شهدت العلاقات المصرية التركية تطوراً كبيراً وذلك برفع مستوى التمثيل الدبلوماسى بين البلدين فى الرابع من يوليو 2023م لتطوى صفحة من الخلافات السياسية بين البلدين إستمرت لعشر سنوات كاملة هى الأطول فى تاريخ الخلافات السياسية بين مصر وتركيا .
وشكلت الخطوات التركية فى عودة العلاقات بين البلدين على مدار عامين كاملين أساساً لعودة العلاقات مع مصر والتى كان من أهمها زيارة وفد الخارجية التركية للقاهرة فى مايو 2021م برئاسة السفير سادات اونال وكيل الخارجية التركية وتصويب مسار الخطاب التركى تجاه مصر ومؤسساستها وإختيارات شعبها ، وكذلك دعوة الوفد المصرى برئاسة السفير حمدى لوزا لعقد جولة ثانية من اللقاءات الإستكشافية فى سبتمبر من عام 2021م ،وقد صرح وزير الخارجية المصرى سامح شكرى عقب انتهاء اللقاءات الإستكشافية بأن مصر تنتظر من تركيا أفعال وليست أقوال لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسى وعودة العلاقات بين البلدين ،حيث شهد عامى 2022م- 2023م خطوات تركية ملموسة فى إطار المصالحة مع مصر وتوافق لمتطلبات الدولة المصرية وشواغل أمنها القومى والعربى .
وقد شكل لقاء الرئيس التركى مع الرئيس السيسى على هامش إقتتاح مونديال قطر لكرة القدم وعقدا خلالة إجتماع قرابة الساعة برعاية قطر التى قامت بدور الوساطة بين مصر وتركيا ، ويعد لقاء مونديال قطر بداية دخول المصالحة المصرية التركية حيز التنفيذ وإنطلاق العلاقات الإيجابية بين البلدين .
كما شهد عام 2023م زيارة وزير الخارجية التركى مولود شاويش أوغلو للقاهرة فى مارس 2023م فى زيارة هى الأولى لوزير الخارجية التركى بعد عشر سنوات من القطيعة بين البلدين وهدفت الزيارة إلى تقارب وجهات النظر فى القضايا الخلافية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وبهدف الوصول إلى تفاهم مشترك يحقق مصالح الدولتين والشعبين فى سنوات ما بعد إنتهاء القطيعة وتنفيذ ما إتفق عليه الرئيسين خلال لقاء مونديال قطر .
دبلوماسية الأزمات والكوارث
كان لزلزال فبراير 2023م أثر واضح فى تطور عودة العلاقات المصرية التركية حيث سارعت مصر بإرسال جسر جوى وسفن محملة بالمساعدات العاجلة لتركيا للتخفيف من أثار الزلزال المدمر الذى لحق بتركيا والذى قدرت خسائرة بقرابة 80 مليار دولار فى أسوء كارثة طبيعية عاشتها الدولة التركية ، كما كان لإتصال الرئيس السيسى بنظيرة التركى وتقديم التعازى فى ضحايا الزلزال وإستعداد مصر لتقديم كافة المساعدات اللازمة لتركيا أثر كبير فى نفوس الحكومة والشعب التركى حيث ثمن الرئيس التركى هذا الإتصال الإنسانى من الرئيس السيسى تجاه تركيا كما إهتمت وسائل الإعلام التركية بتسليط الضوء على المساعدات المصرية والوفد المصرى المرافق للمساعدات المصرية لتركيا .
كما مثلت دبلوماسية الأزمات والكوارث سرعة فى وتيرة عودة العلاقات بين البلدين وتبادل الزيارات بين وزيرى خارجية البلدين لوضع تاريخ لعودة العلاقات ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسى لدرجة السفير بين البلدين، حيث تم الإتفاق على الرابع من يوليو 2023م لإعلان رفع التمثيل الدبلوماسى بين مصر وتركيا بعد عشر سنوات من القطيعة على إثر بيان 3 يوليو 2013م والذى أعلنه فى حينها وزير الدفاع المصرى عبدالفتاح السيسى فى دلالة مباشرة للإعتراف تركيا بخطأ سياستها فى دعم جماعة الإخوان المسلمين .
المرحلة المقبلة فى العلاقات المصرية التركية :-
سيذكر التاريخ أن عام 2023م هو عام طى الخلافات المصرية التركية بعد تراجع تركيا بشكل ملحوظ عن سياستها تجاه مصر وهى السياسة التى أضرت تركيا بشكل كبير خصوصاً على المستوى الإقتصادى وذلك لحدوث مشاكل إقتصادية كبيرة لتركيا على إثر المقاطعة العربية المتمثلة فى مصر والسعودية والإمارات للتعاون الإقتصادى مع تركيا لعدة سنوات قبل المصالحة والتراجع التركى عن مواقفه تجاه الدول الثلاث .
العلاقات الإقتصادية :-
تمثل العلاقات الإقتصادية محوراً هاماً فى عودة العلاقات بين البلدين ،لذلك ستشهد الفترة المقبلة مزيداً من عودة الإستثمارات التركية بمصر ونقل عدد من المصانع التركية لتكون مصر نقطة إنطلاقه للمنتجات التركية إلى أفريقيا والدول العربية فى الشمال الإفريقى .
كما إستقبلت أنقرة وزير التجارة المصرى أحمد سميرفى الفترة من 1-3 أغسطس للإتفاق على عدد من المشروعات لتوطين الصناعة التركية بمصر ورفع حجم التبادل التجارى والصناعى بين البلدين (من 5 مليارات إلى 15 مليار دولار )خلال الأعوام الخمس القادمة وقرر الوزيران بحث إمكانية استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية في الفترة المقبلة، كما اتفق الوزيران على عقد اجتماع في إطار آلية المشاورات التجارية رفيعة المستوى خلال زيارة الوزير عمر بولات لمصر في الفترة المقبلة بدعوة من الوزير أحمد سمير . وخلال الزيارة اتفق الوزيران على خارطة طريق لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، ويأتى هذا الإتفاق التجارى والصناعى تتويجاً لنجاح الدبلوماسية المصرية والتركية فى رفع مستوى العلاقات بين البلدين .
كما إتفق وزيرى التجارة على توطين صناعة السيارات والصناعات المغذية لها بالمنطقة الإقتصادية لإقليم قناة السويس لتكون نقطة عبور من مصر إلى أفريقيا والدول العربية ،كما إتفق الطرفان على التفاهم فى إعادة تشغيل خط الرورو للنقل التركى مرة أخرى والذى أوقفته مصر عام 2015م نتيجة للتجاوزات التركية فى حق الدوله والقياده المصريه.
وقد وافقت مصر على المطلب التركى بإعادة تشغيل خط نقل الرورو مرة أخرى لتساهم مصر فى دعم الإقتصاد التركى والذى يشهد تراجعاً كبيراً فى قيمة الليرة التركية أمام الدولار حيث تصل إلى 27 ليرة مقابل الدولار الواحد لتكون مصر أحد أهم الداعمين للإقتصاد التركى خلال المرحلة المقبلة .
الجانب السياحى :-
تلعب السياحة دوراً هاماً فى التعاون الإقتصادى بين البلدين حيث زار تركيا خلال الأعوام الماضية قرابة المليون سائح مصرى وذلك بحسب تصريح السفير التركى مما يمثل دفعة مصرية للإقتصاد التركى ، وترغب مصر فى جذب عدد أكبر من السائحين الأتراك فى الأعوام القادمة بالإضافة لتوقيع إتفاقية تعاون فى المجال السياحى بين مصروتركيا لتمثل السياحة أحد روافد التعاون الإقتصادى بين البلدين .
السياحة التعليمية :-
شهدت تركيا إقبالاً من الطلبة المصريين للدراسة بالجامعات التركية حيث وصل عدد الدارسين من الطلبة المصريين إلى قرابة 8 الالف طالب وطالبة بالجامعات التركية الحكومية والخاصة ،وتهدف تركيا إلى الوصول إلى 20 الف طالب خلال الأعوام القليلة القادمة وهو ما يمثل رافداً أخر من روافد دعم مصر للإقتصاد التركى فى ظل ظروف إقتصادية صعبة تعيشها تركيا.
ختاماً :-
إن عودة العلاقات المصرية التركية وطى صفحة الخلافات التى إستمرت عشر سنوات سيعود بالفائدة والمنفعة على الدولتين وذلك لما تمثله مصر وتركيا من ثقل إقليمى كبير فى المنطقة كما أن مقولة الرئيس التركى السابق “عبدالله جول” عند بداية الأزمة والقطيعة فى يوليو 2013م “بان مصر وتركيا مثل شطرى التفاحة على ضفاف البحر المتوسط لا يجب أن يفترقا أبدا” هى أبلغ مقولة لسياسى تركى يعرف ويقدر الدولة المصرية التى تمد يدها بالسلام والرخاء لجميع دول العالم .