شهدت العلاقات التركية العراقية تقدمًا ملموسًا كنتيجة لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإثنين 22 أبريل الجاري، وهي الزيارة الأولى له منذ 13 عامًا حين كان أردوغان رئيسًا للوزراء وقتها. زيارة الرئيس التركي للعراق تتزامن مع اضطرابات إقليمية مضطردة بين إيران وإسرائيل، وأزمات داخلية تعصف بالبلدين، فما بين هزيمة أردوغان وحزبه في الانتخابات المحلية والتي كان التدهور الاقتصادي المستمر أبرز أسبابها، وبين عقبة خضوع القوى السياسية المتمثلة في “قوى الإطار التنسيقي” التي أوصلت محمد شياع السوداني لسدة الحكم، تحت التأثير الإيراني.
ويظهر تكوين الوفد المرافق للرئيس التركي، في زيارته طبيعة الملفات والاتفاقيات التي عمل عليها البلدان خلال الأشهر الأخيرة، حيث ضم الوفد وزراء الخارجية، والداخلية، والدفاع، والتجارة، والطاقة والموارد الطبيعية، والزراعة والغابات، والنقل والبنية التحتية. وقد تم خلال الزيارة توقيع 26 اتفاقية تعاون بين البلدين على النحو التالي:
- اتفاقية إطارية للتعاون في مجال المياه بين البلدين، ومذكرة التفاهم حول الإطار الاستراتيجي.
- مذكرة التفاهم بين مركز البحوث الاستراتيجية التابع لوزارة خارجية الجمهورية التركية ومعهد الخدمات الخارجية التابع لوزارة الخارجية العراقية.
- مذكرة تفاهم بين مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية واتحاد غرف التجارة العراقية، واتفاقية الترويج والحماية المتبادلة للاستثمارات بين البلدين، ومذكرة تفاهم بين إدارة تنمية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى بروتوكول إنشاء آلية التشاور والتعاون بين البلدين في مجالات سلامة المنتجات والحواجز الفنية أمام التجارة. ومذكرة تفاهم بشأن إنشاء اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة بين وزارتي التجارة في البلدين.
- مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الإعلام والاتصال بين حكومة الجمهورية التركية وحكومة جمهورية العراق.
- مذكرة تفاهم حول التعاون الاستراتيجي في مجال الصناعة الدفاعية بين رئاسة الصناعات الدفاعية في الجمهورية التركية، وهيئة الصناعات الدفاعية في الجمهورية العراق.
- مذكرات تفاهم في مجالات العمل والضمان الاجتماعي، والقضاء، والتعليم، والتكنولوجيا، والأرشفة، التعاون في مجال الشؤون الإسلامية، والصحة، والثقافة، والسياحة، والشباب، والرياضة، والزراعة، والنقل.
- مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الطاقة بين البلدين.
- مذكرات تفاهم حول التعاون الأمني، التدريب العسكري، وبروتوكول التدريب والتعاون في مجال الصحة العسكرية.
الرئيس التركي ورئيس الحكومة العراقية ووزراء النقل في كلاً من تركيا والعراق والإمارات وقطر….. أرشيفية
ملفات هامة:
وسط كل هذه الاتفاقيات الموقعة تتصدر ملفات الأمن والاقتصاد والماء، قائمة أولويات البلدين، وفي الوقت الذي اتفق فيه البلدين على أهمية ملف الاقتصاد لكليهما، وبدأوا في اتخاذ الخطوات الفعلية للبدء في “مشروع طريق التنمية” عبر توقيع اتفاقية رباعية تضم دول قطر والإمارات إلى جانب تركيا والعراق، من المتوقع أن يتم بدء العمل في المشروع خلال العام القادم 2025م، ووفق الدراسات المعلنة فإن حركة السفن التي تمر عبر قناة السويس تستغرق 35 يومًا، وأكثر من 45 يومًا عبر رأس الرجاء الصالح، أما عند اكتمال طريق التنمية فإن الوقت المستغرق سينخفض إلى 25 يومًا، ويمتد الطريق لمسافة 1200 كيلومتر داخل العراق، بميزانية قدرها ما يقارب الـ 17 مليار دولار، وسيتم إنجازه على ثلاث مراحل، تنتهي الأولى عام 2028، والثانية عام 2033 والثالثة عام 2050فيما يبدو أن ملفات الأمن والماء ستظل عالقة نتيجة للأسباب التالية:
- لا تكتفي تركيا بتوصيف العراق حزب العمال الكردستاني كحزب “محظور”، وإنما تسعى إلى اعتراف كامل بـ “إرهابية” الحزب تحقيقًا لمخططها المرتبط بتنفيذ عملية عسكرية على طول شريطها الحدودي مع العراق، للقضاء على أماكن تمركز حزب العمال الكردستاني ولإنشاء منطقة عازلة على عمق يتراوح من 30- 40 كيلو متر. إلا أن قرار تصنيف الحزب كمنظمة “إرهابية” ينتظر موافقة البرلمان العراقي (المتوقف حتى يتم اختيار رئيس جديد له) والذي تسيطر عليه “قوى الإطار التنسيقي” المدعومة من إيران.
- التصريحات غير المطمئنة للرئيس التركي خلال رحلة عودته من العراق توضح أن قبول تركيا رفع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات مرهون بالعديد من الأبحاث والدراسات لضمان أمن تركيا المائي، كونها ووفق وصف الرئيس التركي “دولة ليست غنية بالماء، وأنها من فئة البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي”.
مستقبل العلاقات التركية العراقية:
في ضوء التطورات الأخيرة يمكن إيجاز مستقبل العلاقات التركية العراقية على النحو التالي:
- التوجه نحو رفع مستوى التنمية الاقتصادية لكليهما بحيث يكون محفز قوي لحل الأزمات، ولخلق بيئة مناسبة لنجاح مشروع “طريق التنمية” المرهون سواء بالقضاء على نشاطات حزب العمال الكردستاني، او بقبول إيران تزايد الوجود التركي (السني) في العراق المجاور لها.
- حقيقة أن تصريحات الرئيس التركي حول ملف المياه تبدو مقلقة وغير مطمئنة إلا أن ملف المياه لن يكون عائقًا، في حال نجح المخطط التركي “بتنفيذ مشاريع مشتركة، تتعلق بتحسين إدارة المياه في نهري دجلة والفرات، وتبادل الخبرات في مجال تحديث أنظمة الرّي وتقنياته الحديثة، الاتفاق سيستمر لـ 10 سنوات، وسيكفل تحقيق إدارة مشتركة وعادلة للموارد المائية.