لعل أهم ما يميز المبادرة المصرية الخاصة بعقد مؤتمر قمة ” دول جوار السودان” الذي إستضافته مصر يوم 13-7-2023؛ لبحث سبل إنهاء الصراع الحالي في السودان أنها أفضت إلى انعقاد قمة برئاسة الرئيس/ عبدالفتاح السيسي، جمعت كافة دول جوار السودان في القاهرة من أجل تحقيق تسوية سلمية في السودان. ويأتي انعقاد المؤتمر في ظل الأزمة الراهنة في السودان، وحرصًا من الرئيس/ السيسي على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المُباشر للسودان، واتخاذ خطوات لحل الأزمة وحقن دماء الشعب السوداني، وتجنيبه الآثار السلبية التي يتعرض لها، والحد من استمرار الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة ككل.
أرشيفية
أهداف القمة
يعد الحفاظ على أمن وسلامة السودان والحفاظ على الدولة الوطنية جزء رئيسي من السياسية الخارجية لمصر، وتحرص الدولة المصرية على إيجاد حلول فاعلة بالمشاركة مع دول الجوار للأزمة السودانية وعودة الاستقرار والأمن لدولة السودان الشقيقة.
وتأتي استضافة مصر لقمة دول جوار السودان (مصر وليبيا وإريتريا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان)؛ من منطلق الرؤية المصرية الرامية إلى تعزيز التعاون مع دول الجوار بما يضمن الحد من التداعيات السلبية لاستمرار هذا النزاع على دول الجوار المُباشر للسودان.
واستهدفت القمة كذلك وضع الآليات الفاعلة لحلحلة الأزمة السودانية التي دخلت شهرها الرابع بصورة سلمية بما يسهم في حقن دماء الشعب السوداني والحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها، وذلك بالتنسيق مع الجهود الإقليمية والدولية لتسوية تلك الأزمة.
وتأتي هذه القمة بعد فشل جميع الجهود الإقليمية والدولية التي سبقتها لإقناع أطراف النزاع بوقف إطلاق النار وتسوية الأزمة، كما أنها جاءت بالتزامن مع تحذير منظمة الأمم المتحدة من أن السودان على وشك “حرب أهلية” يمكن أن تزعزع الأمن والاستقرار بالمنطقة برمتها.
أرشيفية
المسارات المقترحة:
قدم الرئيس/ السيسي عدة مسارات لحل الأزمة والتي عكسها البيان الختامي للقمة، وتتمثل في:
١-اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد: حيث شدد الرئيس/ السيسي على الحاجة إلى وقف إطلاق نار شامل ودائم في السودان. وتهدف هذه الاتفاقية إلى وقف العنف المستمر وتوفير أساس لجهود بناء السلام.
2- ممرات إنسانية آمنة: تم تسليط الضوء على أهمية إنشاء ممرات إنسانية آمنة كعنصر حاسم في المبادرة المصرية. وسوف تسهل هذه الممرات التسليم الآمن للمساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من الأزمة، مما يضمن وصول المساعدات الأساسية إلى المحتاجين.
3- إطار للمفاوضات: وشددت مصر على أهمية وضع إطار للمفاوضات تشارك فيه جميع القوى السياسية في السودان. ويهدف هذا النهج الشامل إلى توفير منصة للحوار الهادف والمشاركة السياسية بين مختلف أصحاب المصلحة داخل السودان لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الأزمة والعمل من أجل حل مستدام.
4- آلية الاتصال: واقترحت القمة خطة لإنشاء آلية للتواصل الفعال مع الأطراف المتحاربة لتسهيل المفاوضات وبناء الثقة.
ردود الفعل العربية والغربية:
قوبل إعلان مصر عن استضافتها لقمة دول جوار السودان بترحيب كبير على الصعيدين العربي والغربي، كالتالي:
ترحيب سوادني: أصدرت الحكومة السودانية بيانًا أعلنت فيه عن دعمها لقمة دول الجوار، كما عقد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني “مالك عقار” والوفد المرافق له قبل ساعات من انطلاق القمة، مباحثات مع الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، أكد خلالها “عقار” تقدير بلاده لجميع الجهود التي تقوم بها مصر من أجل التوصل لحل لتسوية الأزمة الراهنة، مشيدًا في الوقت ذاته، بدور مصر في تسهيل عملية وصول المساعدات الإنسانية وتقديم جميع وسائل الدعم للسودانيين سواء داخل البلاد أو باستضافتهم لهم في الأراضي المصرية.
ترحيب عربي: كما حظيت مخرجات قمة دول جوار السودان، بترحيب واسع على الصعيد العربي، إذ أعلنت البحرين في بيان لوزارة الخارجية البحرينية عن دعمها لنتائج قمة دول الجوار، ودعت طرفي الصراع للالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، واحترام أمن وسيادة السودان، كما رحبت وزارة الخارجية الكويتية أيضًا باستضافة مصر لهذه القمة، وأعربت الدولة الخليجية عن تطلعها لاستجابة الأطراف المتحاربة لمخرجات هذه القمة بما يضمن إنهاء الصراع وتسوية الأزمة بصورة سلمية، وأخيرًا، فقد رحب الأردن في بيان لوزارة الخارجية الأردنية، بالبيان الختامي لقمة دول الجوار، وأشارت عمان إلى تأكيد الرئيس المصري “السيسي” على ضرورة الحفاظ على السودان ومؤسساتها ومنع تفككها.
دعم فرنسي: من أبرز ردود الفعل الغربية على هذه القمة، تأكيد سفير فرنسا بالقاهرة “مارك باريتي” خلال مؤتمر صحفي له في 12 يوليو الجاري، على أهمية قمة دول الجوار، وأعرب عن أمله في أن تسهم تلك القمة في حلحلة الأزمة السودانية، وفي الوقت ذاته، أشاد الدبلوماسي الفرنسي باستضافة مصر للكثير من اللاجئين السودانيين على أراضيها فضلًا عن تسهيلها لعملية عبور بعض الفرنسيين الذين كانوا بالسودان وقت اندلاع الأزمة.
ترحيب طرفي الأزمة بمخرجات القمة: بصفة عامة ما يدعو إلى التفاؤل هو ترحيب الأطراف المتصارعة فى السودان بمخرجات قمة القاهرة حيث رحب مجلس السيادة السودانى بنتائج قمة دول الجوار، وتقدم مجلس السيادة بالشكر لمصر ورئيسها عبدالفتاح السيسى على استضافة تلك القمة المهمة التى إستهدفت استعادة الاستقرار والأمن فى السودان، وفى نفس الوقت رحبت قوات الدعم السريع بالبيان الختامى لقمة القاهرة، مؤكدة أن القمة جاءت متسقة مع الجهود الإقليمية والدولية لتبنى الحل الشامل للأزمة السودانية.
وتؤكد ردود الفعل الإقليمية والدولية وأطراف النزاع السودانى جميعها نجاح قمة القاهرة، وقدرتها على إنهاء ذلك النزاع المشتعل منذ فترة هناك، والبدء فى عملية سياسية شاملة تحقق طموحات الشعب السودانى التى لاتزال معطلة منذ ما يقرب من أربع سنوات بعد أن نجح فى إسقاط نظام البشير فى شهر إبريل عام 2019.
وتشير التطورات التي أعقبت القمة الي نجاحها، لاسيما وانها جاءت تنفيذًا لخارطة الطريق التي بدأت من القاهرة، منها علي سبيل المثال عقد اجتماع الآلية الوزارية المنبثقة عن قمة دول جوار السودان في تشاد التي عقدت بمشاركة وزراء خارجية دول جوار السودان بما فيها الوزير سامح شكري في انجامينا يوم ٦/٨٢٠٢٣، والتي بدورها بحثت في مختلف جوانب الأزمة السودانية، بكافة أبعادها الأمنية والسياسية والإنسانية، وتأثيراتها على الشعب السوداني وتداعياتها الإقليمية والدولية، بهدف وضع مقترحات عملية تمكن رؤساء الدول والحكومات المجاورة للسودان من التحرك الفعال للتوصل إلى حلول تضع نهاية للأزمة الحالية، وتحافظ على وحدة السودان وسلامته الإقليمية ومقدرات شعبه الشقيق.
تحديات القمة:
وبرغم العديد من الإيجابيات التي حققتها قمة دول جوار السودان بالقاهرة إلا أنها تواجة العديد من التحديات لنجاحها أهمها:
إقناع الأطراف المعنية:
أولًا يجب الحصول على تأييد البرهان وحميدتي بالموافقة على مخرجاتها التي يراعى فيها الحياد إلى حد كبير، واستعداد القوى المدنية والحركات المسلحة للتعامل مع ما سيترتب عليها من خطوات تتعلق بوقف إطلاق النار، ثم ولوج الخطوة التالية لفتح أفق واعد لاستئناف العملية السياسية والعودة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع المواجهات المسلحة.
كذلك يحتاج تحقيق ما سبق إلى جهود مكثفة من القاهرة كي لا يتحول الاجتماع إلى لقاء من أجل إبراء ذمة دول الجوار، في ظل صعوبة إقناع الأطراف المعنية بما تمخض عنه من نتائج، فتهيئة الأجواء الداخلية عملية مهمة، خاصة وأن الانقسامات التي أحدثتها الحرب بددت الهامش البسيط من رصيد الثقة بين القوى السودانية.
أرشيفية
التوافق بين دول الجوار
ويعد الوصول للتوافق بين دول الجوار وردم الهوة التي أفرزتها الحرب بشأن تقسيمها العرقي، والتمسك بحل أزمات السودان ضمن الأطر الأفريقية التقليدية، مسألة مضنية، زادت الحرب من شروخها عندما تم تصنيف دول الجوار إلى فريق داعم للبرهان وآخر لحميدتي وثالث محايد، بل والتشكيك في نوايا الجميع وفقا لحسابات المواقف السياسية، ما قلّص مساحة الحركة المعتادة للاتحاد الأفريقي وهيئة الإيجاد.
القوى الكبرى
ولاشك أن الأزمة في السودان لم تعد داخلية أو متعلقة بدول الجوار فقط، فهناك قوى دولية معنية بها، وأسهم هذا في تعطيل التسوية والحفاظ على توازن هش بين الطرفين المتصارعين، وإذا أرادنا نجاح القمة يجب التوفيق بين مواقف القوى الكبرى.
تقييم عام لقمة دول الجوار وتوقيتها ومخرجاتها
طرحت الظروف التي عقدت فيها قمة دول الجوار ونتائجها العديد من الدلالات، حيث عقدت تلك القمة في اعقاب العديد من قمم تجمع دول إيجاد والتحفظ المكتوم الذي وضح من قبل بعض الأطراف السودانية سواء قبل عقدها او نتيجة لمخرجاتها، ارتباطا بظهور مؤشرات علي محاولة فرض حلول مغلفة بالتدخل الإقليمي وتوفير مظلة لها، كذلك عقب عدم التزام طرفي الازمة باتفاقات جده المتتالية الخاصة بوقف اطلاق النار، فضلاً عن بيانات الأمم المتحدة المتتالية بالشان. وتفاقم الازمة الإنسانية وقرب تحولها الي كارثة بمرور الوقت، وعد قدرة أي من الطرفين علي فرض سيطرته بما يتوقع معه استمرارها لفترة ليست بالقصيرة في ظل ماكشفته التقارير من وجود تدخلات وداعمين لقوات الدعم السريع.
ولعل مشاركة رؤساء دول جوار السودان بالكامل في تلك القمة من جانب، والحرص علي عدم مشاركة ممثلين عن طرفي الازمة من جانب آخر، كان له ابرز الأثر في إنجاح القمة ومخرجاتها الصادقة والمتوازنة والحيادية عن الهدف الرئيسي وهو استقرار السودان ومايتطلع اليه الشعب السوداني.
أخيرًا يمكن القول إن استضافة مصر لقمة دول جوار السودان، والترحيب الذي حظيت به تلك القمة، يعطي مؤشرًا على اهتمام دول القارة الإفريقية والقيادة المصرية بحل الصراع السوداني في أسرع وقت ممكن، وعدم إعطاء الفرصة لأية محاولات خارجية قد تطيل أمد تلك الأزمة، التي سيؤثر استمرارها سلبا على مختلف دول القارة خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها مختلف دول العالم.