أتمت حرب السودان عامها الأول منذ اندلاعها بين الجيش وقوات الدعم السريع وصار نحو ربع عدد الشعب السوداني بين نازحين ولاجئين، ومع غياب الحلول للأزمة وعدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكريا واتساع نطاق المواجهات العسكرية، فإلى أين تتجه أزمة السودان وما تداعياتها، وهل أسهم الانقسام الداخلي في تصاعد الأزمة في السودان، وما سيناريوهات مستقبل هذه الحرب.
إلي أين تتجه السودان؟
مع استنزاف الحرب للمقدرات المادية والبشرية في السودان، واستمرار القتال في العديد من مناطق السودان، لا سيما في المناطق الغربية في إقليم دارفور الذي شهد سنوات من العنف بين قبائل عربية وأخرى إفريقية تعيش في الإقليم، فلا نجد أي مؤشر يشير إلي انتهاء الحرب حتى في حال انتهاء الحرب سيكون السبيل نحو إعادة بناء البلاد التي تهدمت، طويلاً وصعباً، حيث أدت تلك الحرب إلى مقتل آلاف الأشخاص، من بينهم 10 آلاف إلى 15 ألفاً في مدينة واحدة بإقليم دارفور، واضطر ستة ملايين ونصف سوداني إلى النزوح من ديارهم، بينما لجأ مليونان ونصف آخرون إلى الدول المجاورة، ويعاني 18 مليون سوداني من نقص حاد في الغذاء معرضين للموت جوعًا.
أرشيفية
وانهار النظام الصحي بشكل شبه كامل في السودان. وتقدّر الخرطوم الخسائر في هذا القطاع بقرابة 11 مليار دولار، ودُمر القطاع الزراعي الذي كان يعمل فيه أكير عدد من السودانيين في بلد كان يُعدّ سلة غلال أفريقيا، فأصبحت أراضي محروقة. حتى المصانع القليلة تمّ قصفها، ويُعد من أسوأ تتداعيات الحرب توقف الإنتاج الزراعي الذي كان يمكن أن يخفف كثيرا من وقع الحرب على الناس، لكن بسبب الحرب توقف إمداد المزارعين بالأسمدة والوقود والمبيدات، وبالتالي أصبح الوضع الاقتصادي الآن من أسوأ تداعيات الأزمة في السودان.
ولذلك نري في المرحلة الحالية أن تحقيق أي من الطرفين نصراً بات مستحيل،لأن قوات الطرفين باتت ضعيفة ومنهكة بسبب صعوبة الحصول على إمدادات، والبيانات التي تصدر بين الحين والآخر من كلا الطرفين لتعلن إحراز أحدهما تقدماً ميدانياً، لا تنطلي على أحد، فلم تشهد خريطة السيطرة في الميدان تغيرًا كبيرًا على امتداد الحرب، فنجد قوات الدعم السريع سيطرت علي الأرض خاصة في الخرطوم وإقليم دارفور بينما سيطر الجيش علي الأجواء لأنه الوحيد المزود بالطيران الحربي لكن من دون سيطرة برية، لذلك صار انتصار أي من الطرفين مستحيل في حين يدفع المدنيون الثمن.
هل أسهم الانقسام الداخلي في تصاعد الأزمة في السودان؟
يُعد الانقسام الداخلي خاصة الانقسام السياسي من أكبر أسباب اندلاع الحرب في السودان الآن، فلولا تمسك القوي السياسبة السودانية ومحافظتها علي وحدتها وتماسكها وكذلك تماسك القوي المدنية في المرحلة الانتقالية بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ و إبريل ١٩٨٥ لما تحقق الاستقرار علي مدار السنوات الماضية بغض النظر عن الفشل في استدامة التحول الديمقراطي لبضع سنوات، ولكن مانراه الآن من استقطاب وانقسام القوي الداخلية خاصة بعد ثورة أكتوبر ٢٠١٩ هو ما أسهم في اندلاع الحرب الحالية، فنجد عدم قدرة تحالف قوى الحرية والتغيير التماسك والمحافظة على وحدته، ووقوع انقسامات في صفوفه، ودخوله في صراع مع المكون العسكري الذي انقسم هو الآخر، هو ما أدي إلى وقوع الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع.
أرشيفية
ما سيناريوهات مستقبل هذه الحرب؟
حرب أهلية
قد يؤدي استمرار المواجهات العسكرية إلي فتح الباب أمام حرب أهلية فإذا طال أمد الحرب سيكون لها عواقب كارثية، فعلي الرغم أن القتال الحالي بين طرفين إلا أنه أحدث انقسامات داخلية عديدة خاصة في النسيج السياسي والاجتماعي، ومع فكرة تسليح المقاومة الشعبية سيزيد خطورة الوضع و يقود الوضع لحدوث حرب أهلية.
توقف الحرب بمفاوضات
قد تتوقف الحرب من خلال التوصل لاتفاق سياسي بين الجيش والدعم السريع على تشكيل جيش وطني موحد القيادة والعقيدة القتالية، عبر تفاوض طويل وصعب يمكن أن يساعد في حدوثه اتفاق إقليمي ودولي ينطلق من أهمية المحافظة على كيان الدولة ووحدة السودان واستقراها، وأن يجتمع السودانيون بكافة أطيافهم السياسية في هيئة للحوار السوداني بلا إقصاء لأي طرف من أجل مناقشة القضايا التأسيسية للدولة.
حل من الخارج
فرض القوات الدولية والأقليمية حل بسبب عجز الداخل عن إيجاد حل لوقف الحرب، حيث لوحت أطراف دولية فاعلة في مناسبات مختلفة بورقة التدخل الدولي، ومنها ماقدمته منظمة الإيجاد بإدخال قوات إفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين ووضع قوات الجيش والدعم السريع في مراكز خارج المدن وفتح المسارات الإنسانية عبر لجنة أممية تساعدها لجنة خبراء وطنية غير حكومية ومن ثم البدء في عملية سياسية تنطلق من معطيات الصيغة التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب والتي كانت تستند إلى الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر 2022.
واخيرًا نري إذا تشاركت القوي الداخلية المنحازة للسلام مع قوي إقليمية ودولية فاعلة، سوف يقود ذلك إلى تبلور تيار مؤيد للسلام والحكم المدني بين القوى المتحاربة نفسها؛ وإذ دعمت القوي الدولية والإقليمية والمحلية ظهور تيار السلام، يمكن أن يسرع ذلك في إنهاء الحرب، وليكون خيار السلام هو الخيار الوحيد والعملي لحل الأزمة.