– إتسعت الحرب الأهلية فى إثيوبيا بين قوات الحكومة الفيدرالية وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى لتشمل عدة أقاليم، حيث أطلقت قوات التيجراى ثلاثة صواريخ تجاه مقر رئيس الوزراء أبى أحمد فى منطقة بحر دار بالقرب من جوندار بمحيط المطار بولاية أمهرة المجاورة، والذى تتواجد فيه أسرته عقب ترحيلهم من أديس أبابا وفقاً للشرطة الإثيوبية، فى حين تواترت أنباء عن تواجد أبى أحمد بذلك المقر أثناء القصف، بجانب إستهداف قوات التيجراى إقليم “عفر” بعدة صواريخ ، كما وجهت قوات التيجراى أيضاً عدة صواريخ بعيدة المدى تجاه بعض الأهداف الإستراتيجية بالعاصمة الإريترية أسمرة، وفى المقابل سيطر الجيش الإثيوبى على مدينة “ألاماتا” وبعض المدن خارج العاصمة “ميكيلى” عقب إنتهاء المهلة التى حددها أبى أحمد لإستسلام قيادات الإقليم يوم 17/ 11/ 2020 ، فى الوقت الذى أكدت فيه منظمة العفو الدولية وجود أدلة على إرتكاب قتل جماعى بحق المدنيين، وإشارة الأمم المتحدة لإعتزامها التحقيق فيما أسمته بجرائم حرب قد تفضى إلى عقوبات.
– عكست تلك التطورات العديد من الدلالات ، يمكن الإشارة إليها على النحو التالى:
* حرص تيجراى على الرد العسكرى سواء على قيادات الحكومات المحلية التى إنضمت قواتها رسمياً لجانب القوات الفيدرالية فى المواجهات المسلحة ضد تيجراى مثل إقليم أمهرة (شاركت قواته رسمياً فى المواجهات المسلحة إلى جانب القوات الإتحادية، رغم سابق توجيه تحذير له بعدم التورط فى ذلك النزاع)، وإقليم عفر (إنطلقت منه الطائرات التى قصفت مقر حاكم إقليم تيجراى ومحاولة إغتياله يوم 5/11/2020 )، وممارسة قدر من الضغوط على شعوبهما والتلويح بإمكانية نقل المواجهات إلى أراضيهما من جهة، أو الأقاليم التى تستخدم القوات الفيدرالية أراضيها سواء للهجوم على تيجراى أو لإحكام الحصار عليها مثل إقليم بنى شنقول من جهة أخرى.
* إمكانية إتساع رقعة المواجهات لتشمل إقليمى أورومو وبنى شنقول، فى ظل مقتل 38 مسلح ينتمون لجبهة تحرير أورومو المنشقة والمؤيدة للتيجراى على يد الجيش الفيدرالى بإقليم “الأورومو” يوم 17/11/2020، ومقتل نحو 34 أخرين بإقليم “بنى شنقول” خلال هجوم على شاحنة متجهة نحو إقليم تيجراى، أخذاً فى الإعتبار وجود العديد من حركات المعارضة المسلحة داخل قومية الأمهرة الرافضة للإنضمام للجانب الفيدرالى (حركة الأمهرة الوطنية “ناما” التى تأسست فى يوليو 2018- حزب “بالاداراس” المناهض لمزاعم القوميين الأورومو بتبعية العاصمة أديس أبابا إلى إقليم أوروميا..).
* عدم إستبعاد رصد قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى أدلة على مشاركة قوات إريترية بجانب نظيرتها الإثيوبية فى الهجوم على أراضيها على خلفية سابق إندلاع مواجهات مسلحة بين التيجراى وإريتريا منذ عام 1998 وحتى عام 2000، وإحتلال تيجراى لمدينة “بادمى ” الإريترية حتى الآن، وسابق إتهام تيجراى لإريتريا يوم 10/11/2020 بالمشاركة فى الهجمات التى تتعرض لها منذ أوائل شهر نوفمبر بإستخدام الأسلحة الثقيلة، ووضعاً فى الإعتبار مشاركة القوات الإثيوبية التى تواجدت بإريتريا مؤخراً تحت دعوى القيام بمناورات مشتركة بين أديس أبابا وأسمره فى الهجوم الحالى على تيجراى.
* إمتلاك القيادات الميدانية لجبهة تحرير تيجراى خبرة عسكرية وإمكانيات ومعدات متطورة (صواريخ بعيدة المدى وصلت للعاصمة الإريترية أسمره)، مع إبراز إمتلاكها لقدرة الردع الإستراتيجى، وإمكانية الوصول لأهدافها بدقة، فى ضوء سقوط صواريخ بالقرب من قاعدة “عدى هلو” الجوية التى تضم أحد السدود الرئيسية بإريتريا، بجانب إستهداف إحدى مقرات الرئيس/ أسياس أفورقى بأسمره يوم 15/11/2020، بالإضافة إلى إسقاط مدفعية جبهة تحرير تيجراى إحدى المقاتلات الإثيوبية أثناء تحليقها فوق مدينة “ميكيلى” عاصمة إقليم تيجراى ( إعلان أديس أبابا سقوط الطائرة نتيجة عطل فنى).
* لجوء “تيجراى” لنفس إسلوب أبى أحمد الذى سبق أن إتهمته بإستهداف محطة الكهرباء الرئيسية بسد تكيزى الذى يمد إقليم التيجراى بالطاقة اللازمة لنحو تسعة ملايين نسمة – رغم نفى أديس أبابا – ومحاولة تشديد الحصار على الإقليم الذى سبق وأن قطعت عنه أديس أبابا خطوط الإتصالات والإنترنت فضلاً عن وقف وزارة المالية كافة مخصصات الإقليم، حيث أطلقت أحد الصواريخ تجاه أحد السدود بأمهره دون إصابته
– بتقييم مجمل التطورات الميدانية، يتضح أنه رغم نجاح أبى أحمد فى حشد تأييد العديد من الأقاليم وإحدى دول الجوار بجانب تحييد باقى الأطراف، بهدف تشديد الحصار الأمنى والإقتصادى واللوجيستى على إقليم التيجراى، وتحقيقه تفوق نسبى على مدار الأسبوع الأول من المواجهات وسيطرته على بعض المدن – مثل ألاماتا – خارج العاصمة ميكيلى عقب إنتهاء الهدنة وإستئناف العمليات، إلا أن لجوء جبهة تحرير تيجراى لتكتيكات تهدف إلى تهديد الأطراف الداعمة للقوات الإثيوبية الفيدرالية ونقل المواجهات لتشمل أراضيها فى محاولة لتحييدها، قد تؤدى إلى إعادة بعض الأطراف لحساباتها، وضعاً فى الإعتبار تحسب الرأى العام سواء فى بعض الإقاليم الإثيوبية أو بدولة إريتريا من الإنزلاق فى مواجهات مسلحة ستطرح تأثيراتها الإقتصادية والإجتماعية على الأوضاع الهشة، لاسيما مع سابق نزوح نحو مليون إريترى خلال الحرب التى إندلعت بين تيجراى وأسمره، بالإضافة إلى تصاعد حجم المظاهرات التى نظمها اللاجئون الإريتريون الذين مازالوا متواجدين بتيجراى يوم 10/11/2020 وتنديدهم بتوريط أسياس أفورقى لبلادهم فى الحرب مجدداً، وفرار عشرات الجنود الأريتريين يوم 14/11/2020 إلى منطقة عقيق بولاية البحر الأحمر بالسودان وتسليم أنفسهم وسلاحهم للسودان.
– وفى هذا الإطار، فإنه من غير المستبعد إطالة أمد المواجهات المسلحة بين الطرفين وعدم قدرة أى منهما على الحسم السريع، مع إمكانية لجوء تيجراى لتوسيع نطاق المواجهات وإستخدام عمليات نوعية أشبه بحرب العصابات، وإستغلال التضاريس الجبلية الوعرة التى يتمتع بها إقليم تيجراى، بما قد يحول دون إمكانية تحقيق أديس أبابا نصراً حاسماً على المدى المتوسط، لاسيما مع إحتفاظ قوات التيجراى بنحو 250 ألف مقاتل من ذوى الخبرات القتالية.
– وفيما يتعلق بتأثير تلك التطورات سواء على المساعى الإثيوبية الرامية لإستكمال المرحلة الثانية لملىء سد النهضة أو على المفاوضات، فلا شك أن الحرب الإثنية ستطرح تداعياتها السلبية على أية جهود مستقبلية لجذب التمويل اللازم لتنفيذ المرحلة المقبلة، وقد تدفع الشركات العالمية المستهدفة للإبتعاد عن الإنخراط فى مشروع تحيطه العديد من المخاطر الأمنية والإقتصادية بجانب السياسية، وبالتالى توقع صعوبة تحقيق الملىء الثانى للسد خلال صيف 2021، الأمر الذى يعكس أهمية التحرك المصرى العاجل لتوثيق تلك التطورات لعرضها على المنظمات والقوى الإقليمية والدولية، خاصة مع الإنتهاكات المتبادلة التى تزيد من مخاوف دولتى المعبر والمصب من تنفيذ ذلك السد، فى ظل المناخ السائد والتوتر الذى قد يطال مجمل المنطقة وفقدان الثقة فيما بين مختلف الأطراف، بما يؤدى لعدم توافر عامل الأمن لأى مشروع تنموى تأثيراته عابرة للدولة أو لشعوب الدول المجاورة.