تباينت ردود فعل المسئولين الإسرائيليين تجاه تجاوزات المستوطنين المتطرفين ضد المواطنين الفلسطينيين، حيث شهد الإسبوع الماضي معركة داخل الحكومة الاسرائيلية شديدة الاهمية لانها تمس المستوطنين الذين يشكلون القاعدة الرئيسية لناخبي رئيس الوزراء الاسرائيلي ” نفتالي بينيت” في ظل إحتجاج بعض أعضاء الحكومة على تصريحات وزير الامن الداخلي الاسرائيلي عومر بارليف (حزب العمل) غير المسبوقة، والتي إشتكى فيها من عنف المستوطنين خلال لقائه مع نائبة وزير الخارجية الامريكي فكتوريا نولاند مطالباً بضرورة تخفيض التوتر في الضفة الغربية وتعزيز السلطة الفلسطينية.
الأمر الذي استدعى من رئيس الوزراء بينيت ان يرد عليه محاولا التقليل من خطورة أنشطة المستوطنين مشيراً إلى أنهم يعانون من العنف والارهاب كل يوم، لعشرات السنين، وهم يمثلون السور الواقي لنا جميعا وعلينا ان نعززهم وندعمهم، بالأقوال وبالأفعال. الظواهر الهامشية توجد في كل مجتمع، ينبغي معالجتها بكل الوسائل ولكن محظور علينا ان نعمم على جمهور كامل.
وقد ساند وزير الدفاع الاسرائيلي بيني جانتس الوزير بارليف حيث اتفق جانتس وبارليف على “تجنيد مئات الجنود الإسرائيليين حتى يمكن إعادة توجيه المزيد من الضباط لمكافحة السلوك المتطرف، حيث سجل الشاباك الإسرائيلي في عام 2020 ، 272 حادثة عنف في الضفة الغربية حسبما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل .
كما شهد عام 2021 أعلى مستويات ارهاب مسجلة في السنوات الأخيرة وحوادث أكثر خطورة، في اعتداءات وارهاب المستوطنين الإسرائيليين ضد المواطنين الفلسطينيين الذين غالبا ما يقطنون في قرى وبلدات محاذية للمستوطنات في الضفة الغربية.
وعلى صعيد جرائم الكراهية على خلفية قومية يمينية متطرفة تناولت وسائل اعلام عالمية معروفة تصاعد اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين. فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا تحت عنوان “تصاعد حملات جـرائـم الكراهية من قبل المستوطنين الاسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية أشارت فيه إلى أن المستوطنين زادوا بشكل كبير من هجماتهم خلال الأشهر الماضية، حيث ارتفعت حوادث العنف بنحو ُ%150 في العامين الماضيين، وفقا للبيانات التي قدمها جيش الاحتلال في اجتماع وزارة الجيش الشهر الحالي، واظهرت مقاطع فيديو جمعتها منظمات حقوق الانسان الإسرائيلية أن الجنود لا يفعلون الكثير للتدخل أثناء تلك الأحداث بل وفي بعض الحالات يساعدون في الهجمات. كما تناول تقرير لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية تصعيد المستوطنين الإسرائيليين لهجماتهم ضد الفلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون، مستخدمين المناشير والمعاول، حيث يواجه المزارعون كل عام تهديدات مختلفة من المستوطنين، بما في ذلك التخويف، والاعتداءات الجسدية، والتدمير، واقتلاع وتخريب أشجار الزيتون الخاصة بهم، وسرقة المحاصيل وأدوات الحصاد”. وبأنه حسب بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد تم تدمير أكثر من 9300 شجرة في الضفة الغربية، بين أغسطس/ 2020 وأغسطس من هذا العام.
وفي بيان صدر عن خبراء حقوق إنسان تابعون للأمم المتحدة اعربوا عن قلقهم إزاء ارتفاع معدل العنف الموجه من قبل المستوطنين الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى أنه في عام 2021 نشهد أعلى مستويات عنف مسجلة في السنوات الأخيرة وحوادث أكثر خطورة، وان الحكومة الإسرائيلية – وجيشها – لم تفعل سوى القليل للحد من هذا العنف وحماية الفلسطينيين المحاصرين، مؤكدين أن هذا الارتفاع السريع في عنف المستوطنين نتيجة دعم الدولة العميق للمشروع الاستيطاني غير القانوني، بما في ذلك أكثر من 140 بؤرة استيطانية تم إنشاؤها في جميع أنحاء الضفة الغربية في تحدّ للقوانين الإسرائيلية نفسها.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، كان هناك 410 اعتداء من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين (302 ضد الممتلكات و108 ضد الأفراد).
هذه العاصفة التي تبلورت ضد ارهاب المستوطنين في الضفة الفلسطينية سواء داخل الحكومة الاسرائيلية او حتى على مستوى الاتصالات الدبلوماسية مع اطراف مختلفة ، نتج عنها ضغوطا على المكون اليميني في الحكومة الاسرائيلية وهذا واضح في عدم انكار بينيت لهذه الجرائم عند رده على بارليف، الا ان هذا الضغط تم تنفيسه بعد عملية اطلاق النار التي استهدفت سيارة للمستوطنين بالقرب من مستوطنة “حومش” في مدينة نابلس مما اعطى ذريعة لأصوات المستوطنين ورئيس حكومتهم للتنصل من ارهاب المستوطنين بل وايضا دعمهم بحجة انهم يتعرضون للاعتداءات من قبل الفلسطينيين .
وبعيداً عن اية محاولة لتسطيح ما يحدث من سياسة ارهاب استيطانية محمية من الحكومة الاسرائيلية يمكن الاستنتاج من اعداد المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية و القدس الشرقية) ١٤٥ مستوطنة كبيرة و١٤٠ بؤرة استيطانية عشوائية يسكنها من المستوطنين حتى ٢٠٢١نحو ٦٦٠ ألف إسرائيلي، يعيش ٢٣٠ ألفاً منهم في القدس الشرقية ومحيطها، في حين تعيش الأغلبية،440 ألفاً، في الضفة الغربية، وتحديداً في الكتل الاستيطانية الكبرى، ويشكلون ١٤ بالمائة من سكان الضفة ، ان هناك سياسة يدعمها بينيت وجناحه اليميني في الحكومة الاسرائيلية تهدف الى قتل اي فرصة يمكن ان تؤدي الى مسار من الهدوء يتبعه مفاوضات قد تكون الادارة الامريكية بصدد الاعداد له .
على صعيد آخر اقتحم الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، الاسبوع الماضي الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل تحت حراسة مشددة من قوات الاحتلال، للمشاركة في مراسم احتفال بما يُسمى “عيد الأنوار”(حنوكا) اليهودي برفقة مجموعة من قادة المستوطنين، وتعقيبا على الزيارة قالت حركة “السلام الآن”، أن الاستيطان في الخليل هو أبشع وجه للسيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ولا يمكن تصور أن يختار هرتسوغ، الذي يفترض أن يكون شخصية موحدة، من كل الأماكن أن يضيء شمعة في مكان أصبح معقلا للقمع والعنف.
الخلاصة والاستنتاجات:
- 1- ازدياد ارهاب المستوطنين هو جزء من سياسة بينيت لمنع اي فرصة لتطوير الجهود الدولية في اطار المساعي لاعادة مسار عملية السلام .
- يسعى بينيت لإيجاد ارضية مناسبة تجعل من الصعب على رئيس الوزراء المناوب عند استلامه منصبه ان يطرح اي افكار لها علاقة بالسلام وفكرة الاقتصاد مقابل الأمن التي يروج لها وتجد اذانا صاغية عند الادارة الامريكية.
- ازدياد ارهاب المستوطنين سيجذب ردا من الفصائل الفلسطينية التي تعارض السلام من حيث المبدأ وهذا يخدم سياسة اليمين الاسرائيلي .
- ان الهدف الاساسي لحركة الاستيطان في القدس هو منع اي احتمال لاتفاق سياسي مستقبلي مع الفلسطينيين وتعيين حنانئيل غورفنكال الوصي العام للاملاك وهو ناشط يميني اقام جمعية لتهوريد القدس يأتي في نفس سياق سياسة بينيت الاستيطانية.
- يحاول بينيت استعادة مكانته اليمينية تحسبا لاي انتخابات قادمة قد تحدث نتيجة لتفكك الائتلاف المتناقض ايدلوجيا خصوصا ان الموازنة تم اقرارها.
وفي ضوء ما سبق، ينبغي على الفلسطينيين تطوير وسائل سلمية لمقاومة ارهاب المستوطنين عبر وسائل مقاومة شعبية دون الوقوع في فخ العمليات العسكرية، وتحويل ارهاب المستوطنين الى أداة لادانة الاستيطان وداعميه، مع أهمية بلورة حملة دبلوماسية واعلامية تركز على ارهاب المستوطنين مستندة الى التقارير الأممية وكذلك تقارير مؤسسات حقوق الانسان الاسرائيلية التي اشارت الى جرائم المستوطنين، وبما يفرض على الفلسطينيين ضرورة توحيد الصف الفلسطيني الذي سيشكل السلاح الأنسب لإفشال مشروع التوسع الاستيطاني.