عكس البيان الذى أصدره المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية الإثيوبية السفير دينا المفتي يوم 7/8/2020 مدى تخوف”أديس أبابا” من التحرك المصرى الأخير تجاه إقليم “أرض الصومال جاء في البيان الإثيوبي إذا كانت لدى مصر النية فى التواجد فى منطقة القرن الإفريقى بشكل يهدد دولة ثالثة فلن يكون ذلك مناسباً، وسيكون ضد الإنسانية والسلام والأمن الدوليين ولا يجب أن يتأسس على حساب إثيوبيا”، وذلك فى إشارة إلى ما تناولته بعض المصادر حول توجه وفد مصرى رفيع المستوى يضم مسئولين دبلوماسيين وأمنيين وعسكريين إلى العاصمة “هرجيسا” ولقائه “بموسى بيهى عبدى” رئيس ما يسمى بدولة “أرض الصومال” وتوصل الطرفين إلى إتفاق بشأن تبادل مكاتب تمثيل رفيعة المستوى والإشارة إلى طلب مصر إقامة قاعدة عسكرية بحرية فى ضوء موقع الإقليم المطل على خليج عدن واشتراكه من جهة الغرب بحدود برية مع إثيوبيا، وضعاً فى الاعتبار أن ذلك الإقليم سبق أن أعلن من جانب واحد عام 1991 استقلاله عن الصومال لكن لم يحصل على أي اعتراف دولي حتى الأن.
على الرغم من إشارة العديد من المصادر خلال شهر يوليو الماضى إلى التحرك المصرى، إلا أن توقيت البيان الإثيوبى الصادر فى أوائل شهر أغسطس يعكس رغبة “أديس أبابا” فى التغطية على تراجع موقفها خلال جولة المفاوضات التى بدأت يوم 3/8/2020 وشهدت توجيه خطاب من وزارة المياه الإثيوبية تتراجع فيه عن كافة ما سبق الاتفاق عليه خلال قمة هيئة الاتحاد الأفريقى والجولات الأخيرة التي عقدت بمشاركة المراقبين الدوليين، حيث تضمن الخطاب مسودة خطوط إرشادية لملء سد النهضة لا تحتوى على أى قواعد للتشغيل أو عناصر تفيد بالتزامات قانونية للاتفاق المستهدف بجانب عدم وجود آلية لفض النزاعات، مما أدى إلى تعليق كل من مصر والسودان لمشاركتهما فى المفاوضات للتشاور الداخلى، وإشارة دولتى المعبر والمصب إلى أن الموقف الإثيوبى الأخير قد ينسف المفاوضات.
*وفى هذا الإطار، وجهت وزارة الخارجية الإثيوبية يوم 7/8/2020 اتهامات أيضاً لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى بالضغط على “أديس أبابا” لتوقيع إتفاق غير متوازن بما يضر بالعلاقات الثنائية مع واشنطن، وذلك فى محاولة للفت الإنتباه عن تراجعها المتكرر بشأن كافة تعهداتها، والحيلولة دون توجيه الإدارة الأمريكية أية انتقادات لنظيرتها الإثيوبية تجاه مواقفها الأخيرة المتعنتة، الأمر الذى يسهم أيضاً فى حشد الرأى العام الداخلي لمواجهة ما أسمته بالضغوط الخارجية المعرقلة لجهود التنمية، لاسيما مع تزايد وتعدد أسباب الانتقادات واتساع رقعة المظاهرات التى امتدت يوم 11/8/2020 لتشمل مدينة “بوديتى”جنوب غرب العاصمة الساعية من أجل حصول عرقية “ولايتا” على إقليم مستقل، مما أدى إلى إشتباكات مسلحة مع السلطات أسفرت عن مقتل نحو عشرة أشخاص وإصابة حوالى 34 آخرين واعتقال 178 بينهم مسئولين ونشطاء محليين بحزب “حركة ولايتا”.
* ورغم سابق تكرار الادعاء بسعي مصر لإقامة قواعد عسكرية على فترات مختلفة وفي مناطق تحيط بالمنطقة الجغرافية المتاخمة لإثيوبيا مثل جنوب السودان وجيبوتى وإريتريا، إلا أنه بمراجعة بسيطة لتوقيت تلك الحملات التى تتناقلها مصادر معروف انتماءاتها، نجد أنها ترتبط بوضوح إما بمواقف إثيوبية متشددة خلال المفاوضات، أو بإجراء أحادي الجانب، أو نتيجة تزايد حجم الضغوط الداخلية، وضعاً فى الاعتبار عدم وجود أي مؤشرات ميدانية أو تصريحات رسمية من أى جانب تشير إلى صحة الإدعاءات بوجود مفاوضات مصرية للحصول على قواعد عسكرية بأى من الدول المشار إليها، بل ونفى بعضها رسمياً تلك الأنباء، كما تجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن الترويج الإثيوبى الأخير باعتزام مصر تشييد قاعدة بحرية في إقليم “أرض الصومال” قد جاء فى أعقاب ردود الفعل الدولية الإيجابية التى أشادت بتصريحات الرئيس السيسي يوم 28/8/2020 والتى أكد خلالها أن الخيار العسكرى ليس وارداً كأحد سيناريوهات تسوية أزمة سد النهضة، وهو ما دحض الاتهامات الإثيوبية المتكررة لمصر على المستويين الداخلي والخارجي.
ومن جانب آخر، تعد زيارة الوفد المصرى لإقليم “أرض الصومال” هي الثالثة خلال الفترة الأخيرة رغم عدم الإعتراف بها، وجاءت فى إطار اهتمام مصر الدائم بمنطقة القرن الأفريقي ذات الموقع الاستراتيجي المؤثر على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر وحركة الملاحة بقناة السويس، وفى ضوء قناعتها بأهمية دعم عوامل الاستقرار بالإقليم المجاور لدولة الصومال التى تصنف دولياً بالدولة الفاشلة، فضلاً عن توفير قدر من التوازن مع النظام الحاكم فى مقديشيو المقرب من قطر وتركيا وإثيوبيا، لاسيما مع تبنى الصومال عدة مرات مؤخراً مواقف مناهضة لقرارات صادرة من جامعة الدول العربية داعمة للأمن القومى المصرى سواء فيما يتعلق بليبيا أو بسد النهضة.
* وبصفة عامة، ورغم وجود 19 قاعدة عسكرية أجنبية بمنطقة القرن الأفريقي من جهة، ومشروعية إقامة مصر قاعدة عسكرية بحرية سواء في إقليم “أرض الصومال” أو في غيره من دول القرن الأفريقي أو المطلة على البحر الأحمر من جهة أخرى، وذلك فى إطار حماية مصالحها الإستراتيجية وتبادل المصالح ووسط ترحيب رسمى وشعبى بالتواجد المصرى، إلا أن ثوابت الاستراتيجية العسكرية المصرية، بجانب ما وفرته قاعدة “برنيس” الجوية والبحرية التي تم استحداثها فى يناير عام 2020 خاصة مع تميز إمكاناتها وتعدد المهام المنوطة بها وموقعها المطل على البحر الأحمر، قد ساهم فى توفير عاملى الأمن والردع، ومواجهة التحديات الأمنية بمحيط البحر الأحمر ومضيق باب المندب.