يعتبر صراع غاز شرق المتوسط بين تركيا واليونان حلقة جديدة من حلقات الصراع بين الدولتين حيث تمثل تركيا وريث الدولة العثمانية وتمثل اليونان وريث الدولة البيزنطية .
ولقد مرت العلاقات التركية اليونانية بمراحل من الصراع على ترسيم الحدود البحرية وغاز شرق المتوسط.
الخلفية التاريخية للصراع بين الدولتين
المرحلة الأولى: وتتمثل في ضم الدولة العثمانية لمدينة اسطنبول “القسطنطينية” سابقا والتي كانت عاصمة الدولة البيزنطية حيث اعتبرت اسطنبول فتحا اسلاميا للدولة العثمانية على يد السلطان محمد الثاني والذي لقب بعد ذلك بمحمد الفاتح عام 1453م في حين أعتبره اليونانيون غزوا من الدولة العثمانية لتكون هذه أولى مراحل الصراع المباشر بين الدولتين في ذلك الوقت.
المرحلة الثانية: مرحلة الثورة اليونانية 1821-1832م حيث بدأت الثورة اليونانية على الحكم العثماني في جزيرة المورة جنوب اليونان والتي لاقت دعم روسي وفرنسي وبريطاني ضد الدولة العثمانية حيث استعان السلطان العثماني محمود الثاني بمحمد على والي مصر لمساندته في كبح الثورة اليونانية والقوى الداعمة لها مقابل منحه جزيرة كريت فأرسل الجيش المصري بقيادة ابنه ابراهيم باشا الذي استطاع إخماد الثورة ولكن تحالف الدولة السابقة مع اليونان أدى الى هزيمة الدولة العثمانية.
المرحلة الثالثة : الحرب اليونانية – التركية
إزدادت مطامع اليونان في الدولة العثمانية في عام 1917م بقصد السيطرة على اسطنبول وازمير الساحلية, واحتلت القوات اليونانية مدينة ازمير التركية المطلة على البحر المتوسط في 15مايو 1919م وسيطرت عليها, حيث قام مصطفي كمال بقيادة الجيش التركي بمحاربة اليونان وخروجها من مدينة ازمير فيما عرف بعد ذلك بحروب الاستقلال التركية، حيث نشأت في أطراف الدولة العثمانية حروب عديدة ذات نزعة انفصالية عن الدولة العثمانية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وكانت هذة الفترة مليئة بالأحداث التاريخية المفصلية في نهاية الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفي كمال ورفاقه من ضباط الجيش التركي
وفي يوليو 1923م وقع مصطفى كمال على معاهدة لوزان قبل اعلان الجمهورية التركية فى 30اكتوبر1923م والتى تضمنت ترسيم الحدود البحرية مع عدد من الدول أهمها اليونان وحافظت تركيا بموجبها على اسطنبول التي كانت هي الأهم لمصطفى كامل ورفاقه من الاحتلال اليوناني كما قضت معاهدة لوزان بتخلى تركيا عن قبرص وحماية الأقلية المسيحية الأرذوكسية بتركيا.
المرحلة الرابعة: القضية القبرصية
في 16 أغسطس 1960م أصبحت قبرص جمهورية مستقلة وانضمت إلى الأمم المتحدة ولكن منذ الإستقلال والصراع الداخلي يضرب بالجمهورية الصغيرة ذات عدد السكان المليون ونصف تقريبا والمساحة التي تصل إلى 9.250كم
حيث أدت الإضطرابات السياسية فيها إلى تدخل الجيش التركي وإحتلال الثلث الشمالي منها عام 1974م في أول خروج للجيش التركي منذ اعلان الجمهورية في 1923م، وأعلنت شمال قبرص استقلالها عن تركيا بإعلان الحكم الذاتي للقبارصة الأتراك في 15نوفمبر1983م إثر استفتاء عام لسكان الجزء الشمالي من الجزيرة، وأصبح الزعيم التاريخي للقبارصة الأتراك ” رؤوف دنكتاش”، وأصبحت شمال قبرص غير معترف بها سوى في تركيا، ولا يربطها طيران سوى خط جوي بين اسطنبول ومطار إيرجان في الشطر الشمالي، كما يوجد خط ملاحي بين مدينة أضنه التركية وميناء كارينا القبرصي الذي يبعد 40كم
ولم يتوقف الصراع التركي اليوناني عند أى حد من الحدود بخصوص قبرص الشمالية وقبرص الجنوبية حتى كانت محاولة كوفي عنان سكرتير عام الأمم المتحدة عام 2004 اخر محاولة أممية لاستفتاء شعبي على دمج الشطرين تحت حكم واحد إلا أن إعتراض اليونان على المحاولة الأممية 2004م و وصول أردوغان إلى السلطة وظهور تركيا بنموذج الإسلام السياسي حال دون ذلك.
المرحلة الحالية:
وهي الوضع الحالي بين الفريقين
الفريق الأول التركي وقبرص التركية ويدعمه أذربيجان وباكستان وقطر
الفريق الثاني اليونان وقبرص اليونانية ويدعمهما فرنسا والإمارات
وتميزت تلك المواجهه بعدة خصائص هامة
- دخول دول رافضة للتمدد التركي على خط المواجهة
- دخول دول داعمة لتركيا كنموذج اسلامي وقومي مثل أاذربيجان وباكستان
- تصعيد وتوتر بالمياة الدولية والإقليمية بالبحر المتوسط
- تحرش مباشر بين قوات بحرية عسكرية في المياة الدولية
أدت هذة الخصائص لفترة الصراع الحالية في 2020م إلى حشد القوات العسكرية بين البلدين وإلى إطلاق عشرات التصريحات السياسية الحادة بين الدولتين وداعميهما من الأطراف الإقليمية
أهم نتائج مرحلة الخلاف الحالية
ظهور وزير الخارجية الأمريكي بشكل يدعو الأطراف إلى التهدئة وأن غاز المتوسط يمكن أن يسع جميع الدول المطلة عليه وهو الأمر الذي جعل تركيا في حالة من الإطمئنان النفسي وأن توافق على إرسال وفد للتفاوض مع اليونان تحت مظلة الناتو على شروط هامة بالنسبة لتركيا،
الأول:تغير حدود الجزر المتنازع عليها.
الثاني:إعادة التحكيم الدولي للجزر المتنازع عليها.
الثالث: تأجير أو بيع بعض تلك الجزر لتركيا وذلك بهدف توسيع الجرف القاري الخاص بها.
ولكن كل هذة الشروط يقابلها رفض من اليونان بشدة التي تصر على موقفها وملكيتها من الجزر وأن أكثر ما يمكن تقديمه هو أن تجعل بعض الجزر منزوعة السلاح وتحت إشراف الأمم المتحدة.
الخلاصه
إن تاريخ الصراع بين تركيا واليونان قديم ولن ينتهي بل سيظل في حالة خلاف مستمرة وذلك بوضع هذه الجزر المتنازع عليها، وأن مايثار داخل تركيا أنه بعام 2023م ستسقط اتفاقية لوزان ويحق لتركيا الحصول على هذه الجزر هو أمر غير حقيقي لأن اتفاقية لوزان مثلها مثل الإتفاقات الدولية وهي التي رسمت الحدود التركية البرية والبحرية سواء من خلال المضائق المائية أو الحدود البحرية.
كما أن محاولات تركيا للإشتراك في غاز المتوسط لن تتوقف لأنها دولة مستوردة لأكثر من 90% من الطاقة اللازمة لها، وهذا الأمر الذي سيدفعها لفعل أي شيء لإرضاء أمريكا لإشراكها في غاز المتوسط لأنها تعلم أن مفاتيح الأمر في يد أمريكا وليس اليونان
وستحدد الأيام القادمة الكثير من تلك التفاهمات والأحداث السياسية.