تواجه نيجيريا خطراً مزدوجاً بين الاقتتال العرقى والإرهاب، حيث شهد إقليم غرب أفريقيا خلال الأشهر الماضية 21 حادثاً إرهابياً أودى بحياة 238 شخصاً وإصابة 123 وجاءت دولة نيجيريا فى طليعة الدول التى تأثرت بالإرهاب خلال الأشهر الماضية ، بواقع 10 هجمات إرهابية، وسقط فيها ما يبلغ 147 شخصًا.
وعقّد تقارب تنظيم “داعش” مع العصابات الإجرامية المعروفة باسم “قطاع طرق” فى نيجيريا، مهمةَ محاربة الإرهاب، وساعده على التمدد في أكبر بلد إفريقى على حساب جماعة بوكو حرام وتنظيم القاعدة، وتشعر السلطات النيجيرية بالقلق من ذلك التقارب، وقد يزيد هذا التقارب من تعقيد مهمة قوات الأمن النيجيرية، التى تكافح الجهاديين فى ولاية بورنو (الشمال الشرقى)، والعصابات الإجرامية التى تسمى السلطات مقاتليها “قطاع طرق” فى الشمال الغربى.
فما طبيعة المركب الأمنى بنيجيريا؟ وما طبيعة العلاقة بين الجماعات الإرهابية هناك؟ وما تداعيات التقارب بين داعش و قطاع الطرق؟ وكيف يمكن مواجهة تلك التحديات الأمنية ؟

نيجيريا مركَّب أمني بالغ التعقيد
توجد فى نيجيريا العديد من الجماعات المسلحة التى تشمل: قطاع الطرق، وحركة تحرير دلتا النيجر، والميليشيات العرقية، والعصابات الإجرامية، والتجار العاملون فى التهريب، فضلًا عن جماعات التطرف الإرهابية، وعادة لا تكون الخطوط بين هؤلاء الفاعلين واضحة دائمًا، حيث يمكن أن تكون العضوية متقلبة ومتداخلة، وتظهر تحالفات المصالح وتتفكك اعتمادًا على طبيعة المصالح، والشخصيات، والسياق السياسى الأوسع، ونادرًا ما تكون التجمعات العرقية متجانسة أو موحدة.
ويحتفظ المجتمع فى نيجيريا بتركيبة سكانية متعددة ومعقدة تشكل فيها القبيلة الوحدة الأساسية مع تعدد لغوى وثقافى كبير، إذ تتعايش نحو 250 مجموعة قبلية فى أجواء سياسية مشحونة وتحديات أمنية واقتصادية بالغة التعقيد، وتتوزع الأعراق الرئيسية بنيجيريا فى الشمال ذى الأغلبية المسلمة، حيث تتواجد قبائل الهوسا والفولانى، وفى الشرق والجنوب الشرقى قبائل الأيبو، والجنوب والجنوب الغربى ذى الأغلبية المسيحية تتركز قبائل اليوروبا.
ولنيجيريا تاريخ حافل من الصراعات والحروب بين مكوّناتها العِرقية، ما جعل البلد معرضاً للتقسيم، وتمثّل ذلك فى إعلان دولة (إيبو) جمهورية بمنطقة (يافرا) فى وسط وجنوب نيجيريا، فى أيام حرب (يافرا) التى استمرت ما بين 1967 و1970م، قبل أن تتمكن القوات العسكرية من ضبط المنطقة واسترجاعها، ولم تتوقف أزمات نيجيريا السياسية عند هذا الحدّ، بل زادت بتنامى قوة بعض الجماعات الإرهابية، كجماعة بوكوحرام وداعش والتى دخلت فى مواجهات عنيفة مع السلطة فى البلاد.
وخلفت الصراعات أوضاعا إنسانية مأساوية بالغة التعقيد، إذ شهد عام ٢٠٢٠ نزوح أكثر من 214 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال فى الشمال الشرقى من البلاد، بمتوسط أسبوعى بلغ 4500 شخص، ويوفر الواقع القبلى والعرقى والدينى المُعقد فى هذا البلد منصة وأرضية لتغذية الصراعات فى المجتمع النيجيرى وتمدد الإرهاب .
الاقتتال الداخلى بين الجماعات الإرهابية فى نيجيريا
بعد هزيمة تنظيم داعش فى سوريا والعراق، هرب عدد كبير من الإرهابيين إلى أماكن مثل ليبيا، ومن هناك إلى إقليم الساحل الأفريقى، وما تزال هناك خلايا جهادية نشطة فى الشرق الأوسط، لكنّها لم تعد مؤثرة كما كانت قبل أعوام، وقد أدّى وصول إرهابي داعش لإقليم الساحل خاصة نيجيريا إلى زيادة عدد التنظيمات الجهادية فى المنطقة، حيث تعمل بالفعل جماعات مثل بوكو حرام النيجيرية وتنظيمات موالية للقاعدة، وتعدّ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” ألدّ خصوم تنظيم داعش، لا سيما أنّها تدين بالولاء للقاعدة.
وحصلت جماعة “بوكو حرام” على اهتمام وسائل الإعلام، عام 2014، بعد إقدامها على اختطاف 276 طفلة بمنطقة تشيبوك، شمال شرق نيجيريا، إلّا أنّ بدايات هذه الجماعة تعود إلى عام 2002 على يد رجل الدين السلفي محمد يوسف، وكانت تدين فى البداية الفساد وانعدام المساواة وآفات كانت تنسبها إلى الاحتلال البريطانى، لكن وبمرور الأعوام أخذت فى القتال بهدف فرض الشريعة الإسلامية بنيجيريا، وتولّى أبو بكر شيكاو القيادة، خلفاً ليوسف، بعد وفاة الأخير، لتبدأ المرحلة الأكثر دموية وعنفًا فى حياة الجماعة.
وإضافة إلى اختطاف القصّر لتجنيدهم وتحويلهم إلى مقاتلين أطفال، شنّت “بوكو حرام” هجمات ومذابح فى جميع أنحاء البلاد، ووفق بيانات منظمة الأمم المتحدة، فقد قُتل أكثر من 35 ألف شخص على يد التنظيم الإرهابى، فضلًا عن تورّطه في 40% من الاعتداءات الإرهابية التى شهدها إقليم الساحل الأفريقى.
كما تسبّبت هذه المذابح أيضاً فى ارتفاع أعداد النازحين، وحذّرت منظّمة “أطبّاء بلا حدود” من أنّ منطقة زامفارا، شمال نيجيريا، على الحدود مع النيجر، تعانى أزمة إنسانية، بينما أشارت منظّمة الهجرة الدولية، فى فبراير، إلى وجود ٢١٤ ألف لاجئ فى المنطقة، وهو الرقم الذى أخذ فى الازدياد منذ صيف 2020.
وكانت “بوكو حرام” قد أعلنت قيام خلافة فى القارة الأفريقية، وبعدها بعام أقسمت الولاء لتنظيم داعش، لكن فى 2016 وبعد خلافات دينية وإستراتيجية حدث الانشقاق داخل الجماعة الإرهابية، لينشأ تنظيم “الدولة الإسلامية فى ولاية غرب أفريقيا”، أما فصيل “بوكو حرام” تحت إمرة شيكاو فقد ابتعد عن تنظيم داعش فى الشرق الأوسط، فيما حصل تنظيم “الدولة الإسلامية فى غرب أفريقيا” على دعم داعش.
وأخيراً، بعد أعوام من التناحر، قُتل شيكاو أثناء كمين نُصب له، فى مايو الماضى، حيث كان زعيم “بوكو حرام” عنيفاً بشكل مُبالغ فيه بالنسبة إلى داعش، لذا وُكّلت إلى “الدولة الإسلامية فى غرب أفريقيا” بقيادة أبو مصعب البرناوى، ابن مؤسس “بوكو حرام”، محمد يوسف، مُهمّة قتل شيكاو.
وطبقاً لوسائل الإعلام النيجيرية، فقد قُتل شيكاو بعد أسابيع من المعارك الطاحنة بين الجماعات المتناحرة فى غابة سامبيسا، شمال شرق البلاد، وأبرز معاقل بوكو حرام، وقبل محاصرته، فجّر شيكاو حزاماً ناسفاً كان يرتديه ليقتل نفسه وعدد من خصومه، وكانت السلطات النيجيرية تحاول منذ أعوام القضاء على شيكاو.
وشهدت الأيام التى أعقبت مقتل زعيم جماعة بوكو حرام، تصاعد القتال ما بين جماعته، وتنظيم داعش، وبسبب تلك المواجهات، أصبح المدنيون ضحية بين رحى القتال بينهما، وخاصة فى المناطق التى تسيطر عليها بوكو حرام.

تعليقان
تنبيه: ما هى أبعاد التقارب الروسى الإثيوبى؟ - تحليلات/تقدير موقف أفريقي - N.V.D
تنبيه: ما بين إرهاب وجوع وغضب .. ماذا يحدث فى بوركينا فاسو؟ - N.V.D