شارك ما يزيد عن 25 ألف إسرائيلى، فى أول بطولة لكأس العالم تُقام فى دولة عربية، على رأسهم فريق عمل تابع لوزارة االخارجية الإسرائيلية للقيام على شئونهم، واعتبر “ألون أوشبيز”، مسئول تنسيق عمل هذا الفريق، أنها فرصة لتبادل الثقافات وتوطيد العلاقات بين إسرائيل والعالم، وخاصة دول الشرق الأوسط.
أصوات إسرائيلية رفضت سفر المشجعين
تعالت في إسرائيل أصوات ترفض سفر المشجعين الإسرائيليين لقطر، واعتبرته ضد المصالح الإسرائيلية على عدة مستويات؛ فهو إهدار للأموال فى ظل أزمة اقتصادية عالمية طالت إسرائيل، وخشية حدوث مشكلات على المستوى الدبلوماسى بين إسرائيل وقطر حال تعرض الإسرائيليين لأمر يستدعى التدخل، حيث لاعلاقات طبيعية أو اتفاقيات سلام تحميهم، كما أن قطر ترفض السماح للإسرائيليين بالدخول إلى أراضيها، وتم تحذير الإعلاميين من وجودهم فى دولة إسلامية تدعُم الفلسطينيين، ولا تُبدى حرصًا على العلاقات مع إسرائيل، كما لا يوجد لاعب إسرائيلي يُشارك فى البطولة فلماذا يذهبون؟. واقترح المعارضون أن يكون المسافر ممن يحملون جوازت سفر أخرى غير إسرائيلية، فضلا عن السفر عبر الأردن أو تركيا أو دبي، ودفع 50 دولارًا إضافية، ولكنها فى النهاية خضعت لتوجهات ترى ضرورة التواجد الإسرائيلى، كون كأس العالم فرصة لدعم السعى الإسرائيلى نحو السلام مع الدول العربية .
حقيقة “معاداة” الإسرائيليين في قطر


تبنى الإعلام الإسرائيلي رواية مفاداها معاداة الإسرائيليين فى قطر بشكل عام، فنقل عبر قنواته المختلفة انطباعًا سلبيًا حول تعرُض الصحافيين الإسرائيليين للطرد من المطاعم القطرية، ورفض العرب إجراء الأحاديث الصحافية معهم، بعد الكشف عن هويتهم، وهو ما تم توثيقه فى مقاطع الفيديو التى انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ووصف أحد الكُتاب ما يحدث بقوله: “يكفي الوقوف مع ميكروفون مكتوب عليه بالعبرية “والا”، وتأتيك المشاكل من تلقاء نفسها”. كما ركزت القنوات الإعلامية العبرية المختلفة على انتشار الأَعلام والكوفية الفلسطينية، وكان الهدف منها إزعاج الإسرائيليين، وبث الخوف فى نفوسهم، وحرصت على تذكير متابعيها أن القطريين وغيرهم ممن يحملون الأعلام ويرتدون الكوفية الفلسطينية، يصفون “إسرائيل” بالعدو، ويعرفونها بـ”فلسطين المحتلة”، ولكن عدم تداول أي أخبار أو حوادث اعتداء على أحد المشجعين الإسرائيليين، أو مراسلي الإعلام الإسرائيلى باللغة العربية (راديو وتلفزيون مكان)، وتصريحات جانب من المراسلين الإسرائيلين فى قطر: “بأن ما حدث أمر مخزى، لكنه ليس سيئا إلى هذه الدرجة، وليس جديدًا على الإسرائيليين بشكل عام، ولكن لايُمكن تجاهله”، وتوصية مراسلي موقع “واى نت”، بالتغلب عليه بإخفاء هويتهم وإزالة شعار التعريف باللغة العبرية من الميكروفون ، حتى قدم بعضهم نفسه بوصفه صحفيا من الإكوادور، واستطاع بذلك الدخول فى صفوف المشجعين الإيرانيين، وإجراء مقابلات مع بعض الإيرانيات أكر من مرة ، وتركيز تغريدات بعض الحسابات الإسرائيلية الناطقة بالعربية على موقع تويتر، والمعروفة بتوجهاتها نحو التحريض وبث الفتن- مثل حساب الصحفى والباحث الإسرائيلي الذي ينحدر من أصول لبنانية إيدى كوهين- على أن الاعتداء على الإسرائيليين فى قطر دافعًا لليهود في إسرائيل لدعم الحكومة اليمينية، والتى ستعزز الهوية اليهودية الصهيونية لإسرائيل، الأمر الذي يبين أن هذه الفيديوهات كانت صيدًا ثمينًا لبعض القنوات الإعلامية الإسرائيلية، لتُذكر اليهود الإسرائيليين بما يحدُث لهم خارجها دائما من معاداة، ومايتبعها من اضطهاد وتمييز.
البحث عن التطبيع واتفاقيات السلام الرسمية
يدعونا ذلك للتساؤل عن واقع التطبيع واتفاقيات السلام التى عقدتها إسرائيل خلال العامين الماضيين، والتى يبدو أن أثرها لم يظهر على المستوى الشعبى؛ فهى لم تحم مراسلى الأخبار الإسرائيليين من الإحباط نتيجة التجاهل وتجنُب ظهور المواطن العربى المنتمى لهذه الدول على شاشاتها ، ليُثنى على إسرائيل وشعبها والسلام الذى طال انتظاره معها، ولم تدفع عنهم الشعور بالاستهزاء الذى بدا من تعليقات بعض المشجعين الذين قال أحدهم:”ليس لدينا شيء ضد إسرائيل، لأنه لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، هناك فلسطين فقط”، وقال آخر:” قد تكون إسرائيل هنا إلى الأبد، ولكنها لن تهزمنا أبدًا، قل ذلك لأصدقائك عندما تعود”، كما لم تمنع أحد المراسلين من السير خلف بعض العرب، والتوسل إليهم لإجراء مقابلة مع محطة إسرائيلية، وكان من المخزي رؤية صحافي إسرائيلي يحتضن من أجرى معه مقابلة ويحثه على قول كلمة طيبة عن إسرائيل ، كما أن نشر عناصر من اليمين المتشدد الإسرائيلى، فيديوهات على الإنترنت وتركيزها على إظهار خوف الإسرائيلى، وعدم قدرته على المواجهة، وخاصة الذى يُظهر المراسل وهو يخبر أحد المشجعين العرب في المونديال أنه من الإكوادور، أدى إلى شعور المواطن داخل إسرائيل بانطباع سيء للغاية، عن فعالية تلك الاتفاقيات، قال الصحافى “راز شِخنيك”: “يبدو أننى أصبحت عاقلًا هنا فى قطر للمرة الأولى، بعد أن كنت وسطيًا وليبراليًا ومنفتحًا، ولدي رغبة في السلام الحقيقى لأعوام طويلة، ولطالما اعتقدت أن المشكلة كانت مع الحكومات، لكنى أدركت أن الكراهية واقع، ومسحنا من على وجه الأرض رغبة حقيقية، وعرفت إلى أي مدى يثير كل ما يتعلق بإسرائيل غضبًا شديدًا، ننظر من قطر إلى النقاشات في إسرائيل، حول مسيرة التطبيع والسلام المستمرة، ونراها غبية وغير ضرورية في الوقت الحالي، فنحن في إسرائيل لابد أن نتعلم أولًا كيفية توحيد القوى اليهودية، لنكون شعبًا واحدًا على حق، وبقدر الإمكان نواصل النضال حتى يكون وضعنا جيدًا في مواجهة روح العداء هذه” ، وعلى الجانب الآخر لم نقرأ أو نسمع عن رفض عربى لهذا السلوك أو هذه الدعاية، ولا حتى من الدول التى عقدت اتفاقيات مع إسرائيل، باستثناء الصحافى “هانى الطاهرى” من المملكة العربية السعودية، الذى رفض فكرة الاعتداء على شخص أثناء تأدية عمله، ونبه لاحتمالية أن يكون ذلك ذريعة لتشويه صورة الإسلام بزعم أن المسلمين يكرهون اليهود، والصحافى الإماراتى “على الحمادى”، الذى كتب تغريدة على موقع تويتر يشجُب هذه السلوكيات كونها تُسئ إلى العرب، خاصة إذا احتفظ الإسرائيليون بهدوئهم، واتفق الاثنان على أن ذلك لن يُسهم فى حل القضية الفلسطينية .


رد الفعل الإسرائيلى
أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانا رسميا، جاء فيه أنها “راضية” لمرور كأس العالم فى قطر، دون عقبات تقريبًا بالنسبة للإسرائيليين، وأشار المتحدث باسم الوفد الإسرائيلى فى قطر “يوسي زيلبرمان” إلى نجاح حملة “كأس العالم الآمن”، التى شهدت تعاونًا بين وزارتي الخارجية والثقافة والرياضة، وإدارة النظم المعلوماتية القومية، وهيئة المطارات واتحاد كرة القدم، وأثنى على استجابة معظم الإسرائيليين لتعليمات هذه الحملة، والتى تجسدت فى افتتاح مكتب مؤقت لتمثيل وزارة الخارجية الإسرائيلية فى قطر(على أن يغلق أبوابه فور انتهاء المونديال)، ووصف المشادات الكلامية التي تعرض لها بعض الإسرائيليين بالهامشية والحالات الفردية، وأكد أن معظم الإسرائيليين استمتعوا بالتجربة دون مشكلات أو شكاوى أو اعتداء جسدى أو لفظى ، فقط عدد محدود للغاية من الحالات، استدعت خدمات قنصلية، كإصدار وثيقة سفر بعد فقدان جواز السفر، وحالة طبية طارئة واحدة لمواطن إسرائيلي، كما عبر رئيس فريق عمل وزارة الخارجية الإسرائيلية فى قطر عن سعادته لمرور الحدث دون مشاكل، ووجه الشكر للإسرائيليين الذين تصرفوا بحذر طوال الفترة ، وأما هيئة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية، المسؤولة عن وضع تقييمات يومية لأوضاع الإسرائيليين فى قطر، فقد (أوصت) بعدم قدوم المزيد من الإسرائيليين إلى قطر، ونصحت الإسرائيليين المتواجدين هناك بالفعل بالحد من نشر صورهم الشخصية، وعدم التحدث بالعبرية فى الشوارع أو رفع لافتات تتعلق بإسرائيل، وتجنُب الاحتكاكات بالغير، وأكدت على عدم وجود نية لوضع قيود على السفر إلى هناك .
أما بشأن ماتداولته بعض الأنباء عن نشر القناة 13 العبرية خبرًا عن تقديم احتجاج إسرائيلي رسمى للفيفا وقطر فهو مجتزأ وبه شئ من المبالغة، إذ أن مضمون ما نشرته القناة كان رسالة وجهها فريق وزارة الخارجية، المسؤول عن حملة “كأس العالم الآمن”، مفادها أن إسرائيل تأمُل فى توفير المكان الملائم الذى يكفُل لمواطنيها متابعة المباريات والتنقل بشكل آمن، وحرية الصحافة المطلوبة لمراسليها، انطلاقًا من كون قطر شريكتها فى المسؤولية عنهم، “ورفضت” وزارة الخارجية الإسرائيلية الرد أو التعقيب على ما ذكرته القناة، فى سياق نشرها الأول لقرار قيادة الأمن الوطنى الإسرائيلية بعد اجتماعها الخاص بهذا الشأن وخلال نشرتها الإخبارية ونصه: “نتابع عن كثب موضوع التهديدات والأمن في قطر، هناك جهات مختلفة تستغل الفرصة للقيام بنشاط معاد لإسرائيل، ورغم أن ما ينطوي عليه ذلك يعد أمرا سيئا، إلا أنه ليس صعبًا، ولا يُشكل خطرًا على حياة الإسرائيليين، وبالتالي لا تغيير في الخطوط العريضة في هذه المرحلة” .
أما ردود الأفعال فى الداخل الإسرائيلى فكانت فردية ومقتضبة، واقتصرت على التعبير عن الاستياء مما حدث للإسرائيليين فى قطر، كتغريدة عضو الكنيست الليكودى “عميخاى شيكلى”، التى اعتبر فيها قطر دولة عدوة بامتياز، تمثل الوجه الآخر لإيران، وتقمع حقوق الإنسان .
أخيرًا
تبنت وسائل الإعلام الإسرائيلية نقل صورة سلبية تعكس معاداة الإسرائيليين فى قطر بشكل عام، ولكنها لم تتمتع بالقدر الكافى من المصداقية، لتعترف في النهاية بأنها حالات فردية تعرض لها بعض الإعلاميين، ورغم ذلك فإن هذه المواقف أدت إلى أن تدرك إسرائيل مكانها على المستوى الشعبى فى العالم العربى، الذى اتخذ موقفًا منها يزيد عمره عن 76 عاما مليئة بالأحداث التى تعمق هذا الموقف وتزيده سوءًا، كما كشفت حقيقة اتفاقيات السلام التى أصبحت رسمية فقط، دون التفاعل الشعبي، رغم ماتسعى إسرائيل إلى تروبجه بأن التطبيع وفعاليته مسألة وقت، وأشار إلى أصل المشكلة هو القضية الفلسطينية، والتى لابد لها من حل مقبول يرضى الجميع، رغم ما يساورنا من شكوك أن ذلك سيضمن لإسرائيل أن تكون موضع ترحيب فى الوطن العربى، تأسيسًا على التجربة المصرية، فهى لم تُحرز أى تقدم على المستوى الشعبى، رغم استرداد الأرض وعقد اتفاقية السلام الرسمية في ظل عدم حل القضية الأساس وهي القضية الفلسطينية.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version