- إهتمت العديد من مراكز الدراسات خلال الفترة الأخيرة بتحليل المخاطر التي تنتظر العلاقات التركية الأمريكية وفرص بقاء العلاقات قوية متينة، والتنازلات التي يمكن أن تستخدمها أنقرة بوصول بايدن إلى سدة الحكم، كما وضعت مراكز الفكر الخاصة بحزب العدالة والتنمية مقترحات وتوصيات للتعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، ونستعرض فيما يلي بعض النقاط التي يمكن من خلالها استشراف مستقبل العلاقات التركية الأمريكية.
أولا: تحديد القضايا الخلافية
- يمكن توصيف أهم القضايا المؤثرة مع العلاقات التركية الأمريكية في الاتي:
- المسألة الليبية والتواجد التركي بها، حيث لا تريد تركيا أن تكون سببًا في الاصطدام مع بايدن، إذ تمثّل ليبيا بالنسبة لتركيا أهمية قصوى من خلال عاملين مهمين، أولهما: أن التواجد بليبيا يمنحها فرصة الاستثمار في غاز شرق المتوسط. ثانيها: أن التمدد في السوق الإفريقية من خلال ليبيا هو المنقذ الاقتصادي الأهم لتركيا في الأعوام المقبلة، وذلك بعد ما تدهورت علاقات تركيا بالدول العربية والأوروبية بسبب سياسة أردوغان، لهذا تحرص تركيا على إيجاد تفاهمات مع الرئيس الأمريكي الجديد في هذا الملف.
- قضية غاز شرق المتوسط ووعود ترامب ووزير خارجيته بإقامة مؤتمر للدول المشاركة في غاز شرق المتوسط وأن تكون تركيا أحد المشاركين في المؤتمر.
(ج) قضية الصواريخ الروسية S400 التي دخلت نطاق التجارب المبدئية بالنسبة لتركيا، وأيضا إقامة الخبراء الروس مع الأتراك في مدينة سنوب البعيدة عن أي معسكرات أمريكية أو أوروبية تابعة للناتو لتفادي أي صدام مع الأوروبيين والأمريكان بشأن أسرار المنظومة العسكرية الأوروبية. وستظل هذه القضية أحد أهم الأوراق في المرحلة المقبلة مع الديموقراطيين الغير موافقين على شراء تركيا لهذه المنظومة الصاروخية، ولكن ستظل هذه المنظومة ورقة مساومة مع الاتراك، وستنتهي بقبول تركيا وأمريكا لحل مشترك بين البلدين مثل مؤتمر الغاز وتركيا ولكني أميل إلى حدوث تفاهمات وتراجعات تركيا لأن الوضع الاقتصادي أكبر من أي زعامة يحاول أردوغان اللعب بها خصوصًا مع عدم وجود انتخابات قريبة.
- قضية الأكراد ودعم الأمريكان لهم، وهي قضية خلافية قديمة لن تتغير بتغير الرئيس الأمريكي أو إدارته.
- التواجد التركي بسوريا ستكون من أهم القضايا محل الخلاف مع الإدارة الأمريكية القادمة، خصوصا وأن الإدارة السابقة أعطت لتركيا الضوء الأخضر لإقامة المنطقة الآمنة بالشمال السوري.
2-قضايا حقوق الإنسان في تركيا وسجن الصحفيين ومعتقلي الرأي بتركيا بعد انقلاب 2016 ستكون محل خلاف وصدام مع الإدارة الجديدة، وتستعد تركيا لهذا الملف بما يلي:
- الشهداء من الأتراك أثناء الانقلاب.
- وضع حقوق الأقليات التركية في الدول الأوروبية، خصوصًا بعد تفكيك جماعة الذئاب الرمادية بفرنسا وفي الطريق لذلك ألمانيا التي بها أكبر جالية تركية.
- وضع فتح الله جولن بأمريكا ومطالبة الأتراك بتسليمه لأكثر من مرة.
3- ورغم تعدد القضايا التي أدت إلى توتر العلاقات بين البلدين، ومناورة تركيا للتلويح لأمريكا دائما بالحلف الروسي الصيني وخروجها من عباءة الناتو، إلا أن الموقف التركي سيختلف اختلافًا جذريًّا مع الرئيس الأمريكي الجديد بايدن وذلك للأسباب التالية:-
- أن بايدن النائب السابق للرئيس الأمريكي أوباما ويعلم الكثير عن تركيا وعن رئيسها “رجب طيب أردوغان”، كما أنه أعلن قبل ذلك عن خطورة التصرفات التركية خارج تركيا.
- تخوف تركيا من تبني بايدن سياسة عدائية تجاهه بسبب قضية الخلاف التركي اليوناني، حيث يتعاطف بايدن مع مواقف اليونان .
- تبني بايدن مواقف متعارضة مع سياسة تركيا الخارجية خاصة في شرق المتوسط، حيث تدرك تركيا أنه بوصول بايدن لسدة الحكم وانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، فإن موضوع غاز شرق المتوسط الذي تبحث تركيا عن وضع قدم فيه ليكون لها نصيب في حصة الغاز، أصبح أمرًا صعب المنال.
- مرور تركيا حاليا بأزمة اقتصادية هي الأكبر في تاريخ العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم في 2002 فلن تستطيع بسبب تلك الأزمة الدخول في أي توتر مع أمريكا في هذه الفترة، لذلك ستلجأ إلى الحلول والتفاهمات الدبلوماسية مع النظام الديمقراطي الجديد، وستكون القبلة الأولى للتفاهم مع بايدن هي إسرائيل واللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة، ولكن هذا لن يتم بسهولة خصوصا في العامين الحاليين؛ لأن وضع تركيا الاقتصادي المتدهور لن تكون أمريكا هي المنقذه له بعد تطاولات أردوغان وتجاوزاته السابقة في عهد ترامب حيث يعتبر بايدن أشد المعارضين لسياسة أردوغان السابقة
ثانيًا: توجهات المعارضة للتعامل مع بايدن
4-لأول مرة في تاريخ تركيا المعاصر يكون بها وجهان للمعارضة
المعارضة التقليدية المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديموقراطية الكردي. و الأحزاب المنشقة عن حزب العدالة والتنمية، وكلاهما له رؤيته في التعامل مع بايدن، بيد أنهم يتفقون في بعض هذه الرؤى ويختلفون في بعضها.
5- وتتمثل أهم نقاط نقاط بين قوى المعارضة فيما يلي:
- التخلص من شخص رئيس الدولة حيث تتمثل مطالب أحزاب المعارضة التركية المنشقة عن العدالة والتنمية فيما يتعلق بهذه القضية في العودة إلى النظام البرلماني، أو العمل بنظام مختلط بين البرلماني والرئاسي، وذلك لصعوبة تحمل تركيا فكر الرجل الواحد والسلطة المطلقة في يد شخص واحد، حيث أن ما شهدته تركيا منذ تغير النظام من برلماني إلى رئاسي كان أمرًا كارثيًّا على المستوى الاقتصادي والمالي لتركيا.
- المطالبة بانتخابات مبكرة قبل عام 2023.
ج- تعديل الدستور التركي.
6- أما مطالب المعارضة التقليدية المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديموقراطية في تعاملها المستقبلي مع الإدارة الأمريكية الجديدة فتتمثل فيما يلي:
- العمل معًا على وقف ممارسات العنف داخل المجتمع التركي للأقلية الكردية.
- التباحث فيما يمكن اتخاذه من إجراءات اقتصادية مشتركة تساعد في وقف الانهيار الاقتصادي للبلاد، وتخلّي مجموعة العمل الاقتصادية عن السلطة.
- فصل مركزية المحافظات عن الحكومة المركزية وذلك لتعمد الحكومة المركزية تعطيل البلديات الخاضعة لحزب الشعب الجمهوري.
ولا شك فإن وجود بايدن على رأس السلطة الأمريكية سيعطي للمعارضة التركية فرصة لتجميع قواها، وإستعادة وضعيتها وذلك بعد ما نجح أردوغان في كبح أصوات المعارضة بتركيا كما فعل مع داوود أوغلو بأن وضع يده على جامعة “استانبول شهير” التي كان يديرها في محاولة من أردوغان لمنع داوود أوغلو من التدخل في الشئون السياسية للبلاد وإلغاء حزبه السياسي الجديد، وكذا محاولات أخري مثل دعم “محرم انجي” مرشح حزب الشعب الجمهوري في الإنتخابات الرئاسية السابقة للإنفصال عن الشعب الجمهوري ليتمكن من تفتيت الحزب المعارض الأكبر وتعزيز الإنقسامات والمشاكل الداخلية أملا في إنهيار الحزب .