أسدلت إسرائيل الستار علي انتخاباتها التشريعية الخامسة والعشرين بفوز حزب الليكود برئاسة “بنيامين نتنياهو” والأحزاب اليمينة المتطرفة، ليبدأ عصر جديد من سيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الحكم في إسرائل. وتعد هذه الانتخابات هي الخامسة خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهي السنوات التي شهدت أيضًا معاناة دول العالم كله، ولاسيما إسرائيل من أزمة إقتصادية ضارية نتجت عن انتشار وباء كورونا وما تبعه من قيود وفترات إغلاق عاني منها الجميع وأثرت على المؤشرات الاقتصادية. وما لبث العالم أن تخطي هذه الأزمة حتي لاحت في الأفق أزمة جديدة وهي الحرب الروسية الأوكرانية. لم تكن إسرائيل بمنأي عن العالم فقد تعرض الاقتصاد الإسرائيلي خلال الأعوام من 2019-2022 لضربات موجعة أثرت سلبًا على جميع القطاعات الاقتصادية وعلى معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم وزيادة نسبة العجز.
أثرت الحملات الانتخابية الأخيرة على الاقتصاد الإسرائيلي وأرهقت الخزانة بنفقات إضافية في هذا الوقت الحرج، حيث بلغ إجمالي نفقاتها حوالي 15 مليار شيكل، منها 570 مليون شيكل ميزانية الانتخابات الأخيرة فقط.
- بيانات الاقتصاد الإسرائيلي عشية الانتخابات الإسرائيلية:
نحجت الحكومة الإسرائيلية الأخيرة برئاسة “يائير لابيد” ووزير ماليته “أفيجدور ليبرمان” في التعامل مع الأزمة الاقتصادية وهو ما تُشير إليه بيانات ومؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي؛ حيث حققت الحكومة إيرادات بلغت 355 مليار شيكل خلال عام 2022، مقابل 295.2 مليار شيكل في عام 2021، وهذا على الرغم من الإغلاق الثالث في مطلع العام والناتج عن انتشار فيروس كورونا، وهي زيادة كبيرة جدًا بلغت نسبتها 20.2٪. بينما بلغت النفقات الحكومية منذ بداية العام 321.7 مليار شيكل، منها 6.2 مليار شيكل ناتجة عن إنفاق برنامج المساعدات الاقتصادية للتعامل مع أزمة كورونا. وتمثل هذه المصروفات انخفاضًا بنسبة 7.2٪ مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. باستثناء نفقات برنامج المساعدة الاقتصادية والذي شهد زيادة بنسبة 5٪. ويعكس هذا الفارق في النفقات سياسة حكومة لابيد في تقليل الإنفاق العام وتخفيض ميزانيات الهيئات الحكومية المختلفة وارتفاع الإيرادات الضريبية.
وتُشير بيانات المكتب المركزي للإحصاء إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في الربع الثاني من عام 2022، مقارنة بالربع السابق بمعدل سريع قدره 6.8٪ سنويًا. كان معدل النمو في إسرائيل في الربع الثاني من العام مقارنة بالربع السابق من أعلى المعدلات بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ليحقق الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا في الربع الثاني للعام الجاري بنسبة 11.9٪ مقارنة بالمستوى الذي كان عليه عشية اندلاع أزمة كورونا في الربع الرابع من عام 2019. بينما بلغ معدل التضخم في إسرائيل 4.60 وذلك في ظل رفع بنك إسرائيل لإسعار الفائدة بشكل غير مسبوق لتصل إلى 2.75٪.
بالإضافة إلى ذلك؛ يمكن أن يُعزى الارتفاع المفاجئ في الاقتصاد الإسرائيلي إلى استغلال الطاقة مع اكتشاف وتطوير احتياطيات الغاز في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن اتفاقيات السلام مع دول الخليج والمغرب وتكثيف العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث سرعت فترة كورونا من تغلغل التكنولوجيا المتقدمة في العالم ومهدت الطريق لإسرائيل للحصول على ميزة حقيقية من خلال صناعة واسعة النطاق للتكنولوجيا الفائقة والتي تعد العمود الفقري للاقتصاد المحلي والمحرك الرائد للاقتصاد الإسرائيلي.
- التحديات الاقتصادية للحكومة الإسرائيلية القادمة:
تشهد الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة على تصميم بنك إسرائيل على كبح جماح التضخم مع الحرص على عدم جر الاقتصاد إلى الركود. ومع ذلك، لا يمكن لأداة سياسية واحدة أن تحقق هدفين، وبالتالي فإن تعاون الحكومة مطلوب من خلال الأداة الموجودة تحت تصرفها وهي الميزانية. وبناءً على ذلك سيكون الهدف الأول والعاجل للحكومة الجديدة هو إقرار الميزانية.
كما سيتعين على الحكومة الجديدة مواجهة غلاء المعيشة، فإسرائيل دولة باهظة التكاليف مقارنة بباقي دول منظمة التعاون والتنمية، وذلك نظرًا للفجوة بين الأسعار وودخل الفرد، فنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 50.000 دولار. ومع ذلك لا يمكن حل مشكلة الدخل بين عشية وضحاها، ولابد من معالجة ارتفاع الأسعار، ولا سيما في قطاع الإسكان، حيث ارتفعت تكلفة السكن بالقيمة الحقيقية بين عامي 2007 و2020 بنسبة 35٪، أي أكثر من ضعف معدل الزيادة في أسعار الفواكه والخضروات. وتمثل نفقات السكن نحو ربع نفقات الأسرة المتوسطة في إسرائيل، بينما تبلغ حصة الفواكه والخضروات حوالي 3٪. ولذلك سيتعين على الحكومة الجديدة أيضًا تكريس الجهود والميزانية لحل المشاكل الجذرية للاقتصاد والمجتمع.
وعلى المدي الطويل سيتعين على الحكومة زيادة إنتاجية العمل وتقليص الفجوات، وبالتالي يجب عليها تطوير نظام التعليم لتحسين مهارات الطلاب وضمان تكافؤ فرص العمل. هذا إلى جانب تحسين البنية التحتية المتاحة لقطاع الأعمال وأهمها البنية التحتية للمواصلات، وتحسين البنية التحتية المؤسسية “البيروقراطية”.
ولتحقيق كل هذه العوامل يجب تمرير الميزانية لتلبية جميع الاحتياجات وتحديد الأولويات، وتوفير مصادر الدعم لزيادة الميزانية، حتى من خلال العجز، على أن يتم هذا بحرص شديد في ظل تنامي معدلات التضخم.
- الاقتصاد الإسرائيلي في ظل حكومة يمينية متطرفة:
نجح الليكود برئاسة نتنياهو في التغلب على حكومة لابيد وليبرمان بالتحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة واستخدام التصريحات والشعارات الشعبوية، خاصة مع تذمر الشارع الإسرائيلي من ارتفاع الأسعار وزيادة رفع الضرائب بصورة مستمرة لسد عجز الموازنة وتحقيق فائض في الميزانية.
تضمنت خطة الليكود الاقتصادية التي عرضها خلال حملته الانتخابية عدة بنود أهمها؛ تخفيض الضرائب وتجميد أسعار الكهرباء والمياه وضرائب الممتلكات، والحقيقة أن الضرائب تخدم خزينة الدولة وتهدف إلى تمويل الأنشطة الحكومية وهي مصدر مهم في دعم إيرادات الدولة، لذا فإن الخطة التي تتحدث عن خفض الضرائب ومن ناحية أخري تتحدث عن الإشراف وخفض الأسعار، تبدو أشبه بوعد انتخابي أكثر من كونها سياسة يمكن تحقيقها بعد ذلك.
كما يأتي وعد نتنياهو بمنح التعليم المجاني للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و3 سنوات، لتفرغ آباءهم للعمل، دون الإشارة إلي التكلفة الباهظة لهذا البرنامج. وعلى جانب آخر؛ أشار إلى مصادر تمويل برنامجه التعليمي المجاني للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و 3 أعوام الذي يعتمد على الضرائب الزائدة، و”صندوق الثروة” الذي يتضمن دخل إسرائيل من أرباح الغاز، بالإضافة إلى زيادة الضرائب في دخل الدولة بسبب زيادة أعداد الأمهات العاملة، في إطار الدعاية الانتخابية “غير مدروسة”؛ فمن المستحيل تمويل مصروف يدخل الميزانية بانتظام بمبلغ يكون لمرة واحدة بطبيعته من الضرائب الإضافية، أما فيما يتعلق بصندوق “الثروة” من الناحية القانونية لا علاقة له بهذه الأمور، وفيما يتعلق بالآباء الذين سيدخلون سوق العمل، يمكن اعتباره شعار أو تصريح انتخابي، نحتاج إلى حساب منظم لأن بعض الآباء، على سبيل المثال، لن تدخل رواتبهم في شرائح الضرائب.
أما فيما يتعلق بتعليم المواد الأساسية في القطاع الأرثوذكسي المتشدد لمواجهة انخفاض معدل التوظيف بين الرجال المتدينين الذي يبلغ حوالي 50٪ مقابل 85٪ في الوسط العلماني، فوفقًا لبيانات وزارة المالية ستبلغ تكلفة عدم العمل في هذا القطاع بالنسبة للاقتصاد من حيث الناتج المحلي الإجمالي تريليونات الشواكل في عام 2060. هذا بالإضافة إلى زيادة عدد السكان ومن ثم سيكون مستوى المعيشة أقل. والآن نرى معدلات فقر مروعة في القطاع الأرثوذكسي المتطرف، وهو أمر محزن في حد ذاته، والمشكلة هي أنه عندما لا تتمكن أجزاء من سوق العمل أكثر تكاملاً من سد هذه الفجوات، فسنشهد امتدادًا لتدهور نوعية الحياة، وانتشار بيانات الفقر أيضًا في اتجاه السكان الآخرين.
من ضمن وعود نتنياهو الانتخابية أيضًا أشارته إلى الملفات التي أعلن عضو الكنيست “بتسلئيل سموتريتش” رئيس الصهيونية الدينية أنه يريدها، وقال إن: “الملفات المركزية لخزانة الدفاع يجب أن تبقى مع الليكود. والصهيونية الدينية ستكون في الائتلاف وسنؤسس حكومة وطنية، لكن الإدارة المركزية ستبقى في الليكود وهذه هي الطريقة التي سنحقق بها نتائج”.
رسم نتنياهو ايضًا تصوره لحل مشكلة غلاء المعيشة، مشيرًا إلى أنه يجب تجميد الرهن العقاري ومولدات التضخم وهي الكهرباء والماء والوقود وضريبة الأملاك. وأكد نتنياهو أنه لا يوجد تناقض بين اقتصاد السوق الحر والرفاهية. فبدون سوق حرة، لا توجد أموال للرفاهية. وفي جوهر الاقتصاد الحر، تستطيع الشركات المضي قدمًا والقضاء على البيروقراطية.
ويحاول نتنياهو حاليًا التحايل على الأحزاب اليمينة المتطرفة المصرة على تولي أحد الحقائب الوزارية المهمة العدل والاقتصاد بتغيير القانون لنقل قسم الميزانية من وزارة المالية وإلحاقه مباشرة برئاسة الوزراء في حال اضطر للاستجابة لضغوط اليمين المتطرف والتنازل عن وزارة المالية. لكن يبقي السؤال هل سترضي أحزاب اليمين بهذا الأمر؟ وزارة المالية دون قسم الميزانية تعد وزارة فارغة لاقيمة لها.
ختامًا؛ تمثل سيطرة الأحزاب الدينية على وزارة المالية بوجه عام والميزانية تخصيص المزيد من المخصصات المالية للمدارس الدينية والأسر الحريدية التي لا تعمل، مما يعني فرض المزيد من الضرائب على باقي قطاعات المجتمع العلمانية لتوفير الأموال لدعم هذه المخصصات، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية وعجز موارد الميزانية، في هذه الحالة لا يبق أمام أي حكومة سوي رفع الضرائب وتقليل النفقات. هذا فضلًا عن تعطيل العمل في معظم برامج تأهيل واندماج المجتمع الحريدي للدخول في سوق العمل التي كانت تتبناها الحكومات السابقة.