أعلنت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية الاتفاق على إعادة العلاقات بينهما، وذلك برعاية من دولة الصين، ومباركة روسيا، ووسط غياب الولايات المتحدة الأمريكية، وتلقت إسرائيل نبأ إعادة العلاقات بين البلدين كالصاعقة وسط حالة من الجدل والغضب الشديد، حيث عبرت الأوساط الإسرائيلية على اختلافها عن غضبها الشديد من خطوة إعادة العلاقات بين الرياض وطهران.
وأثار ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران حالة من الجدل بين القادة الإسرائيليين الحاليين والسابقين، وسط حديث عن فشل ذريع للحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو في التعامل مع ملفات الأمن القومي والسياسة الخارجية لتل أبيب، والإنشغال بالصراعات الداخلية في البلاد وعلى رأسها ملف الإصلاحات القضائية وهو أبرز ما يطفو على سطح الساحة الداخلية في إسرائيل الآن.
قيادت إسرائيل في حالة ذعر من ملف السعودية وإيران
وصفت شخصيات إسرائيلية رسمية وغير رسمية اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران بأنه تطور درماتيكي في المنطقة، وخطر كبير على تل أبيب، وانتصار لطهران وسياستها الخارجية وأمنها القومي، وأن هذا الأمر ربما يعيق ملفات التطبيع التي تتطلع إسرائيل لمواصلتها في المنطقة.
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن بالكنيست الإسرائيلي يولي إدلشتاين: العالم لا يتوقف ونحن مشغولون هنا بصراعات داخلية، إيران والسعودية اتفقتا الآن على تجديد العلاقات بينهما وهذا أمر سيئ جدا لإسرائيل، وحان الوقت للجلوس والنقاش وحل الخلافات بيننا من أجل توحيد الصف، في مواجهة التهديد الوجودي الذي يواجهنا.
وهاجم كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت ورئيس المعارضة يائير لابيد، ووزير الدفاع السابق بيني جانتس، رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو على خلفية اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، قائلًا: إن تجديد العلاقات بين السعودية وإيران هو تطور خطير لإسرائيل وانتصار سياسي لطهران، باعتباره ضربة قاتلة لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران، وهذا فشل ذريع لحكومة نتنياهو وينبع من مزيج بين الإهمال السياسي وحالة الضعف العام والصراع الداخلي في البلاد.
خيبة أمل إسرائيلية بعد إعادة العلاقات بين السعودية وإيران
تناولت وسائل الإعلام العبرية ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران بشكل موسع للغاية في ظل الحديث عن تخوفات من هذا الأمر، وهو ما عبر عنه المحللون الإسرائيليون في حالة تعجب وسط طح مجموعة من الأسئلة الشائكة حول هذا الأمر.
وقال روعي كايس معلق الشؤون العربية في قناة كان العبرية: لا يجب الاستخفاف بهذا الأمر، ويجب الانتظار لمعرفة إذا كان هذا الاتفاق سينفذ، وكيف سينفذ؟ وهل سيفتحان السفارات بعد شهرين؟ سيكون من المثير رؤية ذلك.
وبدورها، قالت كارميلا مناشيه، المحللة في الشؤون العسكرية: أنا اعتقد أن ذلك يقلق إسرائيل جدًا، وأنا اسأل أين كانت الاستخبارات، وهل علمت، لأننا نحن لم نعلم بذلك.
وقال رونن منليس الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي: إن الاتفاق السعودي الإيراني ضربة للصراع الإسرائيلي ضد الملف النووي الإيراني، ولا يمكن الحد منها.
وقالت دانا فايس معلقة الشؤون السياسية في القناة 12 العبرية: إن نتنياهو تعهد في ولايته هذه أنه سينجح في تطبيع العلاقات مع السعودية، ونحن الآن نرى ذلك يبتعد وهذا ضرر إقليمي كبير جدًا علينا.
ملف التطبيع الإسرائيلي في المنطقة
تحاول إسرائيل تحقيق المزيد من الأهداف المتعلقة بملف تطبيع العلاقات مع دول الجوار، وبعد أن نجحت في تحقيق ذلك خلال السنوات القليلة الماضية مع بعض الدول، ترغب تل أبيب الآن بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ولكن ملف إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، قد يكون عائق أمام ملف التطبيع الإسرائيلي في المنطقة سواء مع المملكة أو غيرها من الدول الأخرى، نظرًا للخلافات الإسرائيلية الإيرانية القائمة، والصراع بينهما على عدة جبهات في الإقليم.
وعبرت الأوساط الإسرائيلية أيضًا عن خيبة آمالها من أن عودة العلاقات بين السعودية وإيران، سيكون عائق أمام إكمال ملف تطبيع العلاقات الإسرائيلي خاصة فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية.
وعلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على إعادة العلاقات بين إيران والسعودية، وقال نتنياهو: هدفي هو تحقيق السلام وتطبيع العلاقات مع السعودية، حسبما زعمت صحيفة معاريف العبرية.
وربما تكون هناك تأثيرت غير مباشرة لملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران على الأحداث الدائرة في منطقة الشرق الأوسط،سواء من خلال معالجة للملف اليمني، والتباحث حول استقرار الأوضاع في العراق وهي التي لعبت دورًا بارزًا في ملف إعادة العلاقات بين البلدين.
وربما يتم طرح الملف السوري على الطاولة بين البلدين لمحاولة حل الأزمة السورية، كذلك التعاون المتوقع بين البلدين فيما يتعلق بملف لبنان وإعادة تشكيل الحكومة من جديد وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والضغط على حزب الله مرة أخرى بعدم الانخراط في دعم الإرهاب، أو تصدير المخدرات إلى المملكة أو بعض الدول العربية الأخرى.
كذلك فإن ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران ربما يفتح الباب أمام طهران لتقوية علاقاتها مع دول أخرى في المنطقة على رأسها دول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الدول، وهو ما يساهم في إستقرار الأوضاع في الشرق الأوسط.
ولا شك أن كل هذه الملفات تقف عالقًا أمام السياسة الخارجية الإسرائيلية، وتشكل تحديًا لحكومة نتنياهو في التعامل مع الملفات الإقليمية الشائكة، فربما تكون هناك تحالفات بين إيران ودول أخرى تحد من التواجد الإسرائيلي وكسر أذرع تل أبيب فيما يتعلق ممارساتها الأمنية الخارجية، كذلك فإن ملف تطبيع علاقات تل أبيب مع جيرانها، سيكون صعبًا للغاية في ظل التقارب مع إيران، والذي ربما يزداد مع الوقت مع دول أخرى في الإقليم.
ضربة قاسية لحكومة نتنياهو
يعتبر ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران ضربة قاسية للحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين الإسرائيلي المتطرف بشكل عام، ويعود ذلك إلى وضع اليمين الإسرائيلي الملف الإيراني نصب عينه دائما في برامجه الانتخابية في إسرائيل، وأنه يعمل على محاربة العدو الإيراني ويهدف إلى تحقيق استقرار في المنطقة، حتى يتمكن من كسب أصوات اليمين في الفوز بالانتخابات وهذه حادثة متكررة على مدار السنوات الماضية في إسرائيل.
ويتضح من التعليقات الإسرائيلية على ملف إعادة العلاقات السعودية الإيرانية أن هناك غضب كبير من حكومة نتنياهو، وربما يصل الأمر للإطاحة بها، وهو ما أشار له رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت عندما قال: إن دول العالم والمنطقة ترى إسرائيل في صراع مع حكومة لا تعمل، تقوم بتدمير ذاتي ممنهج لنا، حكومة نتنياهو فشلت اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، وكل يوم يمر على بقائها يعرض إسرائيل للخطر، نحن بحاجة إلى حكومة طوارئ وطنية واسعة، تعمل على إصلاح الأضرار العديدة التي لحقت بنا.
وفي سياق آخر، يشير مسئولين إسرائيليون إلى تسبب حكومة بينت ولابيد السابقة في تقدم ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران وربط ذلك بحكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير، رافق بنيامين نتنياهو في زيارته لإيطاليا، إن الاتفاق بين السعودية وإيران جاء نتيجة شعور سعودي بضعف أظهرته الولايات المتحدة والحكومة السابقة في إسرائيل تجاه إيران، وفقا لما تداوله الإعلام العبري.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتصالات بين إيران والسعودية قد بدأت في عام 2021 في عهد الحكومة السابقة في تل أبيب، وحكومة بينت لابيد مسؤولة عن هذا الأمر ويجب مسألتهم بشأن ذلك.
الموقف الأمريكي الإسرائيلي من ملف السعودية وإيران
يعتبر ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران ضربة قاسمة للسياسة الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء، خاصة وأن عودة العلاقات بين البلدين تمت بمباركة صينية ودعم الرئيس الصيني، في ظل تراجع الدور الرياي للولايات المتحدة.
وهذا ما أشار إليه المسؤول السياسي الإسرائيلي، الذي أوضح وفق تصريحاته، أن السعودية لجأت للصين كقوة موازنة للولايات المتحدة، وأنه كانت هناك حالة من الشعور بتراجع الدور الأمريكي الإسرائيلي، لذا لجأت السعودية إلى قنوات اتصال أخرى.
وكانت قد رحبت واشنطن في بيان مقتضب بعودة العلاقات بين السعودية وإيران، وزعمت أنها كانت على معرفة بالاتصالات الدائرة بين البلدين طوال الأشهر الماضية، ولكنها أعلنت صراحة في بيان للبيت الأبيض أنها لم تلعب أي دور في المساهمة في عودة العلاقات بين الرياض وطهران.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية قد سلطت في تقرير لها الضوء على أربعة خلافات واضحة بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل، وذلك في أعقاب زيارة وزير الدفاع الأمريكي لتل أبيب، وهو ما ظهر بشكل واضح في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.
وبحسب التقرير العبري، فإنه لا يمكن اعتبار الزيارة السريعة لأوستن، نجاحا كبيرا، فقد جاء لتوضيح موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لحكومة نتنياهو، فيما يتعلق بعدد من الأزمات الإسرائيلية والإقليمية، وهي الملف الإيراني، والقضية الفلسطينية، والحرب في أوكرانيا، وخطة إصلاح القضاء في إسرائيل.
الدور الصيني في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران والمباركة الروسية
لعبت الصين الدور الرئيس والأبرز في ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران إلى جانب دور العراق وسلطنة عمان، وهو ما يعتبر انتصارًا للسياسة الخارجية الصينية في مواجهة أمريكا وزيادة في ثقل الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأنها على علاقة قوية مع الإيرانيين تحديدًا.
وقال المحلل الإسرائيلي روعي كايس حول الدور الصيني في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، إنه هناك ضرورة لمتابعة الوساطة الصينية ودور بيكين البارز في هذا الأمر.
وتؤكد الصين بعد دورها في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران على أنها قطر عالمي وله تأثيرًا كبيرًا، وبكين تحتاج للمنطقة في وقت تخرج أمريكا منها.
وأصدرت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية، بيانًا ثلاثيًا مشتركًا حول عودة العلاقات بين طهران والرياض بدعم من رئيس دولة الصين.
وأوضح البيان أنه، استجابةً لمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينج، رئيس جمهورية الصين الشعبية، بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبناءً على الاتفاق بين الرئيس شي جين بينج وكل من قيادتي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، تقوم جمهورية الصين الشعبية باستضافة ورعاية المباحثات بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورغبة منهما في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما.
وقال الجنرال الأميركي المتقاعد فرانك ماكنزي، الذي ترأس القوات الأميركية في الشرق الأوسط حتى 2022، إن المنطقة مهمة للولايات المتحدة جزئيا بسبب دور الصين المتنامي.
وتوسعت العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط في ظل جهود التنويع الاقتصادي في المنطقة، مما أثار مخاوف الولايات المتحدة بشأن تنامي مشاركة بكين في البنية التحتية الحساسة في الخليج على وجه التحديد.
وتحاول الصين أيضًا أن تلعب الآن دورًا بارزًا في حل الصراع العربي الإسرائيلي بسبب القضية الفلسطينية، في ظل عدم حيادية الدور الأمريكي الداعم لإسرائيل على طول خط المواجهة.
ويأتي ملف إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، بعد وقت قصير من زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن للشرق الأوسط، حيث زار دول مصر والأردن وإسرائيل، من أجل التأكيد على دور الولايات المتحدة في المنطقة بهدف طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط، وناقش أوستن الملف الإيراني تحديدا.
ومن جانبها رحبت روسيا بإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وجاء ذلك في بيان لوزارة خارجيتها، جاء فيه، إن موسكو تهنىء الأصدقاء في إيران والسعودية والصين على التوصل إلى اتفاق عودة العلاقات بين الرياض وطهران، وأن تطبيع العلاقات بين البلدين في منطقة هامة، يعتبر عاملا أساسيا في ضمان التطور الاجتماعي والاقتصادي.
وأوضح البيان الروسي، أن روسيا ساهمت في العملية السياسية جنبا إلى جنب مع دول أخرى مثل سلطنة عُمان والعراق وغيرهما وكان موضوع إعادة العلاقات بين إيران والسعودية في جدول أعمالها.
ذلك في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الروسية الإسرائيلية توترًا كبيرًا عى خلفية التعاون العسكري بين إسرائيل وأوكرانيا، وتقديم تل أبيب الأسلحة والمعدات لكييف، وهو ما أضر بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.