ترجع أهمية الانتخابات القادمة في ليبيا إلى أنها أول عملية انتخابية لاختيار رئيس منتخب في تاريخ ليبيا منذ إعلان الجماهيرية في 1977م، وقد شهدت ليبيا خلال السنوات العشر الماضية منذ الثورة على نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، عمليتي انتخاب للبرلمان، الأولى جرت في عام 2012م، والثانية في عام 2014م.
وفي عام 2015م، وبعد عقد اتفاق الصخيرات، اجتمعت الأطراف المتصارعة في ليبيا، وتقرر تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج الذي أصبح القائم بأعمال رئيس الدولة حتى أوائل عام 2021م الجاري، بعد أن استقر المجتمعون في مؤتمر جنيف على تشكيل مجلس رئاسي يضم ممثلين عن كل المناطق الليبية، فاز برئاسته محمد يونس المنفي، بينما فاز عبدالحميد الدبيبة برئاسة الحكومة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات التي تقرر موعدها في 24 ديسمبر المقبل 2021م.
تركيا وحكومة الفترة الانتقالية:
لا تتوافق تصريحات الحكومة الليبية ومسئوليها، المتعلقة بضرورة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، مع استمرار التحركات التركية الحرة، وحفاظها على حركة تبديل المرتزقة السوريين كل خمسة عشر يومًا، بالإضافة إلى تصريحات المسئولين الأتراك المستمرة بأنه “لا خروج لتركيا من ليبيا”، بالإضافة لحرصهم على التأكيد أن هناك “مخاطر وتهديدات حتى الآن على مناخ السلام في ليبيا”، وأن التواجد التركي ليس إلا لدعم الأشقاء الليبيين في قضيتهم العادلة حسب الوصف.
ولا تتوافق مع استجابة عبد الحميد الدبيبية لمطلب الرئيس التركي أردوغان خلال زيارته المفاجئة لإسطنبول مساء الجمعة الماضية 5/11/ 2021، بزيادة عدد المستشارين الأمنيين والقوات التركية في ليبيا، الزيارة نفسها التي كانت مغلقة أمام الصحافة ولم تصدر أي بيانات رسمية عنها لا قبل ولا بعد الزيارة، تضع لنا العديد من علامات الاستفهام حولها، خاصة في تزامنها مع الأخبار التي ترددت بكثرة حول قرار الدبيبة بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، والتي تتعارض مع قرارات لجنة 5+5 العسكرية الأخيرة المتعلقة بوضع خارطة طريق لعمليات إخراج المرتزقة من ليبيا.
على ماذا اتفق الليبيون؟
يغرد الليبيون بعيدًا عن طموح حكومتهم، ففي أقل من أسبوع على إعلان بدء التقدم وتلقي طلبات الترشح، بلغ عدد المواطنين الذين تلقوا بطاقاتهم الانتخابية حتى الآن 2.371.846، من أصل 2.8 مليون ليبي مسجلين على قوائم الناخبين، وبينما يرى المواطنين أن في الانتخابات القادمة خلاصًا لهم ونهاية لمعاناة استمرت عشر سنوات، يتجلى التخبط في سياسات حكومة الفترة الإنتقالية التي تسعى حينًا للعمل على تمديد عملها وضمان بقائها في السلطة فترة أكبر، وتؤكد في حين آخر حرصها على إجراء الانتخابات المرتقبة في موعدها، والتأكيد على احترام نتائجها مهما كانت.
يتلخص المشهد الحالي للانتخابات المقبلة في ليبيا في النقاط التالية:
1- إخفاق تركيا في تمكين حليفها في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، من الترشح للانتخابات نتيجة للأسباب التالية:
– تعارض ذلك مع المادة 12 من قانون الانتخابات في ليبيا والذي ينص على استقالة المرشح للانتخابات من أي منصب رسمي له قبل ثلاثة أشهر على الأقل من إجراء عملية الاقتراع، وهو ما لم يقم به الدبيبة حتى الآن.
– فشل عبد الحميد الدبيبة وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية في الضغط على عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات في تغيير أو حذف المادة 12 بما يتناسب مع وضع الدبيبة.
– إتسام موقف الدبيبة بالحرج أمام المجتمع الدولي نتيجة لتوقيعه على وثيقة مؤتمر الحوار في فبراير الماضي، والتي تؤكد على عدم ترشح أي من أعضاء المجلس الرئاسي أو أعضاء الحكومة المؤقتة للانتخابات القادمة.
2- حرص النظام التركي على إفشال مؤتمر دعم استقرار ليبيا، الذي تم عقده في طرابلس في 21أكتوبر 2021 الماضي، والذي عقد على مستوى وزراء الخارجية، حيث خفضت فيه تركيا تمثيلها ليترأس الوفد التركي نائب وزير الخارجية سادات أونال، وقد خرج بلا بيان ختامي واضح يتضمن ما تم الاتفاق عليه.
فضلاً عن سعي تركيا لإضعاف نتائج مؤتمر باريس 12نوفمبر 2021، بوضع صعوبات وتعقيدات أمام الجانب الفرنسي بعدم توجيه دعوة لليونان لحضور المؤتمر، وهو مالم تستجب له فرنسا مما أدى إلى خفض مستوى تمثيلها لمستوى نائب وزير الخارجية في المؤتمر الذي صدر بيانه الختامي على أنه بيان رئاسي، والذي سجل فيه تحفظ تركيا على مادة “إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية”، فضلاً عن رفض تركيا لبعض بنود البيان الختامي، والتي لم تعترف بها تركيا كما يلي:
– تأكيده على أن الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها، الذين قد يحاولون عرقلة عملية الانتخابات أو تقويضها أو التلاعب بها أو تزييفها سوف يخضعون للمسائلة وقد يتم إدراجهم من قبل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن.
– الإشادة بدعم دور لجنة 5+5 في الحفاظ على الأمن واتخاذ خطوات كاملة تنفيذ عملية وقف إطلاق النار.
– دعم خطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية التي وضعتها 5+5 بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2570 (2021).
– الالتزام بتسهيل تنفيذ خطة الانسحاب المتزامن على النحو المبين في خطة العمل ودعوة جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة إلى تنفيذ التزاماتها دون تأخير.
3- يسعى إخوان ليبيا لوقف العملية الانتخابية ككل، أو الأكتفاء بإجراء انتخابات برلمانية فقط، عبر التالي:
– خطوتهم الأولى كانت في رفض قانون الانتخابات الذي أقره البرلمان الحالي، حتى إنهم أصدروا لائحة منفصلة طالبوا بتنفيذها.
– التشكيك في دستورية ونزاهة المفوضية العليا للانتخابات، ورئيسها عماد السايح.
– دعوة خالد المشري، والمفتي المعزول والمقيم في تركيا الصادق الغرياني، للتظاهر وحصار مقر مفوضية الانتخابات، والتلويح باستخدام العنف في حال عدم الاستجابة لمطالبهم، مؤكدين أنه مهما كانت نتيجة الانتخابات القادمة فلن يتم الاعتراف بها.
بصفة عامة فقد عكست التطورات الأخيرة في الموقف التركي من الانتخابات الليبية ما يلي:
أ- وضوح فشل مخطط تركيا وأذرعها الداخلية في ليبيا، نتيجة للضغوط الدولية المشددة على إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وحرص المجتمع الدولي على إجراء الانتخابات القادمة في موعدها، في ضوء الدعم الأمريكي الواضح من مشاركة نائب الرئيس الأمريكي كاملا هاريس في مؤتمر باريس، و بما أدى إلي زيارة خالد المشري لتركيا بشكل مفاجئ، ومحاولة التأكد من مدى الدعم التركي في حال لجئوا للعنف عبر لقائه بالرئيس التركي، ووزير الخارجية، ورئيس مجلس الأمة التركي بشكل منفصل.
ب- حسم مسألة ترشح عبدالحميد الدبيبة، في ظل الرفض الداخلي والخارجي لترشحه، وهو ما وضح في قبول محكمة استئناف طرابلس الطعن المقدم ضد ترشحه، و التحقيق مع أثنين من مساعديه وهم علي الصلابي المتهم في عمليات تدريب المرتزقة السوريين، ووليد اللافي المسئول الإعلامي الأول في الحكومة والمتهم في قضايا فساد. بالإضافة لفشل الدبيبة الأخير في الحصول على اعتراف مؤتمر باريس بضرورة تعديل قانون الانتخابات الحالي منعًا لانقسامات سياسية وصراعات مسلحة متوقعة.
ت- عدم استبعاد لجوء تركيا لاستخدام أحد كروتها المؤثرة من خلال دعم ترشح عبد الحافظ قدور سفير ليبيا السابق لدى الاتحاد الأوروبي، رجل تركيا في ليبيا والذي كشف بيان ل”مليشيات بركان الغضب” عن دوره في تمكين تركيا من غرب ليبيا وإقناع المجلس الرئاسي بأهمية التعاون مع تركيا.