تغطي مبادرة طريق الحرير (حزام واحد.. طريق واحد) أكثر من 65 دولة بين 3 قارات و ٣٥ منظمة دولية، فأصبحت باب أمل لنهاية عصر العولمة ، وفاتحة خير على الدول التي تريد التعاون فيما بينها، على أسس من العدالة والمساواة في الفرص التجارية والاستثمارية، والتي ستربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، بل امتد نطاقها لتشمل القارة الأسترالية ونيوزيلندا، ليصبح طريق الحرير الجديد، بوابة لتعزيز أواصر العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية بين هذه الدول.
وعلي الرغم من أن مبادرة الحزام والطريق جاءت “طوق نجاة” لما بها من فرص كبيرة للإنعاش الاقتصادي وتبادل الاستثمار وتوفير ملايين فرص العمل أمام الشعوب التي انضمت لها أو المستفيدة منها، وتمثل نحو ثلثي سكان الكرة الأرضية، إلا أن المبادرة بقدر ما هي بوابة حقيقة لـ “الفرص” فهي أيضا تواجه كثيرًا من “التحديات والمخاطر “.
ما هو مشروع طريق الحرير وهدفه ؟
طريق الحرير “حزام واحد، طريق واحد” أو ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن 19 من أجل ربط الصين بالعالم، وتغطي أكثر من 65 دولة بين 3 قارات، يبلغ تعدادها 65% من سكان العالم، و40% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لتقديرات عام 2017، لذلك يقدر أنها ضمن أكبر مشاريع البنية التحتية في العالم، ويتم دعمها بتمويلات تصل إلى 124 مليار دولار للخطة كاملة، يكون من نصيب أفريقيا منها 60 مليار دولار على الأقل.
وتهدف المبادرة إلى تقليل تكلفة النقل واللوجستيات من خلال الممرات الاقتصادية التجارية، كما تستهدف إعادة اكتشاف الممرات البحرية القديمة لإعادة تدشين طريق الحرير البحري لتعزيز الربط الدولي من خلال أفريقيا ودعم حركة التجارة الدولية.
ووفقاً للمخطط الصيني ينقسم طريق الحرير إلى فرعين رئيسيين، هما طريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري الذي تستفيد منه أفريقيا استفادة قصوى، حيث يبدأ من فوجو في الصين ويمر عبر فيتنام وإندونيسيا وبنجلاديش والهند وسريلانكا وجزر المالديف وشرق أفريقيا على طول الساحل الأفريقي، متجها إلى البحر الأحمر مارا عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط نحو أوروبا حتى يصل إلى الساحل الصيني.
وإن اتجاه الصين نحو أفريقيا بحريا جاء بسبب تكلفة النقل البري العالية من خلال إنشاء شبكات سكك حديدية، فضلا عن بعد المسافات بين الصين وأوروبا، حيث تقوم الصين بدور مهم في أفريقيا مؤخرا، إذ إنها كانت تستثمر في أفريقيا بطاقة أقل قبل سنوات مضت، قبل أن تنظر إلى القارة السمراء باعتبارها أرضاً خصبة للاستثمار وسوقاً واعدة لمنتجاتها، وهو ما كان واضحاً خلال الفترة الأخيرة حيث بلغ حجم استثمارها في أفريقيا 2.96 مليار دولار في عام 2020، بنسبة زيادة 9.5 في المائة .
وسيكون لمصر على وجه التحديد فرص أكبر، من خلال علاقاتها المتينة اقتصادياً مع الصين وأفريقيا، حيث تضاعفت تجارتها معها 3 مرات خلال الـ5 سنوات الماضية، وحققت الاستثمارات المشتركة فائضاً تجارياً لمصر
وأقيمت مشروعات أفريقية على مستوى البنية التحتية، تم البدء فيها ضمن خطة الاستفادة من إحياء طريق الحرير، أهمها خط سكة حديد بين جيبوتي وأديس أبابا، وخط سكة حديد من مومباسا إلى كينيا، ليصبح زمن الرحلة 4 ساعات بدلاً من ١٠ ساعات.
إفريقيا ومبادرة الحزام والطريق:
تسعى الصين إلى تأكيد تحولها إلى قوة عظمى رئيسية في عالم متعدد الأقطاب من خلال مبادرة طريق الحرير، وتبرهن من خلال تنفيذها لهذه المبادرة على ما تتمتع به هذه القوة العظمى من حضارة نسجتها سنوات بعيدة من التاريخ، ولذلك تختلف عن غيرها من الدول مثل الولايات المتحدة التي لا تمتلك حضارة مشابهة للحضارة الصينية.
ولتنفيذ هذه المبادرة تظل الصين تعتمد على تقاربها مع الدول الإفريقية، ويعد تأسيس البنية التحتية أحد أولويات التعاون الصيني- الإفريقي في إطار المبادرة وتغطي مجالات، من بينها السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ وتوليد الطاقة وغيرها.
وعلى الرغم من أن كينيا وإثيوبيا هما الدولتان الإفريقيتان الوحيدتان من بين الثلاثين دولة التي وقعت اتفاقيات اقتصادية وتجارية في منتدى الحزام والطريق في بكين في مايو من العام الماضي، فإن الصين تهتم بدخول دول إفريقية أخرى في إطار هذه المبادرة.
وتنفيذ المبادرة يعتمد على إقامة خط السكك الحديدية في كينيا بطول 290 ميلاً من العاصمة نيروبي إلى مدينة مومباسا الساحلية، هناك خطط لتمديد تلك الشبكة إلى جنوب السودان وأوغندا ورواندا وبوروندي، وهذا أكبر مشروع للبنية التحتية في كينيا منذ الاستقلال.
وفي غضون ذلك، حصلت إثيوبيا غير الساحلية على خط سكة حديد كهربائي بطول 470 ميل من عاصمتها أديس أبابا إلى ميناء جيبوتي، تم افتتاح المشروع الذي تبلغ تكلفته 2.5 مليار جنيه استرليني -بتمويل من بنك صيني وبنته شركات صينية -في يناير 2018م.
كما تم تمويل وبناء النظام الجديد للسكك الحديدية الخفيفة في أديس أبابا من قبل الصين، وتقوم بتشغيله مجموعة شنتشن للمترو، وفي مقابل حصلت جيبوتي على استثمارات كبيرة، وقروض تفضيلية، وخط أنابيب، ومطارين، كما أقامت الصين على آراضيها قاعدة عسكرية، وهي قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي الصيني في جيبوتي، وهي أول قاعدة بحرية صينية في الخارج، وبُنيت بتكلفة 590 مليون دولار، و تقع القاعدة الصينية متاخمة لميناء دوراليه الذي تشغله الصين إلى الغرب من مدينة جيبوتي.
والقاعدة البحرية الصينية مخصصة للأغراض الأمنية على طول طريق مبادرة الحزام والطريق، والعمليات متعددة الأطراف، ولهذه الغاية، لعبت البحرية الصينية في جيبوتي دورًا مهمًّا في عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، وبعثات حفظ السلام في جنوب السودان، كما تسهل القاعدة العسكرية الاستجابة السريعة للطوارئ في جنوب آسيا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط
وهدف الصين من تلك القاعدة هو تأمين التجارة الصينية العالمية وخطوط إمدادات النفط من أفريقيا والشرق الأوسط، وهو هدفا استراتيجي للأمن القومي الصيني بمفهومه الشامل في تلك المنطقة الحيوية المهمة من قلب العالم، وربما تستتبعها قواعد أخرى تتم إقامتها في نقاط تماس ممتدة لاحقاً، في إطار الصعود الصيني المتزايد في النظام لدولي.
وفي حين كان شرق إفريقيا هو المحور الرئيسي لمبادرة الحزام والطريق في القارة، تمتد مشاريع البنية التحتية الصينية على طول الطريق إلى أنجولا ونيجيريا، مع الموانئ المخطط لها على طول الساحل من داكار إلى ليبرفيل ولاجوس، كما أشارت بكين إلى دعمها لاقتراح الاتحاد الإفريقي بإنشاء شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة في عموم إفريقيا.
مصر ومشروع الحزام والطريق:
تشارك جميع دول شمال إفريقيا بشكل مباشر في مبادرة الحزام والطريق، أما مصر فهي جزء من المشروع منذ إطلاقه عام 2013، والتي يمثل موقعها الجغرافي على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ميزة فيما يتعلق بالموانئ والخدمات اللوجستية، بما فيها قناة السويس.
والطريقة القديمة التي كانت تتعامل بها الصين في أفريقيا، وهي البيع المباشر لبعض المنتجات، أصبحت غير مجدية، حيث تتجه الآن للاستثمار الفعلي في أفريقيا، وهو ما يجعل مصر في دائرة الأهمية كونها بوابة أفريقيا، كما أنها الأنسب للاستثمار في الوقت الرهن، خاصة مع مصر لجذب المستثمرين الأجانب لمشاريع البنية التحتية في البلاد، فتتعاون شركة China Harbour Engineering Company Ltd الصينية مع الشركات المصرية في بناء مناطق لوجستية وصناعية جديدة بطول قناة السويس.
وباختصار، في أعقاب توسعة قناة السويس، تخطط مصر لتولي دور المنصة الصناعية واللوجستية للاستثمارات الصينية في إطار الحزام والطريق، والصين يمكن أن تدخل مصر بالتكنولوجيا الحديثة، فيما تشارك مصر بالثروات الهائلة الموجودة لديها، فضلا عن التشريعات وتهيئة البنية التحتية وتشريعات الاستثمار وكل ما يمثل تسهيلات في إطار التعاون الاستثماري.
فرص وتحديات مشروع طريق الحرير :
بحسب البنك الدولي، فإنّ للمشروع فرصًا وتحديات عدة يمكن إيجازها علي النحو التالي:
الفرص:
١-أولها في حجم ونطاق هائلين، إذ تمثل اقتصادات مبادرة الحزام والطريق ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتجارة، وما يقرب من ثلثي سكان العالم.
وهي فرصة مهمة بالنسبة لبعض دول مبادرة الحزام والطريق، التي لا تزال نسبة السكان الذين يعيشون فيها تحت خط الفقر، (1.90 دولار في اليوم).
٢- استفادة عددًا كبيرًا من الفقراء وقطاعات شاسعة من اقتصادات العالم من مشروعات المبادرة، مع تأثيرات غير مباشرة إيجابية كبيرة على الرفاهية العالمية.
٣-توظيف الإمكانات الكبيرة غير المستغلة في هذا المشروع، إذ ستتكامل اقتصادات مبادرة الحزام والطريق بشكل متزايد مع بعضها البعض، وقد تضاعفت مساهمة بلدان مبادرة الحزام والطريق في الصادرات العالمية تقريبًا في العقدين الماضيين، لكن حفنة من اقتصادات مبادرة الحزام والطريق، وعلى الأخص الصين، هي التي تستحوذ على نصيب الأسد من هذه الصادرات.
٤- تحسين الاتصال الاقتصادي بين دول الطريق؛ إذ يستغرق شحن البضائع من الصين إلى أوروبا الوسطى حاليًا حوالي 30 يومًا، ويتم نقل معظم البضائع بحرًا، فيما يؤدي شحن البضائع بالقطار إلى تقليل وقت العبور إلى النصف، ولكنه أكثر كلفة.
٥-إمكانية تحسين قدرة وشبكة السكك الحديدية وغيرها من البنية التحتية للنقل إلى المزيد من التجارة عبر الحدود، وزيادة الاستثمار، وتحسين النمو في اقتصادات مبادرة الحزام والطريق
مخاطر والتحديات :
١-الحواجز السياسة وحدودها ، والتي من بينها: التأخيرات في عبور الحدود، والإجراءات الجمركية المرهقة، والقيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر.
٢-القيود والقوانين التي تحكم سياسات الاستثمار الأجنبي والتي تؤثر على فرص بدء عمل تجاري أجنبي، والوصول إلى الأراضي الصناعية، والتحكيم في النزاعات التجارية.
٣- المخاطر المرتبطة بمشاريع البنية التحتية الكبرى، فهناك مخاطر بيئية واجتماعية، وفساد محتملة مرتبطة بأي مشروع بنية تحتية كبير.
٤-عدم قدرة بعض البلدان علي تحمل أعباء الديون، و قد يؤدي التمويل المطلوب لمشاريع مبادرة الحزام والطريق لتوسيع نطاق الديون إلى مستويات لا يمكن تحملها، وعليه ستحتاج البلدان المشاركة في مشروعات المبادرة إلى الموازنة بين الحاجة لمشروعات التنمية ومواطن الضعف التي أوجدتها مستويات الديون المتزايدة، جدير بالذكر أن عدم تسديد تلك الديون يمنح الصين فرصة الاستيلاء على كامل تلك المشاريع
٥-الخلل في موازين القوى، التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الأخرى، مع ضرورة استكشاف نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى يبحث عن “وحدة مصيرية مشتركة” ويبعد عن الهيمنة والاحتواء.
٦- تفشي الإرهاب الذي يتحصن تارة بالأديان وأخرى بالطائفية والعرقية، ودعم فكرة الصراع الديني والمذهبي، بما يتطلب من مبادرة الحزام والطريق البحث عن حل لمساعدة الدول التي تنتشر بها هذه النزاعات، والتي تقع تحت وطأة ضغوط الحروب الأهلية والطائفية.
ومن ثم فعلي النخبة الثقافية والسياسية إدراك عواقب هذه الصراعات، التي لا تنتهي إلا باستنزاف ثروات الشعوب ومقدراتها، ودفع الناس للعمل على إزالة التطرف والإرهاب والمساهمة في القضاء على الفقر، ويجب تقديم الصين صاحبة المبادرة لنموذج تنموي، يعلي من شأن البيئة، ويحارب الفساد والرشوة والتزوير، ويرفع من شأن الصداقة والانسجام بين الشعوب بقيم أعلى من تحقيق الربح المادي، ويحترم الثقافات المحلية، وأن تتحمل الصين المسؤوليات الاجتماعية تجاه الدول، وأن تعمل على تعميم فوائد التنمية على شرائح واسعة من أبناء هذه الشعوب.
في النهاية أمام هذه الفرص والمخاطر والتحديات يبقى السؤال: هل تستطيع دول أفريقيا اغتنام الفرص والتخفيف من بعض المخاطر الكامنة في إستراتيجية بكين؟
ستكون المساءلة والشفافية مفتاح الإجابة عن هذا السؤال، فبكين حساسة تجاه الطريقة التي تنظر بها الدول المضيفة إليها، وعندما يكون الجمهور مدركًا ويقظًا ونشطًا يمكن للمفاوضين الصينيين أن يصبحوا أكثر استجابة للمطالب المحلية.