اغتيال أبو عاقلة ينفي الإدعاء بحرية الإعلام والصحافة في إسرائيل

انفقت إسرائيل خلال العقد الماضي ملايين الدولارات لتحسين صورتها في الشرق الأوسط، لتثبت ما تدعيه عن حسن نواياها تجاه الدول العربية وشعوبها، إلا أن مقتل الصحفية والمراسلة الفلسطينية شيرين أبوعاقلة قد أعاد مجددا للأذهان مجازر الاحتلال ضد الصحفيين والمراسليين الأجانب و الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين.

اغتيال شيرين واغتيال حرية الإعلام:

تحرص إسرائيل على تقديم نفسها على أنها دولة ديمقراطية، وإن كان الإعلام يخضع إلى الرقابة العسكرية بدعوى حماية أمنها القومي. وهنا باخضاع مقتل أبو عاقلة وجنازاتها للتحليل نجد أن الإعلام الإسرائيلي على مختلف توجهاته بما في ذلك المحسوب على تيار يسار الوسط، حيث تحاشى توجيه اللوم للأجهزة الأمنية وتعمد إبراز الروايات المتضاربة وإبراز البيانات الرسمية من قبل الأجهزة الأمنية عن مقتل شيرين .

وبالنظر إلى أغلفت كبرى الصحف الإسرائيلية المطبوعة الأكثر قارئية بين أوساط الجمهور الإسرائيلي في اليوم التالي لوفاة أبوعاقلة وتحديدا يوم 12/5/2022 نجد أن صحيفة”يديعوت أحرونوت” المحسوبة على تيار الوسط، كتبت في العنوان الرئيس : معركة الروايات حول مقتل مراسلة الجزيرة في جنين”، بينما جاء العنوان الرئيس لصحيفة “هاآرتس” المحسوبة على تيار اليسار، “مقتل مراسلة الجزيرة بالرصاص أثناء عملية الجيش الإسرائيلي في جنين”. أما صحيفة”معاريف” فجاء عنوانها:” ثمن المواجهات: مقتل صحفية في تبادل لإطلاق النار في جنين”. فهذه العناوين لم تختلف عن نفس العناوين التي وردت في الصحف المحسوبة على تيار اليمين المتشدد مثل صحيفة”يتد نئمان”، “همفسير”.

تشير تلك العناوين ومضامينها إلى أنها بعيدة عن قلب الأحداث وتنقل رسائل الأجهزة الأمنية، وتنتهك حق القارئ في معرفة ما يحدث بموضوعية وحيادية، ليكشف اغتيال أبو عاقلة عار وسائل الإعلام الإسرائيلية. تعززت هذه الصورة السلبية عن الرواية الإسرائيلية بعد أن بثت قنوات عدة صوراً ومشاهد حية من جنازة أبو عاقلة.

اغتيال أبو عاقلة وإنذار قطر:

في ضوء تحليل ما نشر عن عمل الصحفية والمراسلة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة بعد اغتيالها استوقفنا التركيز على إبراز تقاريرها التي تناصر المقاومة الفلسطينية، ومدى الخطر التي شكلته في تناولها على تشويه صورة إسرائيل حتى أمام الرأي العام الإسرائيلي نفسه، فقد رصدت تقارير إعلامية إسرائيلية تحليل تغطيتها الإعلامية للهجوم الذي وقع في شارع ديزنجوف في تل أبيب، حيث حرصت على وصف المقاوم بـ “المنفذ” والهجوم “بالعملية” ، فاعتبرت أن هذه مصطلحات مغلوطة لاتصب في صالح إسرائيل.

كما اعتبرت سلطات الاحتلال أن تقارير أبو عاقلة و سياسة قناة الجزيرة ، تدعو إلى دعم القومية الفلسطينية والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي. من هنا وجدنا دعوات إعلامية إسرائيلية للهجوم على قطر وقناة الجزيرة، فأوردت صحيفة”هاآرتس”(10/5/2022 ) مقالاً لـ يجئال كرمون رئيس مركز أبحاث إعلام الشرق الأوسط “ممري ” بواشنطن قبل اغتيال شيرين بعنوان “قطر تدعم الإرهاب والتعاون الإسرائيلي معها هو خزي”، اتهم فيه الكاتب قناة الجزيرة بأنها تدعم الإرهاب وأنها بوق المنظمات الإرهابية الجهادية . فهناك رصد وتعقب لتقارير الجزيرة التي لعبت دوراً مهماً في أحداث الحرم القدسي الشريف، حتى أن رئيس الوزراء نفتالي بينيت في خضم أحداث الحرم القدسي أعلن صراحة بأن حكومة قطر تكذب طيلة الوقت وأنها المحاربة النشطة على المستويين الإقليمي والدولي ضد الاتفاقات الإبراهيمية. واعتبر محللون إسرائيليون أن التعاون مع قطر لأي غرض، يعد أيضًا عملًا غير مقبول من الحكومة الإسرائيلية. هكذا تبرهن التحليلات الإسرائيلية التي جاءت قبل اغتيال شيرين و بعدها تعمد الاغتيال لانذار الجزيرة وتخويف مراسليها وغيرهم من الصحفيين الفلسطينيين.

انعكاسات اغتيال أبو عاقلة على صورة إسرائيل:

لم يكشف مقتل شيرين وجنازاتها فحسب زيف الصورة الذهنية التي تحاول إسرائيل رسمها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومتحدثيها المدنيين والعسكريين فحسب، بل كشفت كذلك تضارب روايات مسؤوليها وحقيقة تعمد توجيه اللوم للفلسطينيين والصاق اغتيال شيرين بالمقاومة. خاصة أن إسرائيل تحب دوما إظهار صورتها في مشهد النصر، ولكن كانت العصا المرفوعة على حاملي نعش الشهيدة شيرين أبوعاقلة بمثابة انتصار للفلسطينيين.

شكلت الصور الخجلة لتشتيت جنازة الصحفية الفلسطينية أبو عاقلة في القدس ، انفجاراً قوياً لحركة الاحتجاج الفلسطينية ، لتسهم في تزايد التضامن مع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.

من هنا اعتبرت الصحافة الإسرائيلية المحسوبة على اليمين المتشدد اغتيال أبو عاقلة مهرجاناً تحريضياً ضد إسرائيل. وعلى المستوى السياسي صرح نفتالي بينت بعد ساعات قليلة من اغتيال شيرين خرج بتصريح ادعى فيه أن فلسطينيين مسلحون هم المسؤولون عن مقتل المراسلة، ووجه المسؤولية المباشرة للمقاومة الفلسطينية وبعدها خرج في وقت لاحق “بيني جانتس “وزير الدفاع وصرح بأنه يمكن أن يكون الفلسطينيون هم من أطلقوا النار.

الاستنتاج:

تشكل صورة إسرائيل ركيزة أمنها القومي، وفي خضم اشكالية المحاولات الإسرائيلية المستميتة سواء على الصعيد الرسمي أو حتى الإعلامي للتغطية على تعمد إسرائيل اغتيال أبو عاقلة، خلصنا إلى أنه داخليًا تمكنت الحكومة الإسرائيلية من الإفلات من المسؤولية عن جريمة الاغتيال ليبقى مشهد القتل دون إدانة صريحة للاحتلال وذلك في ظل التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الإسرائيلية التي تعمد التغطية على جريمة اغتيال أبو عاقلة بصرف الأنظار باتجاه النووي الإيراني والحرب الباردة بين إسرائيل وإيران لتحل المسألة الإيرانية محل القضية الفلسطينية داخليًا وخارجيًا، وذلك في ضوء الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة والتي تم إرجائها والتكهن بما تحمله من أهداف لتشكيل تحالف إقليمي ضد إيران وإشاعة تقارير تتحدث عن مسألة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وفي محاولة لتحسين صورة إسرائيل الخارجية توجه رئيس الوزراء بينت في زيارة خاطفة إلى الإمارات قبل أيام للاجتماع مع رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد وتقديم واجب العزاء في وفاة شقيقه الشيخ خليفة بن زايد وتمحور الزيارة حول التهديدات الإيرانية.

الهوامش:

1- מות העיתונאית בג’נין: שירין אבו־עאקלה גייסה את המיקרופון למאבק בישראל

https://www.makorrishon.co.il/news/486921

מאת אסף גבור 13/05/2022

2- קטאר תומכת בטרור. שיתוף הפעולה הישראלי עמה הוא מביש

https://www.haaretz.co.il/opinions/.premium-1.10790150

10 במאי 2022 יגאל כרמון

3- אבו מאזן: ישראל אחראית למותה של שירין אבו עאקלה; בירושלים טוענים: הפלסטינים מסרבים לחקירה משותפת

https://www.ynet.co.il/news/article/hkk8uau8q 11/05/2022

4- Unravelling the Killing of Shireen Abu Akleh

https://www.bellingcat.com/news/mena/2022/05/14/unravelling-the-killing-of-shireen-abu-akleh/ May 14, 2022

5- תדמיתה של מדינת ישראל וההסברה הישראלית בעולם – תרגיל בכתיבה אקדמית