من المتوقع أن يكون للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إثر عملية المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، وتُشير التقديرات إلى أن التكاليف المباشرة للعدوان- متمثلة في التسليح والتعبئة، بالإضافة إلى التكاليف غير المباشرة للحرب من إخلاء السكان، وإعادة تأهيل النقب الغربي، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالإنتاج الكلي- ستبلغ حوالي 200 مليار شيكل. الأمر الذي يمثل انكماشًا بنحو 10% في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من عام 2023، ونموا سنويا صفريا للفرد لهذا العام. ومن أجل تقليل الأضرار التي قد تلحق بالاقتصاد في المستقبل، يتعين على الحكومة أن تظهر مسؤوليتها، فتخفض الميزانيات المخصصة للقطاعات المختلفة وتحول هذه الميزانيات إلى المجهود الحربي. لا ينبغي لإسرائيل أن تعود إلى الأخطاء التي ارتكبتها في إدارة الاقتصاد مباشرة بعد حرب السادس من أكتوبر 1973م مع مصر، والتي أدت إلى عقد اقتصادي ضائع.
لكن قبل دراسة تأثير هذه الحرب على الاقتصاد، لا بد من تقديم صورة للوضع عشية الحرب. وعلى الرغم من الاضطرابات التي شهدها الاقتصاد الإسرائيلي منذ الإعلان عن “التعديلات القانونية” في يناير 2023، كان الاقتصاد الإسرائيلي في حالة جيدة وفقًا للمؤشرات المقبولة لدراسة الوضع الاقتصادي الكلي للدول. حيث انخفضت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.1% في عام 2022، ووصل إلى ما يقرب من 61%، وهو مستواها قبل وباء كورونا؛ وبلغ معدل البطالة 3.5% فقط. كما انخفض التضخم إلى 3.8%؛ وبلغ احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي أكثر من 200 مليار دولار. ولكن على صعيد سعر الصرف؛ ساهم الانخفاض الكبير في الاستثمارات الأجنبية في مجال التكنولوجيا الفائقة (هايتك) في الأرباع الثلاثة الأولى من العام في انخفاض قيمة الشيكل، وبلغ سعر صرف الدولار 3.85 شيكل. وعلى الرغم من ذلك، فإن توقعات النمو لعام 2023 كانت جيدة نسبيًا بالنسبة للدول المشاركة في منظمة التعاون الدولي وبلغت 3%، أي ما يعادل حوالي 1% من نمو نصيب الفرد.
وعلى الرغم من البيانات الإيجابية نوعًا ما للاقتصاد عشية 7 أكتوبر؛ مثل العدوان الذي قررت حكومة نتنياهو شنه على غزة صدمة للاقتصاد الكلي، وقد يمتد تأثيره لسنوات قادمة، وهو تأثير متوقع أيضًا إذا استمرت حالة القتال القائمة على جبهة واحدة وبكثافة عالية، دون الجبهات القتالية الأخرى المتوقعة. حيث تُشير التقديرات إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10% في الربع الرابع من عام 2023، وانخفاض النمو السنوي إلى 2%؛ أي نمو صفر من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن زيادة الإنفاق العام من شأنه أن يؤدي إلى عجز يزيد عن 5% في الموازنة الحكومية، وهو ما سيرفع النسبة المتوقعة للدين إلى الناتج بنحو 64% في نهاية 2023.
أدت البيانات السلبية السابقة إلى نشر توقعات بأن مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية “موديز” ستقدم على خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل في المستقبل القريب. ومن المحتمل أن يحاول رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” ووزير المالية “بتسلئيل سموتريتش” في الأيام المقبلة، التحدث مع كبار المسؤولين في مؤسسات التصنيف الائتماني ويطلبون منهم الامتناع عن خفض التصنيف، لأن هذا من شأنه أن يضر الاقتصاد الإسرائيلي. وبحسب ما نشر فإن المعنى الرئيس للقرار سيكون زيادة أسعار الفائدة على القروض في العالم للحكومة الإسرائيلية والشركات والأسر الإسرائيلية. وقد قفز سعر الفائدة على القروض من أقل من 5.5% عشية العدوان إلى نحو 7%. ومن المتوقع أن تنشر المؤسسة قريبا تقريرًا سلبيًا يتضمن انتقادات لتعامل الحكومة مع العجز الكبير جدًا في موازنة الدولة، وسيغذي المخاوف من ارتفاع ديون إسرائيل من نحو 60% إلى نحو 68% من الناتج المحلي الإجمالي في وقت قصير. ويرجع ذلك إلى عدم كفاية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية لخفض العجز وبسبب الخوف الكبير من مغادرة الشركات الرائدة لإسرائيل على نطاق واسع. وأعرب محللو المؤسسة عن قلقهم إزاء عدم كفاية معالجة الحكومة للعجز، الذي سيرتفع إلى 6.6% هذا العام، وإزاء الإجراءات االتي تخذت للحد من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد من تكاليف الحرب. ومن المتوقع أن يكتب الاقتصاديون في “موديز” في تقرير سينشر خلال أيام أنهم قلقون بشكل خاص بشأن بعض التغييرات في الاقتصاد الإسرائيلي، فهم يرون، أولاً، أن الحكومة لم تقم بتخفيض جزء من ميزانية الإنفاق في الأماكن الصحيحة، وحولت الأموال إلى مجالات لا تولد نموًا مستقبليًا في الاقتصاد، ثانيًا، تجنبت الحكومة زيادات ضريبية كبيرة في هذا الوقت لتقليص العجز، وهي خطوة كان ينبغي تنفيذها وفقًا لتوصيات لبنك إسرائيل خلال عام 2024.
القوي العاملة وسوق العمل
يُعد التحدي الأكثر شيوعًا الذي يظهر في المحادثات مع اللاعبين الرئيسيين في سوق المواد الغذائية، من منتجي الأغذية والمزارعين إلى تجار التجزئة ومستخدمي الموانئ، هو القوى العاملة. هناك عدة أسباب رئيسة لنقص القوى العاملة أهمها؛ تعبئة ما يقرب من 350 ألف جندي من قوات الاحتياط، مما ساهم في خفض العمالة بنسبة 7% في جميع أفرع الاقتصاد، الأمر الذي أثر سلبًا على سوق العمل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموظفين الذين يصعب استبدالهم في أماكن العمل من جانب، والمدفوعات المتمثلة في الأجور التي يتقاضاها جنود الاحتياط من أماكن العمل أثناء خدمتهم في الجيش. هذا بالإضافة إلى العمال الذين لا يستطيعون القدوم إلى مقار عملهم بسبب عمليات الإغلاق، والعمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم بسبب الوضع الأمني، أو لا يستطيعون مغادرتها نتيجة لذلك، والعمال الفلسطينيون غير المصرح لهم من قبل الدولة بدخول أراضيها، والعمال الفلسطينيون المدنيين وسكان إسرائيل الذين يخشون القدوم إلى العمل خوفًا من التعرض للأذى، والعمال الأجانب الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية بسبب الحرب. ورغم أن هناك عمالا أجانب اضطروا لترك أماكن عملهم ويبحثون عن بدائل، وكذلك متطوعون وعمال يبحثون عن عمل مؤقت حتى نهاية الحرب، إلا أن توظيف هؤلاء لا يخلو من التحديات، أهمها الوظائف التي تتطلب عمالة مؤهلة، خاصة وأن هناك نقص كبير في الفنيين أو سائقي الشاحنات، والنقص نفسه في الوظائف التي تتطلب خبرة كبيرة بأعمال بالمصانع وخطوط الإنتاج.
وتعد سلسلة الإمدادات الغذائية في إسرائيل أكثر القطاعات التي تضررت من نقص العمالة، فهناك عدد محدود من المنتجات الغذائية الأساسية، التي تدفع الحكومة ثمن حفظها لسلاسل التسويق والمستوردين والمصنعين، بما في ذلك الزيت والشاي والبقوليات وأغذية الأطفال والسكر والحبوب للأغذية والأعلاف. وتشير التقديرات إلى أن مخزون الطوارئ الذي تتحمل الحكومة المسؤولية عنه يمكن أن يكفي لثلاثة أشهر. يختلف مخزون المواد الغذائية والمواد الخام لدى المنتجين وسلاسل التسويق من قطاع إلى آخر، ويتراوح من مخزون لعدة أيام إلى عدة أسابيع، وفي بعض السلع يكفي المخزون من شهر ونصف إلى ثلاثة، مثل البقوليات في حال توقف الاستيراد. ومع ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن قائمة المخزون الحكومية لا تلبي الاحتياجات الغذائية الحالية لسكان إسرائيل. وعلى الرغم من أن مسؤولي الطوارئ يهدفون من الناحية المثالية إلى أن تحصل كل أسرة على إمدادات كافية من الغذاء لعدة أسابيع، إلا أن الحكومة تمتنع عن توجيه السكان للتخزين، خشية أن تنشأ ضغوط غير ضرورية على الطلب وقفزة لا يمكن السيطرة عليها، وطالما أن المنافذ مفتوحة، فإن مشكلة المخزون لا تؤثر بشكل كبير على الاستهلاك، باستثناء المنتجات الطازجة مثل الطماطم والخيار وكذلك الدواجن. لكن السيناريوهات المتشائمة هي التي تضرر فيها الموانئ، إلى درجة توقف نشاطها لفترة طويلة، أو إحجام جميع السفن عن الوصول إلى الموانئ، كما حدث في البحر الأحمر نتيجة هجوم الحوثيين.
وفيما يتعلق بالمواد الخام والمعدات اللازمة لإنتاج الغذاء المحلية؛ تواجه صناعة الأغذية والزراعة الإسرائيلية صعوبات في مواصلة إنتاج الغذاء محليًا، وفي توفير المواد الخام والمعدات اللازمة. خاصة بعدما تم تحويل موارد أخرى لإنتاج الغذاء للجيش، وهناك مواد أولية لا تصل إلى الصناعة المحلية بالمعدل المطلوب بسبب بعض العقبات، مثل عمل الموانئ أو الأعباء الإضافية التي نشأت أثناء الحرب. وتتفاقم المشكلة بشكل خاص في عمليات الإنتاج التي تعتمد على المواد الخام المحلية مثل الخضار والحليب والبيض والدجاج. بالإضافة إلى ذلك، يتأخر وصول بعض قطع الغيار، خاصة تلك التي تصل عادة إلى إسرائيل عبر الرحلات الجوية وليس عن طريق البحر. وفيما يتعلق بالمخزونات، في السياق الزراعي أيضًا، هناك حاجة للاستجابة للتحديات في مجال المواد الخام والمعدات. على سبيل المثال، توقفت المعدات الميكانيكية المتطورة التي تعتمد على تقنيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) عن العمل بالفعل في عدد من المزارع في الشمال، نتيجة التشويش الإلكتروني الذي يعمل عليه النظام الأمني. وإذا كانت الحكومة غير قادرة على الاستجابة للتحدي، فإن استبدال المعدات بمعدات قديمة، لا تعتمد على تقنية نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، يعد خيارًا ليس من السهل تنفيذه ويتطلب تدخل ودعم الحكومة.
وفيما يتعلق بالنقل؛ طالما ظلت الموانئ مفتوحة ولم يتم منع السفن من الوصول، فإن نقل المواد عن طريق البحر إلى إسرائيل سيستمر كالمعتاد، حتى لو بمعدلات أبطأ، مع التعامل مع التأخير في الموانئ نفسها، الأمر الذي يتطلب زيادة القوى العاملة للسفن. ومع ذلك، فإن نقل المنتجات داخل إسرائيل يصبح أكثر صعوبة في ضوء عدم وجود الشاحنات والسائقين الذين تم تجنيدهم، وحواجز الطرق والمخاطر التي تنطوي عليها القيادة أثناء حالات الطوارئ .
كما تضرر قطاع التكنولوجيا الفائقة أيضًا من حالة التعبئة ونقص العمالة، وخاصة من الفنيين والمتخصصين وهي عمالة يصعب تعويضها.
الأمن الغذائي ونقص المواد الغذائية
تعتمد إسرائيل بشكل متزايد على الواردات لتلبية الاحتياجات الغذائية. ويسود الاعتقاد أن النقص الناتج عن القتال يجب تعويضه عن طريق استيراد الغذاء. غير أن الواردات أيضًا لا تخلو من المخاطر ومنها؛ أن الواردات قد تتأخر وتواجه صعوبات مع اشتداد القتال أو في حالة المقاطعة على المدى المتوسط والطويل، إذا طال أمد الحرب. كذلك سيؤدي الاعتماد الكامل على الواردات إلى إلحاق أضرار جسيمة بالإنتاج المحلي، الذي لن يتمكن من الصمود في الحرب الحالية دون دعم الدولة والاقتصاد. ويجب أن يستند القرار بشأن حجم الاستيراد إلى البيانات، ومدى النقص الفعلي في الاقتصاد في مختلف السلع، والكمية التي يمكننا إنتاجها محليًا، والمبالغ التي يحتاجها الاستير في الأشهر المقبلة، وكيفية ضمان ذلك. أن الواردات لا تضر المنتجين المحليين.
فقد شهد سوق المواد الغذائية المحلي حالة من الاضطراب مع بداية الحرب، مما أدى إلى تراكم الصعوبات على المزارعين ومزارع الماشية ومنتجي الأغذية. وواجه سوق المواد الغذائية إلى جانب الحرب تحديات أخرى منها الاضطرابات في سلاسل التوريد التي بدأت خلال وباء كورونا، والحرب بين روسيا وأوكرانيا التي جعلت من الصعب استيراد الحبوب والمواد الخام للزراعة، فضلا عن أزمة المناخ التي أضرت بالقدرة على إنتاج ونقل الغذاء من مناطق مختلفة من العالم. كل ذلك أدى إلى صعوبة استيراد بعض السلع الغذائية ورفع أسعارها في الأسواق العالمية. وقد يكون تأثير المخاطر المناخية محسوسًا بشكل مباشر في الإطار الزمني المباشر، مع زيادة توقع حدوث فيضانات في الأسابيع والأشهر المقبلة.
السوق الإسرائيلي هو سوق مفتوح وغير مخطط له، كما هو معتاد في الدول الغربية، لذلك ليس لدى الحكومة صورة كاملة عن حالة صناعة المواد الغذائية في البلاد وكيف يمكن أن تتغير في أي لحظة. وفي ظل غياب البيانات، من الصعب تحديد أولويات تخصيص الموارد، خاصة على المدى القصير، وماهي كمية الغذاء والقوى العاملة والمواد الخام التي سيتم نقلها إلى الجيش، وما هي كمية احتياجات الاقتصاد المدني، وعلى المدى الطويل كيفية بناء المخزونات، وضمان إمدادات منتظمة من الغذاء، ولكن في الوقت نفس الحفاظ على الزراعة والمنتجين المحليين، والتأكد من استمرار قدرتهم على مواصلة الإنتاج حتى بعد الأزمة .
سوق المال وسعر الصرف
هناك الكثير من المتغيرات على الأرض. فالتطورات متنوعة ومتشعبة ومتعددة، فهناك فرق بين التطور الذي يشهده السوق الإسرائيلي وسوق الأوراق المالية الأمريكية الرائدة، والذي على أساسه سيكون كل شيء في أغلب الأحيان وإلى حد كبير. من يعتقد أنه يستطيع التنبؤ بحركة العملات والأسهم والسندات فهو مخطئ، فوضع القطاعات في الاقتصاد يعتمد على الصناعة المصدرة والسوق المحلية، وعندما يرتفع سعر الفائدة تحقق البنوك الربح، وهذا يحدث عادة عندما يرتفع الدولار، التقارير الأخيرة للبنوك كانت ممتازة والدولار يزداد قوة. ومن أسباب التغيير أنه جيد للصناعات التحويلية ويمكن الحصول على شيكل أكثر مقابل الدولار. ومن ناحية أخرى؛ هناك مقاربة مفادها أن الحرب لا تنجح إلى هذا الحد، بحيث لا يتم شراء أسهم، ومن ثم يمكن أن تنخفض أسهم الشركات المصدرة، وهو ما يحدث الآن. فقد هبطت أسهم البنوك، ليس لأن وضع البنوك صعب، بل لأن هناك خوفًا نفسيًا من أنه إذا حدث شيء فإنه يحدث للجميع .
أرشيفية
وعلى الرغم من هذه الأرقام القاتمة؛ إلا أن أرقام استخدام بطاقات الائتمان آخذة في الارتفاع منذ الأسبوع السادس للحرب، ولا تنخفض مؤشرات البورصة المختلفة وسعر صرف الدولار بشكل حاد كما حدث في الأسبوع الأول من الحرب. وقد عاد مؤشر تل أبيب 125 إلى مستواه قبل بدء الحرب، ويتداول سعر الدولار 3.60 عند مستوى أقل مما كان يتداول عليه عشية الحرب. هناك عاملان، ربما، حالا دون إلحاق ضرر أكبر بسوق الأوراق المالية المحلية وسعر الصرف؛ أهمها نضج الجمهور الإسرائيلي، حيث تم استرداد أكثر من ربع صناديق الاستثمار المشتركة في الشهر الأول من أزمة كورونا. لقد تعلم الكثيرون من هذا ولم يتعجلوا في الاسترداد، على الرغم من خطورة الوضع. أما العامل الثاني فهو التدخل الكبير لبنك إسرائيل في سوق الصرف الأجنبي، والذي أدى منذ البداية إلى تقويض ثقة الجمهور. وأعلن محافظ البنك البروفيسور “أمير يارون” أن البنك سيخصص ما يصل إلى 30 مليار دولار لتحقيق استقرار العملة. ومن الناحية العملية، فقد حصل حتى الآن على أقل من عشرة مليارات كمساعدة خارجية، لكن تصريح محافظ البنك هذا كان في غاية الأهمية. كما أن مقايضات العجز الائتماني، وهي شهادة تأمين ضد إفلاس إسرائيل، انخفضت من 143 نقطة في بداية القتال إلى 110 نقاط، وهو ما يشير إلى اعتدال نسبي.
وعلى صعيد آخر؛ بلغت موازنة عام 2023 ما يقرب من 510 مليار شيكل، وتمثل زيادة بنحو 30 مليار شيكل مقارنة بمقترح الموازنة السابقة. الأموال مخصصة لتغطية نفقات الحرب العسكرية المباشرة وغير المباشرة. وكانت إسرائيل قد سجلت عجزًا في ميزانيتها قدر بنحو 17 مليار شيكل، بما يساوي 4.5 مليار دولار تقريبًا في شهر نوفمبر المنصرم، وفق ما أعلنته وزارة المالية الإسرائيلية. في ظل توقعات محافظ بنك إسرائيل بأن تصل الخسائر الاقتصادية إلى ما نسبته 10% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، وهو ما يعادل 52 مليار دولار، مشيرًا إلى أن البنك بنى توقعاته على افتراضين؛ الأول أن تأثير الحرب سيستمر حتى العام المقبل. الثاني أن تكون في معظمها على جبهة غزة دون فتح جبهات قتال أخرى.
يُشار إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي قد سجل في الربع الثالث من عام 2023 نموا أبطأ مما كان متوقعًا، حسبما أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي، بينما من المتوقع أن يتراجع النمو بشكل حاد في الربع الأخير في ظل استمرار الحرب. وبعد نمو بنسبة 6.5% في العام 2022، يتوقع أن يتراجع الناتج المحلي لإسرائيل في كامل العام 2023 إلى نحو 2% فقط بالتأثير السلبي للحرب. في حين سيتوقف النمو في العام 2024، على مدة الحرب ومدى توسع نطاقها لتشمل جبهات أخرى من عدمه، فإطالة فترة الحرب ستؤدي إلى خسائر كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي. ووفقًا لتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية أن إسرائيل سجلت عجزًا في الميزانية قدره 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، بسبب ارتفاع الإنفاق الحربي في الربع الأخير من العام، وانخفاض الدخل الضريبي. وارتفع العجز المستهدف في موازنة 2024 إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان 2.25%.
وتُشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي لعام 2024 سينخفض بنسبة 1.1 نقطة، مئوية ليبلغ نحو 1.6%. وقالت إنّ الأثر المالي للحرب يقدر بنحو 150 مليار شيكل ما يساوي 40 مليار دولار تقريبًا خلال عامي 2023-2024، على افتراض انتهاء القتال العنيف خلال الربع الأول عام 2024م.
وفي ظل هذه البيانات والحاجة إلى زيادة النفقات، خاصة العسكرية؛ صوت أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر في 15 يناير على ميزانية 2024، بزيادة 55 مليار شيكل أو ما يساوي 15 مليار دولار كمبلغ إضافي للإنفاق على الحرب. ويشمل التمويل الإضافي، إلى جانب الميزانية العسكرية، تعويضات للمتأثرين بالحرب، وزيادة في ميزانية الرعاية الصحية والشرطة. لكن من الواضح أن المكون الرئيس لتمويل النفقات المتزايدة للحكومة الحالية هو زيادة الديون، مما سيزيد العجز في السنوات المقبلة، وذلك بالتأكيد بسبب مدفوعات الفائدة المرتفعة في بيئة أسعار الفائدة الحالية. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الحكومة ليست على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة، تتمثل في تخفيضات في الميزانيات القطاعية المختلفة والمكاتب الحكومية غير الضرورية، وتوجيه هذه الأموال للمجهود الحربي. بالطبع، لن يتمكن توجيه الأموال هذا من جمع كل رأس المال المطلوب، لكن هذه الخطوات المطلوبة ستظهر الانضباط المالي، وهو أمر مهم جدًا لإسرائيل لتلبية الاحتياجات المحلية، وخاصة الاحتياجات الخارجية التي تعلق بالتصنيف الائتماني.
وفيما يتعلق بسعر الفائدة؛ أعلن البنك المركزي الإسرائيلي قرار سعر الفائدة أن سعر الفائدة سيبقى دون تغيير في المستقبل القريب وأن تدخل البنك المركزي في سوق الصرف الأجنبي للحفاظ على السياسة القائمة وعلى استقرار الأسواق وخلق أقصى قدر من الثقة بالاقتصاد، حيث ينوى البنك بيع احتياطيات العملات الأجنبية. فيما يعتقد “سيتي بنك” أنه بسبب الحرب فأن “بنك إسرائيل” سوف يخفض سعر الفائدة من 4.75% بما لا يقل عن 0.5% -0.75%. وقد انخفض سعر صرف الشيكل بشكل كبير بعد الحرب، واستمر سعر صرف الدولار في الارتفاع فوق معدلات الاسعار الشهرية والاسبوعية، مخترقا خط الاتجاه الصاعد في محاولة اختراق القمة التاريخية لعام 2015. وفي حالة اختراقه سيواصل السعر الارتفاع إلى أعلى نقطة له منذ 10 سنوات عند 4.12 .
وتعد البورصة أقل القطاعات في سوق المال تأثرًا بالأحداث الأخيرة؛ وبالنظر إلى المؤشرات الرئيسة لبورصة “تل أبيب” مؤخرًا يمكن أن يكون انطباع بأنه لم يتغير شيء منذ عشية الحرب. وبعد تراجعات حادة خلال الأسابيع الأولى من العدوان على غزة، انتقلت الأسهم والسندات إلى ارتفاعات حادة، ومؤشراتها اليوم في الغالب عند مستويات أعلى مما كانت عليه في بداية العدوان. وهكذا فإن مؤشر تل أبيب 35، الذي يضم أسهم أكبر الشركات من حيث قيمتها البورصة، والذي انهار خلال شهر أكتوبر 2023م بمعدل مكون من رقمين، يتداول الآن عند مستوى أعلى بنسبة 1% مما كان عليه عشية العدوان، وبزيادة بنسبة 14% عن الأدنى.
وينطبق الشيء نفسه على العائدات المتأصلة في مؤشرات السندات المختلفة. فقد قدم مؤشر السندات الحكومة الإسرائيلية الأطول استحقاقًا، وبالتالي “الأكثر خطورة”، دلالة قوية. وبلغ العائد 4.5% عشية الحرب، وقفز إلى 5.2% قرب نهاية أكتوبر2023م، ثم عاد إلى مستواه في 6 أكتوبر.
ويذكر أن “مؤشر تل أبيب 35” كان أداؤه ضعيفًا مقارنة بالمؤشرات الأمريكية العام الماضي. كما تغير هذا المؤشر كثيرًا من حيث تركيبة الأسهم المدرجة فيه، واليوم لديه انحياز نحو نشاط التصدير. في المجمل؛ التصحيح المسجل فيه ليس دراماتيكيًا مقارنة بالأداء الذي تنتجه مؤشرات “وول ستريت” أو مؤشر “داكس الألماني”. بينما بلغ حجم سوق السندات التي تطرحها الشركات الخاصة في تل أبيب حوالي 440 مليار شيكل .
قطاع التكنولوجيا الفائقة
بعد عام بدأ بمحاولة تمرير التشريع القانوني وانتهى بحرب لا مثيل لها في إسرائيل، يرى “أفي حسون” رئيس هيئة الابتكار السابق، ورئيس مؤسسة “نايشن سنترال” وهي أحد الشركات الناشئة في إسرائيل أن تأثير الحرب على صناعة التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل سيكون أقل وطأة مما يبدو. ومضيفًا أن إسرائيل عادت إلى مستوى الاستثمار الطبيعي قبل كورونا، عندما بدأت الاستثمارات في الارتفاع بسبب سعر الفائدة الصفري والاحتياجات التكنولوجية التي رافقت العمل عن بعد. ومن جانبه أشار حسون إلى أن حجم الاستثمار في شركات التكنولوجيا الفائقة الخاصة وصل في العام الماضي إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار. وهذا الرقم مشابه في نطاقه للرقم المسجل في الصناعة في عام 2019. ويبلغ إجمالي حجم التمويل لشركات التكنولوجيا الفائقة الخاصة حوالي 7.9 مليار دولار فقط، بينما كشف حسون أن هناك 2 مليار دولار أخرى أودعت أيضا عام 2023، وهو رقم يجعل حجم الاستثمارات في الشركات الناشئة عام 2023 يصل إلى 300 مليون دولار وهو رقم أعلى من الرقم المنشور عام 2019. ويقدر رقم الربع الأخير في عام 2023 بـ 2.1 مليار دولار، بانخفاض قدره 27% مقارنة بالربع المقابل، الذي كان يعتبر آنذاك فترة أزمة. ومع ذلك، انخفض عدد الشركات التي تقوم بالتوظيف إلى 171 شركة في هذا الربع، وهو رقم لم نشهده منذ الربع الثالث من عام 2017.
بالإضافة إلى ذلك، بقي إجمالي التمويل الذي جمعته الشركات الإسرائيلية في البورصة مستقرًا أيضًا. فقد جمعت 54 شركة إسرائيلية في بورصة نيويورك 1.9 مليار دولار في عام 2023؛ وهو انخفاض كبير مقارنة بالرقم السنوي في كل من السنوات الثلاث الماضية والذي بلغ 3.2 مليار دولار في عام 2022، لكنه رقم مرتفع مقارنة برأس المال الذي جمعته بين عامي 2017-2019.
وعلى الرغم من الحرب، فإن نسبة مشاركة المستثمرين الإسرائيليين في الاستثمارات في الشركات الإسرائيلية انخفضت فعليًا في العام الماضي. وارتفعت نسبة جولات جمع الأموال بدون مستثمرين إسرائيليين من 30.2% إلى 43.8%، على ما يبدو بسبب المحنة الفريدة التي تعيشها الصناديق الإسرائيلية، التي وضعها أصعب من وضع المستثمرين الأمريكيين في قدرتها على جمع رؤوس أموال جديدة. إضافة إلى ذلك، فضلت العديد من الصناديق أن تبقى على الحياد، وعدم القيام باستثمارات جديدة، حتى لا تقوم بجمع صندوق آخر وتواجه إجابة سلبية. وفضلوا تأجيل النهاية إلى عام 2024، متوقعين أن تتحسن البيانات الكلية العالمية .
ويتضح من المعطيات السابقة؛ أن النتيجة المباشرة والفورية للحرب الحالية قد تكون مزيجًا من بيئة أمنية مليئة بالتحديات، وزيادة الإنفاق الأمني، فضلًا على الضرر الذي يلحق بالاستهلاك الخاص، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كل هذا في ظل حاجة ضرورية وملحة للحكومة لتعويض الجمهور الإسرائيلي لتبعات الحرب الاقتصادية، ودعاوى مستمرة لضرورة وقف هذه الحرب التي باتت تُشكل عبئًا على المجتمع الإسرائيلي.