بدأت يوم 3/8/2020 جولة شاقة جديدة من مفاوضات سد النهضة برئاسة وزراء المياه والرى المعنيين بالدول الثلاث وبمشاركة المراقبين الإقليميين والدوليين عبر الفيديو كونفراس والتى من المقرر أن تستمر أسبوعين، وتأتي هذه الجولة فى ظل عدد من المتغيرات أهمها إقرار إثيوبيا بأن تكون وسيلة فض المنازعات ملزمة لكافة الأطراف من خلال التوصل لاتفاق قانونى شأنه مثل أى اتفاق دولي، بجانب التقارب النسبي فى وجهات النظر بشأن أبرز القضايا الخلافية حيث وافقت إثيوبيا على تعديل الأرقام الخاصة بمسألة التشغيل خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد – وفقاً لبيان الخرطوم – بما يتماشى مع أبرز الشواغل المصرية، بجانب إعلان إثيوبيا انتهاءها من عملية الملء الأول وإطلاق سلسلة من التصريحات الاحتفالية والاستفزازية، وما أعقب ذلك من إصدار دولتى المعبر والمصب بيانات رسمية تتضمن التحفظ ورفض اتخاذ “أديس أبابا” إجراءات أحادية الجانب .
وتتمثل أبرز التحديات خلال هذه الجولة، فى تثبيت ما سبق الاتفاق عليه سواء فى جولات التفاوض الفنية المتعددة أو القمتين الأفريقيتين المصغرتين وعدم إفساح المجال أمام المراوغات الإثيوبية المعتادة للعودة للخلف، بجانب ترجمة ما تم التوافق عليه بالفعل وسبق إحالته إلى لجنتيّ الصياغة الفنية والقانونية لبنود قابلة للتوقيع، بما يفسح المجال للانتقال نحو إحدى نقاط الخلاف الرئيسية الأخرى والخاصة بحتمية إجراء إثيوبيا الدراسات الفنية والأمنية اللازمة للسد بشفافية، ومن ثم تكليف الخبراء للبدء فى بناء اتفاق شامل يتضمن كافة النقاط والالتزامات والضمانات .
واتصالاً بالتحديات المصاحبة لتلك الجولة ، فمن المتوقع نجاح دولتيّ المعبر والمصّب فى تجاوز أحد أبرز التحديات التي قد تواجههما، وذلك من خلال إمكانية الاتفاق على مناقشة الخلافات الفنية المشروعة بينهما على المستوى الثنائى بعيداً عن طاولة المفاوضات الموسعة، للحيلولة دون إستثمار إثيوبيا لأى تباين فى وجهتيّ نظر البلدين لصالحها، وهو ما يتوقع معه أن تكون رسالة الرئيس السيسي الخاصة التى حملها اللواء عباس كامل خلال زيارته للخرطوم مؤخراً قد تضمنته، لاسيما مع ما أظهرته النتائج الأخيرة لتأثيرات موسم الأمطار الحالي – المرجح أن يوصف بأنه فوق المتوسط – من اختلافات فنية بين البلدين من جهة، وإمكانية تناول تلك الجولة المسائل الفنية بشكل أكثر تفصيلاً من جهة أخرى، حيث ستتمحور مطالب السودان خلال المفاوضات الحالية حول تقليل كمية المياه المنصرفة من السد خلال موسم الفيضان لاحتواء آثاره المدمرة على السدود الصغيرة والقرى، وهو ما يتعارض مع الأهداف المصرية الساعية للحد من حجم وكمية المياه المحتجزة وزيادة عدد سنوات الملء الكامل.
كما تتزامن تلك الجولة أيضاً مع إبداء الإدارة الأمريكية قدر من الإهتمام المفقود لقيادة جهود الوساطة مجدداً بالنظر لانشغال الرئيس ترامب بالعديد من الملفات الداخلية ذات الأولوية وهو ما ساهم بقدر نسبيّ فى التأثير على نتائج القمة الأخيرة، فى الوقت الذى مازالت تثار العديد من التساؤلات والشكوك حول فعالية ودور الاتحاد الإفريقى خاصة فى ظل مواقفه غير الملموسة سواء تجاه تصريحات كبار المسئولين الإثيوبيين المعاكسة لمخرجات القمة التي عقدت برعاية الاتحاد، أو التصرفات الإثيوبية الميدانية المتمثلة فى الملء الأول لما يمكن أن يطرحه ذلك على مجمل مسار المفاوضات وفقدان الثقة بين الأطراف وإصرار الأخيرة على سياسة الأمر الواقع، فى الوقت الذى تجدر فيه الإشارة إلى خوض المفاوض المصرى تلك الجولة فى ظروف داخلية أكثر صلابة، رغم اختيار مصر عدم الإنزلاق والرد على التصريحات الإثيوبية الاستفزازية والمتكررة، وتفضيل القيادة السياسية توجيه رسائل مباشرة للرأي العام الداخلي، والتأكيد على المضي قدماً فى مسار التفاوض لتحقيق المصالح الوطنية، وذلك بالتوازي مع تراجع حجم التهديدات الخارجية القادمة من الجبهة الاستراتيجية الغربية، بما يخفف فى مجمله من حجم الضغوط على مصر خلال المرحلة الحالية.
وتشير كافة المعطيات إلى عدد من الحقائق، منها أن الجولة الحالية ستكون شاقة كغيرها، بجانب تبنّي مصر استراتيجية تفاوضية واضحة وثابتة تتمثل فى تحقيق المصالح الوطنية دون تقديم تنازلات، ونجاح الجولات التى عقدت خلال الأشهر التسعة الأخيرة فى إحراز تقدم لم تحققه السنوات التسع السابقة، مع التسليم بإمكانية استغراقها مزيداً من الوقت والجهد، فضلاً عن تزايد دوافع عدم الثقة فى القيادة الإثيوبية وأهدافها الحقيقية، وهو ما يفسر فى مجمله أسباب تكثيف مصر جهودها وتنويعها ووضع العديد من البدائل والسيناريوهات وأساليب مواجهتها.