اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة وأماكن أخرى في الدولة، مما أثار مخاوف من اندلاع صراع أوسع، وجاءت الاشتباكات مع تصاعد التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى تأخير توقيع اتفاق مدعوم دوليا مع الأحزاب السياسية لإحياء التحول الديمقراطي في البلاد.
وقد أعلنت قوات الدعم السريع عن سيطرتها على القصر الجمهوري وبيت الضيافة، والسيطرة على مطار الخرطوم ومروي والأبيض، والسيطرة على عدد من المواقع بالولايات، وبعدها نفذ الجيش السوداني ضربات جوية عنيفة ضد قوات الدعم السريع، ونفى سيطرة قوات الدعم السريع على مطار مروي.
ولكن لم يكن الصراع الدائر فى السودان وليد اللحظة، بل هو امتداد لأربعة حروب سابقة، من بينها أحداث دارفور التى حدثت عام ٢٠٠٣، ومنها بدأت قوات الدعم السريع تكتسى بالشرعية التى منحها الرئيس السابق “عمر البشير” لحميدتى، وباتت الأوضاع فى السودان تزداد من سئ لأسوأ، حتى آن الأوان لتنفيذ الاتفاق الإطارى، تحت مظلة مجلس السيادة برئاسة البرهان، والذى يقضى بدمج قوات التدخل السريع فى قوام الجيش النظامى، فى ظل مرحلة انتقالية تنتظر إجراء الانتخابات وتسليم الحكم للمدنيين، إلا أن الخلافات وقعت بين حميدتى والبرهان، هذا الخلاف ظاهره طريقة الدمج، ولكن باطنه يكمن فى الخلاف على من سيمتلك النفوذ والسلطة؛ وذلك لأنه لا يمكن للسودان أن يكون لها رئيسين وتشكيلين مسلحين، ومن هنا فقد اشتعل فتيل الحرب، فالبرهان يرى أن قوات الدعم السريع تحد من قدرة الجيش على بسط نفوذه على البلاد، وأن التفاوض مع مثل هذه القوات ستكون مخرجاته تقاسم السلطة بين الطرفين، أما حميدتى الذى يحمل الرتبة الفخرية لا الميدانية، يرفض الدمج؛ لأنه سوف يؤدى إلى خروجه من السلطة، وقد كانت هذه القوات هى من أوصلته للسلطة؛ حيث أنه لم يمكن يمت للجيش بأى صلة؛ لذا فإنه لن يسمح بأى إجراء من شأنه إزاحة عرشه وتربعه على مقاليد الأمور فى السودان، وخسارة المكاسب التى حققها على مدار السنوات الماضية، ومن ثم فالوضع مفخخ ومتشابك، ينذر بتصعيد محتدم يتمسك فيه كل طرف بحقوقه التى تفجر الوضع بسببها، هذا وربما يلجأ الطرفان إلى طاولة المفاوضات لوقف المواجهة الحادة القائمة بشكل مؤقت، لحين إشعار آخر.
ما هي قوات الدعم السريع السودانية؟
قوات الدعم السريع السودانية مليشيا شبه عسكرية ترجع أصولها إلى مليشيات الجنجويد، وهي ميليشات كانت تقاتل باسم الحكومة السودانية للقضاء علي مركز التمرد في دارفور عام 2003، وشكلت قوات الدعم السريع السودانية بشكل رسمي في عام 2013، حيث تم إعادة هيكلتها لتصبح تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالسودان، بهدف إعادة نشاط ميليشيات الجنجويد لمواجهة الجماعات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق.
وعلى الرغم من هدف قوات الدعم السريع السودانية لمواجهة الجماعات المتمردة، إلا أنه سجلت جرائم كبيرة خلال حرب دارفور، وفي عام 2019 قامت بما يسمى بمجزرة القيادة العامة، حيث قامت قوات الدعم السريع بفض اعتصام القيادة العامة بالسودان بشكل عنيف، مما تتسبب في قتل 100 محتج سلمي ومئات الجرحى، وحاليًا يرأس الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، ويقدر محلّلون عدد القوات بنحو 100 ألف جندي، ولهم قواعد وينتشرون في أنحاء البلاد.
سيناريوهات مصير السودان :
السيناريو الأول:
حسم عسكري سريع للجيش السوداني للصراع في الخرطوم، خاصة وأن الجيش يمتلك قدرة أكبر بكثير من النيران سواء كانت الدبابات أو المدفعية فضلا عن إمتلاكه الهيمنة الجوية؛ مما يساعدها للانتصار في القتال الدائر بالبلاد؛ وبما قد يدفع قوات الدعم السريع لتكثيف قواته في الولاية الحدودية، ومناطق تركز الثروة لحماية وتأمين مصالحها.
السيناريو الثاني:
تحول البلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد، في ظل إنتقال قوات الدعم السريع إلي تشكيل جماعات معارضة مسلحة تمارس حرب العصابات لاستنزاف الجيش السوداني، تحريض الموالين لنظام الرئيس السابق عمر البشير وحزبه المؤتمر الوطني، الذين ينتمون إلى أيديولوجية إسلامية لقيادة أجنحة المعارضة السياسية.
السيناريوالثالث :
ويتبقي آخر السيناريوهات في الصراع الدائر، إلا وهو التوصل إلى اتفاق سلام وقف إطلاق النار، وسط ضغوط سياسية واقتصادية خارجية يمارسها الحلفاء الإقليميون، من خلال توافق القوات المسلحة و قوات الدعم السريع على وقف إطلاق النار بشكل فوري.
وعلى الرغم من المخاوف من أن القتال قد يتحول إلى حرب بالوكالة، فقد دعا الفاعلون الإقليميون الرئيسيون، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى السلام، إذ لا يرغبون في وجود صراع إقليمي يشكل عبئاً آخر على الإقليم. كما أدان الشركاء الدوليون، مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، العنف ودعوا إلى استئناف المحادثات، لكنهم يفتقرون إلى القوة اللازمة لفرض واتخاذ إجراء قسري. ومع ذلك، يبدو أن الجانبين المتصارعين في السودان متطابقان بشكل متساوٍ، مما يزيد من خطر نشوب صراع أهلي مستمر يمكن أن يعرقل انتقال البلاد إلى الحكم المدني ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. وتشير الاشتباكات المستمرة في الخرطوم وأجزاء أخرى من البلاد إلى أن الحل السلمي لا يزال بعيد المنال، على الرغم من جهود الشركاء الدوليين للتوسط في السلام.
ولكن نتوقع أنه من غير المحتمل التوصل إلى وقف دائم أو غير محدد لإطلاق النار، لكن الضغط الدولي للسماح بعمليات الإخلاء قد يدفع أحد الطرفين المتحاربين أو كليهما إلى وقف القتال لفترة وجيزة.
في الختام، فإن الصراع العسكري الحالي في السودان يثير القلق حيث يتنافس الجانبان على السيطرة على البلاد. ومن ثم فإن استمرار التكلفة البشرية والمادية، ومن المرجح أن يتطور إلى طور أكثر كثافة وانتشاراً مع إمكانية وجود عدة جهات عسكرية تتنافس على السيطرة والنفوذ. نتيجة، فإن البعد العرقي والقبلي للصراع الذي يجعله أكثر تعقيداً ويرفع التكلفة البشرية، خاصة مع تزايد مشاركة الجهات الخارجية، لا سيما القوى الإقليمية ذات المصالح الاستراتيجية، وهو ما يجعل البحث عن وسيط لإنهاء الصراع أكثر أهمية. ففي الوقت الذي توجد فيه بالفعل العديد من المبادرات من قبل الجهات الفاعلة العربية والإفريقية والدولية لوقف إطلاق النار وتعزيز فرص السلام، فإن مشاركة لاعبين إقليميين آخرين، مثل إريتريا وإثيوبيا، يمكن أن يعقد الوضع. في نهاية المطاف، يتطلب الحل السلمي للصراع في السودان جهوداً مستدامة وجماعية من قبل جميع الأطراف المعنية.