جاء هذا المقال المفصل بعد ما يقرب من عامين من تصريحات مقتضبة لكاتبه فى القناة الثانية الاسرائيلية بذات الخصوص؛ جاء كإشارة لأزمة حقيقة فى القوى البشرية داخل الجيش الاسرائيلى بشكل عام، وسياسة المسؤولين فى إدارتها ومدى جاهزية الجيش الاسرائيلى بشكل خاص .
انتقد الكاتب وهو مفوض شكاوى الجنود بالجيش الإسرائيلى سابقًا “يتسحاك بريك” خطة “جدعون” للجيش الإسرائيلى 2016 – 2020 التى قادها رئيس هيئة الأركان في حينه “جادي آيزنكوت ” والتى تسببت فى تدهور كبير فى حالة القوات البرية الإسرائيلية فى وجهة نظره كمفوض سابق لشكاوى الجنود .
جاءت أهم النقاط الواردة فى المقال على لسان الكاتب والتى تظهر التناقض والكذب الظاهرين فى تصريحات وتقارير كبار قادة الجيش الاسرائيلى كما يلى :
– بداية وأثناء كتابة التقرير الذى يتحدث عن استعدادات الجيش الإسرائيلى للحرب ظهر تناقض واضح فى تصريحات كبار الضباط حيث قدموا صورة قاتمة لحالة الجيش لكنهم عندما سئلوا نفس الاسئلة من قبل لجنة الخارجية والأمن القومى قدموا صورة شبه مثالية، حتى لا يؤثر ذلك على ترقيتهم واعتمد معظمهم على مقربين لهم ممن يهدفون إلى الحفاظ على صورة الجيش عند الإجابة على الأسئلة دون النزول لأرض الواقع، أو بدلًا من تدارك الإخفاق ومحاولة إصلاحه.
– المشكلات الخطيرة التى كشفتها فى القوات البرية كانت مدعومة بالتحقيقات ونتائج الفحوصات التي أجريتها، أما الانتقاد فكان من جانب منتقدى النظام فقط الذين قرروا أن الجيش غير مستعد لحرب حقيقية وستشهد على ذلك مئات الوثائق التي قرأتها ومحادثاتي مع عشرات الآلاف من القادة والجنود، وزياراتي إلى 1600 وحدة، على مدى عقد من الزمان.
– ما أصابنى بالذهول أن القيادة العليا للجيش لم تأخذ على محمل الجد انتقادات مراقب الجيش لشئون التدريب، والقوى البشرية، والأسلحة، ومخازن الطوارئ التي نشرت فى تقرير صُنف على أنه “سرى” فى الفرقة 319 ، كما لم تعقد مناقشة جادة لعلاج هذا الوضع ، وكانت انتقادات النقص الخطير فى استعداد الجيش للحرب “معتدلة” مقارنة بانتقادات المؤسسة الأمنية .
– تظهر هذه التقارير أن تدهورًا شديدا لحق بالقوات البرية فى السنوات الأخيرة لكنه قابل للإصلاح لوتم إنشاء لجنة تحقيق قبل الحرب المستقبلية ، وإلا ستكون النتائج قاسية .
– أحد أسباب التدهور الحاد هو قصور الثقافة التنظيمية المدمرة فى الجيش الإسرائيلي، بما فى ذلك ثقافة الكذب والصمت والتقارير غير الموثوق بها وأكاذيب الرؤساء.
– يوجد فى مكتب المفوض الكثير من شكاوى الجنود تحتوى على مستندات مليئة بشهادات كبار القادة الذين لا يقولون الحقيقة، وينعكس هذا أيضًا في العروض المقدمة من الضباط إلى لجنة الخارجية والأمن والمجلس الوزارى المصغر.
ولفَهمِ عمق ثقافة الكذب فى الفترة (2015-2019)، سأقدم بعض الأمثلة من بين آلاف الموجودة لدىّ، حيث أن الصورة التى قُدمت إلى قادة الدولة مشوهة ولم تصور الواقع على الأرض .
كذب الجنرلات
يضيف الكاتب : أثناء عملى كمفوض شكاوى الجنود، التقيت كثيرًا مع كبار القادة والضباط والجنرالات لإجراء بعض المناقشات، بما في ذلك جنرال له شأن في مجاله، وكتبت تفاصيل تلك المحادثات، وسأقتبس عدة جمل من حديث أحد الجنرالات:
“الجيش في حالة إفلاس وقيادة الذراع البرى لا تعمل، ولا توجد علاقة بين الموكل لهم الصلاحيات والمسؤولية، كما أن هناك مشاكل خطيرة تتعلق بالكفاءة؛ فالقضايا تقع بين مقاعد القادة الذين لا يمارسون (التدريب، التأهيل، إلخ) ولا توجد رؤية عامة، الجيش غير منضبط؛ نظام التحكم في الحرب الرقمية غير مؤهل للحرب، هناك مشاكل خطيرة فى التدريب والمهارات المهنية وهجرة العقول مرعبة والأهم هو تعزيز المخابرات والقوات الجوية، وننسى الأرض كيف يتم نشر القوات البرية في الحروب القادمة على هذا النحو ما يشكل إضرارًا بروح المحاربين الذين لا يثقون بقادتهم “.
بعد ذلك بوقت قصير، قابلت هذا الجنرال في لجنة الكنيست، التي ناقشت تقريري، وبعد تقديمى للنقاط البارزة في التقرير، قدم الجنرال موقفه، ودهشت من عرضه على اللجنة أشياءً عكس ما قاله لى، ولم يكن لدىّ خيار إلا أن اقرأ أمام اللجنة ما قاله دون ذكر اسمه، وكانت الدهشة في اللجنة هائلة .
– زرت العديد من مستودعات الطوارئ للفرق خلال زيارتى للوحات المختلفة ، واستمرت إحدى الزيارات من ثلاث إلى أربع ساعات، تحدثت إلى الجنود والمسؤولين عن كفاءة الأسلحة فى المستودعات، وفي نهاية الزيارة قدمت لقائد الفرقة ما توصلت إليه من نتائج واستمعت لرأيه وكان هذا ما قاله قائد الفرقة :
“إن الثقافة التنظيمية في الجيش الإسرائيلي سيئة للغاية، لا يوجد مراقبة صارمة ومتابعة أو التحقق من الأداء، ولم تشارك هيئة الأركان العامة في التحركات التي تتطلب تعاون عدة أقسام في وقت واحد، لا توجد صلة بين الصلاحيات والمسؤوليات خاصة فى المنظومة البرية، والعديد من القضايا تقبع بين الكراسى، والتقليصات في القوى البشرية وتقصير مدة خدمة الأولاد تجاوزت “الخط الأحمر”.
لا يستطيع موظفو مستودعات الطوارئ تأدية خطط العمل والمهام بسبب نقص الموظفين، والوضع يؤدي إلى تآكل فى العمل وعبء شديد على المستخدمين كما يضعف الكفاءة بشدة
…… هناك أزمة في الإطار اللوجستي للقوات القتالية.
وبعد نشر تقريري القاسي عن استعداد الجيش، عقد المتحدث الرسمى باسم الجيش الإسرائيلي مؤتمرًا صحفيًا، حضره كبار الضباط، بمن فيهم قائد الفرقة، وكان الهدف من المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلى هو الرد على انتقاداتي القاسية، وتقديمها للصحافة من قبل كبار القادة، وزعم قائد الفرقة الذى التقيت به أن فرقته كانت مستعدة جيدًا للحرب، ولم تكن هناك مشاكل فى التأهيل كما جاء في “تقرير بريك”، وهذا يعني أنه لا توجد شجاعة لقول الحقيقة.
أخفى قادة الجيش الاسرائيلى الحقائق والمخالفات الواضحة الواردة فى تقرير “بريك ” خشية المساءلة ما أظهر محدودية فرص تنمية القوى البشرية فى الجيش الإسرائيلى على نحو يمكنه المواجهة بقيادة ومقاتلين على مستوى لائق من الجاهزيةعلى مستوى الساحات المفتوحة، أو حتى على الجبهة الداخلية، مع انتشار الفقر وارتفاع مستوى البطالة خاصة بعد جائحة كورونا والتى قد تدفع بالإسرائيليين إلى الاحتجاجات وإلى العنف ضد السلطة إذا طال الأمر؛ حينئذ ستكون النتيجة زيادة احتمالية أن تقوم اسرائيل بممارسة العنف والاستعانة بالجيش نحو محاولةً كبح غضب الجمهور الإسرائيلى .
– هناك مشاكل لكننا سنعمل وننجز المهام:
خلال زيارة إلى مركز دعم تابع للقيادة الشمالية يخدم الوحدات في الحرب ويسمح باستمرار القتال، وبعد زيارة استغرقت أربع ساعات وجولة في المستودعات، ومحادثة مع الضباط والجنود، تحدثت مع القائد الأعلى برتبة عميد وتلك بعض كلماته:
“منذ عامين، عرض علينا مراقب المؤسسة الأمنية وعلى القيادة العليا المشكلات الصعبة الميدانية، ومنذ ذلك الحين والوضع آخذ بالتدهور؛ فليس لدى الجيش أى فهم للاتجاه الذي نسير فيه، أفراد الخدمة الدائمة الجيدين يغادرون، والمغادرون هم الشباب ولا يوجد جيل مستقبلي نحن نفقد المعرفة التي اكتسبناها على مر السنين.
عملت كضابط لوجستيات فى القيادة الشمالية خلال حرب لبنان الثانية، والوضع اليوم يزداد سوءًا المشاكل تزداد ويواجه الجيش مشاكل حادة فى الكفاءة، ولا يوجد تنسيق بين أقسام هيئة الأركان، لدى نقص هائل فى القوى العاملة، وهذا يضعف بشدة قدرتنا على تأدية خطط العمل، ويخشى كبار الضباط أن يشتكوا لأنه سيتم اقتلاعهم، هناك “علاقة صمت” بينهم ، وحتى فى القيادة العليا، لا أحد مستعد لتحمل المسؤولية “.
وبعد تقديم تقريري إلى اللجنة الفرعية للاستعداد فى لجنة الخارجية والأمن، ذهبت اللجنة الفرعية، برئاسة عضو الكنيست السابق عمير بارليف، لزيارة شعبتين (98، 319) في الشمال، وهدف الزيارة كان التحدث إلى القادة والتأثير مباشرة على استعدادهم للحرب وأخبر القائد الأعلى اللجنة بإيجاز “أنه توجد هناك مشاكل، إلا أنه سوف يدير ويؤدي المهام”.
وتعتبر مخاوف القادة الكبار من قول الأشياء الخطيرة ظاهرة عامة إلى جانب تجميل الوضع بدلًا من الصراخ حول الإخفاقات الخطيرة التي لن تسمح بالقيام بالمهام، كما سمعت في زيارتي من الجميع.
وأما محاولة القاء الجيش الاسرائيلى بثقله فى إعادة ترتيب البيت من الداخل والقيام بعملية إعادة هيكلة تنظيمية ثقافية شاملة دون تعاون مع حكومة مستقرة بعيدة كل البعد عن الضغوط الاقتصادية والصراعات السياسية الفردية والحزبية سيكون من الصعب بل من المستحيل حدوثه تفاديا للهزيمة فى الحرب الإقليمية المستقبلية التى لا يعرف أحد منهم كيفية توقعها مسبقاً، تلك الحرب التى قد تندلع حتى لو لم يُعنَ أحد باندلاعها غيرهم .