” إن صدق عزمكم إذا لاتوجد أسطورة ” هذه كانت وصية تيودور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية لليهود بتحقيق حلم إقامة الدولة والتي باتت مرجعية تتخذها دوائر صناعة القرار الإسرائيلي في بلورة استراتيجياتهم لتحقيق أهدافهم المستقبلية في اختراق العالم العربي.
ولتحقيق هذا الهدف، لا تعتمد الدبلوماسية العامة الإسرائيلية فحسب على وزارة الخارجية للتأثير الثقافي والفكري في حياة المجتمعات العربية، بل باتت المساهمة الأكثر فعالية فيها تقع على عاتق الجيش الإسرائيلي ووحدة متحدثي الجيش والدبلوماسية الرقمية التي تعد أحد الأفرع الرئيسية .
وهنا تكمن درجة الخطورة ، لتصدر مصر دول المنطقة العربية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي “الفيس بوك، وتويتر”، وفق تقرير حديث أعده جهاز التعبئة العامة والإحصاء عام 2019.
وفي ضوء تزايد رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، سعت إسرائيل عبر أذرعها الإعلامية إلى استقطاب الجمهور المصري خاصة من فئة الشباب مستغلة جهل البعض منهم بطبيعة الصراع الإسرائيلي العربي والحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل؛ لتغيير قناعته من جهة على الصورة السلبية لإسرائيل ومحاولة تشويه الانتصار العظيم الذي تحقق في أكتوبر 1973 والتشكيك فيه ، وذلك بعد دراسة المجتمع المصري والوصول إلى مكونات وسمات خاطئة عن الشخصية المصرية بتدني الثقافة ولذلك اعتمدت على توظيف تكنيكات التأثير والإقناع ومنها :
الاعتماد على تكنيك “التكرار”:
يتعمد خطاب الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية التأكيد في كل مرة على مقولة “قلب الأمور رأسًا على عقب” والتأكيد دومًا على عنصر المفاجأة وانتهاء الحرب بالسلام ، ولكن اللافت للنظر أن استمرار هذا المحتوى وتعمد تكراره يهدف في المقام الأول إلى تعمد تكرار الرواية الكاذبة وتداولها بين الصفحات لرواد شبكات التواصل الاجتماعي فمن ناحية تسهم في نشر تلك الصفحات وزيادة متابعيها ومن ناحية أخرى إحداث ضجة وتشكيك في الثوابت الوطنية.
تكنيك “الأرقام والإحصائيات”:
يوظف هذا التكنيك في الأساس ضمن استراتيجيات التأثير والإقناع العقلانية وهو من أخطر الإسترايتيجات والأساليب الإقناعية التي يعتمد عليها خطاب الدبلوماسية العامة الإسرائيلية الموجه للعرب، حيث يوظف تكنيك التحايل على المضمون بتوظيف الصدق والكذب معًا من خلال بث بعض المعلومات الصحيحة في سياقات كاذبة بمعنى أن بعض هذه المعلومات المنشورة بها شيء من الصحة، ولكن توظيفها في السياق الإعلامي غير دقيق لتدعيم صدق الراوية المغلوطة.
على سبيل المثال يعتمد “افيخاي ادرعي” في إستراتيجياته الإقناعية على هذا التكنيك في محاولة منه لإقناع المصريين بهزيمة مصر أمام إسرائيل في حرب أكتوبر بالاستناد على الأرقام والإحصائيات الصحيحة لعدد شهداء الجيش المصري في الحرب و البالغ عشرة آلاف شهيد بأنه دليل على انتصارهم علينا في الحرب، متجاهلاً عدد قتلى جيش الاحتلال البالغ 2700 وفق الإحصاءات الإسرائيلية المعلنة ومالحق بالجيش الإسرائيلي من خسائر فادحة في المعدات والفشل الاستخباراتي الذريع للجيش لعدم توقعهم باندلاع الحرب، ولكن في ضوء تفنيد المزاعم الواردة في المحتوى الضمني المعتمد على الأرقام الصحيحة فعدد الذين استشهدوا في الحرب ليس دليلاً على الهزيمة وفق ادعاءاته فالقاعدة الإستراتيجية التي تؤكد وتحسم الجدل تقاس على أساس ماتحقق على أرص الواقع من أهداف باسترداد سيناء كاملة وتفكيك مستوطنة ياميت ..فكيف انتصرت إسرائيل ولا يوجد جندي واحد على أرضها .
الرهان الخاسر على التشكيك في الانتصار:
فكما يعد جيش الاحتلال بالنسبة للإسرائيليين بمثابة “البقرة المقدسة”، فهكذا الأمر نفسه بالنسبة لعموم المصريين وهو مادفع القائمين على الخارجية الإسرائيلية إلى بلورة استراتيجية موجهة بالأساس للحروب النفسية ضد العالم العربي من خلال وسائل الإعلام تقوم على عدد من الركائز ومنها:
- نشر المواد المزيفة.
- الابتزاز واتباع وسائل ملتوية.
- التأكيد على حقيقة أن إسرائيل بمقدورها الانتقام بوسائل وأساليب وحشية.
وبالرغم من ظاهرية نجاعة تلك الاستراتيجية ومايثار حول تطبيع اللايك والشير إلا أن تحليل تعليقات القراء الإسرائيليين على صفحة “أفيخاي أدرعي”، “إسرائيل بالعربية” كدراستي حالة في ذكرى انتصارات أكتوبر تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك وعي الشباب المصري ويقينه التام بالانتصار العظيم الذي حققه جنود القوات المسلحة البواسل في حرب أكتوبر المجيدة ،
، حيث يذكرهم الشباب من رواد مواقع التواصل الاجتماعي والذين لم يعاصروا الحرب بهزيمتهم من خلال الرد بالوقائع وهو الرد العلمي السليم للرد على الشائعات والأكاذيب بفطنة وذكاء من خلال تذكيرهم بتصريحات المسؤولين الإسرائيليين بعد اندلاع الحرب ومرارة ألمهم وصور الأسرى وعودة الجرحي بملابس كستور وانهيار الساتر الترابي وخط بارليف الحصين، وهو مايعطينا مؤشرا جيدًا بشكل منهجي من خلال تحليل تعليقات القراء بعدم تأثيرهم براوية تلك الصفحات على تغير قناعتهم الراسخة بالنصر على إسرائيل في الحرب.