منذ عدة اسابيع أطلق وزير المالية الإسرائيلي المتطرف “بتسلئيل سموتريتش” تصريحاتٍ عنصريةً مهينة تجاه السعودية، قال فيها: “إذا أرادت السعودية التطبيع مقابل إقامة دولة فلسطينية، فالإجابة: لا شكرًا، واصلوا ركوب الجِمال في الصحراء.”
جاءت تصريحاته عقب إقرار الكنيست قانون فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، في تناقضٍ واضحٍ مع الموقف السعودي الداعي لإقامة دولة فلسطينية كشرطٍ لأي تطبيع. ورغم اعتذاره لاحقًا، فقد كشفت كلماته عن عقليةٍ استعلائيةٍ عنصريةٍ متجذّرة في خطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم.
ولم تمرّ تصريحات سموتريتش المسيئة للمملكة العربية السعودية مرور الكرام داخل إسرائيل نفسها، إذ أثارت موجة انتقادات واسعة في الأوساط الإعلامية والسياسية الإسرائيلية. وفي هذه الورقة نعرض أبرز ردود الفعل داخل إسرائيل، التي كشفت حجم الإحراج والانقسام الذي سبّبته تصريحات سموتريتش ضد السعودية. ولقد أكد كثير من الكتّاب والمحللين الإسرائيليين أن الوزير المتطرف لم يُهِن السعودية، بل أهان إسرائيل في المقام الأول بسبب جهله بما حققته السعودية من طفرة في التطور الاقتصادي والتكنولوجي والثقافي والتنموي حتى أصبحت من أسرع الدول نموًا في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير. فنشرت عدد من الصحف والمواقع العبرية، مقالات قاسية بحق الوزير، ووصفت تصريحاته بأنها “صورة نمطية لخطاب الغطرسة والانفصال عن الواقع”.
جاءت ردود المحللين الإسرائيليين لتؤكد على ما يلي:
1- الوزير سموتريتش ينتمي لعصور الظلام!
رأى الكاتب السياسي الإسرائيلي “أفراهام بورج” في مقال له بموقع “وللا” العبري أن سخرية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من السعوديين بزعم أنهم “يركبون الجِمال” لا تكشف عن الواقع الحضاري للمملكة، بل تفضح تخلف قائلها، وتعرّي عقليته المريضة التي تعيش في ظلمات العصور الوسطى. فهو متغطرس في مظهره، قبيح في باطنه، ويجسّد شريحة اجتماعية إسرائيلية تعيش عالةً على قطاع التكنولوجيا المتقدمة، وتتغذى على الكراهية والخوف والجهل. يقول “بورج” إن ركوب الجِمال رياضةٌ عريقة ورمزٌ ثقافيٌ نبيل لدى السعوديين، بينما اقتلاع أشجار الزيتون على يد المستوطنين جريمةٌ بشعة تُرتكب باسم الدين. السعوديون يسعون إلى الانفتاح على العالم وبناء مستقبلٍ حديث، أما “سموتريتش” فيسعى إلى تطهيرٍ عرقيٍّ وعزلةٍ فكريةٍ وأخلاقيةٍ قاتمة. وهو لا يتمسك بالتقاليد، كما يزعم، بل يقتبس عنصرية القرون الغابرة ويُعيد إنتاجها في قالبٍ دينيٍ مزيف.
ويضيف “بورج”: “تكفي جملةٌ حمقاء واحدة- مثل قوله للسعوديين واصلوا ركوب الجِمال- لإسقاط كل الأقنعة. فهو لا يهين المملكة، بل يفضح ذاته، إذ ينتمي إلى فئةٍ تغرق في الجهل المزمن وتُقدّس الخوف وتتباهى بالكراهية باسم “الاختيار الإلهي.” إنه يؤمن بإلهٍ عنصري على شاكلته، إلهٍ يوزّع الأراضي والحقوق كما يشاء، ويمنح مَن يشاء المحبة ومَن يشاء الكراهية. وهو يستشهد بالنصوص الدينية دون فهمٍ لمعناها، ويقود حزبًا وجمهورًا فقدا أي بقية من ضمير، حتى بات الاحتلال عنده وعند أتباعه فضيلةً مقدسة، وقمعُ شعبٍ بأكمله واجبًا إلهيًا.
ويتابع “بورج” في مقارنة لافتة: “إن الفارق كبير والبون شاسع بين وزير المالية الإسرائيلي ووليّ العهد السعودي. فالأمير محمد بن سلمان يتقن عدة لغاتٍ، ويتنقّل بسهولة بين الجامعات الغربية والمراكز الدينية الإسلامية، جامعًا بين الأصالة والانفتاح. أمّا سموتريتش، فأسيرُ الجهل وضيق الأفق، إنجليزيته ركيكة وثقافته محدودة، لا يرى في الجذور إلا قيودًا تشده إلى الوراء.” وفيما تمثل الجذور لدى ولي العهد السعودي، منصة للنهوض والانطلاق، فإنها عند الوزير “سموتريتش”، بمثابة حبل مشنقةٍ يخنق صاحبه. الأول يسعى لفتح النوافذ واستقبال النور، والثاني يُغلقها ليحيا في الظلام. هذا هو الفرق بين التقدّم والجمود، وبين الفكر المتجدد والعقيدة المتحجرة.
ويختم “بورج” مقاله بسخرية لاذعة قائلا: “إن ركوب الجِمال شئ ممتع، فهو يعمّق صلة الإنسان بالطبيعة وبإيقاع الحياة. لكن الذي يقود شعبه بالكراهية والعمى الروحي، إنما يعود إلى الوراء، حيث غياهب التاريخ. هناك، في تلك الحفر المظلمة، يتجوّل “سموتريتش”، ليمثل العالم الرجعي الحقيقي. وإذا كانت السعودية اليوم تمثل الـ “فيلا” المضاءة في صحراء التقدّم، فإن “سموتريتش” ليس سوى حيوان بري يتسكع على أطراف الغابة الإسرائيلية البدائية.”
2 – سموتريتش” مُصاب بجهل الإيرانيين!
في مقالٍ نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، كتب المحلل الإسرائيلي “إيلان زلايت”- الباحث في شؤون الخليج بمعهد أبحاث الأمن القومي ومركز ديان بجامعة تل أبيب- أن السعوديين لا يخجلون من جِمالهم، بل يعدّونها رمزًا وطنيًا وثقافيًا راسخًا في وجدانهم. وهم يتذكرون جيدًا سخرية نظام الملالي في طهران عام 1979م حين وصفهم بـ”رعاة الإبل”، في إشارة إلى “تخلّفهم” المزعوم مقارنة بالدولة الفارسية. واليوم، يكرّر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الخطأ نفسه بتصريحٍ يكشف جهلًا وغطرسة، كان أولى به أن يتحاشاه. وأضاف “زلايت” أن سموتريتش لو اطّلع قليلًا على واقع المملكة لأدرك أنه أمام قوة اقتصادية كبرى، يبلغ ناتجها المحلي ضعف نظيره الإسرائيلي، وفيما يخص “ركوب الجمال” يجب أن يعلم أن العاصمة الرياض تمتلك شبكة مترو حديثة، بينما لا يزال سكان تل أبيب يتوقون لمثلها.
وأشار الكاتب إلى أن الجِمال في السعودية ليست رمزًا للتخلّف بل للفخر والانتماء، إذ تمثّل جزءًا أصيلًا من الهوية التاريخية التي ساعدت العرب على التكيّف مع قسوة الصحراء، ولا تزال الجِمال حاضرة في المهرجانات والعروض الثقافية. ثم يضيف ساخرًا: “ليُخبر أحدهم وزير المالية أن تاريخ الإسرائيليين أنفسهم بدأ أيضا بركوب الجِمال في الصحراء”. أما اليوم، فالسعودية- التي يقطنها أكثر من 35 مليون نسمة- تعيش نهضة عمرانية واقتصادية غير مسبوقة، تقودها رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فهي تستثمر نحو مئة مليار دولار سنويًا في البنية التحتية والتكنولوجيا، وتشيّد أطول برج في العالم، وتستعد لاستضافة كأس العالم والألعاب الأولمبية.
وفي كل عام، تستقطب المملكة نخبة رجال المال والأعمال من وول ستريت ووادي السيليكون لحضور قممها الاقتصادية الكبرى. وفي القمة الأخيرة، أعلنت شركة “إنفيديا” عن اتفاقية ضخمة، جعلت من السعودية قوة عالمية صاعدة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما باتت المملكة تستضيف كبار الفنانين العالميين، وتشهد تحوّلًا اجتماعيًا متسارعًا وصل حدّ إرسال أول رائدة فضاء سعودية، في بلدٍ لم يكن يسمح للنساء بقيادة السيارة قبل بضع سنوات. ويخلص “زلايت” إلى أن تصريحات سموتريتش تعبّر عن صورة نمطية بائدة لا تليق بصانع قرار في حكومة تطمح للتطبيع مع العرب، مشيرًا إلى أن على الإسرائيليين أن يدركوا أن من يعيشون “على الجانب الآخر” ليسوا سكان صحراء بعيدة، بل جيران على بُعد عشرات الكيلومترات من ميناء إيلات، يسابقون العالم نحو المستقبل.
3 – التطبيع مع السعودية خطوة فارقة!
في مقال نشره الكاتب الإسرائيلي “نير كيبنيس” على موقع “واللا” العبري، وجّه انتقادات لاذعة لوزير المالية الإسرائيلي على خلفية تصريحاته المسيئة للمملكة العربية السعودية، معتبرًا أن تلك التصريحات تكشف النعرة العنصرية المتجذّرة في خطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف. وأوضح “كيبنيس” أن أي رئيس حكومة “طبيعي ومسؤول” كان سيُقيل سموتريتش فورًا من الحكومة بعد أن أساء إلى السعودية، التي تُعد- بحسب وصفه- أهم دولة عربية ومحورية في المنطقة. إلا أن تمسّك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالسلطة، يجعله يتغاضى عن هذه التجاوزات، فيما يستغل سموتريتش و”بن غفير” هذا الضعف لترسيخ خطابٍ عنصري معادٍ للعرب، يخدم مصالحهما السياسية داخل الائتلاف الحاكم.
وأشار الكاتب إلى أن التطبيع مع السعودية، التي تضم مكة المكرمة، لن يجعل جميع المسلمين محبّين لإسرائيل، لكنه سيُشكّل منعطفًا تاريخيًا في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، مؤكدًا أن السلام مع الرياض سيكون – من حيث الرمزية والتأثير- أكثر أهمية من اتفاق السلام مع القاهرة. ويرى “كيبنيس” أن تصريحات سموتريتش تُلحق ضررًا بالغًا بجهود إسرائيل الدبلوماسية، وتُظهرها كدولة تتحدث بلغة الغطرسة لا بلغة المصالح، في وقتٍ تسعى فيه واشنطن لتقريب وجهات النظر بين تل أبيب والرياض لتحقيق اختراق استراتيجي جديد في المنطقة.

4- سموتريتش يستخفّ بمستقبل إسرائيل في المنطقة!
في مقاله بصحيفة هآرتس العبرية، يرى الباحث “يوئيل جوزنسكي”- الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي- أن التصريح الساخر والمستفز الذي أطلقه وزير المالية سموتريتش تجاه السعودية، حين دعاها إلى “العودة لركوب الجِمال في الصحراء”، لا يُعبّر فقط عن وقاحةٍ وعنصريةٍ بغيضة، بل يشكّل ضررًا مباشرًا لمصالح إسرائيل الاستراتيجية. فالسعودية في عام 2025م ليست دولة صحراوية هامشية، بل قوة إقليمية واقتصادية عالمية التأثير، وعضو فاعل في مجموعة العشرين. وتعيش المملكة ثورة تنموية شاملة في الاقتصاد والمجتمع والتكنولوجيا، تستثمر خلالها مئات المليارات من الدولارات في الطاقة المتجددة والسياحة والبحث العلمي، ضمن رؤية 2030م التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بهدف تنويع الاقتصاد وترسيخ مكانة المملكة في الساحة الدولية. ويؤكد “جوزنسكي” أن التحوّل الهائل الذي تشهده السعودية يفتح أمام تل أبيب فرصة تاريخية للشراكة مع الرياض، شراكة قوامها الاستقرار والتعاون في مواجهة التحديات الإقليمية. فالسعودية اليوم أصبحت دولة محورية في حفظ توازن الشرق الأوسط، وليست خصمًا أو عدوًا كما يتوهم بعض الساسة الإسرائيليين.
وخلال السنوات الأخيرة، برزت المملكة وسيطًا أساسيًا بين العالم العربي والغرب، بفضل ما تمتلكه من قوة مالية ودبلوماسية ودينية فريدة، ولا سيّما في قدرتها على منح الشرعية للتطبيع مع إسرائيل. لذا فإن تحسين العلاقات مع الرياض لا يُعدّ إنجازًا سياسيًا فحسب، بل تحولًا استراتيجيًا يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط. ويحذّر “جوزنسكي” من أن التصريحات المُهينة بحق السعوديين لن تغيّر مواقفهم، بل ستؤجّج مشاعر النفور تجاه تل أبيب. فالعالم العربي يتابع عن كثب الخطاب الداخلي في إسرائيل، في وقتٍ تخضع فيه مفاوضات التطبيع لاختبار حساس. ومن شأن التصريحات المُسيئة أن تعرقل الجهود الدبلوماسية وتُقحم إسرائيل في دائرة الاعتذار بدلا من التقدّم.
ويختم الباحث بالقول إن السلام مع السعودية ليس منحة تُقدَّم لدولة عربية، بل خطوة استراتيجية قادرة على إعادة تشكيل وجه الشرق الأوسط. فالتطبيع مع الرياض سيفتح أمام إسرائيل أسواق الخليج، ويُعزّز التحالف الإقليمي في مواجهة إيران، ويُقيم جسرًا ثلاثيًا بين تل أبيب وواشنطن والرياض، مانحًا إسرائيل شرعية واسعة في المنطقة. ولذا فإن مَن يستخفّ بالسعودية اليوم، إنما يستخفّ بمستقبل إسرائيل في الشرق الأوسط.
5- السعودية تتفوّق على إسرائيل في المواصلات!
في مقالٍ نشره موقع وللا العبري، كتب الصحفي الإسرائيلي “أودي عتسيون” أن تصريح وزير المالية سموتريتش لم يكن مجرّد تعبير عن عنصرية وغرور، بل كشف أيضًا عن جهلٍ فادحٍ بما حققته السعودية من قفزات تنموية، ولا سيّما في مجال البنية التحتية ووسائل النقل الحديثة، التي تفوقت فيها على إسرائيل بمراحل كبيرة. ويشير الكاتب إلى أن سموتريتش، بتصريحه المستهزئ عن “ركوب الجِمال”، تجاهل أن السعودية تمتلك اليوم منظومة نقل ومواصلات أكثر تطورًا من إسرائيل، تشمل قطارات فائقة السرعة ومترو أنفاق وشبكات طرق متقدمة، بينما لن تتمكن إسرائيل من الوصول إلى ذلك المستوى السعودي قبل عام 2040م. فبين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة وجدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، تعمل منذ ست سنوات شبكة قطارات فائقة السرعة تُقدر بــ 300 كيلومتر في الساعة. وفي المقابل، لا تستطيع هيئة السكك الحديدية الإسرائيلية تشغيل قطارات تتجاوز سرعتها 160 كيلومترًا في الساعة، ولن يُتوقع إطلاق القطار السريع إلى إيلات قبل عام 2040.
كما تمتلك المملكة السعودية شبكتي مترو أنفاق: الأولى في مكة المكرمة وتعمل منذ عام 2010، والثانية في الرياض بطول 176 كيلومترًا دخلت الخدمة مؤخرًا، بينما لا تمتلك إسرائيل سوى خطين للقطار الخفيف قيد التشغيل، ومشروع مترو في وسط البلاد لن يرى النور قبل عام 2040. وتبلغ شبكة السكك الحديدية السعودية نحو 2750 كيلومترًا، أي ضعف نظيرتها الإسرائيلية تقريبًا، فضلًا عن تفوّقها في امتلاك السيارات الخاصة واستثمارها في صناعة المركبات الحديثة. أما في مجال الطيران، فتمتلك شركات الطيران السعودية أكثر من 300 طائرة نفاثة، أي ما يعادل أربعة أضعاف أسطول شركات الطيران الإسرائيلية مجتمعة. ويختتم “عتسيون” مقاله بسخرية لاذعة قائلًا: “إذا أردنا المقارنة العادلة، فالحقيقة أن مَن يركب الجِمال اليوم هم نحن “الإسرائيليون” — وليس السعوديون.”
خلاصة القول، فإن موجة الانتقادات العنيفة في الداخل الإسرائيلي ضد تصريح سموتريتش المسيئ للسعودية، كشفت أن ذلك التصريح لم يُهِن السعودية بقدر ما أهان إسرائيل نفسها، وأظهر جهل أعضاء اليمين المتطرف في إسرائيل وعجزهم عن إدراك التحولات العميقة في المنطقة. فالسعودية اليوم تمثل نموذجًا للنهضة والانفتاح، بينما تكشف تصريحات كهذه عن ذهنيةٍ متحجرةٍ تُعيد إسرائيل إلى عصور الظلام، وتُقوّض فرصها في السلام والاستقرار الإقليمي.

