تسعي الحكومة الإسرائيلية الدائم لضمان تحقيق أغلبية يهودية و إثبات أحقية وجودها في القدس , حيث تستمر الخطط الاستيطانية التي تهدف إلي ترسيخ الوجود اليهودي و في المقابل محو الهوية الفلسطينية العربية و تقليل أعداد الفلسطينيين , و تعمل الحكومة الإسرائيلية علي تحقيق تلك الأهداف بشكل منظم و متناسق بين الجهات المختلفة و الجمعيات الاستيطانية بجانب إصدار قوانين تلائم تنفيذ تلك المخططات .
موقع و تاريخ الحديقة الوطنية :
تقع الحديقة الوطنية الحالية في محيط أسوار البلدة القديمة علي مساحة 1085 دونماً (الدونم = 1000 م2 ) حيث توضح الخريطة في الجزء المحدد باللون الأزرق حدود الحديقة و تشمل تلك المساحة أحياء سكنية فلسطينية , أغلب مساحة حيّ وادي حلوة – سلوان , أجزاء من وادي هنوم و وادي قدرون , كما يقع جزء من الحديقة في القدس الغربية .
تم تأسيس الحديقة في السبعينات حيث صدقت بلدية الاحتلال علي الخارطة الهيكلية للحديقة و زعمت أن الهدف هو الحفاظ على طابع وهوية المنطقة , عبر الحفاظ على المناظر الطبيعية والقيم التاريخية القومية, و الدينية والتقليدية، والطابع الأثري والمعماري . تسيطر الجمعية الاستيطانية “إلعاد” علي الجزء المركزي من الحديقة (مدينة داود – سلوان ) و قامت بتوسيع حدود سيطرتها أيضاً على مناطق أخرى في الحديقة الوطنية في السنوات الأخيرة . بجانب ذلك تنشط الجمعية في مجال السيطرة على المنازل وقطع الأراضي في سلوان- بطرق مخالفة للقانون أحيانًا – وتجهزها كوحدات سكنية للمستوطنين . منذ بداية التسعينات وطّنت جمعية “إلعاد” وجمعيات أخرى في الحيّ نحو 60 عائلة مستوطنين يبلغ تعداد أفرادها أكثر من 300 مستوطناً .
مخطط التوسيع :
يشمل مخطط توسيع الحديقة (275 دونماً ) جزء كبير من جبل الزيتون إلى جانب أجزاء إضافية من وادي قدرون و وادي هنوم (الأجزاء المحددة باللون الأحمر ) . وكان من المقرر أن تُعرض الخطة أمام لجنة التخطيط والبناء المحلية في بلدية الاحتلال للحصول على موافقة مبدئية في الثاني من مارس .
و بدأت سلطة الطبيعة والحدائق الترويج للمشروع الذي يشمل ضم مساحة واسعة من أراضي الكنائس المسيحية الشرقية, و زعمت أن الهدف هو توسيع مصمم لتجديد الأراضي التي تم إهمالها منذ فترة طويلة والحفاظ بشكل أفضل على المناظر الطبيعية التاريخية, وأنها لن تضر بممتلكات الكنيسة المدمجة في الحديقة الوطنية .
الكنائس ترفض المخطط :
في ديسمبر من العام الماضي , أصدر البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس بياناً مشتركاً حذروا فيه من سيطرة الجماعات المتطرفة علي أماكن تخص الكنائس و محاولات محو الوجود المسيحي في القدس, وأشار قادة الكنيسة إلى نشاط الجمعيات الاستيطانية في الاستحواذ على عقارات في مناطق مسيحية .
و في يوم الجمعة 18 فبراير الماضي كتب بطريرك القدس للروم الأرثوذكس “ثيوبوليس الثالث” وحارس الأراضي المقدسة للكنيسة الكاثوليكية “فرانشيسكو باتون” وبطريرك الأرمن الأرثوذكس “نورهان مانوجيان” رسالة إلى وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية “تمار زاندبرج” -التي يشرف مكتبها على سلطة الطبيعة والحدائق – دعوها فيها لإلغاء التوسيع المخطط له. كما أرسل قادة الكنائس الرسالة إلى قناصل فرنسا، تركيا، إيطاليا، اليونان، إسبانيا، بريطانيا، والسويد في القدس، و تواصلوا مع 40 عضواً من الكونجرس الأميركي , في محاولة لحشد الدعم الدولي لمعارضتهم .
الجدير بالذكر أن تلك الأجزاء التي من المخطط ضمها للحديقة تمثل أهمية كبيرة للكنائس حيث شهدت تلك المناطق أحداث هامة طبقاً للمعتقد المسيحي , منها دير راهبات بريدجيت , كنيسة الصعود , كنيسة ويري الجليل, كنيسة جت الزيوت , و كنيسة مريم المجدلية .
لقاء كنيسة الروم الأرثوذكس مع الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات في مقر البطريركية يوم 1 مارس الجاري :
حيث استقبل غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث الوفد المقدسي برئاسة ” حاتم عبد القادر ” في مقر البطريركية , و خلال اللقاء تم التأكيد علي التمسك الفلسطينيين بالحفاظ علي العقارات التي تمس الهوية الفلسطينية سواء المسيحية أو الإسلامية , كما أشاد السيد ” حاتم عبد القادر ” بدور الكنيسة الأرثوذكسية في دعم مستأجري عقاراتها في باب الخليل , حيث حضر اللقاء أيضاً ممثلون عن العائلات المستأجرة للعقارات الأرثوذكسية المهددة بالاستيلاء عليها في ميدان عمر بن الخطاب في باب الخليل .
منظمات حقوقية إسرائيلية ترفض المخطط :
أعلنت أربع منظمات حقوقية إسرائيلية وهي “بيمكوم” و “عيمق شافيه” و “عير عميم” و “السلام الآن”, إن ” استيلاء العائلات اليهودية تدريجياً على منازل في الشيخ جراح وسلوان شمال وجنوب البلدة القديمة، وتوسيع الحديقة الوطنية لتشمل جبل الزيتون، سيمكن جمعية “إلعاد” من تطويق البلدة القديمة بالبؤر الاستيطانية, إلى جانب المشروعات السكنية والأثرية والبيئية اليهودية، مما سيشعل المنطقة ويدخلها في حرب دينية لا تحمد عقباها ” في إشارة لوجود علاقة بين ما يحدث في حي الشيخ الجراح و مخطط توسيع الحديقة .
أهداف المخطط :
1) محو الهوية المسيحية الفلسطينية (محو أي هوية غير يهودية ) , و في المقابل نشر روايات زائفة عن حقيقة المكان التاريخية بهدف إثبات الأحقية اليهودية للمكان .
2) زيادة تمكين الجمعيات الاستيطانية من مواصلة البناء لأجل المستوطنين و بالتالي زيادة أعداد المستوطنين في تلك الأجزاء.
3) منع الفلسطينيين من البناء وهدم منازلهم بذريعة أن تلك الأجزاء تخضع لسلطة الطبيعة و الحدائق.
4) صعوبة سير الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين بسبب التطوير السياحي في المنطقة .
5) خضوع الفلسطينيين للفصح الأمني و لدفع الرسوم أحياناً من أجل الدخول لتلك المناطق .
الموقف الأمريكي من المخطط الإستيطاني:
عبر وفد ديمقراطي من مجلس النواب الأمريكي عن قلقه من الخطة خلال اجتماع جرى يوم 17 فبراير مع رئيس الحكومة “نفتالي بينيت” الذي أخبرهم بأن الحكومة الإسرائيلية تسعى لتقليل التوترات في القدس ومنع الخطوات التي قد تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف جديدة .
قرار التجميد :
أعلنت سلطة الطبيعة والحدائق يوم الاثنين 21 فبراير تجميد خطة توسيع الحديقة , وجاء في إعلان الهيئة – بحسب صحيفة هأرتس الإسرائيلية – أنها لا تنوي “الترويج للخطة في لجان التخطيط وليست جاهزة للمناقشة دون تنسيق ومناقشات مع جميع الأطراف ذات الصلة بما في ذلك الكنائس في المنطقة بشأن الطريقة الصحيحة للحفاظ على هذه المنطقة الخاصة” . الجدير بالذكر أنه في نفس الأسبوع تم اتخاذ قرارات بتجميد نشاطات استيطانية أخري في مناطق مختلفة .
وعلي الرغم من قرار التجميد إلا أن المحاولات مستمرة من الجهة الداخلية للحديقة , حيث صادقت اللجنة اللوائية التابعة لبلدية الاحتلال – يوم 1 مارس الجاري – على مخطط مصادرة أراضي جنوب البلدة القديمة بهدف ضمها إلى الحديقة الوطنية . و الأراضي المصادرة هي : موقف السيارات تابع لعائلة عويس ( أرض سوق الجمعة سابقاً ) و مقبرة نصب الشهداء ( الواقعة عند باب الأسباط ) . الجدير بالذكر أن سلطة الطبيعة والحدائق بدأت في أعمال التجريف قبل المصادقة علي المخطط , حتي أن طواقم الآثار قد عثرت فيها على عظام بشرية في شهر أكتوبر الماضي .
فرص نجاح المخطط :
نظراً لإنشغال الولايات المتحدة الأمريكية ( الداعم الرئيسي لحكومة الاحتلال ) بالأزمة الروسية – الأوكرانية و نظراً لما سببته تلك الأزمة من خسائر إسرائيلية علي المستوى الاقتصادي فمن المتوقع أن تقل وتيرة الأنشطة الاستيطانية حالياً , علي الرغم من أنها فرصة ممتازة لحكومة الاحتلال لزيادة الأنشطة الاستيطانية بسبب التركيز الإعلامي العالمي علي الأوضاع في روسيا و أوكرانيا و بالتالي تقليل التركيز الإعلامي على أي تجاوزات إسرائيلية في حق الفلسطينيين فلطالما فضلت حكومة الاحتلال أن تظهر أمام العالم علي أنها المدافع و ليس المعتدي . و بالتالي ستنتظر الحكومة الوقت المناسب للدفع مرة اخري بجميع أنشطتها الاستيطانية .
ختاماً : خطة توسيع الحديقة الوطنية في القدس ليست الأولي و لا الأخيرة ضمن سلسلة المخططات الإسرائيلية التي تهدف دائماً لضمان الوجود اليهودي في القدس هويةً و عدداً ومحو جميع الأدلة علي الهوية الفلسطينية العربية , و تبقي المقاومة الفلسطينيية أكبر عائق في سبيل تحقيق هذا الهدف .