ينظر إلى الاقتصاد الإسرائيلي على أنه من الاقتصادات الكبرى والمتقدمة، ليس فقط في المنطقة وإنما في العالم؛ نتيجة للدعم للامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء الأوروبيين، كما أنه يعتمد على الصناعة والتكنولوجيا المتطورة في مجالات كثيرة. وعلى الرغم من مظاهر قوته، إلا أن هذين العاملين لم يمنعا وكالات التصنيف الائتماني العالمية من النظر إليه- في ظل أعمال العدوان التي تمارسها إسرائيل- على أنه بمؤشر سلبي. وقد توقعت وكالة “ستاندرد آند بورز جلوبال” انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنحو خمس نقاط مئوية في الربع الأخير من هذا العام.([1])
المؤثرات في الاقتصاد الاسرائيلي
(1)الأزمات السياسية والأمنية والعسكرية:
تشكل الأعمال العدوانية التي تمارسها إسرائيل ضد جماعات المقاومة الفلسطينية في غزة وجماعات المقاومة اللبنانية في لبنان، فضلا عن الاحتجاجات الداخلية، التي تكشف عن انقسامات وتوترات داخلية، عوامل سلبيا تسهم سلبيا في أداء الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال بلغت نفقات الحكومة خلال شهر سبتمبر الماضي نحو 51 مليار شيكل، وبلغت منذ بداية العام نحو 450 مليار شيكل. وهذا يمثل قفزة بنحو 31.2% مقارنة بالعام الماضي، كل هذا يؤثر سلبا على المجالات الاقتصادية على النحو التالي:
- الإنفاق العسكري: تعتمد إسرائيل على ميزانية عسكرية كبيرة مقارنة بدول أخرى، لأن هناك جزء كبيرا من الميزانية موجه إلى الجيش، والأسلحة، والتكنولوجيا الدفاعية، وتشير تقاريرإلى أن إسرائيل تنفق 5- 6% من ناتجها القومي على الدفاع سنويًّا، وبعد عمليات المقاومة اللبنانية حرصت إسرائيل على تطوير الكثير من الأسلحة مثل سلاح الليزر، فبلغت المخصصات للأنشطة العسكرية حوالي 343.2 مليار شيكل.
- الاستثمار: شهد الاستثمار حالة من الهبوط الحاد؛ نظرًا لعدم لانعدام ثقة المستثمرين سواء من رجال الاعمال الإسرائيليين أنفسهم أو ممن لهم جنسيات أخرى، ولأن هذا القطاع يمثل نسبة كبيرة فإن هذا قد أثر بالفعل على الناتج المحلي، وقد انخفضت عدد الشركات الناشئة إلى حوالي 400 شركة فقط في الربع الأول من 2024 بعد أن كانت تزيد سنويًّا بوتيرة قوية.
ج- تراجع الأنشطة الاقتصادية: تعوق الصراعات السياسية والعسكرية نشاط الشركات المختلفة خاصة شركات السياحة، وفقاً لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فمن المتوقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل حوالي 1.5% في الربع الأخير من 2024 ، وهو تراجع عن توقعات سابقة بلغت 3.3% لنفس العام. كما قامت وزارة المالية الإسرائيلية وبنك إسرائيل بتعديل توقعات النمو لعام 2024 إلى 0.5%، مقارنةً بتوقعات سابقة بلغت حوالي 2%.
د-الاضرار بالبنية التحتية: تأثرت البنية التحتية بسبب العدوان على غزة، فقد تعرضت المناطق الجنوبية لأضرارً كبيرة نتيجة إطلاق صواريخ المقاومة، فتم تدمير العديد من المنازل في المناطق الحدودية، في مدن مثل سديروت وأشكول، مما أدى إلى نزوح آلاف المستوطنيين، كما تضررت الطرق وشبكات الكهرباء والمياه في بعض المناطق، وخاصة في المستوطنات المجاورة لغزة.
(2) التفاوت الاقتصادي والاجتماعي:
يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من فجوات كبيرة في الدخل، حيث توجد اختلافات واضحة بين الفئات السكانية المختلفة، مثل اليهود والعرب الفلسطينيين، وكذلك بين المتدينين والعلمانيين. هذا التفاوت يؤدي إلى تحديات اجتماعية تؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.
(3) ارتفاع تكلفة المعيشة:
تعرف إسرائيل بارتفاع تكلفة المعيشة، خاصة أسعار العقارات والإيجارات، وهذا يمثل عبئا على الأفراد ويحد من قدرتهم الشرائية. وقد نشر مكتب الإحصاء المركزي مؤشرات التغير في أسعار الوحدات السكنية. فقد ارتفعت أسعار الوحدات السكنية بنسبة 0.9 %.، وتتفاوت نسبة الارتفاع حسب المنطقة. ([2])
كما سجلت أسعار الخضروات زيادة بنسبة 13.2%، والنقل بنسبة 2.8%، والإسكان بنسبة 0.6%، والتعليم والثقافة والترفيه بنسبة 0.5%، والمواد الغذائية بنسبة 0.4%. بنسبة 0.3%.
وسجلت الأسعار انخفاضا ملحوظا في منتجات الملابس والأحذية، فانخفضت بنسبة 1.1%، والاتصالات بنسبة 0.8%، والأثاث والمعدات المنزلية بنسبة 0.4%.([3])
(4) التضخم والضغوط الاقتصادية العالمية:
تواجه إسرائيل ضغوطًا من التضخم العالمي والتحديات الاقتصادية، مثل تقلبات أسعار الطاقة وتغيرات الأسواق المالية العالمية، والتي يمكن أن تؤثر على استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، فوصل معدل التضخم الاقتصادي الي 2.8 % وذلك بسبب الحرب على غزة ولبنان.
تفرض هذه التحديات على صانعي السياسات في إسرائيل اتخاذ تدابير لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق نمو مستدام من خلال تنويع مصادر الدخل ومعالجة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. من هنا تقدمت وزارة المالية، برئاسة وزيرها أقتراحات بتسليلئيل سموتريتشباقتراحات لزيادة موارد ميزانية الدولة، مثل تخفيض رواتب كبار المسئوليين في بعض المؤسسات، وتأجيل الزيادات في الخدمة المدنية، وإلغاء بعض الوزارات غير الضرورية أو دمجها مع وزارات أخرى، وتقليص الأموال المخصصة للأحزاب، وفرض مزيد من الضرائب. هذه الإجراءات يمكن أن توفر أكثر من 1% من الناتج المحلي.
وعلى الرغم من تخوفات المحللين من الأداء غير الجيد للاقتصاد الاسرائيلي من قبل المحللون إلا أن هناك آراء تبدي توقعات متفائلة للاقتصاد، وإن هذه النظرة المتفائلة ما هي إلا محاولة لدعم الروح المعنوية لدى الإسرائيليين وتقليل حدة الخوف فالواقع لا ينذر بالتفاؤل.
ويتوقع البنك المركزي الإسرائيلي أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024) 0.5%( وفي عام 2025) 3.8% ( أو أقل بنقطة مئوية واحدة و0.4 نقطة مئوية عن التوقعات السابقة على التوالي وذلك بعد الانتهاء من العمليات العسكرية القائمة على غزة ولبنان.
ختامًا: الاقتصاد الإسرائيلي مثله كباقِ الاقتصادات في حال وجود احتجاجات أو معارك، وقد تأثر بالفعل، ولكن هذا التأثير لن يخيف كثيرًا نظرًا للدعم المستمر للولايات المتحدة وحلفائها.
[1] (https://www.tbsnews.net/world/sp-global-revises-israels-outlook-negative-726182
[2] ) https://www.gov.il/ar/departments/central_bureau_of_statistics/govil-landing-page
[3] ) https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001489265