من له الهوية له السيادة , لذلك يستمر الصراع بهدف حسم إجابة سؤال واحد فقط ” القدس فلسطينية عربية أم إسرائيلية عبرية ؟ ” .
تحاول دولة الإحتلال بكل الطرق الممكنة ( هدم منازل الفلسطينيين , جلب أكبرعدد ممكن من المستوطنين , محو الهوية الفلسطنينية الإسلامية والمسيحية , صبغ القدس بهوية عبرية زائفة , تزييف الحقائق التاريخية , فرض أمر واقع جديد , تسخير القوانين , إستخدام وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي لنشر معلومات خاطئة ) بهدف إثبات أحقيتها في إمتلاك و حكم القدس .
تعتمد إسرائيل سياسة تقسيم الهدف إلي أجزاء و مراحل , الهدف هو القدس كاملة و يتم تحقيق هذا الهدف علي مراحل و في فترات زمنية مختلفة :
– سنة 1967 : احتلال القدس الشرقية و إصدار “أمر القانون والنظام”رقم 1 لسنة 1967 الذى بموجبه تخضع مدينة القدس للقوانين والنظم الإدارية الإسرائيلية .
– سنة 1980: أقر الكنيست القانون الأساسي “القدس الموحدة” الذي نص على اعتبار مدينة القدس كاملة عاصمة موحدة لإسرائيل ومقرًا لرئاسة الدولة والحكومة والكنيست والمحكمة العليا.
– سنة 2017 : إعتراف الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” بالقدس عاصمة لإسرائيل .
محاور الصراع
1) البلدة القديمة
تمثل البلدة القديمة تحدي كبير لسلطات الاحتلال نظراً لما تحتوي عليه من أدلة تاريخية و دينية تثبت أحقية الفلسطينيين في القدس و فلسطين كلها لذلك قامت السلطات بإتخاذ بعض الخطوات بهدف تحويل القدس من عربية ليهودية عدداً و هويةً منها :
أ) العمل علي تقليل عدد الفلسطينيين في المنطقة و في المقابل زيادة عدد المستوطنين اليهود , و ذلك عن طريق :
1- مصادرة أراضي الفلسطينيين و يتم ذلك بطرق مختلفة :
– حكم قضائى يقضى بأنها تخص جهة إسرائيلية عامة ( خطة توسيع الحديقة العامة في القدس ).
– رفض الاعتراف بسندات الملكية العرفية وسندات الملكية المسجلة فى الأردن .
– تنفيذ قرار المصادرة علي أنه قرار صادر منذ سنوات عديدة .
– ضم أراضي بحجة أنها مخصصة للخدمة العسكرية أو العامة ثم تخصيصها بعد فترة للمستوطنين .
2- التصديق علي بناء وحدات استيطانية جديدة كل فترة وضخ أموال و إستثمارات ضخمة في سبيل تنفيذ تلك المخططات .
3- الترويج لفكرة هجرة اليهود إلي فلسطين خاصة خلال الفترة الأخيرة لإستغلال الأزمة الروسية – الأوكرانية لجلب اكبر عدد ممكن من اليهود الأوكران إلي فلسطين .
ب) محاولة إخفاء أي هوية دينية غير يهودية
1- المسجد الأقصي :
تهدف الإقتحامات المتكررة التي يقوم بها المتطرفون اليهود لتحقيق وجود يهودي تدريجي داخل المسجد الأقصي و فرض السيادة الإسرائيلية علي المسجد الاقصي و يتم ذلك عن طريق :
– الترويج لفكرة الهيكل المزعوم علي أن يكون الحجة لسبب إقتحام المسجد و الصلاة فيه .
– زيادة أعداد المقتحمين وأيام الإقتحام تدريجياً .
– أداء الصلوات اليهودية علناً خلال الإقتحام و خاصةً في فترة الأعياد اليهودية .
– الإستيلاء علي المناطق المحيطة بالمسجد الأقصي و تهجير السكان الفلسطينيين منها بهدف فصل المسجد عن محيطه العربي الإسلامي .
– استهداف حراس الأقصى ورموزه وإبعادهم عن المسجد لفترات مختلفة .
– منع محاولات الترميم و الصيانة في المسجد الأقصي .
– محاولة تهميش دور الوصاية الأردنية علي المسجد الأقصي .
– مواصلة الحفريات أسفل المسجد وفي محيطه وافتتاح عشرات الكنس اليهودية والحدائق التلمودية والمتاحف والمراكز بهدف الترويج للروايات الصهيونية .
2- كنائس البلدة القديمة :
– تسعي الجمعيات الاستيطانية بمساعدة القوانين الإسرائيلية للإستيلاء علي العقارات التابعة للكنائس المختلفة بهدف تقليل الوجود المسيحي في القدس تدريجياً .
– محاولة تحديد عدد المتواجدين داخل كنيسة القيامة خلال الاحتفالات بالعيد في إبريل الماضي .
ج) تهويد أبواب البلدة القديمة :
تمثل الأبواب نقطة الدخول للبلدة القديمة و تربط بينها و بين الطرق و الأسواق خارج البلدة لذلك يحرص الإحتلال علي تهويد تلك الأبواب و فرض أمر واقع جديد عليها و ذلك من خلال :
– مصادقة “لجنة التخطيط والبناء” في بلدية الاحتلال على إيداع خطة لإنشاء مجمع استيطاني في منطقة باب الخليل ، ضمن مخطط شامل لتهويد كل أبواب البلدة التاريخية والتغطية عليها بشكل كامل .
– الإستيلاء على عشرات المحلات التجارية بمنطقة باب الخليل، لأجل إقامة مجمع تجاري يهودي، بالإضافة للكثير من العقارات المقدسية .
– تثبيت نقوش لنجمة داوود و للهيكل المزعوم وغيرها من الرموز اليهودية علي أبواب البلدة القديمة .
– ربط الحي اليهودي بالجزء الغربي من المدينة من خلال السيطرة على باب الخليل .
– عرض رسومات مضيئة على أسوار الأبواب و محيطها تروي روايات ملفقة ومزورة حول القدس وتاريخها خلال فترة الأعياد والمناسبات اليهودية .
– تضييق الخناق علي الفلسطينيين في منطقة باب العامود وغلق الباب أحياناً حيث أنه من المواقع المفتوحة القليلة التي يستطيع الفلسطينيون التجمّع فيها وهو أيضاً موقع لقاء للشباب .
الجدير بالذكر أن ما ينطبق علي البلدة القديمة ينطبق علي باقي مناطق و أحياء القدس من حيث الأسلوب الذي يتبعه الاحتلال لتنفيذ مخططاته و ضمان سيادته علي القدس .
2) ميزان الديموجرافيا
يعد عدد السكان عنصراً هاماً في صراع السيادة . فالسيادة للأغلبية و بحسب تقرير نشرته دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية تراجع عدد السكان الإسرائيلين مقابل زيادة في أعداد الفلسطينيين , حيث بلغ عدد السكان في القدس كاملة 951,100 نسمة في العام 2020، بينهم 570,100 إسرائيلي (61%) و366,800 فلسطيني (39%) . كما أشار التقرير الي زيادة في نسبة الهجرة العكسية من الإسرائيليين هذا بجانب وجود غالبية فلسطينية في القدس الشرقية علي الرغم من كل محاولات هدم منازل الفلسطينيين و تهجيرهم قسرياً .
3) موقف الدول المجاورة
تمثل القدس مكانة هامة للدول المحيطة بفلسطين نظراً لأهميتها علي كل المستويات تقريباً لذلك تهتم تلك الدول بالحفاظ علي مسارات للتواصل مع الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني .
أ) الأردن
تعتبر دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى دائرة أردنية تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية. و بموجب القانون الدولي هي الوحيدة المسؤولة عن شؤون المسجد الأقصى بوصفها آخر سلطة دينية إدارية كانت تشرف على المسجد قبل احتلال القدس الشرقية و لكن في إطار المساعي الإسرائيلية من أجل فرض أمر واقع جديد في القدس تحاول إسرائيل تغيير الأمر ليصبح دور الأردن قاصرعلي الإدانات و المطالبة بحقها في الوصاية علي المقدسات في القدس , في نفس الوقت يهتم الجانبين الإسرائيلي و الأردني بالحفاظ علي العلاقات الاستراتيجية بينهما .
ب) مصر
لطالما كان دور مصر واضح علي المستوي الدبلوماسي و الشعبي في المطالبة بالحفاظ علي حقوق الشعب الفلسطيني وبذل الجهود من أجل الحفاظ علي التهدئة في المنطقة قدر الإمكان, و يعد لقاء وزير الخارجية المصري “سامح شكري” مع أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح “جبريل الرجوب” رسالة علي حرص مصرعلي العمل على تهيئة المناخ الملائم لإحياء مسار المفاوضات بين الجانبيّن الفلسطيني والإسرائيلي خاصة أن موعد اللقاء كان قبل مسيرة الأعلام بيوم .
4) الدعم الأمريكي و الإنشغال بالأزمة الروسية – الأوكرانية
تعتمد إسرائيل بشكل أساسي علي الدعم الأمريكي و دائماً ما تكون في إنتظار الضوء الأخضر من أجل تنفيذ أي خطوة جديدة . و لكن في ظل الإنشغال بالازمة الروسية – الأوكرانية تعيد الإدارة الأمريكية ترتيب أولوياتها – في خضم صراعها مع روسيا و تنافسها مع الصين – بهدف إدارة الصراع في القدس لتحقيق مصالحها في المنطقة بالطريقة التي تلائم الوضع الحالي .
أوضحت الإدارة الأمريكية الحالية من خلال تجركاتها السياسية أنها تريد التهدئة في القدس و عارضت مخططات إنشاء المستوطنات في القدس الشرقية و الضفة الغربية لذلك تحاول الحكومة الاسرائيلية الحالية إستغلال الانشغال بالأزمة لفرض أمر واقع جديد علي القدس يُصعب التراجع عنه فيما بعد .
إنعكاس الصراع علي المشهد الحالي
تعد الأعلام أهم و ابرز رمز للسيادة لذلك فكرة رفع العلم مهمة و خطيرة لدي كل جانب . يرفض الاحتلال رفع العلم الفلسطيني داخل البلدة القديمة في سبيل فرض هويته و سيادته علي المنطقة و في المقابل يحاول الفلسطينيون رفع العلم الفلسطيني كدليل علي هوية المنطقة و أحقية وجودهم فيها ,انعكس ذلك بوضوح خلال جنازة الصحفية شيرين أبو عاقلة يوم 2\5\2022 حيث استخدمت قوات الشرطة الاسرائيلية العنف تجاه المشييعين و كان الهدف هو نزع الأعلام الفلسطينية التي يرفعها المشيعين . كذلك خلال مسيرة الأعلام 29 مايو حيث شارك بها آلاف الاسرائيليين بحماية الشرطة التي فرقت أية مسيرات فلسطينية حاولت رفع العلم الفلسطيني .
نقاط القوة و الضعف لدي كل طرف من أطراف الصراع
علي الجانب الإسرائيلي يوجد حكومة هشة مختلفة التوجهات تحاول إثبات جدارتها بالحكم و التماسك لأطول فترة ممكنة لمواجهة التحديات الخارجية تلك التي تفرضها المعارضة الشرسة بجانب أزمة الهجرة السلبية ) . بينما علي الجانب الفلسطيني يعد اختلاف التوجهات و غياب الأهداف المشتركة بين الفصائل أهم نقاط الضعف الفلسطيني , إلا أنه خلال التاريخ الطويل لهذا الصراع أثبت صمود الشعب الفلسطيني قوته و مدي أهميته كعنصر أساسي من عناصر الصراع .
ختاماً : في ظل إستناد إسرائيل علي رواية ضعيفة المصداقية لفرض سيادتها و هويتها علي القدس و محاولاتها لفرض أمر واقع جديد علي المنطقة يظل الصراع قائم و صراع السيادة ليس علي القدس فقط بل علي هويتنا العربية الإسلامية و المسيحية – علي كوننا نحن – علي حضارتنا , تاريخنا , إنجازاتنا , صمودنا و حقيقتنا . الصراع طويل و شاق و بما أن “من له الهوية له السيادة ” فالهوية لمن يصمد أكثر, لمن يبني علي الرغم من محاولات الهدم , لمن يزداد وجوده و تأثيره علي الرغم من محاولات الطرد و التهجير, لمن يتكلم علي الرغم من محاولات القمع .