وحدة الدراسات الفلسطينية

تعتبر موجات تدفق الهجرات اليهودية و جلب المزيد من المستوطنين هي العامل الرئيسي الذي تسعي سلطة الاحتلال للحفاظ عليه ، بالتوازي مع إستمرار عمليات التهجير القسري للفلسطينيين بهدف ضمان وجود أغلبية يهودية و بالتالي ضمان السيادة .

فالهجرة اليهودية إلى فلسطين التاريخية تجدد الطاقة البشرية اللازمة لتبقى إسرائيل مستمرة ويبقي الوضع الديموجرافي لصالحها ، الا أن ظاهرة الهجرة العكسية لخارج إسرائيل ، وتزايد الأعداد المتتالية للمهاجرين الاسرائليين غيرت موازين المصالح اليهودية ، وصارت خطراً يهدد الوضع الديموجرافي للدولة ، حيث أن ميزان الهجرة وصل لمستوى سلبي لصالح الهجرة العكسية الي حد كبير ، وظل تنامي نسبة المهاجرين إلي الخارج خلال الأعوام السابقة .

الهجرة العكسية بالارقام :

رغم توقف نشاط مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي  الي حد كبير عن متابعة حركة تدفق الإسرائليين من خلال تقريره الدوري ، لتجنب الصراع مع الكيانات الحكومية الإسرائيلية الأخرى ، إلا أن هناك بعض الإحصائيات التي تشير إلي مغادرة  أعداد كبيرة علي مر الأعوام السابقة ، بداية من عام 2005 حيث بلغ عددهم 25 ألف إسرائيلي مهاجر من الدولة العبرية معظمهم من اليهود  ، في حين بلغت أعدادهم ، في عام 2019  بلغ 7500 إسرائيلياً. ويمثل هذا زيادة بنسبة 17.3٪ مقارنة بالرصيد السلبي لعام 2018 ، والذي بلغ 6200 إسرائيلي. وهذا يعني أن المزيد من الإسرائيليين بقوا في الخارج في عام 2019. وبحسب البيانات ، كان أكثر من نصف المهاجرين من الرجال (51.3٪) وتتراوح أعمار غالبيتهم من 15 الي 30 عاماً ، أي النسبة الأكبر من الشباب. 

و بحسب معطيات وزارة الهجرة و الإستيعاب ، فقد سجل عام 2020 تفوقًا في ميزان الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج بـ74.9% مقابل 73.4% لمهاجرين يهود قادمين من الخارج .  

و هذه النسبة آخذة في التزايد ليس فقط لمن يهاجر وإنما من يفكر في الهجرة الي الخارج ، فوفقاً لإستطلاع رأي تم إجراؤه في منتصف عام 2021  ، يميل اليهود الأرثوذكس الأصغر سنًا الأقل ارتباطًا بإسرائيل للهجرة من نظرائهم الأكبر سنًا. حيث يمثلوا 48٪ من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا ، نظراً لأنهم غير مرتبطين بإسرائيل .

وبالتالي انعكس بشكل كبير علي تراجع الرغبة في الهجرة إلي إسرائيل ، كما يوضح الرسم ، تراجع في نسبة اليهود الاشكناز والروس بنسبة كبيرة ، يهود او غير يهود ، عن الاعوام الماضية .

في مقابل شهد زيادة في أعداد يهود إثيوبيا ، حيث اضطرت الحكومة لقتح الهجرة ليهود إثيوبيا (الفلاشا ) ، و بدء “عملية زور إسرائيل ” من إثيوبيا لجلب 2000 إثيوبي إلى إسرائيل ، ومن ثم يدل علي الوضع الديموجرافي الخطير لإسرائيل ، مما اضطروا للعمل علي زيادة عدد المهاجرين بإي طريقة ممكنة . بحيث يعانى المجتمع الإسرائيلى كثيراً في ظل تزايد اليهود الأكثر تمسكاً بهويتهم الثقافية من الروسيين والاثيوبيين وهم أقل ولاءً لدولة اليهود من سواهم داخل إسرائيل .

أرشيفية- توضيحية

أسباب تزايد حركة الهجرة العكسية :

تتعدد الاسباب التي تواجه إسرائيلي الداخل ، مما تزيد من عامل تفكيرهم في الهجرة للخارج.  فبعضها خاص بتراجع الفكر العقائدي بالنسبة للصهيونية في ظل تباين  مفهوم من هو اليهودي وتناقضات أركان الهوية الإسرائيلية وهل هي صهيونية أم ما بعد صهيونية ، وبالتالي تراجع رغبتهم في التمسك بفكرة دولة لليهود . ووفقًا لأرقام الوكالة اليهودية، فقد غادر إسرائيل 750 ألف يهودي ، استقروا في الخارج بصورة رسمية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، حاملين للجنسية الاسرائيلية بالاضافة لجنسيتهم الأم . ويمثل النسبة الكبري منهم تقريباً 30%  يهود أمريكان ، و20% يهود فرنسا ، والباقي  يهود من باقي أنحاء أوروبا واستراليا  ، بالإضافة الي 35% من الإسرائليين ولدوا بالخارج ، أي تمثل نسبة الأغلبية ليهود الغرب ، الذين فضلوا العودة لبلادهم مع الإحتفاظ بالجنسية الإسرائيلية ، كما يتم تسميتهم بال ( yeridah )[1] . وبالتالي فإنه ناتج عن تراجع إيمانهم بوجود وطن قومي لليهود .  

أرشيفية

أما العوامل الاخري فتتمثل في :

اسباب داخلية :

هناك أسباب عديدة تدفع الكثير من الإسرائيليين إلى الهجرة إلى الدول الغربية المتطورة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا. وتتمحور هذه الأسباب حول :

  • الوضع القانوني :

يتمثل في ضعف الأساس القانوني المنظم للدولة ، وغياب المساواة بين الطوائف ، حيث يعتبر قانون العودة بمميزاته مقتصر علي يهود الاشكناز فقط ، في حين غير شامل لليهود العرب من ناحية ، و اعتبار يهود الفلاشا مواطن من الدرجة الثانية ، مما يخلق صراعاً داخلياً . وبالتالي عمق نظرية التمييز العنصري ليهود الاشكناز عن باقي الطوائف .

  • الوضع والأمني والسياسي:

مع تصاعد وتيرة المواجهات مع الفلسطينيين سواء من خلال القصف المتبادل بين فصائل المقاومة في غزة  وجيش الاحتلال أو مواجهات السكان في الضفة الغربية و القدس الشرقية مع المستوطنين وشرطة الاحتلال ، و الأصعب هو انتفاضة فلسطينيي الـ 48، و دعمهم  إخوتهم في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، في معركتهم ضد الاحتلال الذي فشل في تغيير إنتمائهم الوطني ، فإن عدداً كبيراً من الإسرائليين يفضلون الهجرة عن البقاء في محيط غير آمن .

أما بالنسبة للوضع السياسي تبدو الأجواء السياسية في إسرائيل مليئة بالمخاطر، وذلك في أعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في البلاد، وإشتداد لهجة التحريض التي قد تؤدي إلي إغتيالات في ظل تناقضات الحكومة الائتلافية الجديدة .

تصاعد وتيرة التطرف الشديد في الخطاب العنيف على وسائل التواصل وغيره ، بالإضافة الي فقدان الأمل في الوصول إلي تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية لتحقيق الاستقرار ، فإنها تمثل أسباب كافية لكل يهودي يهاجر او حتي يفكر في ذلك بإعتباره وطن غير صالح أمنياً وسياسياً .

  • العامل الاقتصادي :

وتطرح المشكلة الاقتصادية تحديات عديدة ، منها غلاء المعيشة في إسرائيل وفي نوعية الخدمات الاجتماعية. وكذلك ارتفاع أسعار السكن علي المواطنين فهي واحدة من أكثر المشاكل التي يواجهها الإسرائيليون ، والتي تخلد فكرة التقسيم الطبقي في المجتمع وتوسع الفجوات بصورة كبيرة ، والتي ترتبط بشكل واضح بظاهرة الأثرياء الذين اغتنوا بسرعة وباتوا يسيطرون في الاقتصاد الإسرائيلي خلال السنوات العشر الأخيرة مما ترتب عليه من تشديد المركزية الاقتصادية والتي تؤثر على غلاء المعيشة . وغيره من مظاهر الفساد بشقيه الاقتصادي والاداري القائمة علي فكرة التمييز الطائفي .

تحديات خارجية :

مع تزايد المخاطر والتهديدات الخارجية المحيطة بإسرائيل سواء من الشمال بوجود حزب الله في لبنان  ، و في سوريا . وكذلك تصاعد إيران كدولة منافسة تحظى بنفوذ إقليمي معادي لإسرائيل ، ومساندتها للحركات المسلحة المحيطة بإسرائيل . مما يعني أن منطقة الشرق الأوسط التى أصبحت في الوقت الراهن تصب في غير صالح إسرائيل وأمنها القومي ، مما يجعلها غير صالحة كملجأ لليهود والعمل علي الهروب منها .

كل هذه العوامل تصب في تزايد معدلات الهجرة السلبية او التفكير فيها من قبل الشباب اليهودي .

تداعيات الهجرة العكسية علي الوجود الاسرائيلي ومن ثم مسير القضية الفلسطينية

  • التفاوت العرقي الملحوظ في الداخل الإسرائيلي وتهديد الهوية الثقافية:

إن الوضع الداخلي لإسرائيل يشهد مرحلة دقيقة وحساسة للغاية نتيجة في ظل تزايد معدلات النمو الديموجرافي للفلسطينيين في مقابل تراجع أعداد اليهود ، في ظل تعقيدات خطيرة في الداخل اليهودي سواء علي مستوي الطوائف اليهودية .  فمع تزايد هجرة اليهود وخاصة الاشكناز الأكثر انتماءاً في مقابل تزايد من هم غير منتمين  للدولة اليهودية  والعلمانيين الموجودين لأغراض نفعية أكثر منها عقائدية وفكرية ، وبالتالي تشهد إختلافات فكرية بين المتدينين والعلمانيين ، الشرقيين والغربيين ،اليمين و اليسار، و التي تجعل لكل جماعة فكرها الخاص و أهدافها الخاصة .مما ساهم في تعميق نظرية التمييز العنصري ليهود الاشكناز عن باقي الطوائف ، وحدوث سلسلة تظاهرات للتنديد بالعنصرية  .

  • إن تهديد الهوية اليهودية في اسرائيل ينبع ليس فقط من الفلسطينين واليهود ككل أو الاشكناز واليهود السفارد أو الفلاشا أو الروس، بل من داخل يهود الاشكناز الذين بدأوا في تبني الفكر العلماني القائم على الفصل ما بين الدين والدولة وإعلاء قيم المواطنة، فهناك خمسة أنواع لليهودية في إسرائيل وهم المتدينين التقليديين، وغير المتدينين التقليديين، واليهود العلمانيين، والاسرائيليين العلمانيين واليهود من غير الأصول اليهودية ، ومع إختلاف الرؤي اليهودية والتصادم بينهم تنذر وجود صراعات داخلية . ونستنتج من ذلك أن المجتمع الإسرائيلي أكثر المجتمعات هشاشة في ظل وجود الفلسطينيين ضد اليهود ، واليهود الاشكناز ضد السفارد ، والبيض ضد السود . وبالتالي فإن أي أزمة داخلية تنذر بإنهيار المجتمع .
أرشيفية

يمكن القول في ظل التناقضات الداخلية التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي من هجرة اليهود وغيره من تداعيات التفاوت الطبقي ، فإن علي المدي الطويل تصب لصالح فلسطين والتفوق الديموجرافي سيظل فلسطيني ، علي الرغم من المخططات الإسرائيلية  إلا أنها لا زالت عاجزة عن تحقيق الأرقام اللازمة لضمان الأغلبية اليهودية . و بالإضافة لتزايد نسب الهجرة العكسية وارتفاع عدد من يفكر في الهجرة من شباب اسرائيل ، حيث تشير الإستطلاعات إلي  أن حوالي 60%  من الشباب يمكن أن يفكروا في الهجرة إذا اتيحت لهم الفرصة و أن الإسرائيلي لا يرغب في تعريض حياته للخطر و لا في القتال من أجل أرض لا يشعر بالإنتماء إليها . مما يعني أن المقاومة الفلسطينية وتمسك الفلسطينين بأرضهم واستمرار نضالهم لإقامة دولتهم يمكن أن يشكل معادلة لمفهوم الأمن القومي الإسرائيلي . وكذلك مع التناقضات الخارجية لإسرائيل وتزايد حدة الخطابات المناهضة ضدها كدولة فصل عنصري (ابارتهيد) ، التي يعبر عنها يهودي الخارج سواء في الولايات المتحدة واوروبا الرافضين للوجود الصهيوني، وتزداد حدة المواجهات ضد عنصريتها خاصة ، مع توجه المجتمع الدولي بإعتبارها دولة فصل عنصري بداية بتقرير منظمة العفو الدولية وإدانتها الأفعال الوحشية للحكومة الاسرائيلية . فإن كل هذه المعطيات تصب بشكل كبير في صالح القضية الفلسطينية .


[1]  الترجمة الإنجليزية عن مصطلح عبري يعني النزول ، ويطلق علي اليهود الاسرائليين الذين قرروا الهجرة والاقامة بالخارج مع الاحتفاظ بالهوية الاسرائيلية .

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version