– عكست التطورات السياسية والأمنية الأخيرة فى إثيوبيا مدى تدهور الأوضاع الداخلية وترشيحها للتصعيد بما قد يهدد إستقرار الدولة الفيدرالية المكونة من العديد من العرقيات، لاسيما فى أعقاب تبنى رئيس الوزراء الإثيوبى “أبى أحمد” الحل العسكرى لتسوية النزاع مع إقليم “تيجراى” الذى يقع فى شمال البلاد بالمنطقة الحدودية مع إريتريا، وتوجيه الجيش ببدء هجوم عسكرى على الإقليم أستخدم فيه الطائرات ضد “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى”( أكبر حركة سياسية فى الإقليم )، مما أدى إلى مقتل 550 فرداً بخلاف مئات الجرحى وفرار عشرات الآلاف وفقاً للتلفزيون الإثيوبى، وفرض حالة الطوارىء وقطع الإتصالات والإنترنت عن الإقليم، وذلك على خلفية إتهام الحكومة المركزية لقوات “جبهة تحرير تيجراى” بمهاجمة القوات الإتحادية المتمركزة بإحدى القواعد العسكرية الفيدرالية المتواجدة داخل حدود الإقليم، الأمر الذى قد يدفع البلاد إلى الحرب الأهلية.
– يرتبط تصاعد الخلاف بين الحكومة الإثيوبية وإقليم “تيجراى” بإعتراض الإقليم على تأجيل “أبى أحمد” إجراء الإنتخابات الوطنية التى كانت مقررة فى أغسطس 2020 بدعوى إنتشار فيروس كورونا وإرجائها لنهاية عام 2021 وإحتفاظه بمنصبه، وإعلان حاكم إقليم “تيجراى” إنتهاء ولاية “أبى أحمد” ووصف تمديد ولايته بأنه غير دستورى، فضلاً عن إجراء الإقليم إنتخابات محلية بشكل منفرد فى موعدها المقرر سلفاً خلال شهر سبتمبر الماضى والتى أسفرت عن تولى “دبريصون نغبرا ميكائيل” رئاسة حكومة الإقليم الذى أعلن إنتهاء ولاية الحكومة الفيدرالية التى يرأسها “أبى أحمد” إعتباراً من يوم 5 أكتوبر وفقاً للدستور، وما تبع ذلك من إعلان البرلمان الإثيوبى بعدم شرعية الإنتخابات المحلية بتيجراى وقطع علاقة الحكومة المركزية بالسلطة التنفيذية والتشريعية بالإقليم بالإضافة إلى وقف وزارة الخزانة المخصصات المالية للإقليم كقرار عقابى تصعيدى من النظام الفيدرالى، وضعاً فى الإعتبار أن الصراع الحالى بدأ عقب تولى “أبى أحمد” رئاسة الحكومة عام 2018 خلفاً لرئيس الوزراء “دسالين” المنتمى لإقليم “تيجراى” والذى أطيح به نتيجة تصاعد الحراك الشعبى ضده وتزايد حجم الإنتقادات الموجهة لسياساته الداخلية، مما أدى لتراجع وضعية عرقية “تيجراى” التى قادت المشهد السياسى فى البلاد خلال الفترة من عام 1991 وحتى عام 2018، وتحول “تيجراى” لصفوف المعارضة وقيادتها للتيار المناهض لسياسات “أبى أحمد”، فى ظل قناعتها بإستهداف الأخير قياداتها ورموزها وتعمد تهميشها وإبعاد رموزها عن المشهد السياسى وسعيه للإنفراد بالحكم.
– كما ساهمت جهود التقارب الإثيوبى / الإريترى التى قادها “أبى أحمد” عقب وصوله للحكم فى زيادة فقدان الثقة بين “تيجراى” والنظام الحاكم فى أديس أبابا، خاصة فى ظل تولى العسكريين التيجراى قيادة الجيش خلال الحرب الإثيوبية الإريترية التى إستمرت خلال الفترة من عام 1998 وحتى عام 2000، ورفض “تيجراى” الإنسحاب من منطقة “بادمى” الحدودية محل الخلاف حتى الأن رغم إتفاق السلام الذى وقعه “أبى أحمد” وتعهد بمقتضاه بالإنسحاب من الأراضى الإريترية وحصوله على جائزة نوبل للسلام إرتباطاً بجهوده لإنهاء النزاع، الأمر الذى لا يستبعد معه إنضمام الرئيس الإريترى / أسياسى أفورقى للتحركات العسكرية الحالية – بشكل غير مباشر – الرامية لإضعاف جبهة تحرير تيجراى خلال تلك المرحلة، وهو ما قد يحول الصراع من مواجهات داخلية عرقية إلى حرب إقليمية قد تؤدى إلى تدفق ملايين النازحين واللاجئين، بما يتماشى مع توجهات “أبى أحمد” الساعية لإحداث تغيير ديموغرافى فى الأقاليم الحدودية مثل إقليم “بنى شنقول” ذو الأغلبية المسلمة والمقام عليه سد النهضة.
– وعلى المستوى السياسى، تجدر الإشارة إلى سابق رفض “تيجراى” الإندماج ضمن حزب “الإزدهار” الذى أعلن “أبى أحمد” تدشينه عقب وصوله للحكم والذى يتكون من ثلاث أحزاب رئيسية وتكوينه إئتلاف جديد يضم حزب الأورومو الديموقراطى والأمهرة الديموقراطى والحركة الديموقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا، إلى جانب الأحزاب الموالية للإئتلاف وهى “عفار والصومال الإثيوبى وجامبيلا وبنى شنقول وجومزوهرر”، فى الوقت الذى شطب “أبى أحمد” الإئتلاف الحاكم السابق التابع لتيجراى من قائمة الأحزاب المسجلة رسمياً.
– وعلى المستوى العسكرى، وضح إستباق “أبى أحمد” العمليات العسكرية بقرار تغيير قائد القاعدة العسكرية الشمالية الواقعة فى إقليم “تيجراى” والتى تعد أكبر قاعدة عسكرية بالبلاد وتضم نحو نصف القدرات العسكرية والبشرية الإثيوبية بإعتبار قربها من الحدود الإريترية المتوترة، إلا أن قيادة الإقليم رفضت قرار الجيش الفيدرالى إستناداً لعدم إعترافها بالحكومة المنتهية ولايتها، بل ورفضت السماح بدخول الجنرال/ جمال محمد الذى وصل لمدينة “مقلى” عاصمة الإقليم وأعادته على نفس الطائرة لأديس أبابا، كما رفض القائد العسكرى لقاعدة إقليم “تيجراى” تنفيذ قراراً آخر بنقل إحدى كتائب القوات البرية مؤخراً إلى القاعدة العسكرية المتواجدة بإقليم “أوروميا”، كما حاول العسكريين المنتمين للتيجراى السيطرة على القاعدة العسكرية المتواجدة بإقليم “تيجراى” وما تشمله من أسلحة، مما أدى إلى وقوع إشتباكات مسلحة بررت تدخل قوات الجيش الفيدرالى أمام الرأى العام.
– ورغم تميز عناصر جيش تحرير تيجراى بالخبرات الميدانية وتنوع السلاح وسيطرتها على أسلحة ثقيلة ومئات المدرعات، إلا أن نجاح “أبى أحمد” فى جذب تأييد إقليم “الأورومو” والقوات التابعة له فى تلك المواجهات، بجانب الحصار الذى فرضته القوات التابعة لإقليم “عفر” المتاخم للحدود الجنوبية لإقليم “تيجراى”، وإعلان رئيس إقليم “أمهرة” الذى ينتمى إليه “أبى أحمد” إستعداده لإستقبال الجنود المنشقين عن التيجراى فى محاولة لشق صفوف تيجراى، فضلاً عن غلق إريتريا حدودها المحازية لتيجراى، وإعلان الصومال تأييدها لتحركات الحكومة المركزية، بالإضافة إلى إستخدام الجيش الفيدرالى الطائرات التى قصفت عدد من المعسكرات الرئيسية وسيطرتها على مطار مدينة “حومرا” الإستراتيجى، وإتخاذ إجراءات سريعة لحسم أية إنتقادات داخلية لإسلوب المواجهة ( تغيير وزراء الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات )، يعكس فى مجمله إمكانية تحقيق الجيش الفيدرالى تفوق ميدانى نسبى خلال الفترة القريبة القادمة من ناحية، ورغبة أديس أبابا” فى حسم تلك المواجهات قبل إفساح المجال لأية جهود إقليمية أو دولية فى إطار التسوية السياسية، بهدف تجنب تكرار لجوء أى من الأقاليم أو العرقيات لذلك النهج مستقبلاً من ناحية أخرى، لاسيما مع رصد ضعف رد الفعل الإقليمى والدولى إزاء ممارسات وإنتهاكات الجيش الإثيوبى وتزايد أعداد القتلى من المدنيين والإستخدام المفرط للقوة العسكرية فى تسوية الأزمة الداخلية.
– وفى هذا الإطار، رفضت إثيوبيا دعوة السودان الرئيس الحالى لمنظمة إيجاد – التى تضم بجانب البلدين كل من الصومال وإريتريا وجنوب السودان وجيبوتى – لوقف الأعمال العسكرية وإعتبرت ذلك تدخلاً فى شئونها الداخلية، فى حين تجاهلت كل من تحذير الأمم المتحدة من تسبب تلك التطورات فى تدهور الأوضاع الإنسانية وطلب فتح ممرات لتوصيل المساعدات، وطلب رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقى موسى فقى – حتى الأن – بالوقف الفورى للأعمال العدائية وضمان حماية المدنيين ودخول الطرفين فى حوار لإيجاد حل سلمى، فى الوقت الذى وضح نجاح “أبى أحمد” فى الإختيار الدقيق لتوقيت التصعيد العسكرى ضد أقلية “التيجراى” لتزامن ذلك مع إنشغال الرئيس الأمريكى “ترامب” بأوضاعه الداخلية والذى سبق توجيه عدة إنتقادات وعقوبات لنظامه مؤخراً، وهو ما عكسه إكتفاء الإدارة الأمريكية بالبيان الصادر عن وزير الخارجية الأمريكى “بومبيو” الذى دعا فيه إلى إنهاء القتال، فيما حثت السفارة الأمريكية فى أديس أبابا على ضرورة عدم التصعيد والحفاظ على سلامة المدنيين، مع وضوح إرتباط تجاهل الصين لتلك التطورات برغبة بكين فى الحفاظ على مصالحها سواء بإثيوبيا أو بمنطقة القرن الإفريقى فى ضؤ تزايد حجم إستثماراتها مؤخراً، وضعاً فى الإعتبار التأييد الضمنى الذى تلقاه “أبى أحمد” من إسرائيل عقب إبرام البلدين يوم 6/11/2020 إتفاق تعاون أمنى فى مجال المخابرات والأمن ومكافحة الإرهاب.