تتعرض دولة بوركينا فاسو الواقعة فى غرب أفريقيا والتى تعتبر أكثر الدول فقرًا على مستوى العالم منذ عام 2015 ، لعمليات إرهابية كثيرة كان أخطرها الهجوم غير المسبوق الذى تعرضت له قرية سولهان شمال البلاد قرب الحدود مع مالى والنيجر، وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن 160 شخصا.
الهجوم حدث فى منطقة تقع فى محيط “الخطر” بسبب التهديدات الأمنية المتزايدة من الجماعات الإرهابية المسلحة ، و التى لديها تواصل مع شبكات الإرهاب فى منطقة الساحل الإفريقي، كما أن الهجوم المسلح هذه المرة كان على موقع “للقوات الرديفة” ومنازل فى بلدة “سولهان” الواقعة على المنطقة الحدودية لبوركينا فاسو مع النيجر، وجاء في أعقاب هجوم آخر فى 5 يونيو 2021 استهدف، قرية “تدريات” الواقعة فى المنطقة ذاتها، وقُتل خلاله ما لا يقل عن 14 شخصا، وعلى الرغم من أن هذا الهجوم يصنف بأنه الأكثر دموية، لكنه يظل واحدا من عمليات كثيرة شهدتها البلاد مؤخرا.
و دعت المقاومة الشعبية فى بوركينا فاسو لحمل السلاح للدفاع عن الشعب، و للدفاع عن المناطق الشمالية والشرقية للبلاد، فى حال تدهور الوضع الأمنى، فالوضع يزداد خطورة ما بين إرهاب وجوع ونزوح عشرات الآلاف، وما بين مشهد معقد وتهاون دولى.
بوركينا
رئيس بوركينا فاسو كريستيان كابورى – أرشيفية
ماذا يحدث في بوركينا فاسو ؟
القوات الرديفة، هى قوة دفاع مدنية يُطلق عليها “متطوعون للدفاع عن الوطن” تحارب الجماعات الإرهابية، تشكّلت فى ديسمبر 2019 لدعم الجيش فى مكافحة الإرهاب.
والهجوم الإرهابى على قرية سولهان يأتى فى ظل ظروف أمنية و سياسية إقليمية متوترة، وهو ما يمكن إيجازه في التالى:
-القرار الأخير الذى اتخذته فرنسا بتعليق عملياتها العسكرية المشتركة مع القوات المالية فيما يعرف “بعملية برخان” ، على الانقلاب العسكري الذى حدث فى مالى، و الذى يعتبر الانقلاب الثانى فى ظرف تسعة أشهر.
-التحذيرات المتواصلة منذ بداية يناير 2021 حول تصاعد خطورة الجماعات الإرهابية المسلحة على الحدود بين بوركينافاسو و مالى ، خاصة فى “صولحان” و منطقة “مانسيلا” ، حيث أصبحت هاتين المنطقتين ميدانا لتحرك الجماعات الإرهابية المسلحة بكل سهولة و حرية، ما يعنى أن السلطات الأمنية و العسكرية البوركيناية فقدت السيطرة على هذه المنطقة، مما سهل من تفعيل نشاط الجماعات الإرهابية.
-واللقاء الذى جمع بين وزراء الدفاع لبوركينافاسو “شريف سى” و كوت ديفوار “تينى بيراهيما واتارا” فى العاصمة البوركينابية واجادوجو، حيث تحدث الوزيران عن سبل التعاون العسكرى و التنسيق الأمنى و الاستخباراتى فى مكافحة الإرهاب.
-و تزايد وتيرة العنف و الإرهاب فى منطقة صولحان كلما اقترب موسم هطول الأمطار، بحيث تصبح المنطقة صعبة و غير ملائمة للتحرك و النشاط ، الأمر الذى أدى بالجماعات الإرهابية إلى تنفيذ هجومهم كخطوة استباقية.
تمدد الإرهاب في بوركينا فاسو 
واجه شمال بوركينا فاسو، الذى أهمله المجتمع الدولى، زيادة فى الهجمات الإرهابية فى السنوات الأخيرة. بوركينا فاسو هى واحدة من أفقر دول غرب أفريقيا غير الساحلية، فهى مثقلة بخسارة مطردة للقوى العاملة و الاستثمارات الأجنبية ، وانخفاض مستوى المعيشة وارتفاع مستويات عدم المساواة و العدالة الإجتماعية.
فى سنة 2016، حاول تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى وأنصار الإسلام جعل شمال بوركينا فاسو معقلا استراتيجيا لإقليم الصحراء الكبرى ، بدأت الجماعات المتطرفة العنيفة تتدخل بشكل متزايد فى منطقة الساحل شمال شرق بوركينا فاسو، حيث قامت بإنشاء دولة وملجأ لابتزاز قوات مكافحة الإرهاب المتواجدة فى مالى والنيجر، الهجمات الإرهابية فى واجادوجو ، فى يناير 2016 ، تظهر تهديدا مستمرا من المتشددين الإسلاميين القادمين من مناطق الملاذ هذه، بحيث تصل نسبة عدد المسلمين 60،53 في المائة من مجموع سكان البلاد.
والمتطرفون فى شمال بوركينافاسو لطالما كانوا يتمتعون بدرجة من الملاذ داخل المنطقة، ليس فقط من التضاريس المواتية ولكن أيضا من الإجبار تجاه السكان المحليين، وقد أدى انعدام الأمن الفعال فى بوركينا فاسو إلى ظهور ميليشيات الدفاع الذاتى، أو ما تسمى ” المتطوعون من أجل الدفاع عن الوطن”، و التي تبدى درجات متفاوتة من الولاء للحكومة المركزية أو احترام سيادة القانون.
ترتفع مخاطر الاختطاف والهجوم بشكل خاص فى شمال ووسط وشرق بوركينا فاسو، حيث يتم استهداف شركات التعدين بشكل متزايد، لا سيما على طول الطرق المؤدية إلى المواقع، وتسلط الهجمات على الكنائس والزعماء الدينيين المسيحيين الضوء على احتمال أن يؤجج الإرهابيون الانقسام من خلال استغلال الطائفية.
وانتشرت الهجمات الإرهابية بسرعة فى جميع أنحاء البلاد منذ عام 2018، وجرائم العنف فى ازدياد فى جميع أنحاء البلاد وفى العاصمة واجادوجو، مدفوعة بعدم الاستقرار السياسى والمصاعب الاقتصادية، وتشير الهجمات الإرهابية فى واجادوجو فى 2016 و2017 و2018 إلى استمرار خطر هجمات المتشددين الإسلاميين فى العاصمة.
بوركينا فاسو والواقع المعقد – أرشيفية
واقع معقد
أجبر عشرات الآلاف من السكان على الفرار من ديارهم فى الأشهر الستة الماضية فى جمهورية بوركينا فاسو وحدها بسبب العنف والأعمال الإرهابية التى تنفذها فى مناطقهم جماعات متطرفة.
ونزح أكثر من 237 ألف شخص قسراً من قراهم، ما يرفع عدد النازحين فى الجمهورية الواقعة فى غرب أفريقيا إلى أكثر من 1,3 مليون نسمة، وفق ما أعلنت الحكومة، و يُعد غالبية النازحين، أى قرابة 60 بالمئة، هم من الأطفال فيما تمثل النساء 23 بالمئة منهم.
وقد تم تسجيل 237,078 نازحاً فى النصف الأول من 2021، ما يرفع عدد النازحين من 1,074,993 فى ديسمبر 2020، إلى 1,312,071 فى 30 يونيو 2021.
وقد فرّ معظم هؤلاء إلى بلدان مجاورة، خصوصاً إلى مالى التى تستضيف 20 ألفاً من بوركينا فاسو، بينهم 6600 وصلوا إلى منطقة تمبكتو “شمال غرب” منذ بداية العام. وفى النيجر، يوجد حاليّاً 11400 طالب لجوء من بوركينا فاسو، مقابل 7400 فى يناير، وبحسب المجلس الوطنى للإغاثة الطارئة (كوناسور)، فقد تأثرت 271 بلدية معظمها فى وسط وشمال وشرق البلاد، وهى المناطق الأكثر تضرراً من الهجمات الإرهابية.
وقد انعكست هذه الظروف الأمنية السيئة على الأوضاع الاقتصادية المتردية، بحيث تشير تقارير المؤسسات المالية الدولية إلى أن عُشر سكان بوركينا فاسو أصبحوا مهددين بالمجاعة، كما أن مؤشرات الفقر والبطالة قد تفاقمت إلى مستويات غير مسبوقة فى السنوات الخمس الأخيرة.
وبحسب تحليلات مراكز الرصد الاستراتيجية الأوروبية، يبدو أن بوركينا فاسو فى طور الالتحاق بمسار مالى، باعتبار أن الجماعات الإرهابية تسعى إلى إزالة الحاجز الجيوسياسى المنيع الذى يفصل منطقة الساحل عن كوت ديفوار وغانا، بما يُنذر بتوسيع القوس الإرهابى فى أفريقيا جنوب الصحراء، من خلال الْتحام الجماعات الراديكالية النشطة فى الساحل بتنظيم بوكو حرام النشط فى وسط أفريقيا.
كيفية مكافحة التطرف و الإرهاب في بوركينا فاسو ؟
أولا: السلطات البوركيناية ملزمة بوضع خطة طارئة للحد من مخاطر التطرف و الإرهاب وعلى الأقل صياغة حلول لتسيير ملف مكافحة الإرهاب على المدى القريب و المتوسط، مع العمل على كسب مساندة المجتمع الدولى لتقديم الدعم.
ثانيا: كذلك عليها التحضير لخطة تنموية تستهدف الشمال، تتعلق بإعادة توزيع الثروات و الأموال، و إنشاء بنية تحتية فى المناطق النائية لهذه المنطقة.
ثالثا: مرافقة المؤسسات التربوية و التعليمية من خلال نشر ثقافة الانفتاح و التسامح و نبذ التطرف و الاصولية ، و يكون ذلك من خلال حوار داخلى حقيقى مع مختلف الزعماء الدينيين فى البلاد.
رابعا: مضاعفة التنسيق مع الاتحاد الإفريقى و الدول الداعمة لملف مكافحة من أجل إيجاد أرضية تمّكن بوركينافاسو من التقليل من وتيرة الإرهاب على أراضيها.
خامسا : إعادة احياء تجمع دول الساحل والصحراء وتفعيل اتفاق تدريب قوات التجمع لمكافحة التطرف لملء فراغ رحيل عملية برخان.
سادسا: ضرورة الحصول على الدعم المالى والسياسى والأمنى من قبل كل من الاتحاد الافريقى والاتحاد الأوروبى.
فى النهاية المجتمع الدولى يتحمل مسئولية توغل الإرهاب فى أفريقيا، بسبب إهماله للنداءات المتكررة من شعوب، وحكومات دول القارة، للتعاون فى مجالات التنمية، فلابد من تعاون المجتمع الدولى، والنظر إلى المصلحة العامة للشعوب، بدلا من البحث عن مصالح خاصة قد تودى بأمن العالم إلى الهلاك.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version