* يتصدر المشهد السودانى خلال المرحلة الحالية تزامن ظهور متغيرين رئيسيين بجانب عدداً من التطورات البارزة الأخرى التى قد تطرح تأثيراتها المباشرة على مجمل توجهات الدولة، المتغير الأول هو توقيع حركات المعارضة السياسية والمسلحة إتفاق جوبا للسلام عقب فترة طويلة من الصراع المسلح وبعد سلسلة من الجولات التفاوضية الفاشلة التى رعتها العديد من عواصم المنطقة حتى فى أعقاب تغيير نظام الحكم، والمتغير الثانى هو تصاعد حجم الضغوط على نظام الحكم الإنتقالى لتوقيع إتفاق سلام مع إسرائيل، وممارسة سياسة الترغيب والترهيب على الخرطوم لحسم ذلك الملف خلال فترة زمنية محدودة مرتبطة بالأوضاع الداخلية بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
* ويفرض تزامن تلك المتغيرين مشروعية الربط فيما بينهما للتعرف على حقيقة هامة مفادها هل هذا التزامن متعمد أم لا، لاسيما مع إرتباط غالبية تلك الحركات بالخارج، وهو ما يسهم أيضاً فى التعرف على أدوات القوى الخارجية فى تنفيذ أجندتها السياسية تجاه السودان والمنطقة، بل ومحاولة إستطلاع توجهات القوى العسكرية الجديدة الوافده للمشاركة السياسية فى حكم جنوب الوادى، بجانب الخروج من الدائرة الإفتراضية الخاصة بحسم إجابة السؤال الملح هل سيوقع شريكى الحكم فى السودان على إتفاق السلام مع إسرائيل رغم إعلان القوى الراديكالية والقومية وغيرهما موقفهم الرافض للتوقيع أم لا، بل الأحرى الإجابة على سؤال متى ستوقع الخرطوم على الإتفاق الذى يبدو أنه أصبح حتمياً، خاصة فى أعقاب المكالمة الهاتفية الأخيرة بين كل من ترامب ونتنياهو والبرهان وحمدوك، وفى ظل ممارسة أطراف إقليمية قدر من الضغوط العلنية على النظام الإنتقالى بجانب تقديم بعض الضمانات والحوافز للسودان الهش.
* وفى هذا الإطار، يرصد باحثى المركز فى هذا التقرير المواقف العلنية للحركات السودانية المسلحة من إتفاق السلام مع إسرائيل، وإرتباطاتها السابقة بالقوى التى قدمت لها الدعم السياسى والعسكرى والمادى خلال فترة العمل المسلح، ومدى تنفيذ تلك الحركات تعهداتها التى تضمنها إتفاق جوبا للسلام سواء الخاصة بتسليم سلاح كوادرها أو دمج عناصرها داخل صفوف الجيش الوطنى، كذا مواقف الحركات المسلحة التى لم تنضم حتى الأن لإتفاق السلام مع النظام السودانى من إتفاق السلام مع إسرائيل، بالإضافة لمواقف أبرز مكونات الحكم وهما المجلس السيادى والحكومة المدنية الإنتقالية من مسألة توقيع إتفاق سلام مع إسرائيل.
الجبهة الثورية السودانية وحركة جيش تحرير السودان
* تضم الجبهة الثورية السودانية تحالف يشمل عدد من الحركات ويرأسها الهادى إدريس الذى يتبنى توجه علمانى، وإنشق عن هذا التحالف فصيل منى أركو مناوى قائد حركة جيش تحرير السودان، ونشطت الجبهة فى عدد من المسارات منها إقليم دارفور غرب البلاد، بجانب ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق بالجنوب، فضلاً عن مسار الوسط، ومسار شرق السودان، ومسار شمال، وحصلت الجبهة بموجب الإتفاق على ترتيبات أمنية تتيح دمج قواتها داخل صفوف القوات المسلحة، مع تشكيل قوة مشتركة قوامها عشرين ألف جندى لحفظ الأمن فى إقليم دارفور، فضلًا عن حصول ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق على الحكم الذاتى، وضعاً فى الإعتبار عد م تسليم عناصر الجبهة سلاحها حتى الأن.
* وفيما يتعلق بموقف الجبهة من إتفاق السلام بين السودان وإسرائيل أعلن زعيم الجبهة الثورية الهادى إدريس تأييده لتلك الخطوة، إرتباطاً بسابق حصول جبهته على الدعم الإسرائيلى خلال نزاعها مع البشير، كما أعلن رئيس حركة جيش تحرير السودان منى أركو مناوى تأييد الحركة لإقامة السودان علاقات مع إسرائيل مشيراً إلى أن “الخرطوم لا يمكن أن تظل عاصمة اللاءات الثلاث إلى الأبد”، وتجدر الإشارة إلى وجود قدر كبير من التقارب فيما بين الجبهة والإمارات سواء إرتباطاً بسابق تقديم الدعم اللازم لها، أو فى ظل رعايتها المباشرة والملموسة لإتفاق جوبا الذى وقعته قيادات الجبهة مؤخراً.
الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال برئاسة مالك عقار
* تنتمى هذه الحركة إلى الجبهة الثورية السودانية رغم سابق إنشقاقها عنها، ويترأس الحركة مالك عقار الذى إنضم لإتفاق جوبا للسلام وأقر إنضمام مقاتلى الفصيل داخل صفوف الجيش السودانى، ورغم عدم تصريح مالك عقار رسمياً بتأييده أو رفضه لإتفاق السودان مع إسرائيل، إلا أنه تجدر الإشارة إلى الإنتماء القومى لهذا الفصيل للجبهة الثورية التى سبق وأعلنت موقفها الصريح من تأييد إبرام السودان إتفاقاً مع إسرائيل.
حركة جيش تحرير السودان ( فصيل عبد الواحد نور )
* لم توقع حركة جيش تحرير السودان فصيل عبد الواحد نور ( محامى عمل فى قطر كمستشار قانونى، وله علاقات وثيقة بالنظام الإريترى ويقيم حاليا فى فرنسا ) على إتفاق جوبا للسلام، وينظر إلى الحركة على أنها القوة القتالية الوحيدة المتبقية داخل دارفور، ويعتمد نور على دعم قبيلة الفور المتواجدة داخل مخيمات النازحين بدارفور، ونجحت الحركة فى تعزيز قدراتها العسكرية نتيجة الإيرادات المتحصل عليها من عمليات التعدين خاصة فى مناجم الذهب المكتشفة فى جنوب شرق جبل مرة التى تسيطر عليها الحركة، وللحركة علاقات مميزة مع فرنسا، وسبق توجيه البعض إتهامات لحركته بالحصول على دعم من إسرائيل ومشاركة قواته فى القتال بليبيا، وقد أعلن عبد الواحد نور مراراً تأييده لإبرام السودان إتفاق سلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (فصيل عبد العزيز الحلو)
* لم توقع أيضاً الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال فصيل الحلو على إتفاق جوبا للسلام، وتعد كل من ولايتى جبال النوبة وجنوب كردفان أكثر مناطق الحركة المسلحة نفوذاً، ويطالب الحلو بعلمانية الدولة وعدم تطبيق الشريعة الاسلامية مقابل الإنضمام لإتفاق السلام مع النظام السودانى، وله علاقات مع قطر، وفيما يتعلق بموقف الحركة من إتفاق السلام مع إسرائيل تجدر الإشارة إلى تصريحات الحلو التى أوضح فيها إلى أنه يمكن النظر فى ذلك الملف عقب إحلال السلام فى السوادن وتحديد المبادئ التى تحكمها المصالح المشتركة.
موقف المجلس السيادى السودانى
* يعد الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادى من أكثر المتجاوبين مع الجهود الأمريكية والإماراتية لإبرام إتفاق مع إسرائيل، وسبق أن إلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو فى عنتيبى، كما أجرى مباحثات بالشأن فى الإمارات مؤخراً، كما أعلن أبرز القيادات العسكرية الفريق محمد حمدان دقلو رئيس قوات الدعم السريع ذات النفوذ الميدانى مؤخراً تأييده للإتفاق مع إسرائيل ( إشارة دقلو إلى أن من مصلحة بلاده إقامة علاقات مع إسرائيل، وأنهم ماضون فى إتجاه بناء العلاقات دون خوف من أحد، وأن رفع إسم السودان من القائمة الأمريكية للإرهاب مرتبط بإقامة علاقات مع إسرائيل ويمكن أن نستفيد من وراء هذه العلاقات ويجب أن نسير وراء مصالحنا )، إلا أن كلا الطرفين يتحسب من ردود الفعل الداخلية الرافضة لإقامة علاقات مع إسرائيل، ويسعى كلاهما فى الوقت نفسه لتجنب فرض مزيد من الضغوط السياسية والأمنية والإقتصادية على البلاد، والخروج من الأزمة والعزلة الدولية الحالية، بجانب الحصول على الضمانات اللازمة.
موقف الحكومة المدنية
* إتسم موقف عبدالله حمدوك رئيس وزراء السودان فى البداية بعدم الوضوح، فرغم عدم إعلانه بشكل صريح تأييده الإتفاق مع إسرائيل، ورفضه الربط بين حذف السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية وبين إقامة العلاقات مع إسرائيل، إلا أنه سبق أن رحب ببيان عبد الفتاح البرهان حول إجتماعه بنتنياهو فى عنتيبى، بما يعكس حرصه على التنصل من أى مسئولية أمام الرأى العام السودانى ومحاولة الإحتفاظ برصيده الشعبى المتأرجح، فى ظل سعيه للترشح فى الإنتخابات المتوقع إجراؤها عام 2022، إلا أن مشاركته فى الإتصال الهاتفى الرباعى مع ترامب ونتنياهو بجانب البرهان مؤخراً قد بلور موقف شريكى الحكم.
الخلاصة
* مما سبق يتضح وجود قدر كبير من التوافق فيما بين غالبية الفصائل السودانية المسلحة التى إنضمت مؤخراً كأحد الشركاء الرئيسيين لنظام الحكم الإنتقالى على إبرام الخرطوم إتفاق سلام مع تل أبيب، وضعاً فى الإعتبار سابق إرتباط عدد منهم بعلاقات مع إسرائيل من جهة، وعدم تسليم أى منهم للسلاح أو إدماج عناصرهم داخل صفوف الجيش الوطنى حتى الأن، بجانب عدم إنضمام بعض الفصائل المسلحة لإتفاق جوبا للسلام من جهة أخرى، وبالتالى إستمرار حجم الضغوط على نظام الحكم، فى الوقت الذى ظهر حرص الإدارة الأمريكية على تجاوز عقبة عدم الثقة الواضحة فيما بين شريكى الحكم فى السودان ( المدنى والعسكرى )، فى ظل حرصهما على عدم تحمل أى منهما المسئولية بشكل منفرد أمام الرأى العام وتجنب مزايدة أى منهما على الطرف الأخر، خاصة مع رفض القوى الراديكالية والقومية التقارب مع إسرائيل، الأمر الذى دفع واشنطن لترتيب إتصال رباعى ضم ترامب ونتنياهو وكل من البرهان وحمدوك، وهو ما أسهم فى تعرف مختلف الأطراف على حدود مواقفهم بشأن ذلك الملف، لاسيما مع بدء تنفيذ واشنطن بعض الوعود ورفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
إيمان الشعراوى
هايدى خالد
ساندى سمير
عمر إبراهيم
ليلى علاء