق استثمار اقتصادي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، ويشمل استثمارات بقيمة 3 مليار دولار، ويهدف الصندوق إلى تعزيز التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط، وتعزيز الاستثمارات المستهدفة للقوى العاملة وتوفير الفرص للشباب وخدمة سكان المنطقة في المستقبل. وسيعزز الصندوق التجارة الإقليمية ومشاريع البنية التحتية وأمن الطاقة والوصول إلى مصادر الطاقة وتحسين المنتجات الزراعية[2].
- ويرى المحللون الاقتصاديون في إسرائيل أنه لأول مرة تخرج إسرائيل من وحدتها كجزيرة للطاقة وترتبط من ناحية بنظام النقل العربي، ومن ناحية أخرى بمنتجي النفط الرئيسيين مثل أذربيجان وكازاخستان، وتنقل النفط ومنتجاته إلى الأسواق العملاقة في الشرق الأقصى وأفريقيا. وهذا ليس كل شيء؛ أصبحت إسرائيل أيضًا مركزًا لوجستيًا دوليًا لتكرير النفط وتخزينه[3].
- وفي هذا الإطار اهتمت إسرائيل بفتح أفاق جوية جديدة من خلال هذه الاتفاقيات، استهلت إسرائيل أولي اتفاقياتها مع البحرين باتفاق لتسيير قرابة 14 رحلة طيران أسبوعية مباشرة بين تل أبيب والمنامة، إلى جانب خمس رحلات شحن أسبوعية[4].
- كما اهتمت الحكومة الإسرائيلية في توفير الأمن الغذائي بعد أن كشفت أزمة كورونا عن وجود عوار في هذا المجال وأن المنتج المحلي لا يكفي معدلات الاستهلاك المحلية، ومن هنا أولت إسرائيل أهمية خاصة للزيادة رقعة الأراضي الزراعية والاهتمام بتكنولوجيا الزراعة المتطورة؛ وفي هذا الإطار أعلنت إسرائيل عن تصدير منتجات زراعية إلى البحرين عن طريق النقل البري بالشاحنات عبر الأردن، مما سيقلل بشكل كبير من تكاليف النقل[5]. كما أعلنت إسرائيل أيضًا أنها سترسل قمحًا بقيمة 5 ملايين دولار للسودان بعد إعلان التطبيع بين البلدين، وأن الاتفاق بين البلدين سيشمل مساعدات واستثمارات إسرائيلية، لا سيما في مجالي التكنولوجيا والزراعة، إلى جانب تخفيف أعباء الديون على الحكومة السودانية[6].
- مؤشرات البورصة وسوق المال خلال شهر أكتوبر:
أغلقت البورصة أسبوعها الأول على ارتفاع سوق الأسهم؛ حيث ارتفع مؤشر “تل أبيب 35” بنسبة 0.8٪، وارتفع مؤشر “تل أبيب 125” بنسبة 1٪، وتعزز مؤشر النفط والغاز بنسبة 2.9٪، كما أغلق مؤشر البنوك بارتفاع قدره 1.9٪. وبلغ حجم التداول في أسهم البنوك 963 مليون شيكل وحجم تداول السندات 2.3 مليار شيكل[7].
- بينما أغلق الأسبوع الثاني من البورصة على انخفاض معظم المؤشرات الأساسية؛ حيث انخفض مؤشر “تل أبيب 35” بنسبة 0.6٪ وبنسبة مماثلة انخفض “مؤشر تل أبيب 125” بنسبة -1.14٪، وخسر مؤشر البنوك 0.9٪ من قيمته، بينما بلغ حجم التبادل التجاري 1.4 مليار شيكل. وفي سوق السندات، كان الاتجاه إيجابيًا، حيث ارتفعت السندات الحكومية غير المفهرسة بنسبة 0.24٪، بينما ارتفعت السندات الحكومية بنسبة 0.39٪. كما تم تحديد السعر التمثيلي للدولار عند 3,386 شيكل. وتم تحديد سعر الصرف التمثيلي لليورو عند 3.993 شيكل.
- عادت المؤشرات في الأسبوع الثالث التداول للارتفاع من جديد، وذلك على خلفية الخروج من الحجر الصحي والعودة الجزئية للنشاط الاقتصادي وانخفاض عدد المصابين بكورونا؛ حيث ارتفع مؤشر “تل أبيب 35” بنسبة 0.5٪، وارتفع مؤشر “تل أبيب 125” بنسبة 0.66٪، وتعزز مؤشر البنوك بنسبة 1٪، وقفز مؤشر العقارات 0.8٪، وقفز مؤشر النفط 1.2٪. وبلغ حجم تداول الأسهم في اليوم الأول 602 مليون شيكل، وبلغ حجم التداول في السندات 2 مليار شيكل.
- بدأ الأسبوع الرابع بانخفاض طفيف في الأسعار في المؤشرات القيادية، على خلفية استمرار انتشار فيروس كورونا في العالم وبداية موسم الإبلاغ عن الربع الثالث من العام؛ حيث انخفض مؤشر “تل أبيب 35” بنسبة 0.07٪، ومؤشر “تل أبيب 125” بنسبة 0.23٪، وخسر مؤشر البنوك 0.8٪، وانخفض مؤشر النفط بنسبة 0.25٪، وانخفض مؤشر العقارات بنسبة 0.43٪. بينما بلغ حجم تداول السندات 3.9 مليار شيكل. وفي تداول العملات الأجنبية، يواصل الشيكل ارتفاعه مقابل سلة العملات وسجل رقمًا قياسيًا أمام سلة العملات[8].
- انخفضاحتياطي النقد الأجنبي لـ “بنك إسرائيل” بشكل طفيف في سبتمبر، وذلك للمرة الأولى منذ مارس الماضي، حيث انخفض إجمالي الأرصدة بنحو 1.1 مليار دولار في سبتمبر، وبلغ مجموعها 119.5 مليار دولار. ويعزى الانخفاض في الأرصدة في سبتمبر بشكل أساس إلى إعادة تقييم الأصول التي يتم استثمارها فيها بمبلغ سلبي بنحو 1.7 مليار دولار. وقد تم تعويض عملية إعادة التقييم هذه جزئيًا، من بين أمور أخرى، من خلال 280 مليون دولار من مشتريات العملات الأجنبية خلال شهر سبتمبر[9].
- نتائج الربع الثاني من العام المالي الحالي:
نشر المكتب المركزي للإحصاء اليوم التقدير الثالث للربع الثاني من عام 2020 والذي انخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 28.8٪ على أساس سنوي. مقارنة بالربع الأول من العام، وانخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 8.1٪. وسجل الاستهلاك الخاص انخفاضًا بنسبة 44٪ على أساس سنوي.
- نشر الاقتصاديون في بنك لئومي مسحًا كليًا أشاروا فيه إلى حالة التضخم في الاقتصاد، ومن المتوقع أن ترتفع بيئة التضخم بشكل معتدل وفي الأشهر المقبلة وخاصة في عام 2021، لكن لا يبدو أنها ستصل حتى إلى الحد الأدنى من هدف استقرار الأسعار. وعلى خلفية بيئة التضخم المنخفضة، بالإضافة إلى التباطؤ في الاقتصاد بسبب القيود والإغلاق خلال الشهر الماضي[10].
- تقلص النشاط الاقتصادي بنسبة 28.8٪ خلال الربع الثاني من العام، وذلك وفقًا لبيانات تقدير النمو الاقتصادي الثالث الصادر اليوم عن المكتب المركزي للإحصاء. وجاء معظم الضرر نتيجة الإغلاق الأول المفروض على الاقتصاد بين 17 مارس و20 أبريل. وهو تغيير طفيف مقارنة بالتقدير الثاني، حيث كان الانكماش بنسبة 29٪ على أساس سنوي. ومقارنة بالربع الأول من العام -الذي شهد أيضًا نموًا سلبيًا-انخفض النشاط الاقتصادي في الاقتصاد بنسبة 8.1٪.
- انكمش الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الأعمال بنسبة 34.8٪ في الربع الثاني على أساس سنوي، وشهدت صناعة التجارة والخدمات الغذائية انخفاضًا بنسبة 40.3 ٪، وشهدت صناعة البناء انخفاضًا معتدلًا نسبيًا بنسبة 29 ٪، وسجلت صناعة المعلومات والاتصالات زيادة بنسبة 0.4٪ في نشاطها. وسجلت العقارات انخفاضًا بنسبة 45.4٪، وسجلت صناعات التعدين والمحاجر انخفاضًا بنسبة 26.2٪.
- بينما شهد الاستهلاك الخاص الضرر الأكبر، على الرغم من أنه المحرك الرئيس لنشاط الاقتصاد، والمسؤول عما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي. حيث انخفض خلال الربع الثاني، الإنفاق الاستهلاكي الخاص بنسبة 44٪ على أساس سنوي. قابل انهيار الإنفاق الاستهلاكي الخاص جزئيًا زيادة في الإنفاق الاستهلاكي العام. وسجلت أكبر زيادة في الإنفاق الاستهلاكي الدفاعي، حيث قفز بنسبة 144٪ خلال الربع.
- انخفضت واردات السلع والخدمات إلى إسرائيل بنسبة 39.5٪ في الربع الثاني، وانخفضت صادرات السلع والخدمات من إسرائيل بنسبة 28.6٪، ويرجع ذلك أساسًا إلى انهيار السياحة الوافدة، لكن صادرات البرمجيات وخدمات النقل زادت بنسبة 5.8٪ خلال هذا الربع[11].
- تأثير الإغلاق الثاني على الاقتصاد الإسرائيلي:
وفقًا لتقرير “بنك إسرائيل” فإن القيود الحالية التي فرضها الإغلاق الثاني ستؤدي إلى ركود اقتصادي يُقدر بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد (32 ٪ من حيث الناتج المحلي الإجمالي) مقارنةً بالركود الذي شهده الإغلاق الأول في مارس -أبريل والذي بلغ حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي. ويؤكد “بنك إسرائيل” أن هذا مجرد تقدير مباشر للتكلفة خلال فترة الإغلاق والتي ستضاف إليها التكاليف غير المباشرة والمستمرة نتيجة الأضرار التي لحقت بالنشاط[12].
- تجاوز العجز التراكمي في ميزانية الدولة 100 مليار شيكل ليسجل 102.4 مليار شيكل بنسبة 9.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال شهر سبتمبر، مقارنة مع عجز قدره 31.1 مليار شيكل في الفترة المماثلة من العام الماضي، وهذا رقم قياسي في عجز الميزانية.
- استمر عجز الموازنة العامة للدولة بالتضخم في سبتمبر، حيث بلغ 14.9 مليار شيكل، مقارنة مع عجز منخفض في سبتمبر من العام الماضي بلغ 1.9 مليار شيكل. إن الزيادة المستمرة في العجز أمر مقلق وفي الحقيقة يشير إلى عدم السيطرة عليه وزيادته لتسجيل أبعاد غير مسبوقة.
- تم إنفاق 80 مليار شيكل مع نهاية شهر سبتمبر على أزمة كورونا على البرنامج الاقتصادي، مقارنة بـ 71 مليار شيكل بنهاية أغسطس. هذا من أصل 141.2 مليار شيكل تمت المصادقة عليها.
- سجلت عائدات الضرائب الحكومية في سبتمبر 28.3 مليار شيكل. وبلغ إجمالي 233.7 مليار شيكل الإيرادات منذ بداية عام 2020، بانخفاض نسبته 9.9٪ مقارنة بإيرادات الفترة المماثلة من العام الماضي[13].
الخلاصة:
- تحاول الحكومة الإسرائيلية التي تعاني مشاكل وصراعات سياسية داخلية كبيرة للخروج من هذا المأزق، ولكن إصرارها على تغليب المصلحة السياسية على المصلحة العامة للبلاد جعلها تقود إسرائيل إلى الهاوية ودفع خبراء الاقتصاد بوصفها بالـ “حكومة الفاشلة”، لأنها لم تحسن إدارة الأزمة.
- تصر الحكومة الإسرائيلية على التعامل مع أزمتها الداخلية بتجاهل شديد وإكمال مسار ثبت فشله في حل الأزمة، بينما تعول على إنجازاتها السياسية في توقيع اتفاقيات مع الدول العربية لتحقيق سلام، قد يُحقق أيضًا انتعاشًا اقتصاديًا لإسرائيل على المدي البعيد.
[1] البعد الاقتصادي والاستراتيجي لاتفاق السلام بين إسرائيل ودول الخليج، مركز دراسات الأمن القومي، 17/10/2020
[2] الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل ينشؤون صندوق استثمار بقيمة 3 مليارات دولار، موقع “جلوبس” 20/10/2020.
[3] حماية البيئة توقع اتفاقية لاستيراد النفط من الإمارات العربية المتحدة إلى إسرائيل، موقع “يديعوت آحرونوت”20/10/2020.
[4] إسرائيل والبحرين توقُعان على اتفاق لتسيير رحلات جوية أسبوعية مباشرة بين البلدين، موقع “تايمز أوف إسرائيل”، 23/10/2020.
[5] إسرائيل تصدر المنتجات الزراعية إلى البحرين في شاحنات عبر الأردن، موقع “يديعوت آحرونوت” 20/10/2020.
[6] إسرائيل والسودان تعلنان عن تطبيع العلاقات بينهما، موقع “تايمز أوف إسرائيل”،26/10/2020.
[7] موقع “جلوبس”، 4/10/2020.
[8] موقع ” sponser”20/10/2020.
[9]“بنك إسرائيل” يشتري سندات شركات بقيمة تزيد عن مليار شيكل خلال سبتمبر، موقع “ذا ماركر” 7/10/2020.
[10] موقع ” sponser” 18/10/2020.
[11] النشاط الاقتصادي يتقلص بنسبة 28.8٪ خلال الربع الثاني من العام، موقع “جلوبس” 18/10/2020.
[12] وزارة المالية: تكلفة الإغلاق من 11-12 مليار شيكل، موقع “كالكاليست” 16/10/2020.
[13] العجز الحكومي يتجاوز حاجز الـ 100 مليار شيكل، موقع “يديعوت آحرونوت” 12/10/2020.