تواجه إيران ترامب في ولايته الثانية في ظل تحولات غير مسبوقة في المنطقة، أدت إلى تغيرات في وضع إيران عما كانت عليه في ولاية ترامب الأولى، مما يؤثر على حسابات الطرفين، وادوات كل منهما في المواجهة الجديدة، وكذلك على السيناريوهات المحتملة لتلك المواجهة ونتائجها. يتناول هذا التحليل الاختلافات الرئيسية بين الولايتين، التهديدات، الفرص، والسيناريوهات المحتملة للمواجهة بين إيران وترامب، من المنظور الإيراني.
الاختلافات الرئيسية بين ولايتي ترامب:
الاختلافات السلبية:
- تغير الشرق الاوسط عموما وتغير تأثير إيران في الشرق الاوسط بشكل خاص، بسبب انهيار قوى محور إيران الرئيسية، مما تسبب في تآكل قدرات إيران الردعية، وانكماش عمقها الاستراتيجي، وفقدان القدرة على المبادرة. وما يعنيه ذلك من ضعف في قدرتها على التفاوض والمساومة مقارنة بولاية ترامب الأولى.
- حالة الحرب في الشرق الأوسط بين اسرائيل وعناصر محور إيران، مع سقوط الخطوط الحمراء بين إيران واسرائيل بتبادل الضربات بينهما في العمق.
- زيادة توتر العلاقات مع أوروبا، بسبب الحرب الاوكرانية والمشروع النووي، بعكس ولاية ترامب الاولى.
الاختلافات الإيجابية:
- اختبار إيران لسياسة الضغوط القصوى مسبقا، مما قد يضعف من فعاليتها كوسيلة ضغط على إيران.
- تطور قدرات إيران النووية مقارنة بولاية ترامب الاولى، مما يعزز قدرتها على الوصول إلى السلاح النووي في حال اتخاذ قرار سياسي بهذا الشأن، وفي فترة زمنية قصيرة نسبيا.
- زيادة قابلية إيران لتحمل الخسائر بعد اندلاع طوفان الأقصى وما تبعه من مواجهات، مقارنة بولاية ترامب الأولى.
- تحسن العلاقات العربية الإيرانية، خاصة بعد التطبيع مع المملكة العربية السعودية برعاية الصين.
التهديدات المحتملة المترتبة على عودة ترامب:
- دعم ترامب الكامل لإسرائيل ومعاداته لإيران (وفق تصريحاته وسلوكه في ولايته الاولى)، وما قد ينتج عن ذلك من الموافقة على رغبة إسرائيل في تدمير القدرات النووية والعسكرية الإيرانية، وكذلك تغيير النظام الإيراني، مما يعني استمرار الخسائر الايرانية، وزيادة تأكل الردع الايراني ومكانة إيران الاقليمية، وتهديد وجودي حقيقي لنظام الثورة.
- تقييد فرص تحرك إيران عسكريا ضد اسرائيل، بما يضع إيران في معضلة بخصوص عملية الوعد الصادق 3، التي شددت إيران عبر تصريحات مسؤوليها على حتميتها، مما يجعل من عدم تنفيذها زيادة في تراجع كل من ردع إيران ومكانتها الإقليمية، وصورة النظام داخليا. أما في حال تنفيذها فسيخاطر النظام بتلقي ضربة إسرائيلية قد تستهدف مشروعها النووي، وبنيتها التحتية، ورموز نظامها، في ظل دعم ترامب الكامل لإسرائيل.
- تشكيل تحالف عسكري إقليمي ضد إيران، عبر استغلال إسرائيل لفرصة وجود ترامب للضغط على الدول العربية لتشكيل تحالف عسكري إقليمي يستهدف إيران، على ان يقوم هذا التحالف مبدئيا على حجة مواجهة الحوثيين، ثم يتحول بعد ذلك نحو إيران.
- العزلة وتفاقم الازمة الاقتصادية، وذلك في حال عودة ترامب الى سياسة الضغوط القصوى، وتقييد تهريب النفط الإيراني، وكذلك وقف بيعه للصين، مما يزيد من عدم الاستقرار الداخلي، بما يهدد استقرار النظام.
- تفعيل الية إعادة فرض العقوبات من قبل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، تماشيا مع ترامب في حال اتباعه سياسة الضغوط القصوى، في إطار رغبة أوروبا في الوصول لتوافق مع ترامب.
- التوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا، ينهي الحرب في اوكرانيا بشروط مرضية لروسيا تقايض فيها على دعمها لإيران، وكذلك الحال مع الصين
- فتح ملف خلافة المرشد وانتقال السلطة في إيران خلال ولاية ترامب، وتبعات ذلك على الاستقرار الداخلي وامكانية التوظيف المعادي من الخارج.
الفرص المتاحة لإيران:
- “عقلية الصفقات” لدى ترامب كرجل أعمال، ورغبته التي عبر عنها في وقف الحرب في كل من أوكرانيا وغزة، وما يتيحه ذلك لإيران من هامش ولو بسيط للمساومة والتفاوض للوصول لاتفاق يرفع العقوبات عن إيران، مما يمكنها من العمل تأمين استقرار النظام داخليا، كما يوقف تمدد الحرب لكل من العراق واليمن بما يضمن بقاء بعض من النفوذ الاقليمي لايران يسمح لها بدور في الترتيبات الاقليمية الجديدة.
- تخفيف عبء المليشيات، فبرغم ما تعرض له محور إيران من ضربات وما تكبدته من خسائر، لكن ذلك قد يحرر إيران من بعض التزاماتها الإقليمية، مما يسهل التفاوض مع الولايات المتحدة.
- توظيف تحسن العلاقات بين إيران والدول العربية، خاصة الخليجية لتخفيف ضغوط ترامب على إيران.
- رغبة دول الاقليم في خفض التصعيد وعودة الاستقرار، مما قد يساهم في كبح خيارات ترامب تجاه إيران.
- الحد من خطر عودة تنظيم داعش والعمليات الإرهابية في المنطقة بسبب الأحداث الاقليمية خاصة التطورات الاخيرة في سوريا والتي قد تستهدف إيران ومصالحها بشكل رئيسي، وذلك قياسا على سلوك ترامب في فترته الأولى تجاه داعش.
- زيادة الدعم الروسي والصيني لإيران، وذلك في حال إدراك روسيا لحاجتها لإيران، سواء بسبب تراجع نفوذ روسيا في المنطقة أثر سقوط نظام الأسد في سوريا، أو إذا استمرت الحرب الاوكرانية بسبب عدم توصل روسيا لاتفاق مناسب مع الولايات المتحدة والناتو، وكذلك في حال تصاعد الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، وتفاقم الازمة بينهما بخصوص تايوان.
سيناريوهات ترامب في مواجهة إيران:
الوصول لاتفاق مع إيران وفق شروطه، يشمل مشروع إيران النووي، وكذلك المشروع الصاروخي، والتدخل الاقليمي.
العودة لسياسة الضغوط القصوى، سواء لإجبار إيران على الوصول لاتفاق، او في إطار استهداف اسقاط النظام الايراني بعزله خارجيا وتفجير الأوضاع في الداخل.
ضرب إيران عسكريا، سواء بمشاركة الولايات المتحدة مع اسرائيل، او بإطلاق العنان لإسرائيل منفردة على أن يقتصر دور الولايات المتحدة على دعمها بالتسليح اللازم وكذلك دفاعيا ضد أي رد فعل إيراني.
اهداف إيران الرئيسية في إطار المواجهة مع ترامب:
- الحفاظ على استقرار النظام.
- رفع العقوبات الاقتصادية، وكسر العزلة الدولية.
- تجنب المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة.
- استعادة صورة الردع، ومكانتها الاقليمية، أو على الأقل الحفاظ على ما تبقى منها.
السيناريوهات المحتملة للتعامل الإيراني:
- الموافقة على اتفاق نووي وفق الشروط الامريكية، يؤدي لرفع العقوبات، وذلك في إطار تحول عام إلى استراتيجية ” التحوط الاستراتيجي”، بالانخراط في علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الولايات المتحدة والغرب، والاندماج في المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي، مع توطيد العلاقات مع الصين وروسيا، بجانب زيادة التسلح وبناء وتطوير القدرات العسكرية. وتقديم ذلك للداخل الإيراني كرغبة من النظام في رفع العبء الاقتصادي عن الشعب، وتقديمه خارجيا كدليل على رغبة إيران في الاستقرار الإقليمي لمواجهة سيناريو شيطنة إيران، مع تصوير الأمر كفرصة لإعادة بناء قوة المحور الإيراني بعد ما تعرض له من ضربات قاسية، وذلك لطمأنة الأذرع في محاولة للإبقاء على ولائها، وفي حال وجود نية حقيقية لدى النظام لتغيير استراتيجيته فستسمح الولايات المتحدة بهذا الخطاب لضمان بقاء نفوذ نسبي لإيران على تلك الأذرع كوسيلة لضمان عدم انفلاتها.
- التوصل لاتفاق لرفع العقوبات ولكن غير مصحوب بتغيير حقيقي في الاستراتيجية الايرانية، وذلك بغرض التقاط الانفاس وافساح المجال لإعادة بناء القوة، ومن ثم العودة للاستراتيجية القديمة على المدى الطويل.
- استخدام الوقت للوصول للسلاح النووي، ومن ثم تغيير المعادلة بالكامل، وذلك بالدخول في مفاوضات واظهار بوادر حسن النية والاستعداد لتقديم تنازلات، مع استغلال عدم رغبة ترامب في دخول حرب في أيامه الأولى، من أجل المماطلة وكسب الوقت.
- تصعيد المواجهة، في حال إقدام الولايات المتحدة وإسرائيل على ضرب إيران عسكريا واسقاط نظامها، فالخيارات الإيرانية محكومة بما سيتوافق عليه ترامب ونتنياهو، ومدى تيقن النظام في إيران بأنه مستهدف بالإسقاط استهداف لا رجعة فيه، فحينها قد تذهب الأمور للحلول الصفرية والمواجهة الشاملة، والتي ستكون لها عواقب كارثية على الأمن الإقليمي.
الخلاصة:
عودة ترامب للبيت الأبيض في ظل الانتكاسة الاقليمية الكبيرة التي تتعرض لها إيران، تفرض على إيران تهديدات أكثر مما تتيحه لها من فرص. فمصير النظام الإيراني صار مرتبطا بما ستقرره الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب ومدى التأُير الاسرائيلي على هذا القرار. وتصريحات ترامب ونتنياهو الأخيرة، وكذلك سلوك اسرائيل في المنطقة، بالإضافة إلى التعيينات الجديدة في إدارة ترامب، كلها مؤشرات الى الان ترجح احتمالية تصعيد المواجهة بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة في فترة ولاية ترامب الثانية.