أ/ على عبدالمقصود
شهدت إيران، خلال عام ٢٠٢٣، سلسلة من الأحداث المتشابكة التي تلقي بظلالها على مختلف قضاياها السياسية والاقتصادية والعسكرية، والتي يمكن أن يمتد أثرها إلى عام ٢٠٢٤م، الذي سوف تُجرى فيه انتخابات مجلس الشورى الإسلامي ومجلس خبراء القيادة، وسط تعديلات قانونية ربما تجعلها ضمن الأقل إقبالا في تاريخ الانتخابات الإيرانية. ويستعرض هذا التقرير تلك الأحداث وفهم تأثيرها داخلياً وخارجياً.
على المستوى الداخلي:
أولا: يمكننا فهم الحالة الداخلية لإيران من خلال رصد التوجهات العامة واستمرار التوتر الداخلي والاحتجاجات الفئوية المدفوعة بضغوط الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية المتأثرة بالعقوبات الاقتصادية، وقمع الحريات. بالإضافة إلى رصد سلوك النظام في معالجة بعض التحديات التي تواجهه، مثل تراجع الشرعية على نحو يشكل أزمة يمكن أن تهدد بقاءه، إذ شهدت إيران خلال ٢٠٢٣م، أزمات سياسية وتحديات اقتصادية شديدة، أفضت إلى رفع بعض الشعارات المعبرة عن تزايد عدم الرضا الشعبي عن النظام. خاصة في ظل سوء أداء الحكومة الذي أدى لارتفاع أسعار الكثير من السلع والأجهزة، وتفشي الفساد بالجهاز البيروقراطي، والذي يتجلى في كثير من الصفقات المشبوهة، آخر صفقة الشاي التي أهدرت على الدولة ٣ مليارات و٣٧٠ مليون دولار. التي دفعت البرلمان لفتح ملف الفساد بوزارة التجارة والصناعة، ومن ثم حجب الثقة عن «رضا فاطمي» ليكون أول وزير يقيله البرلمان في عهد إبراهيم رئيسي.
ومن ناحية أخرى عززت أزمة تسمم أكثر من سبعة آلاف تلميذ وطالب بأنحاء متفرقة من البلاد، جراء استنشاق كميات من الغازات السامة، دون الكشف عن مصدرها، الشعور العام بمدى الإخفاق الأمني وعدم القدرة على معالجاتها القضايا الجماهيرية. في وقت لا يزال النظام يتشدد في مواصفات الزي العام، وإثارة مسألة الحجاب على نحو يبدو لأي مراقب أنها باتت نوعا من الإلهاء الاجتماعي الذي تلجأ إليه حال تفاقم مؤشرات عدم الرضا العام الناجم تدهور الوضع الاقتصادي. والذي يؤدي إلى حدوث موجات متتالية من الاحتجاجات التي استهدفت شرطة الأخلاق وعناصر الشرطة والبسيج ومقار البنوك والمحلات التجارية؛ والذي برز مؤخرا على إثر مقتل الفتاة الكردية «مهسا أميني»
ثانيا: شهدت إيران، خلال 2023م، استمرارا للتحديات الاقتصادية؛ ممثلة في تقلب سعر صرف العملة المحلية طوال العام، بفعل العوامل الداخلية والخارجية، إذ سجلت انخفاضاً بقيمة أكثر من ٥٦٪ مقارنة بالعام 2022م، مما فاقم معدلات التضخم ليتراوح ما بين ٤٠٪ و٤٦.٧٪ في الأشهر الثمانية الأولي، والتي انعكست بدورها على أسعار السلع الغذائية والخدمات وتكاليف مواد البناء بشكل أساسي. وبالتالي انخفاض معدلات الاستهلاك؛ نظراً لانخفاض سعر العملة وانحسار القوة الشرائية، الذي يعد المحرك الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعا بتباطؤ معدل نمو الاستثمار، مقابل الانخفاض في صافي رؤوس الأموال. ومن ثم انكماشا في النشاط الاقتصادي. وذلك لأسباب التالية:
- زيادة الطلب على العملات الأجنبية وتخزينها، مع فقدان الثقة المتزايد في الاستثمار وعدم التعويم، إذ يفضل الإيرانيون اقتناء العملات الأجنبية والذهب والعقارات كمخزن للقيمة، نتيجة عدم ثقتهم في استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية
- تأثر الاقتصاد الإيراني بالعقوبات الأمريكية/الغربية، وتراجع التدفقات الدولارية، إلا أن نجاح صفقة الإفراج عن خمسة سجناء أمريكيين لدي إيران، مقابل الإفراج عن الأموال المجمدة لدي كوريا الجنوبية (أموال النفط) والزيادة الأخيرة في أسعار النفط، ساعد إلى حد ما في خفض عجز الموازنة العامة، وتحسين رصيد الحساب الجاري، وخفض نسبة التضخم، ليسجل ٤٢.٦٪ في ٢٠٢٣م، بعد أن سجل ٤٦.٥٪ في ٢٠٢٢م، وسط توقع بمواصلة انخفاضه ٥٣.٨٪ في ٢٠٢٤م، مما سيؤدي إلى تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية والمعيشية. ولهذا أقر البرلمان مبدئي مشروع الموازنة العامة، التي تبدأ في ٢١ مارس، وسط تفاؤل بخفض نسبة البطالة ومعدلات الفقر. خاصة أن الموازنة استهدفت في المقام الأول: الانضباط المالي وإدارة السيولة وخفض التضخم وتحقيق نمو مستقر وفعال يحقق العدالة، بعد عام من الانكماش، وفق إحصاءات البنك الدولي، ودخوله في منحني هابط، وتسجيله لمعدلات نمو هي الأقل على مستوى العالم. وعلى الرغم من توسع إيران في برامج الحماية الاجتماعية، إلا أنها لم تكن تلاحق التضخم، الأمر الذي أسهم في تخفيض معدلات الاستهلاك، وبالتالي الطلب على النفط بالشكل المتوقع، خاصة أن إيران لاتزال عرضة للتقلبات الاقتصادية، نظراً لاعتماد الميزانية بشكل أساسي على صادرات النفط ومشتقاته.
أرشيفية
ثالثا: واصلت إيران مساعيها لزيادة قدرتها العسكرية، خلال ٢٠٢٣م، فأضافت عناصر تسليحية جديدة لقواتها المسلحة، مثل الصواريخ فرط صوتية «فتتح» و«خيبر» بمدى يصل إلى ألفي كيلومتر، بالإضافة إلى المسيرة «شاهد ١٤٧» الانتحارية. كما أطلقت أقمارا صناعية للأغراض العسكرية، فحلت بالمركز الـ ١٧ عالميا في تصنيف جلوبال فاير. كما جاءت ضمن المراكز العشرة الأولى من حيث عدد الدبابات وقاذفات الصواريخ، بما يعني أنها تعد قوي عظمي إقليمياً، خاصة أن جيشها يملك تجهيزات وقدرات عسكرية ولوجستية كبيرة، إذ يمتلك حوالي ٥١٦ طائرة حربية، من بينها ١٦١ مقاتلة، و٩٩ مروحية، منها ١٢ هجومية، فضلا عن امتلاكه٣٧٠٠ دبابة، و٥٠٠ مدرعة، و٧٧٠ مدفع ذاتي الحركة، و٢٠٠٠ قاذفة صواريخ. إضافة إلى امتلاك الاسطول الإيراني ٣٩٨ سفينة، منها ٦ فرقاطات و٣ طرادات، و٢٩ غواصة، و٢٠ سفينة دورية. كما أطلقت، في عام ٢٠٢٣ مناورات «اقتدار ١٤٠٢» لمدة يومين؛ عشية نشوب الحرب الإسرائيلية على غزة، تعبيراً عن جاهزيتها العسكرية.
كما شهد عام ٢٠٢٣م، تعزيز أوجه التعاون العسكري بين طهران وموسكو، فقد زودت الأولى الثانية بمسيرات «شاهد»بذخائرها وصواريخها في حربها الدائرة ضد أوكرانيا. وفي المقابل تسلمت إيران من روسيا الجيل الرابع من أنظمة الدفاع الجوي SU- 35 وطائرات سوخوي، كما تلقت الدفعة الأولى من طائرات «ياك- ١٣٠» الهجومية الخفيفة. ويعد ذلك مقدمة لاتفاقية تعاون استراتيجي مرتقبة بينهما. كذلك احتل التعاون الإيراني الكوري الشمالي أهمية خاصة؛ إذ تتعاون الدولتان في المجالات العسكرية بما فيها الفضاء وتصنيع الطوربيد المسير «الماس ٣» المشابه لنظيره الكوري المضاد للسفن «بي تي-٩٧ دبليو».
وأخيرا، استطاعت إيران تطويع صناعة المسيرات لدعم اقتصادها وخدمة الأبعاد الدبلوماسية والاستراتيجية، حتى أبدت بيلاروسيا صربيا اهتماما بهذه المسيرات، وأعلنت صربيا اهتمامها بشراء ٢٠ ألف طائرة من طراز «شاهد»، معززة جديتها بترأس نائب وزير الخارجية الصربي «غوران اليكسيتش» المفاوضات بطهران. إلا ان إيران لا تمتلك القدرة على إنتاج هذا الكم منها في غضون سنوات قليلة، ما يعزز من إمكانية تحول مفاوضات الشراء إلى تعاون دفاعي بين بلغراد وطهران خيارا قابلا للتطبيق. وعلى الرغم من جهود إيران الحثيثة لتطوير قدراتها الدفاعية، إلا أن هذه الجهود تظل ذات أثر محدود، في ظل افتقار الصناعات العسكرية الإيرانية للتكنولوجيا المتقدمة.
على المستوى الخارجي:
واصلت إيران نهجها البرجماتي المعروف في سياستها الخارجية، خلال عام ٢٠٢٣م، فتخلت عن سياسة عدم الإنحياز، ومبدأ اللا شرقية ولا غربية، الذي كان يشكل ركيزة أساسية لسياستها الخارجية منذ قيام الثورة الإسلامية؛ لتتبنى استراتيجية التوجه شرقاً، وتسوية خلافاتها الإقليمية، وتخفيف حدة التوترات البينية، وسط أزمات تعصف بأمن المنطقة، وتحديات تفرضها العقوبات الغربية والأمريكية عليها. وانفتحت على الصين وروسيا بشكل أساسي، وانضمت إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة البريكس. وبات تعاونها العسكري والأمني مع روسيا سواء في سوريا أو أوكرانيا بمثابة مقدمة لإبرام اتفاقية تعاون استراتيجي طويلة من شأنها تعزيز أوجه التعاون السياسي والاقتصادي بينهما. كما عززت علاقات التقارب مع مجموعة دول وسط آسيا المعروفة بالإتحاد الاقتصادي الأوراسي، فضلا عن تعزيز أوجه التعاون مع صربيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكوريا الشمالية، التي لاتزال تدور في فلك حلفاء روسيا.
ويأتي انضمام إيران لمنظمة شنغهاي ومجموعة البريكس والاتحاد الأوراسي، ضمن مساعيها الرامية لاكتساب عضوية التكتلات الاقتصادية الآسيوية، لمواجهة التحولات العالمية وتعزيز قدراتها على كسر العزلة المفروضة عليها بموجب العقوبات الدولية، والاستفادة من التمويل والتجارة البينية، وتخفيف الضغط على العملة المحلية وتحجيم التضخم، وفتح أسواق جديدة، والاستفادة من التمويل الصيني والهندي والعالمي للاحتياجات التنموية والاستثمارية. واستغلال تلك التكتلات وما توفره من فرص مستقبلية واعدة في تخفيف حدة الاحتقان الداخلي. وعلى الرغم من أن هذا الانضمام يوفر لها فرصا اقتصادية، إلا أنها لن تجني مكاسبه على المدي القريب دون تسوية الخلافات مع الغرب، ومعالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد الذي لا يجدي معه نفعا أي تدابير لا تسهم في حل معضلة الاقتصاد الأساسية.
أما على مستوى العلاقات الإيرانية الأمريكية، فعلى الرغم من أنها اتسمت بالتوتر، والتصعيد المحسوب، إلا أنها ظلت أيضا محكومة ببعض المتغيرات، منها تزايد الشكوك حول وجود آثار يورانيوم مخصب بالمنشآت النووية الإيرانية بنسبة ٨٤٪، القريبة جدا من المعدل المطلوب لإنتاج القنبلة النووية. إلى جانب خوض إيران صراعاً يقترب من المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة؛ نتيجة لقيام الميليشيات التابعة لها بإستهداف مواقع القوات الأمريكية في كل من سوريا والعراق ولبنان، على إثر عملية «طوفان الأقصى» لترد الولايات المتحدة بضربات جوية دقيقة على مواقع تابعة للحرس الثوري، على نحو هدد بتوسع نطاق الصراع بالمنطقة. كما لم يسلم الأمر من المناوشات بينهما، من مهاجمة السفن التجارية وناقلات النفط بشكل متبادل، فاحتجزت إيران ناقلة نفط أمريكية، إثر استيلاء الولايات المتحدة على سفينة إيرانية بموجب قرار محكمة أمريكية. ومما لا شك فيه أن إيران استفادت من ذلك في تعبئة الرأي العام الإقليمي والعالمي والتشكيك في الدور الأمريكي وأهدافه بالمنطقة في ظل دعمه اللامتناهي لإسرائيل، وتحويل الأنظار عن برنامجها النووي والعودة لاستراتيجية الغموض النووي
وعلى الرغم من ذلك، سجلت التجارة الثنائية بين البلدين، وفقا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، ٤٤.٤ مليون دولار، عام ٢٠٢٣م، بلغت قيمة الصادرات الأمريكية الي إيران ٤٢.٦ ملايين دولار، ما يمثل زيادة بنسبة ٢٠٪ عن مثيلتها من العام السابق. فيما بلغت واردات واشنطن من إيران ١.٦ مليون دولار فقط، بتراجع بقيمة ٨٥٪ عن الفترة نفسها. حيث احتلت إيران المرتبة ١٧٧ بين وجهات التصدير الأمريكية. بينما احتلت المرتبة ٢٠٦ من حيث واردات السلع التي تحتاجها الولايات المتحدة، بعد أن سجلت التبادلات التجارية بينهما انخفاضاً بنسبة ٤٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ناهيك عن الصفقة التي تمت بين إيران الولايات المتحدة، والتي أفرجت واشنطن بموجبها عن ٦ مليار دولار من أموال إيران المحتجزة لدى كوريا الجنوبية.
وفي سياق يتعلق بدخول إيران على خط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، عشية طوفان الأقصى، فقد شهد عام ٢٠٢٣م، عمليات تخريب واغتيال واختراق أمني وتجسس، وهجمات سيبرانية بين إيران وإسرائيل، كما لم يخلوا الصراع بينهما من هجوم جماعة أنصار الله الحوثية على السفن المتجهة لإسرائيل. علاوة على إعادة تمركز للقطع البحرية لتقديم الدعم واستعداداً لأي تطورات محتملة. خاصة أن العدوان الإسرائيلي على غزة شكل اختبارا حقيقياً لقدرة إيران على مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والحفاظ على معادلة التوازن الإقليمي، عبر مواصلة دعم الجماعات والفصائل المسلحة التابعة لها بالمنطقة.بهدف إعادة ضبط التوازن وتشكيل أنماط القوة بما يحقق لها السطوة الإقليمية، والحصول على ارتكازا استراتيجيا بالقرنالأفريقي وشرق افريقيا، يعزز قدرتها على التحكم في الملاحة الدولية في باب المندب، خاصة أنها الدولة الأجنبية الوحيدة التي لها ارتكاز استراتيجي بميناء الحديدة اليمني. الأمر الذي يطرح بدوره سؤالا حول آليات إيران وقدرتها على مواجهة التطورات المحتملة، وإلى أي مدي يمكن لها أن تواصل تقديم الدعم لتلك الجماعات وفواعل ما دون الدولة، وسط ضغوط كبري اقتصادية وأمنية مؤثرة على الأمن بالشرق الأوسط، وما هو تأثيرها على طبيعة التوازنات الإقليمية، وسط تحديات تعصف بالاقتصاد الإيراني والعالمي في آن واحد.
ومن ناحية أخرى، شهدت العلاقات الإيرانية الأوروبية، عام ٢٠٢٣م، تراجعا ملحوظاً، على خلفية مقتل الفتاة الكردية «مهسا أميني» والاعتقالات العشوائية واستخدام السلطات الإيرانية العنف المفرط في قمع الاحتجاجات، وإعدام مساعد وزير الدفاع الأسبق «علي رضا أكبري» بتهمة التخابر لصالح بريطانيا. كما تفاقمت حدة التوتر بين إيران والقوى الغربية بصورة أكبر بسبب دعم طهران لموسكو في حربها ضد أوكرانيا. إضافة إلى تنامي شكوك المنظمة الدولية للطاقة الذرية حول وجود آثار يورانيوم مخصب بنسبة ٨٤٪ بشكل بقرب إيران من انتاج القنبلة الذرية، بما يعني أن إبرام أي اتفاق نووي معها سوف يكو بلا قيمة تُذكر.
أما بالنسبة للعلاقات الإيرانية العربية، فقد واصلت إيران تعزيز علاقاتها مع العراق، والتعجيل بتنفيذ مشروع الربط السككي معه لمضاعفة معدلات التجارة بينهما، كما عملت على تعزيز التعاون معه في المجال الأمني أيضا، بتوقيع اتفاقية لحماية الحدود المشتركة، وتخفيف اللجوء للخيارات العسكري في الشمال العراقي. كما قطعت شوطا في تصفية الخلافات مع دول الجوار، كبادرة أمل لعودة الاستقرار للمنطقة. وفي هذا الإطار، أسفرت المساعي الصينية عن كسر الجمود في العلاقات الإيرانية السعودية وتوقيع اتفاق تاريخي بينهما أدى إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، تمهيداً لتطبيع علاقاتهما التجارية والاقتصادية على نحو سوف يكون له أثر بالغ على الأمن والاستقرار بالمنطقة. وبناء عليه بادر مقاتلو أنصار الله الحوثي بوقف تهديداتهم ضد السعودية. وفي المقابل كسر التقارب الإيراني السعودي العزلة المفروضة على إيران بسبب العقوبات الأمريكية/الأوروبية.
كذلك نجحت جهود الوساطة القطرية والعمانية بين إيران والغرب في تقريب وجهات النظر حول الملف النووي، لاستكمال المفاوضات ومحاولة التوصل لاتفاق نووي حتى ولو مؤقت. وتمكنت إيران، بموجب صفة الإفراج عن السجناء الأمريكيين المشار إليها سلفا، من استعادة ٦ مليارات دولار إيرانية كانت مجمدة لدى كوريا الجنوبية، وتحويلها إلى قطر، دون التوصل لاتفاق نووي. كما استطاعت استغلال انشغال المجتمع الدولي بالأزمات والتحديات التي تفرضها التحولات الدولية والحرب الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على غزة في تحويل الأنظار عن ملفها النووي، كما سعت في ذات الوقت لتخزين اليورانيوم المخصب أكثر من ٨٣.٧٪ سرا، وهي نسبة تجاوزت نسبة الـ ٦٠٪ التي كان متفق عليها ضمن الإتفاق النووي. الأمر الذي ضاعف المخاوف الغربية من تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة ٩٠٪، وهي النسبة اللازمة لإنتاج سلاح نووي، وأنها تفرض بذلك واقعاً جديداً على هذه القوي. وهو الأمر الذي يشكل ورقة ضغط بيدها لدى أي تفاوض مستقبلي مع الولايات المتحدة وأوروبا. ويشير الوضع الدولي الراهن إلى احتمال استمرار المفاوضات مع إيران، ولكن دون إحراز تقدم في ٢٠٢٤، نظرا لما يفرضه الواقع الجديد، وتعذر العودة لاتفاق السابق؛ نظراً لتمسك القوي الغربية بإبقاء القيود على برنامج إيران الخاص بالصواريخ الباليستية والمسيرات ضمن الاتفاق.
وهكذا، وعلى الرغم من الإخفاقات والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها إيران، عام ٢٠٢٣م، إلا أنها أحرزت نجاحات على مستوي بناء القدرات العسكرية، وتعزيز أوجه التعاون مع الدول الصديقة في المجال الدفاعي، وسط تحولات عالمية وإقليمية تعصف بالمنطقة. كما أنها سخرت أدواتها الدبلوماسية لخلق فرص سياسية واقتصادية وذات طابع إستراتيجي للحفاظ على التوازن والأمن الإقليمي. ومع هذا فمن المحتمل أن تشهد إيران، خلال عام ٢٠٢٤م، استمرارا لأزماتها الاقتصادية والاجتماعية على المديين القريب والمتوسط.