منذ اللحظة الأولى لارهاصات عملية “طلوع الفجر” عكفت وسائل الإعلام الإسرائيلية على تطويع نفسها لخدمة المؤسسة العسكرية وإرسال رسائل طمأنة للرأي العام بجهوزية واستعداد جيش الاحتلال للمواجهة مع حركة الجهاد الإسلامي وحتى أثناء اندلاع المواجهات وإطلاق الصواريخ بإتجاه إسرائيل بدا وكأن هناك توجيه سياسي وأمني مسبق لوسائل الإعلام الإسرائيلية بالإلتزام في المعالجة الإعلامية وتداول البيانات الرسمية والتركيز على قوة القبة الحديدية وفشل إطلاق الجهاد الإسلامي للصواريخ لطمأنة سكان غلاف غزة، مع تجاهل البعد السياسي من وراء القيام بالأساس من العملية واستباقيتها، فيما تركزت التحليلات الإسرائيلية بعد العملية على الوقوف على إمكانية استغلال تحييد حماس في الدخول في مواجهة جنبا لجنب مع الجهاد الإسلامي، واستغلال ما تمر به من ضائقة يمكن لحكومة لابيد الاستفادة منها لإبرام هدنة طويلة الأجل وإمكانية إحراز تقدم في صفقة الأسرى، واقتراح سلام اقتصادي على سكان غزة، مع التلويح بعودة الضربات الاستباقية.
ففي ضوء تحليل المعالجة الإعلامية لخطاب الصحف والمواقع الإخبارية الإسرائيلية سواء المحسوبة منها على تيار يسار الوسط أو اليمين المتشدد واستقراء ماوراء تعليقات القراء على مواد الرأي المنشورة في كبرى الصحف والمواقع الإخبارية تأكد لي أنه لا فرق بين يسار الوسط واليمين المتشدد باستغلال غزة لتحقيق مكاسب سياسية ، فقد اتفقت تحليلات نتائج العملية العسكرية في كبرى الصحف الإسرائيلية المحسوبة على تيار يسار الوسط في صحيفتي “يديعوت أحرونوت”، “هاآرتس” في تناولهما الخطابي الموحد، ففي تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ 7/8 عنونت “أولاً أوكرانيا وتايوان ، فقط بعد ذلك غزة “، فيما نشر الكاتب “ألون بينكس” مقال تعليق بصحيفة”هاآرتس” بتاريخ 8/8 تحت عنوان “من ناحية العالم .. ما يحدث في غزة يبقى في غزة” ركز الكاتب على تناسي غزة من ترتيب أجندة المجتمع الدولي والأولويات العالمية والتركيز فقط على الحرب في أوكرانيا وأزمة تايوان في محاولة خبيثة من الإعلام الإسرائيلي المحسوب على تيار يسار الوسط ، لإحباط غزة وشعبها للتخلي عن خيار المقاومة والرضوخ للاحتلال والتماشي مع سياسة الاحتلال الإبداعية تحت مبدأ “التسهيلات مقابل الهدوء” والتلويح بأن أي استخدام للمقاومة أو إطلاق الصواريخ، سوف يواجه بعمليات عسكرية تكتيكية أو قصيرة الأجل ستوقع مزيداً من الشهداء وتدمر البنية التحتية وتعيد غزة سنوات للوراء وينهار الاقتصاد الغزاوي لترضخ المقاومة للمطالب الإسرائيلية بالاندماج في مشروع السلام الاقتصادي، فما ظهر في المعالجة لمقال “هاآرتس” ظهر جليًا في موقف الجمهور الإسرائيلي المتابع للصحيفة والمنتمي للتيار اليساري الداعم لاعتداءات جيش الاحتلال ودعم قياداته التي تتولي حاليا مقاليد الحكم، فقد انعكست التعليقات السلبية في مجملها إحباط أهالي غزة ودفعهم للثورة على المقاومة، متهمين أهالي غزة بإنفاق معظم أموالهم على أنابيب متفجرة بدلا من بناء منازلهم، وكذلك في ضوء الحرب النفسية الادعاء أن صواريخ المقاومة لا تطغى على إسرائيل ، بل تؤدي فقط إلى المزيد من إراقة الدماء في قطاع غزة، فيما إهتمت بعض التعليقات القليلة الإيجابية بفضح الصحيفة اليسارية وموقفها العدائي، حيث كتب أحد القراء :من أين لك هذه الأكاذيب؟ فقد حرصت إسرائيل على أن تكون غزة منقطعة عن العالم . لا مطار ولا ميناء ، وحاول القارئ تذكير الكاتب بأن العملية الأخيرة على غزة هي من تنفيذهم بالكامل ، لم تكن هناك أعمال وهجمات إرهابية من غزة ، وبالتالي كان عليهم البدء بالقصف أولاً وأن يتم إطلاق النار على البلدات الإسرائيلية لتبرير حالة التأهب التي تم الإعلان عنها مسبقا بتبرير منهم.
وعلى جانب آخر، ركزت صحيفة”معاريف” المحسوبة على تيار يسار الوسط على أن العملية العسكرية قد خلقت فرصة مع غزة وأنهم لا يرغبون في تفويتها، حيث أوضح مسؤولون إسرائيليون كبار “طلوع الفجر” أن إسرائيل لم تلتزم بالإفراج عن الأسرى، وأنها خلقت إمكانية لإحراز تقدم في صفقة الأسرى بالإضافة إلى ملاحظة عدم اهتمام حماس بالتصعيد كان عنصرًا مهمًا في صنع القرار، وذلك في محاولة لاستغلال محرك الضوائق لدى حماس وعدم تفويت تلك الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية.
وعلى جانب آخر، ركز خطاب الإعلام المحسوب على تيار اليمين المتشدد قبل وأثناء وحتى بعد العملية العسكرية على قوة الردع الإسرائيلية، فقد تأكد لنا في سياق تحليل الخطاب الإعلامي بما لا يدع مجالا للشك أن يسار الوسط واليمين المتشدد وجهان لعملة واحدة ، فقد أبرزت صحيفة” يسرائيل هيوم” المحسوبة على تيار اليمين المتشدد شكر رئيس الوزراء “يائير لابيد” زعيم المعارضة على دعمه للعملية ، وأن الأخيرة تستهدف إيصال رسالة لحزب الله. فهكذا يتضح لنا أنه لا فرق أثناء العمليات العسكرية بين يسار الوسط واليمين المتشدد وأن الإعلام ما هو إلا أداة تطويع في يد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لخدمة أهداف المؤسسة العسكرية وذراع الجلاد في يد رجال السياسة.
الهوامش:
צה”ל מתגבר כוחות ברצועת עזה; רה”מ לפיד: “לא נירתע מהפעלת כוח”
https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/12677743
עודכן 4/8/2022
מבחינת העולם, מה שקורה בעזה נשאר בעזה
08 באוגוסט 2022
קודם אוקראינה וטייוואן, רק אחר כך עזה: הסיקור בעולם
https://www.ynet.co.il/news/article/rk3aurn6c
ynet|07.08.22
גורמים מדיניים חושפים: “נוצרה הזדמנות מול עזה, לא רוצים לפספס אותה”
https://www.maariv.co.il/news/military/Article-937357
אנה ברסקי 10:00 08/08/2022
לפיד וגנץ בהצהרה משותפת: “אם נצטרך, נצא למכת מנע – מטהרן ועד חאן יונס”
https://www.israelhayom.co.il/news/geopolitics/article/12774378
עודכן 9/8/2022,