تسعى الدول الأفريقية لتحقيق التكامل الاقتصادى الأفريقى خلال السنوات الماضية، وذلك باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق التنمية ومواجهة التبعية الاقتصادية للخارج، واستنزاف موارد القارة الطبيعية والذى يعتبر أحد العوامل الرئيسية فى إفقار الشعوب الأفريقية، ومع هذه التطلعات قامت الدول الأفريقية بإنشاء العديد من التكتلات الاقتصادية وعلى رأسها السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا) فى عام 1994 ، بهدف تحقيق التنمية المستدامة من خلال الإدراك التدريجى للتكامل ، والبدء بمنطقة التجارة التفضيلية ، ثم التحول إلى سوق مشتركة ، ثم التحول أخيرًا إلى مجتمع اقتصادى، على غرار الاتحاد الأوروبى.
إلا أنه على الرغم من مرور ما يقرب من 28 عامًا على إنشاء الكوميسا وفى ظل انضمام 21 دولة أفريقية لها، وبلوغ المساحة الجغرافية لدول الكوميسا ما يقرب من 13 مليون كم٢، ووصول عدد سكانها 586 مليون نسمة، لم تحقق الكوميسا التكامل الاقتصادى ولم تساهم فى تحقيق الرفاهية لشعوبها، حيث بلغت نسبة التجارة البينية بين دول التجمع فى مجال الصادرات (3) مليار دولار عام 2020 وفقا لما ذكرت دراسة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصرى، كما بلغ حجم الواردات ما يمثل مليار دولار فى نفس العام، إلا أن هذه النسبة ما زالت منخفضة إذا ما تم مقارنتها بحجم التجارة البينية بين الكوميسا والدول والتجمعات الأخرى، حيث تصدر الصين لدول الكوميسا بـ21 مليار دولار، والولايات المتحدة تصدر لها بـ3.6 مليار دولار، وترغب فى مضاعفة هذا الرقم.
تحديات تحقيق الكوميسا التكامل الاقتصادى
وتواجه الكوميسا العديد من التحديات سواء ما يتعلق بدول الكوميسا نفسها وعدم التزام بعض دولها بمنطقة التجارة الحرة الأفريقية ، وإلغاء جميع الحواجز غير الجمركية ، وتحديد تعريفة خارجية مشتركة واتباع معايير مشتركة للإجراءات الجمركية، فضلًا عن تشابه هياكل الانتاج لهذه الدول حيث تعتمد غالبيتها على إنتاج وتصديرمواد خام وإستيراد السلع الصناعية، ومن ثم زيادة الاعتماد على الأسواق الخارجية، وتداخل العضوية ، وعدم تجانس الاقتصاد، وضعف مشاركة القطاع الخاص.
كما يمثل ضعف البنية التحتية تحد أمام الكوميسا لتحقيق التكامل الاقتصادى، وخاصة شبكات الطرق بالشكل الذى قد يجعل بعض الدول تضطر للسفر خارج القارة الأفريقية للذهاب لدول أفريقية أخرى، ونقص خطوط الشحن البحرى بين الموانئ الافريقية، فضلًا عن ضعف البنية التكنولوجية حيث أن 25 ٪ فقط من عدد سكان القارة الإفريقية يصل إليهم الإنترنت بشكل يومى، كما أن معدل وصول الإنترنت إلى دول الكوميسا أقل من 10 ٪ وبعض الدول تكلفة الإنترنت فيها تصل إلى 9 ٪ من إجمالى دخل المواطن، وهو ما يمثل عائقا.
كما توجد تحديات تتعلق بالميراث الاستعمارى وارتباط التجارة الخارجية للدول الأفريقية تاريخيا بالدول الاستعمارية ، فضلا عن التواجد القوى للشركات متعددة الجنسية، وتغلغلها فى النشاط الاقتصادى بالدول الأفريقية، والعمل على استيراد المواد الخام الأولية وتصنيعها وتصديرها مرة أخرى للدول الأفريقية بأسعار مضاعفة مما يزيد من عبء الديون والتبعية الأفريقية لهذه الدول.
كما أن هناك تحديات سياسية تواجهها بعض دول الكوميسا أثرت على التكامل الاقتصادى وذلك بسبب الاضطرابات السياسية وحالة عدم الاستقرار السياسى التى تعانى منها بعض الدول مثل ليبيا والسودان وإثيوبيا والصومال وإريتريا ، والنزاعات الحدودية التى أججها الترسيم الاستعمارى لحدود الدول الافريقية دون مراعاة للاختلافات الإثنية ، وهو ما تسبب فى وجود ميراث من العداء التاريخى بين بعض الدول فيما بينها سواء أكان ذلك بسبب الحروب الأهلية مثل : الكونجو الديمقراطية،ورواندا وبوروندى ،أو بسبب النزاعات الحدودية كمطالب أوغندا ببعض أراضى كينيا و النزاع بين مالاوى وتنزانيا ، وبين مالاوى وزامبيا، وهو ما يترتب عنه ارتفاع معدلات المخاطر التجارية فى الأسواق الأفريقية وزيادة تكاليف التأمين على المنتجات المصدرة ومن ثم العزوف عن السوق الأفريقية.
كما كان لفيروس كورونا تداعيات سلبية على الكوميسا من التأثير على الانتاج وانخفاض الطلب حيث أن متوسط معدل النمو الاقتصادى للكوميسا بلغ 5,6% خلال عام 2019، إلا أن هذا المعدل شهد تراجعاً كبيراً خلال عام 2020، بسبب تبعات جائحة كورونا على معظم اقتصادات الدول الأعضاء، ولكن توقعات صندوق النقد الدولى تؤكد أن متوسط معدل النمو الاقتصادى فى تجمع الكوميسا سينتعش ليصل إلى 4,3% خلال عام 2021، وإلى 6% خلال عام 2022 حيث تعود هذه التوقعات إلى النظرة الإيجابية للتعافى الاقتصادى العالمى، المدفوع بجهود التلقيح ضد فيروس كورونا وتحسن الطلب العالمى.
رئاسة مصر للكوميسا
تسلمت مصر رئاسة قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الإفريقية “الكوميسا” بعد غياب قرابة 20 عاما، وقد قامت الدولة المصرية بطرح عدد من المبادرات للمساهمة فى تعميق التكامل، فى عدد من القطاعات الاقتصادية، على المديين القصير والمتوسط، وأمام مصر فرصة كبيرة للاستفادة من رئاستها للكوميسا عن طريق مضاعفة صادراتها والوصول بحجم الصادرات من 3 مليارات دولار إلى أكثر من 5 مليارات دولار بحلول 2025.
فضلًا عن توفير الخامات ومستلزمات الإنتاج بتكلفة أرخص، والعمل على تحقيق التكامل الاقتصادى عن طريق تذليل المعوقات وتفعيل الاتفاقات حيث أنه جرى الاتفاق بين أكبر 3 منظمات إفريقيا “كوميسا” وجماعة شرق إفريقيا، ومجموعة التنمية لدول الجنوب الأفريقى، “سادك”، على تبادل السلع بدون جمارك وتوفير حركة إنسيابية لرؤوس الأموال، لكن ذلك لم يُترجم بشكل فعال، فضلاً عن الشروع فى تنفيذ مشروع القاهرة-كيب تاون والذى يهدف إلى ربط مصر بالدول الإفريقية من خلال شبكة من السكك الحديدية لتيسير عملية نقل البضائع، وتقليص مدة الشحن إلى 4 أيام بدلًا من 28 يوماً، خاصة أن التبادل التجارى بين مصر والكوميسا سجل حوالى 3 مليار دولار فى 2020، وهو ما يعادل نحو 60 بالمئة من إجمالى قيمة التبادل التجارى المصرى مع القارة الأفريقية خلال العام نفسه، والذى سجل 5 مليارات دولار أميركى.
اليات تحقيق التكامل الاقتصادى فى الكوميسا
ولا شك فأن تحقيق التنمية الاقتصادية فى أفريقيا تتطلب مواءمة السياسات التجارية لذلك يجب تفعيل الاليات التالية…
*وجود إرادة سياسية حقيقية من دول الكوميسا لتحقيق التكامل الاقتصادى وزيادة حجم التجارة البينية.
*استكمال المشروعات الكبرى المتعلقة بالطرق والمواصلات مثل طريق القاهرة / كيب تاون والذى يربط بين أكثر من 10 دول أفريقية، فضلًا عن تدشين مشروعات كبرى أخرى تسهل من حركة الانتقال بين الدول الأفريقية وبعضها البعض.
*زيادة نسب وصول الانترنت إلى دول الكوميسا وإدخال التحول الرقمى فى الصناعة للحد من مخاطر فيروس كورونا وتقليل التكلفة المادية وتوفير الوقت والجهد.
* إشراك القطاع الخاص وقطاع الأعمال لتعزيز التجارة البينية بين دول الكوميسا وتدشين المشروعات الكبرى المشتركة. *إدراك الشعوب الأفريقية أنه لا تنمية ونهضة بدون تحقيق التكامل الاقتصادى ومواجهة التبعية الغربية ووقف استنزاف خيرات الشعوب الأفريقية.
*تطبيق دول الكوميسا منطقة التجارة الحرة الأفريقية والعمل على إلغاء القيود الجمركية .