تطورات الاتفاقية البحرية التركية-الليبية:
قراءة في ملف الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا:
شهد شرق البحر الأبيض المتوسط خلال السنوات الأخيرة تصاعداً في التنافس الجيوسياسي المرتبط بترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة، حيث باتت الاتفاقيات البحرية أداة استراتيجية لإعادة تشكيل موازين القوى. وتأتي الاتفاقية البحرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية (2019) في صلب هذا التوتر، والتي قوبلت لاحقًا بتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية مضادة بين آثنا ومصرعام (2020).
برز تطور لافت مؤخراً بعد أن أعادت تركيا توجيه سياستها البحرية ضمن إطار “الوطن الأزرق”. تمثل في قيام برلمان طبرق الليبي (البرلمان الشرقي) بإعادة النظر في الاتفاقية، ما أعاد الملف إلى الواجهة وسط ردود فعل إقليمية قوية.
أولاً: خلفية الاتفاقية البحرية التركية-الليبية (2019):
وقّعت تركيا اتفاقية مع حكومة الوفاق الليبية لترسيم حدود المناطق الاقتصادية البحرية، متجاوزةً بذلك مزاعم بعض الجزر اليونانية، ومقتربة من الحدود البحرية المصرية. أثارت هذه الخطوة اعتراضات قوية من قبل مصر واليونان وقبرص، معتبرين أنها تتعارض مع القانون الدولي للبحار، وتُقصي أطرافًا أخرى لها حقوق تاريخية وجغرافية.
ثانيًا: تحركات البرلمان الليبي الشرقي (2025):
في 18 يونيو 2025، أعلن البرلمان الليبي في طبرق عن تشكيل لجنة فنية متخصصة لمراجعة بنود الاتفاقية التركية-الليبية. رغم أن هذا البرلمان لم يكن قد اعترف سابقًا بالاتفاقية، فإن هذه الخطوة تفتح المجال لإعادة تقييمها وربما المصادقة عليها، مما يُعد تحولا كبيرًا في موقف الشرق الليبي، ويمثل انتصارًا تركيًا محتملًا على الصعيد الدبلوماسي.
ثالثًا: ردود الفعل الإقليمية (مصر و اليونان):
أرسلت اليونان وزير خارجيتها “جيرابيتريتيس” في زيارة موسعة إلى بنغازي وطرابلس.
أجرى وزيرا خارجية مصر واليونان اجتماعًا استثنائيًا لبحث سبل التنسيق المشترك لاحتواء أي مصادقة محتملة من البرلمان الشرقي الليبي.
أكدت مصر تمسكها باتفاقها البحري مع اليونان لعام 2020، الذي يُعد بديلاً قانونيًا يُعارض ترسيم أنقرة مع طرابلس.
اليونان بدورها كثفت اتصالاتها مع الأطراف الليبية، محذرةً من تبعات الإقرار باتفاق يُلغي السيادة البحرية للجزر اليونانية.
رابعًا: الموقف التركي الجديد:
عززت أنقرة علاقاتها مع قيادات شرق ليبيا، بما في ذلك نجل خليفة حفتر، (صدام حفتر)..
عرضت حزمة مشاريع تنموية في بنغازي ودرنة، وصفقات عسكرية مستقبلية..
. تعمل على إبرام شراكات أمنية واقتصادية استراتيجية مقابل الاعتراف الرسمي بالاتفاقية البحرية.
لماذا قد يصادق حفتر على الاتفاقية البحرية مع تركيا؟
هناك مؤشرات على انفتاح جديد من برلمان طبرق تجاه أنقرة، بعد سنوات من القطيعة.
_تعرض تركيا استثمارات كبيرة في البنية التحتية، إضافة إلى صفقات أمنية
_ نسجت أنقرة علاقات مع نجل حفتر، الذي يلعب دورًا متزايدًا في القرار العسكري والسياسي.
_ضعف الدعم الغربي لحفتر يدفعه لفتح قناة شراكة مع تركيا.
خاتمة:
يشهد المشهد البحري في شرق المتوسط لحظة مفصلية، فهذة القضية تمثل أحد أبرز تجليات التنافس الإقليمي على ثروات المتوسط. وتحركات البرلمان الليبي الشرقي تعد مؤشراً دقيقاً على التحولات الحاصلة في التوازنات الجيوسياسية. إن نجاح تركيا في تمرير الاتفاقية سيعيد رسم الخريطة البحرية، بينما تحاول القاهرة وأثينا احتواء هذه التحركات عبر أدوات قانونية وتحالفات دبلوماسية. المستقبل القريب سيحدده قرار طبرق، تصديق الاتفاقية أو الإبقاء عليها كورقة تفاوضية في لعبة إقليمية طويلة المدى.