تمثل المواجهات العسكرية والأمنية والاستخبارية ملمحا مهما من ملامح العلاقة بين حزب الله وإسرائيل، لعل آخرها نجاح الحزب في خرق المجال الجوي الإسرائيلي بطائرات بدون طيار (مسيرات)، وفشل الدفاعات الإسرائيلية في اعتراضها، الأمر الذي أحدث هلعا في إسرائيل، وهو مؤشر على تنامي قدرات حزب الله العسكرية، وهو ما أكده زعيم حزب الله حسن نصرالله في خطابه الأخير .
خطاب نصرالله الأخير.. رسائل معلنة وأخرى مخفية
لايخلو خطاب يوجهه حسن نصر الله من رسائل معلنة وأخرى خفية إلى إسرائيل، وغالبا ماتعقب هذا الخطاب أحداث سياسية أو عسكرية يكون قد ألمح إليها في هذا الخطاب الأخير. كان آخرها في منتصف فبراير الماضي، حين تحدث عن قدرات الحزب القتالية، وقدرته على تحويل الصواريخ التي يمتلكها إلى صواريخ دقيقة[1]، وشدد على أن إسرائيل باتت كيانا مأزوما ويسير نحو الانحدار، كما أكد على أنّ هناك “تراجعا في رغبة الإسرائيليين في القتال، وفي ثقتهم بجيشهم مع تزايد رغبتهم بالمغادرة … ونشجع الإسرائيليين على مغادرة فلسطين ونحن مستعدون لتحمّل كلفة تذاكر سفرهم”[2]. وواصل تهديداته المعهودة بان إسرائيل ستزول، وأنها باتت تضعف وأن أيامها معدودة.[3]
كانت النقطة الأبرز في هذا الخطاب هي الحديث عن المسيرات، وأن الحزب انتقل لمرحلة التصنيع وفي هذا الصدد يقول: “إذا تجرأ العدو على القيام بتنفيذ عملية بحثاً عن صواريخنا فقد نكون أمام “عملية أنصارية 2″، وكشف قائلاً: “بدأنا في لبنان منذ سنوات بتصنيع المسيرات … واللي بدو يشتري أهلاً وسهلاً، ولدى شبابنا القدرة على مواكبة كل تطور، ونحن جاهزون لأي تطور جديد في صناعتنا العسكرية”، مشيراً إلى أنّ “المقاومة قررت تفعيل الدفاع الجوي الموجود منذ سنوات في مواجهة خطر المسيرات الإسرائيلية”.
وهكذا امتزجت لغة حسن نصر السياسية بلغة قوة، تحمل تهديدات واضحة ووعيدا قاطعا بأنه إذا حاولت إسرائيل الاقتراب من قواته سيتم الرد بقوة، كما شدد في خطابه على محور جديد من محاور المقاومة وهو القدرة على التصنيع العسكري، خاصة فيما يخص المسيرات، وهو تهديد أزعج إسرائيل. وفي أعقاب خطابه عن المسيرات بيومين فقط، نجحت ثلاث مسيرات تابعة له في اختراق المجال الجوي الإسرائيلي[4]، وفشل الدفاعات الإسرائيلية في اعتراضها، الأمر الذي أحدث ضجة في إسرائيل، عند تناول خبر خرق المجال الجوي، وبدا من تعليقات المحللين والمتابعين الإسرائيليين الهلع والخوف، والهجوم الشديد الجيش وأجهزته وقواته لعدم القدرة على اعتراض طائرات مسيرة. وهذا مؤشر يعكس الخوف الإسرائيلي من تعاظم قدرات حزب الله العسكرية.
تغيرت لغة خطاب حسن نصرالله في السنوات الأخيرة، فبعد الحديث عن المقاومة ومجالاتها وإنجازاتها وجدناه في خطابه الأخير يروج لصناعاته العسكرية بل ويعرضها للبيع، وهو ما يزيد التكهنات حول احتمالية مواجهة قريبة بين حزب الله وإسرائيل، خاصة مع تعاظم وتنامي قدراته القتالية في السنوات الأخيرة، وهو ما تحدث عنه الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين، خاصة مع التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بعدم سماحهم لأذرع إيران العسكرية في المنطقة بالتنامي وامتلاك قدرات قتالية تشكل تهديدًا مباشرًا وواضحًا للجانب الإسرائيلي، واعترف الجانب الإسرائيلي بتنامي قدرات حزب الله، وهو ما جاء على لسان وزير الدفاع، بيني جانتس، حينما هدد نصرالله ووعده بالمحاسبة، واعترف جانتس بتنامي قدرات الحزب، مشددًا على أن اللبنانيين هم من سيدفعون الثمن، وشدد على أن إسرائيل قادرة على صد التهديدات وحماية مواطنيها[5].
وهنا نلمح أمرين، الأول اعتراف إسرائيل بقدرات حزب الله وتعاظمها، والثاني وجود لغة دفاعية في تصريح جانتس بأن إسرائيل قادرة على صد التهديدات، خاصة حينما اعترف بوجود خطر بعد اختراق المجال الجوي الإسرائيلي من قبل مسيرات حزب الله، في أعقاب فشل منظومة القبة الحديدية في اعتراضها، وحدوث اضطراب وهلع في الشمال بسبب عدم تشغيل صافرات الإنذار، وبعدها فتح الجيش تحقيقا في ملابسات الحادث، وهو ما أحدث بلبلة وخوف لدى الإسرائيليين.
رد فعل الإسرائيليين على تنامي قدرات حزب الله
إن الحديث عن تنامي قدرات حزب الله العسكرية، وتهديدات القادة الإسرائيليين في الحكومات المتعاقبة له، وتصريحات نصرالله بزوال إسرائيل، لا يمثل تطورًا في العلاقات بين الطرفين، لكن حادث اختراق المجال الجوي الإسرائيلي دون قدرة الدفاعات الإسرائيلية على اعتراض المسيرات هو حادث جدير بالاهتمام، يتطلب مزيدًا من المراقبة ورصد وتحليل رد فعل المواطنين داخل إسرائيل حول تعاظم قدرات حزب الله العسكرية في الفترة الأخيرة.
رصد موقع “والا” [6] العبري خبر اختراق المجال الجوي الإسرائيلي، حيث جاءت ردود الفعل على شبكات التواصل الاجتماعي قرب ثلاثمائة تعليق من القراء على الخبر، يقول أحد القراء: “حكومة تثير الاشمئزاز اشترت ثلاث غواصات لم تكن في حاجة لهم، انهم لصوص فاسدين”، ويقول آخر: “الوحدة 8200 منشغلة بالتجسس على المدنيين في إسرائيل وليس بحماية الدولة من الاختراق”، بينما هاجم آخر الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت قائلا: “منذ تولي بينيت لم يلاحق “الإرهابيين” العرب ولم يستطع التصدي للمسيرات، ويسمح لهم بالهروب والعودة”، وشارك أنصار زعيم الليكود، بنيامين نتنياهو، في الردود، واستغلوا الفرصة للهجوم على حكومة بينيت، وشهدت التعليقات حربًا كلامية بين أنصار نتنياهو ومنتقديه.
الخلاصة
هناك تقديرات إسرائيلية تؤكد تعاظم قدرات حزب الله العسكرية، فتشير إلى أن حزب الله حقق طفرة كبيرة في قدراته في مجال المسيرات، ومن المتوقع أن يستخدمها التنظيم اللبناني في الحرب القادمة بحسب تحليل نشرته صحيفة معاريف [7]، وهناك مخاوف متزايدة لدى الجانب الإسرائيلي من استخدام المسيرات في اختراق المجال الجوي الإسرائيلي، خاصة مع تطوير استخدامها من مجرد أداة لرصد وتصوير بعض الأهداف، إلى سلاح فعال في المواجهات المقبلة، خاصة مع امتلاك الحزب قرابة ألفي طائرة بدون طيار، حيث نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست”[8]، في ديسمبر 2021، بعضها طُوّر في إيران والآخر صنّعه الحزب بقدراته الذاتية.
تقترب احتمالات المواجهة بين حزب الله وبين إسرائيل في الفترة المقبلة، بسبب التصعيد المستمر، وبسبب تنامي قدرات حزب الله العسكرية، وهناك رغبة لدى إسرائيل في كبح جماح تلك الطموحات العسكرية، لكن يظل احتمال المواجهة غير مؤكد، خاصة أن الجانبين لا يريدان الدخول في مواجهة سريعة بسبب تداعياتها المحتملة على الطرفين، في وقت يسعى فيه حزب الله لتعزيز تواجده الإقليمي وتعزيز قدراته العسكرية، لكن تظل تهديدات الجيش الإسرائيلي بقيادة بيني جانتس محل اهتمام وانتظار لما ستشهده الأيام المقبلة.
[1] https://www.maariv.co.il/news/world/Article-898571
[2] https://www.almayadeen.net/news/politics/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D9%86%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A:-%D9%86%D9%82%D9%88%D9%85-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%86%D8%A7-%D8%A5%D9%84
[3] https://www.kikar.co.il/412578.html
[4] https://news.walla.co.il/item/3489704
[5] https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-899970
[6] https://news.walla.co.il/item/3489704