إن عملية طوفان الأقصى قلبت موازين المجتمع الإسرائيلي كافة، وعلى كل المستويات حتى الجماعات الدينية اليهودية والتي كانت ترفض الانخراط في المجتمع، تغير موقف البعض منها وهو ما يمكن إيجازه على النحو التالي:-
على الجانب المجتمعي:
انقسم المجتمع المتدين تجاه التفاعل مع الأزمة الراهنة، فهناك فريق تجمع تحت شعار ( موجة العطاء الوطني) يرى أنه لابد من الاندماج مع المجتمع والتطوع للجيش ولكن في البدية لم يعرفون كيف حتى تم الذهاب لمكاتب التجنيد وبالفعل تم التطوع لعدد ما يقرب من 3000 ، وهناك عدد منهم تطوعوا في الجيش للمحاولة التضامن على الدولة بشرط أن يكون السن 26 فيما فوق لانهم يرون أن هذا هو السن المناسب للتجنيد، على الرغم من أن مسألة التجنيد لم يتم حلها حتى الآن،كما أن هناك تشجيع من الكثير من الحاخامات بضرورة اتحاد كل طوائف المجتمع، بالاضافة إلى عمل مبادرات: التبرع بالدم ، و (אחים לעורף ) ” أخوة الجبهة الداخلية” وكذلك قاموا بعمل منتديات تجمعية من أجل تقديم مساعدات للأسر اليهودية التي بها مصابين. وكذلك تكوين منظمة (משמר העם) ” حراسة الشعب” قامت بتجنيد 1500 متطوع من اليهود بهدف رئيس وهو التواجد في الشوارع والتواصل مع مراكز الطوارئ ومساعدة الفلاحين في الزراعة وكذلك العمال في المصانع وغير ذلك. هذه غير المؤسسات الخيرية التي تنتمي للمتدينين ودورها المجتمعي الذي يتمثل في التبرعات المادية لصالح الدولة، ونرى أيضًا أن أحد المدارس الدينية تبنت مبادرة ” تبني حنديًّا ” تم إعطاء كل طالب يدرس في المدرسة اسم جندي مقاتل أو مختطف ومن ثم يأخذ على عاتقه تكريس دراسته والصلاة من أجل أن يعود إلى منزله آمنًا وسليمًا بالجسد والروح.
حتى النساء منهم تطوعن من خلال الاشتراك في الأمور المتعلقة بالتكنولوجيا مثل البحث عن المفقودين، التواصل على الأشخاص الذين تم اجلائهم من بيوتهم، كما خرج ببعض الحاخامات برسائل لحماس فأحدهم قال( انه يدين حماس لانهم اخذوا رهائن من الاطفال والشيوخ والنساء وقال أنا سأتكلم معكم بكلام الله واستشهد بكلام الشيخ القرضاوي عندما قال إن المسلمين يحسنون معاملة الأسرى، ويعطونهم الغذاء والماء ولا يوجد شعب افضل من المسلمين في التعامل مع الأسرى، لذلك أناشدكم بضرورة إطلاق سراح الأسرى تنفيذًا للشريعة الإسلامية.
الفريق الثاني: يرى أنه لابد أن ينغلقون على أنفسهم ويتشبثون بمقاعد الدراسة بعيدًا عن تأثير الشارع والبيئة الإسرائيلية. لأنهم يرون أن دراسة التوراة وكذلك الصلاة والوصايا هي جزء لا يتجزأ من نظام القتال، وتأثيرها على مسار المعركة لا يقل عن أهمية عن مقاتل عادي، حيث قال أحد الحاخامات أن لنا دورُ مهم في هذه النكبة التي حدثت لإسرائيل وهو لابد من الاستزادة من دراسة التوراة لأنها هي التي تنير العالم.
ناطوري كارتا والجماعات المناهضة للصهيونية:
الحركة التي يذاع صيتها دائما في مناهضة إسرائيل، بينما عن عملية طوفان الأقصى تحديدًا خرج المتحدث الرسمي للجماعة ليعلن “نحن باسم اليهود ندافع عن ديننا وما تفعله إسرائيل مع فلسطين ضد اليهودية، واستكمل أنا يهودى متضامن مع فلسطين وأرتدى العلم الخاص بها في الشوارع وإننا نناهض الصهيونية لدولة الاحتلال الإسرائيلي”.
وذكر موقع اتحاد اليهود ضد الصهيونية “توراه جودزيم” تزامنًا مع عملية طوفان الأقصى، أن “اليهودية ليست الصهيونية، وإسرائيل ليست دولة الشعب اليهودي، وإسرائيل لا تمثل اليهود، ولا تتكلم باسمهم، واليهود ليسوا مسؤولين عن تصرفات دولة إسرائيل. ولم يكتفوا بهذا بل أعلنوا ايضًا “نحن نحزن ونصلي من أجل جميع الأشخاص الذين ماتوا، المسؤولان الوحيدين عن هذه الوفيات هما إسرائيل والصهيونية. قبل غزو الصهاينة لفلسطين، كان اليهود والمسلمون يعيشون هناك بسلام. وكانت فلسطين ملاذًا آمنًا لليهود. لقد أنشأ الصهاينة دولة احتلال وعنصرية بسرقة هويتهم اليهودية. لن يقبل اليهود أبدا بهذه الدولة الصهيونية. معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية”.
ويقول الحاخام (ديفيد وايس) المعروف برفضه للصهيونية ” لا توجد عنصرية في الهوية اليهودية، اليهود ليسوا عرقا، اليهود ليسوا قومية، اليهود ليس لديهم دولة “منفصلة”، الصهيونية ليست اليهودية، لا يمكن للصهاينة أن يمثلوا اليهود”.
على الجانب السياسي:
في الأونة الأخيرة اثرت الأحزاب الدينية في الجانب السياسي وخاصة أحزاب الصهيونية الدينية وهذا ما ظهر بوضوح في الانتخابات الأخيرة والحكومة الحالية، وأصبح لها تأثير قوى وفعال على أرض الواقع من خلال فرض ايديولوجياتها مثل رفض فكرة حل الدولتين والسعي خلف التعديلات القضائية وغيرهما، ونجد فيما يخص عملية طوفان الأقصى انقسم المتدينين فيما بينهم، حيث اعلنت بعض الأحزاب وبعض الحاخامات عن تحميل الحكومة وابن جفير جزء كبير من مسئولية الفشل الذي أدى لهذا الخلل الأمني ولكن الان ليس وقت الحساب؛ حيث كل ما يراه انه لابد من توزيع اكبر عدد من الأسلحة على المدنيين للدفاع عن أنفسهم من النازيون ( المقاومة)، وفتح باب التصاريح لحمل السلاحولن تاخذ وقتا طويلًا.
وقاموا بإلقاء لوم كبير على فشل بن جفير وجاء تخوفهم على الأسرى الذين استطاعت حماس الامساك بهم مشيرين الى ما سبق وفعله بن جفير حيث عندما أمر في شهر فبراير الماضي بإغلاق مخابز البيتا في سجون ريمون وكاتزيوت الأمنية، التي كان يديرها أفراد المقاومة المسجونون هناك، كما أعلن في وقت لاحق عن تحديد وقت لاستحمام السجناء، بحيث تتوقف المياه بعد أربع دقائق، وكذلك أوامره التي أصدرها في نهاية شهر أغسطس بشأن الحد من زيارات عائلات السجناء الأمنيين إلى مرة واحدة فقط كل شهرين. كل هذا وفقا لأقوالهم تسبب في إثارة غضب المقاومة.
على الجانب الثاني هناك الكثير يلتف حول سموتريتش على أنه صاحب التيار القومي الذي سيحقق أهداف الصهيونية وفي نفس الوقت يراعي الجانب السياسي له في الحكومة وعن موقف سموتريتش نفسه فقد عمل على محاولة تقليص رواتب بعص كبار المسئوليين وذلك لزيادة تمويل عملية السيوف الحديدية.
ونجد على مستوى الاحزاب الحريدية قال مسؤولون كبار في الحزبين الحريديين، شاس ويهدوت هتوراة، إنه اذا تم اجراء الانتخابات ثانية فلن ينتخبوا نتنياهو.
ختامًا:
إن عملية طوفان الأقصى غيرت كثيرا في نظرة بعض المتدينيين للمجتمع الإسرائيلي، حتى وإن كان هناك الكثير من الاعتراضات، ولكن نجد على سبيل المثال من تطوعوا للجيش. وما يعتقده الساسة هنا بأن ما حدث يعتبر تغير مهم في العلاقة بين المتدينين والعلمانيين.