شهدت نيجيريا إجراء الانتخابات الرئاسية 2023، وسط أجواء عاصفة بالبلاد بين التدخلات الدولية والصراع الداخلي الحاد بين الجماعات المتطرفة في أبوجا والأزمات الداخلية الحادة في البلاد، وهو ما يهدد استقرار الدولة الأكثر سكانا في القارة السمراء، ويتطلب جهداً كبيراً من القيادة النيجيرية القادمة للتغلب على هذه التحديات.
الانتخابات في نيجيريا وتخوف من الهجمات الإرهابية
انطلقت الانتخابات الرئاسية في نيجيريا في 25 فبراير الماضي، حيث دعي للمشاركة في الانتخابات 87 مليون ناخب من المواطنين، تنافس 18 مرشحا يمثلون أحزابًا مختلفة .
كان هناك تخوف من عدم إتمام الانتخابات بسبب ما شهدتها ” ابوجا ” قبيل إجراء العملية الانتخابية، حيث واجهت الدولة نقصاً حاداً في السيولة المالية وتسبب في اندلاع أعمال شغب في المدن الكبرى، فضلاً عن وقوع قتلى بسبب هجمات بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في الشمال الشرقي والجماعات الإجرامية في الشمال الغربي والوسط والانفصاليين المسلحين في الجنوب الشرقي، حيث تعرضت الانتخابات هجمات على مرشحين محليين وناشطين ومراكز للشرطة ومكاتب لمفوضية الانتخابات، وقد تم نشر نحو 400 ألف عنصر من قوات الأمن، الأمر الذي دفع مجموعة الأزمات الدولية إلى إصدار بيان تخوفت فيه من حدوث اضطرابات خلال الاقتراع في عدة أماكن.
كما شهدت الانتخابات في نيجيريا لأول مرة في تاريخ الدولة الاكبر في إفريقيا استخدام تقنيات جديدة على مستوى البلاد، حيث تقوم التقنية علي تحديد هوية الناخبين من طريق التعرّف على الوجه والتعرّف الرقمي .
أسفرت الانتخابات النيجيرية التي أجريت يوم 1 / 3 / 2023 عن فوز مرشح الحزب الحاكم بالرئاسة وهو ” بولا تينوبو ” مرشّح حزب المؤتمر التقدمي في البلاد أحد أبرز الزعماء الذين لعبوا دوراً في تشكيل السياسية النيجيرية لعدة عقود، ، ذلك بعد حصولة علي 8 و8 ملايين صوت وهو ما يمثل 36% من إجمالي الأصوات المشاركة في الاقتراع الذي شهد أكبر منافسة في تاريخ نيجيريا الديمقراطي، حيث تقدم على منافسَيه الرئيسيَّين “عتيق أبو بكر”، مرشح حزب الشعب الديمقراطي الذي حصل على 9 و 6 ملايين صوت و”بيتر أوبي”، مرشح حزب العمال الذي حصد 1 و 6 ملايين صوت.
رئيس جديد لـ نيجيريا .. تفاصيل الاعلان عن انتخابات رئاسة نيجيريا وسط اعتراض من المنافسين
فوز تينوبو في الانتخابات جاء بعد إعلان الهيئة فرز أصوات الناخبين في الانتخابات في 14 ولاية من ولايات البلاد الـ36، فيما اعتبرت المعارضة الانتخابات زائفة، وطالبت بإلغائها، حيث دعا حزبا المعارضة الرئيسيان إلى إلغاء الانتخابات، معتبرين أن التلاعب بالنتائج أدى إلى اقتراع لم يكن شفافا، حسب تصريحات رئيس حزب العمال جوليوس أبوري، بجانب دينو مارليي ممثل حزب الشعب الديمقراطي الذي أكد أن اللجنة الانتخابية تعرّضت لضغوط وقد أثر الحزب الحاكم عليها ليتمّ تغيير النتائج .
اهتمام دولي وتدخلات أجنبية محتملة في الانتخابات النيجيرية
تلعب الولايات المتحدة دوراً بارزاً في التأثير علي العملية الانتخابية في نيجيريا وهو ما ظهر جلياً في تصريحات الرئيس الامريكي جو بادين والتي أكد من خلالها دعم واشنطن لإتمام العملية الانتخابية في نيجيريا بشكل سلمي وشفافية واضحة للتعبير عن إرادة الشعب النيجيري دون التحيز لدعم أي مرشح أو حزب بعينه.
وينظر المجتمع الدولي إلي الانتخابات في أبوجا باهتمام كبير حيث دعا إلى إجراء انتخابات رئاسية سلمية بين المرشحين من مختلف الفئات، وهو ما اتضح من البيان الذي صدر عن مجموع دول الولايات المتحدة وأستراليا، واليابان، والنروج، وكندا، والمملكة المتحدة، والتي شددت علي ضرورة اتمام عملية الانتخابات واختتامها بطريقة آمنة.
وتتواجد إسرائيل بشكل بارز في القارة الافريقية علي وجه الخصوص وتلعب دوراً خفياً في التأثير وتشكيل نتائج الانتخابات في عدد من دول العالم بشكل عام وهو ما تم الكشف عنه في التحقيق الاستقصائي الأخير، ويتضح أن هناك تدخل إسرائيلي جري في انتخابات نيجيريا لعام 2019، وفقا لمركز بحوث أمريكي، أكد أن معلومات زائفة منسوبة لشركة إسرائيلية، كانت قد دعمت الحملة الانتخابية للرئيس النيجيري محمد بُخاري الذي فاز بالانتخابات في بلاده حينها من خلال المس بسمعه منافسه عتيق أبو بكر.
المراقبة الدولية علي الانتخابات النيجيرية
لعب الاتحاد الأوروبي دورا في الإشراف علي الانتخابات في نيجيريا من خلال بعثة الاتحاد للانتخابات العامة لعام 2023 في أبوجا، والتي تعمل علي الحد من أعمال العنف في نيجيريا، كما أرسل الاتحاد الإفريقي 90 مراقبا، من أجل مراقبة سير الانتخابات الرئاسية في أبوجا بسلاسة.
من هو بولا تينوبو الرئيس الجديد لنيجيريا؟
يبلغ الرئيس النيجري الجديد بولا تينوبو 70 عاما، حيث ولد في 29 مارس 1952 في ولاية أوشون النيجيرية، ويعتبر صاحب نفوذ سياسي قوي حيث يطلق عليه صانع الزعماء، كما يعتبر الرئيس الجديد ثاني أغنى سياسي في نيجيريا، بثروة تقدر بنحو 4 مليارات دولار.
تلقي الرئيس الجديد لنيجيريا المسلم التعليم ما قبل الجامعي له في نيجيريا ثم ذهب إلى الولايات المتحدة عام 1975 لتكملة الدراسة، و عمل بولا بعد عودته إلى نيجيريا في الثمانينيات في مجال النفط، وبعدها إلي السياسة وتعامل مع عدد من الرؤساء، وفي 1999 عين تينوبو حاكما لولاية لاجوس القلب الاقتصادي لنيجيريا وعاصمتها التاريخية، واستمر في ذلك المنصب 8 سنوات.
بعد عام 2007 عاد بولا لممارسة السياسة من خلال العمل الحزبي وساعده نفوذه السياسي القوي في دمج أحزاب المعارضة مع بعضهم في عام 2013، ثم ساعد في انضمامهم إلى حزب الشعب الديمقراطي الحاكم في عام 2015.
أزمة النفط ومشكلة الارهاب.. أبرز التحديات التي تواجه الرئيس النيجيري الجديد
يواجه الرئيس المنتخب العديد من التحديات المعقدة، علي رأسها التحديات الاقتصادية، وتعاني نيجيريا من تباطؤ في النمو الاقتصادي حيث أن نمو الاقتصاد النيجيري اقتصر على 3.52% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2022 .
وهناك أيضا أزمة الديون التي قدرت في يونيو 2022 بنحو 103 مليارات، وتصل تكلفة خدمة تلك الديون إلى نحو 102% من الإيرادات بفاتورة الدعم السلعي التي تقدر بنحو 12 مليار دولار سنويا، حسب تقرير نشرته وكالة بلومبرج.
كما يواجه الرئيس النيجيري المسلم، أزمة أمنية فرضتها طبيعة المجتمع النيجيري متعدد الأعراق والديانات؛ إذ تضم البلاد أكثر من 250 مجموعة عرقية وتشهد استقطاباً بين الشمال ذي الغالبية المسلمة والجنوب ذي الأكثرية المسيحية، فضلاً عن ديانات السكان الأصليين مثل إثنيتي الإيجبو واليوروبا والتي تنتشران في وسط وجنوب نيجيريا، وحسب تقارير محلية عديدة ضرب المتشددون وقطاع الطرق والانفصاليون 550 منطقة من مجموع 774، وقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص على أيدي تلك المجموعات .
آفاق العلاقات المصرية النيجيرية في أعقاب الانتخابات
تربط مصر علاقات قوية مع نيجيريا التي تعد واحدة من أكبر ثلاثة كيانات في القارة الأفريقية تعود جذورها إلي مطلع الستينيات من القرن الماضي، وأخذت تلك العلاقات بين البلدين في تطور ملحوظ خلال السنوات السبع الماضية علي جميع المستويات علي رأسها الاقتصادي، حيث وقعت مصر 9 اتفاقيات تعاون في الجانب الاقتصادي خلال 7 سنوات مما يسهم الفترة القادمة للمزيد من التعاون في عدد من المجالات ، فضلاً عن عدد من الزيارت الرسمية بين البلدين من وزراء ومسؤولين من البلدين، جاء أبرزها زيارة الرئيس النيجري السابق محمد بوخاري لمصر للمشاركة فى “منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، كما التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظيره النيجيري بوخاري خلال القمة الأوروبية الأفريقية، وبحث الجانبان سبل دعم العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويمثل استقرار الحياة في نيجيريا أحد عوامل الدعم للصادرات المصرية، حيث تمثل السوق النيجيرية رقم 3 في الأسواق الواعدة للصادرات المصرية وذلك بناء علي بوابة الصادرات المصرية، وتعمل عدد من الشركات المصرية في في نيجيريا، أهمها شركة المقاولون العرب، التي بدأت عملها عام 1992، بالإضافة إلي شركة إيجيرو وشركة السويدى للكوابل الكهربائية ومجموعة مانتراك.
وقد جاءت القفزة التصديرية الملحوظة خلال السنوات السبع الماضية خلال عام 2021، حيث وصل إجمالي حجم الصادرات من مصر إلي نيجيريا إلي 144 مليون دولار بنسبة نمو 44.9% .
وتحرص مصر دائماً على تعزيز علاقاتها مع نيجيريا، حيث تتعاون الدولتين في مجال التعليم والثقافة، وتوفر وزارة التعليم العالي المصرية 10 منح جامعية سنوياً، كما تقوم جامعة الأزهر بالتعاون مع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بتقديم 25 منحة دراسية لابناء نيجيريا، فضلا عن عن إيفاد العديد من العلماء للمناطق النيجيرية المختلفة للعمل أئمة في المساجد.
ويعد التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب، أحد المجالات المهمة للتعاون بين مصر ونيجيريا خاصة أن البلدين قد واجها تحديات من تنظيمات إرهابية، ونظراً لامتلاك مصر تجربة ناجحة في مواجهة التيارات الإرهابية منذ عام 2014، فضلاً عن وجود الأزهر الشريف كمنارة للفكر الإسلامي المعتدل، ومرجعية عالمية للمسلمين، فقد كان من الطبيعي تعزيز التعاون البلدين في هذا المجال، وكان لمصر مواقف لمساندة لنيجيريا في مواجهة الإرهاب، حيث كان لمصر عدد اللقاءات والبيانات والتصريحات الصحفية التي أدانت خلالها القاهرة الأحداث الإرهابية التي تقوم بها جماعة بوكو حرام ضد المدنيين والعسكريين في أبوجا، الأمر الذ يدعم وجود تعاون خلال الفترة القادمة.
اقتراحات لزيادة أطر التعاون بين البلدين .
زيادة عدد المنح التي تقدمها وزارة التعليم العالي وجامعة الأزهر لأبناء نيجيريا .
إيفاد المزيد من العلماء للمناطق النيجيرية المختلفة للعمل أئمة في المساجد وغيرها من المجالات المختلفة .
زيادة التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب، أحد المجالات المهمة للتعاون بين مصر ونيجيريا خاصة أن البلدين قد واجها تحديات من تنظيمات إرهابية .
دعم وتطوير البنية التحتية، بما يصب مباشرة في صالح تحقيق أهداف أجندة التنمية الأفريقية 2063.
التعاون المشترك في الجانب الزراعي بما يساعد مصر علي تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل .
تداعيات فوز بولا تينوبو علي العلاقات النيجيرية الإقليمية والدولية
إجمالا، شهدت نيجيريا انتخابات عاصفة وسط أجواء معقدة للغاية انتهت بفوز الزعيم بولا تينوبو أحد أبرز القادة السياسيين في أبوجا، والذي تلقى على عاتقه تحديات كبرى واستحقاقات هامة للغاية خلال الفترة المقبلة، حيث من الضروري ان تنصب اهتمامات الرئيس النيجيري في عودة الاستقرار الاقتصادي والأمني وهو ما يشكل أهمية كبرى لمصر نظرًا لأن عموم حالة الاستقرار وتهدئة الأجواء في نيجيريا سيفتح الأبواب أمام القاهرة لتعميق التعاون الثمر مع أبوجا في عددا من المجالات الاستراتيجية.
سيعمل الرئيس الجديد في تحقيق أجندته التي تقدم بها عند ترشحه لرئاسة نيجيريا، وعلي رأسها إعادة الأمن إلى ربوع البلاد في 6 أشهر، فضلاً عن توحيد النيجيريين في صف واحد وإنهاء حالة الانقسام من خلال تطبيق الفيدرالية الحقيقية وتعزيز الديمقراطية، الأمر الذي سيدعم نمو الاقتصاد النيجيري مما يسهم في تعزيز علاقتها الإقليمية مع دول الاتحاد الأفريقي والدولية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي حيث يسعى الاتحاد الأوروبي للحصول على إمدادات غاز إضافية من نيجيريا، و يستورد الاتحاد الأوروبي 14 بالمائة من إجمالي إمداداته من الغاز الطبيعي المسال من نيجيريا وهناك احتمال لزيادة ذلك إلى المثلين .
كذلك وعد تينوبو بإطلاق سياسة صناعية لتنشيط الصناعة من خلال إنشاء ست وكالات تنمية اقتصادية إقليمية، ما يساعد في وجود تعاون أكبر مع الدول المجاورة لها ودول الاتحاد الأفريقي