لعبت الملفات العسكرية دورا كبيرا فى إتفاقات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية، فى مقدمتها الإمارات، حيث برز الجدل حول الإصرار الإماراتى على صفقة مقاتلات إف 35، التى كانت ممنوعة على الشرق الأوسط بإستثناء إسرائيل، بالإضافة إلى الدعوة الإماراتية لإسرائيل للمشاركة فى “آيدكس”، أكبر معرض عسكرى دولى فى الإمارات، بإنتاجاتها فى جناح كبير، وبالتالى كان من المهم أن نفتح ملف الإنتاجات العسكرية الإسرائيلية بخلاف القدرات العسكرية التى تختص أمريكا إسرائيل وحدها بها، وهل سيظل هذا الأمر بعد موجة التطبيع الحالية، خاصة إن الإمارات ومن وراءها قطر إشترطوا الحصول على مقاتلات ال35 ، ضمن مقابل التطبيع، وهناك سيناريوهات حول أن السعودية ستطلب أكثر من ذلك، لو دخلت فى مسار التطبيع بعد الإنتخابات الأمريكية، حسب أكثر التوقعات .
ووفق رصدنا من مصادر عدة، تزايدت خلال السنوات الخمس الأخيرة قوة إسرائيل العالمية فى سوق تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، حتى أصبحت تل أبيب القوّة الثامنة في هذا السوق، وحسبما ورد فى تقرير معهد ستوكهولم الدوليّ لأبحاث السلام فقد ارتفعت كمية الأسلحة التي تصدّرها إسرائيل حول العالم بنسبة تقارب ثلاثة أرباع، مقارنة بما كانت تصدره خلال السنوات العشر السابقة!
وتضم قائمة أبرز الدول التي تصدّر لها إسرائيل منتجاتها العسكرية :الهند (التي
تستورد 45% من الإنتاج الحربيّ الإسرائيلي)، وأذربيجان (17%) وفيتنام، وفقا للمنشور في عدة مصادر بحثية وصحفية إسرائيلية، وتضم قائمة المستوردين خلال السنوات العشر الأخيرة، 92 دولة منوعة حول قارات العالم، وذلك بخلاف بعض الدول التى تفرض تعتيما على واردتها العسكرية من إسرائيل.
الصفقات الهندية / الإسرائيلية
أثرت سخونة العلاقات بين إسرائيل والهند على رفع مستوى بيع الأسلحة
الإسرائيلية إلى الهند، وكان رئيس الوزراء الهندي، نيرندار مودي، مهتما
أكثر بصواريخ الدفاع الجوي، والطائرات بدون طيار، والصواريخ المضادة
للدبابات، حيث قفزت الواردات الهندية من إسرائيل إلى 285%، في
السنوات الخمس الأخيرة مقارنة بما قبلها، وفق تقرير منشور بصحيفة معارف الإسرائيلية..
فيما زودت إسرائيل الهند وأذربيجان بالطائرات بلا طيار، وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية” قد نشرت تقريرا أفادت فيه بأن طائرة بدون طيار إسرائيلية الصنع استخدمت في المعارك بين أذربيجان وأرمينيا، ووصلت بالفعل الطائرات بدون طيار الإسرائيلية إلى عدد من دول العالم، وإخترقت بها إسرائيل العديد من المنظومات والدول، التى كانت صعبة عليها فى وقت سابق، ومن هذا المنطلق وجب الوقوف كثيرا أمام ملف صفقات الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، حيث وصلت بها إلى تركيا وجورجيا وتايلاند وتشيلى وكولومبيا والبرازيل وفنلندا
وواضح من تنوع الدول التى تهتم بالطائرات بدون طيار الإسرائيلية، مدى نجاح الاختراق الإسرائيلى لأقاليم ومناطق أثرت فى سياسات وملفات تبدو للبعض بعيدة، ومنها دعم أمريكا اللاتينية لحزب الله، والذى تراجع بشكل كبير، حتى تحول للنقيض، فبعدما كانت الدول اللاتينية داعمة بقوة لهذه المنظمة الشيعية اللبنانية، أعتبرها البعض منظمة إرهابية، وأخرون ضيقوا عليها الخناق بشكل غير مسبوق، من البرازيل وحتى جواتيمالا وتشيلى، بخلاف مواقف هذه الدول من القضية الفلسطينية، التى أصبحت بادرة، بعدما كانت تبدى مواقف داعمة بقوة للفلسطينيين فى كل المحافل الدولية، وكل هذا التغير الجوهرى لعبت فيه الصفقات والتكنولوجيا العسكرية دورا كبيرا فيه، ومن نا تأتى خطورة الصفقات العسكرية الإسرائيلية بأبعادها المباشرة وغير المباشرة.
هل هناك أسلحة إسرائيلية لدى دول عربية ؟
ومن الجوانب الخطيرة للصفقات العسكرية الإسرائيلية، هذه الترويجات الدولية والإسرائيلية وفق تقارير نشرتها المواقع الإسرائيلية “يديعوت أحرونوت” و”معاريف” وبحث منسوب لمعهد “ستكهولم للسلام” بثت ملخص منه القناة الثانية عشر الإسرائيلية، حول أن هناك دول وتنظيمات عربية وإسلامية حصلت على أسلحة إسرائيلية، هناك دول وجهات نفت ذلك، وهناك من تجاهل الخوض في هذا الحديث، والذي زاد منذ ما وقوع يعرف بموجات الربيع العربي، حيث وصل السلاح الإسرائيلى وفق ترويجاتهم إلى اليمن، والمغرب، وسوريا وليبيا والعراق، بخلاف دول خليجية والأردن وباكستان، بطرق ملتوية وإتفاقات مباشرة وغير مباشرة، حتى إنه هناك حالات تم رصد فيها مواقع يدرب فيها خبراء عسكريين إسرائيليين عرب على إستخدام الأسلحة الإسرائيلية بمختلف أنواعها، ولم يعد يتوقف الأمر عند الرشاش الشهير عوزى.
تجار السلاح الإسرائيليين
وخلال تاريخ الصفقات العسكرية الإسرائيلية المختلفة، برزت أسماء لتجار سلاح إسرائيليين وغير إسرائيليين منوعى الخلفيات، وتباهت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأنّ سجلّاتها تحتوي على قوائم بأسماء 1600 رجل أعمال منتشرين فى أوربا الشرقية ودول العالم الثالث وجنوب شرق أسيا، بما فيها دول إسلامية إفريقية وأوربية وأسيوية، عقدوا لصالحها صفقات عسكرية مع عشرات الدولحول العالم، قدرت ب7.5 مليار دولار، خلال عام 2018 فقط
ومن أشهر أسماء سماسرة السلاح الإسرائيليين حول العالم، الذين تم
كشفهم خلال السنوات القليلة الماضية، بيرتس وورلند، والجنرال زيف،
و”خازي بتسلال”، و”روعي بن يمي”، و”عامي لوستيج”، و”إيتان
ستيفا”، و”إيتسيك تسديك”، وعدد من الشخصيات السياسية ذات الخلفية
العسكرية، ومنهم الوزير ورئيس بلديّة تل أبيب الأسبق “روني ميلو”،
و”دافيد كوليتش”، و”عاميت سديه”، و” مُوشيه ستاف”.
ووفقا للمعلومات العسكرية المكشوف عنها عبر تقارير الصفقات التى تقدمها الدول المستوردة للأمم المتحدة، وسط تعتيم إسرائيل، فإنه في عام 2012 وُقّعت تل أبيب صفقات ب 3.83 مليار دولار مع دول آسيا والمحيط الهادئ، وصفقات
بقيمة 1.73 مليار دولار مع دول أوروبا، و1.1 مليار دولار مع الولايات
المتّحدة وكندا، و604 مليون دولار مع دول أمريكا اللاتينيّة، و107 مليون
دولار مع دول أفريقيا.
أهم الشركات العسكرية الإسرائيلية
ومن أهم شركات الإنتاج العسكرية الإسرائيلية، التى لها سمعة محلية
وعالمية : شركتا (شركة صناعات الفضاء الإسرائيليّة)، و”رفائيل” الحكوميّتان، وشركة “ألبيت” المسؤول عنها ميكي فيدرمان”، وهو الشخص الأكثر ثراء بين تجّار السلاح، بالإضافة إلى “سامي كيتسف”، ورغم كل هذه الأرقام والأسماء
والكواليس فإن إيرادات الصناعات العسكرية الإسرائيلية، لا تمثل سوى
10% من إيرادات الإنتاج الصناعى الإسرائيلى.
وطوال السنوات الأخيرة، كانت هناك محاولات ومطالبات محلية إسرائيلية
وخارجية، بالكشف عن معلومات وبيانات أكثرعن الصفقات العسكرية الإسرائيلية، تشمل أسماء الدول الأسلحة الإسرائيلية، وأنواع هذه الأسلحة، وأرقام هذه الصفقات، لكن كل
هذه المحاولات رفضت واستمر التعتيم، وظلت هذه المعلومات القليلة التى
تسمح تل أبيب بالكشف عنها، هى الأساس الأكبر لمعرفة أية صفقة، ولولا المعلومات التى تكشف من التقارير المقتضبة التى تصل الأمم المتحدة عن الصفقات، وفق القانون الدولى، لكان هذا الملف غامض بشكل كبير، وبالتالى لا نستطيع أن نكشف أبعاده غير المباشرة، الأكثر تعقدا من المباشرة.
تنوع الدول المستوردة
ومن المواقف القليلة، التى كشفت فيها إسرائيل عن معلومات مختصرة حول صفقاتها العسكرية، كان عندما طالبت المحكمة الإداريّة في تل أبيب الحكومة
الإسرائيلية بالكشف عن تفاصيل الصفقات العسكرية في العشر سنوات الأخيرة،
فرفضت السلطات الإسرائيلية وقتها، وإكتفت بالكشف عن قائمة الصفقات في عامى 2011-2012، فقط، وبينها وبين خمس دول فقط هي: الولايات المتّحدة، والمملكة المتّحدة،وإسبانيا، وكوريا الجنوبيّة، وكينيا، والمفاجأة إنه بمراجعة المعلومات القليلة التى كشفتها تل أبيب، لوحظ إنها نفس المعلومات الموجودة فى دفاتر الأمم المتحدة المعلنة بهذا الخصوص، وهذا مجرد مثال واحد على الإصرار الإسرائيلى على استمرار التعتيم على صفقاتها العسكرية بأبعادها المختلفة، والأمثلة كثيرة والأبعاد أكثر .
ومن الوثائق والتقارير التي تم تقديمها للأمم المتحدة في السنوات العشر
الأخيرة، وكشفت عنها صحيفة هاأرتس الإسرائيلية، إتضح أنّ إسرائيل
عقدت صفقات تصدير أسلحة مع تشاد ورواندا وليسوتو وكازخستان
ورومانيا وتشيلي والبرازيل وإيطاليا والولايات المتحدة وفيتنام والكاميرون
وأوغندا والهند والمكسيك وإسبانيا وتركيا، والصين وروسيا وأذربيچان.
ومن ضمن التغييرات التى طرأت على السياسة الاقتصادية العسكرية
والامنية، فقد اعتادت إسرائيل على تقديم تقارير طوعيّة إلى الأمم المتّحدة
حول تصديرها للأسلحة منذ عام 1992، وحتى 2009، لكنها تقارير
جزئيّة، تقدم الدول المستوردة تفاصيل أكثر عن هذه الصفقات، وعلى سبيل
المثال، في 2009 باعت إسرائيل أسلحة إلى سلوفاكيا ورومانيا وكولومبيا
وبيرو، والكونغو وغانا وجنوب إفريقيا وتايلاند وإندونيسيا.
لمن تبيع إسرائيل أسلحتها ؟
ومن أبرز التقارير الدولية التى كشفت الكثير من أسرار الصفقات العسكرية الإسرائيلية، كان التقرير المفصّل الموثق الذى أصدرته منظّمة العفو الدوليّة، منذ عامين حول سياسة التصدير الأمنيّة الإسرائيليّة، فقط من منطلق أن شركات الإنتاج
العسكري والأمني الإسرائيليّة تصر على تصدير الأسلحة إلى دول تنتهك
حقوق الإنسان بشكل منهجيّ، وتستخدم هذه الأسلحة المصنوعة في
إسرائيل، جيوش ومنظّمات ترتكب جرائم حرب، دون الإلتفات
بشكل مباشر لهذه الدول، لكن منها الإفريقية والأسيوية واللاتينية، مثل
جنوب السودان، وماينمار، والفلبين، والكاميرون، وسريلانكا، ودولة
خليجية، وفق التقرير الأممى.
و استشهد تقرير إسرائيلى معتمد على معلومات التقرير الأممي، بمقال كتبه
الجنرال الإسرائيلى عوزي إيلام، الخبير البارز في المؤسّسة الأمنية
الإسرائيلية، حول أنّ عمليّات تصدير الأسلحة الإسرائيليّة لطالما إكتنفتها
الضبابية والتعتيم، وساعد ذلك في تجنّب الضغط الدوليّ على هذه الصفقات، وإيلام بذلك يكشف فقط عن بعد وحيد من أبعاد كثيرة تهتم إسرائيل بالتعتيم عليها من خلال الحفاظ على سرية صفقاتها العسكرية بأية طريقة، وهى فى ذلك تخالف القانون الدولى ، لكن ليس هناك من ينتقدها حيال ذلك سوى قوى سياسية ونقابية وحقوقية فى الداخل الإسرائيلى، وما بين حين وآخر تظهر أصوات دولية تطالب بالكشف تفاصيل الصفقات العسكرية الإسرائيلية، مثلها مثل كل مثيلاتها الدولية، لكنها ما تلبث أن يتم التعتيم عليها ويتم إسكاتها، ولذلك علينا أن نتعامل مع هذا الملف بشكل أكثر إحترافية وأكثر يقظة، لأنه على خطورة الأبعاد العسكرية المباشرة له، إلا أن هناك ما هو أخطر منها فى أبعاده الاستراتيجية المعتم عليها، ولا نعلم بها إلا بعد فوات الآوان بسنوات.