في تحوِّل للعلاقات بين البلدين وصفه الرئيس التركي بأنه تاريخي، استقبل أردوغان نظيره الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ بحفاوة بالغة، في حضور وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، ومسؤولين آخرين، حيث رافقت فرقة الخيّالة الضيف حتى بوابة البروتوكول في المجمع الرئاسي، وكان أردوغان في انتظاره ليتم عزف النشيدين الوطنيين، وأطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبا بالضيف، بعد ذلك، حيّا هرتسوغ حرس الشرف، ثم اصطحب أردوغان ضيفه إلى ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، حيث دوّن هرتسوغ ملاحظة في سجل الزوار تحدث فيها عن “تشرفه” بهذه الزيارة.
وفي اليوم التالي التقى يتسحاق هرتسوغ الجالية اليهودية التركية في اسطنبول حيث شارك في صلاة مع ممثلي الجالية من أجل “تركيا والرئيس أردوغان”، في كنيس نيفي شالوم الكبير في منطقة غلطة سراي التاريخية.
العلاقات تتجاوز أفق الاقتصاد والغاز
وفي خطوة استثنائية قامت بها السلطات التركية خلال اجتماع بين كبار أعضاء الوفد الإسرائيلي الذي رافق يتسحاق هرتسوغ تؤكد مدى دفء العلاقات التركية الإسرائيلية كشف مسؤول إسرائيلي لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في نسختها الإنجليزية أن تركيا وافقت على إعادة “نقش سلوان” الموجود في متحف الآثار في إسطنبول إلى إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أن تركيا كانت تصر منذ فترة طويلة على أن النقش ملكية عثمانية، وبالتالي فهو ملك لأنقرة، لكنها قررت تسلميه لإسرائيل بعدما عرضت الأخيرة كرد لحسن البادرة إرسال قطعة قيمة تاريخية ودينية مهمة لتركيا موجودة حاليًا في متحف إسرائيلي، وهي على الأرجح شمعدان قديم من أيام الحكم العثماني.
ما نقش “سلوان”، وما أهميته التاريخية؟
تُطلق إسرائيل على نقش “سلوان” الأثري اسم ” كتوبت هشيلوح”، وهو نص عمره 2700 عام، تم اكتشافه عام 1880م في قناة قديمة تمر من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك. ولأن الإسرائيليون يسعون منذ سيطرتهم على الأراضي الفلسطينية، إلى تدعيم روايتهم الدينية حول ملكية القدس، من خلال إيجاد أدلّة ووثائق تاريخية قديمة تربطهم بالمنطقة؛ فقد زعموا أن نقش سلوان يتطابق مع الرواية التوراتية التي تشير لمشروع حفر النفق الّذي استُخدم لتسييل مياه نبع أُمّ الدرج أو نبع جيحون أو نبع العذراء إلى داخل أسوار مدينة القدس أسفل الحافة الجنوبية للحرم القدسي، خلال فترة حكم الملك حزقيا في حوالي سنة 702 قبل الميلاد، حيث يروي النقش المؤلف من ستة أسطر بالعبرية القديمة المحفورة في جدار النفق، قصة الحفارين الذين نفذوا البناء. وكُتب على السطور: «هذه الأصوات كانت أصوات أولئك الذين يصرخون على بعضهم بعضًا. لأن النفق المفتوح من الشمال والجنوب كان يتحد (يلتقي) هناك. ومع افتتاح النفق، التقى العاملون والحفارون من الجانبين هناك».
وتزعم وزارة الآثار الإسرائيلية أن النقش أثر تاريخي يهودي وأنه مكتوب بالعبرية القديمة؛ وهو ما ينفيه المختصون الذين يؤكدون على أن الحروف المنقوشة عليه ترتبط باللغات الكنعانية التي أفرزت العبرية أيضاً. وظلت الخلافات تدور بين الباحثين حول أسئلة تتعلق بزمان كتابته وطريقة اكتشافه، لا سيما وأن نصوص النقش لم تحدد تاريخًا أو عامًا أو حتى اسمًا لأحد ملوك الحقب القديمة، ما يشكك في علاقة النقش بنفق حزقيا المذكور في الكتاب المقدس. كما أن العديد من الباحثين رجحوا أن يعود النقش إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي.
وقد عُثر على النقش أيّام حكم الدولة العثمانيّة، وفي عام 1891، قَطَع مجهول الحائط الّذي حمل النقش، وأخرج النقش من النفق، ووُجِد مكسورًا وبعد ترميمه نُقِلَ إلى “متحف إسطنبول الأثري”، وكان إلى وقت قريب موجودًا هناك ويجذب جمهورًا كبيرًا من السياح.
إلحاح إسرائيلي بحيازة النقش نظرًا لما يحمله النقش من أهمية، حاولت إسرائيل عدة مرات في السنوات الأخيرة تأمين إعادة النقش، ففي عام 1998، عرض رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو مقايضة الآثار التركية في المتاحف الإسرائيلية مقابل النقش ولكن قوبل بالرفض، وفي عام 2007، طلب الرئيس آنذاك شيمون بيريز من الرئيس التركي آنذاك عبد الله جول أن يعير إسرائيل النقش الأثري على الأقل حتى يتم عرضه للجمهور في احتفالات الذكرى السبعين لإسرائيل. وعلى الرغم من رد جول بالإيجاب، لم يسلم الأتراك النقش بسبب التوترات الدبلوماسية بشأن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، وكانت آخر المحاولات في عام 2017 عندما عرضت وزيرة الثقافة آنذاك ميري ريجيف، استبداله بـ(فيلين) لحديقة حيوان تركية، ولكن رُفض العرض.
تعليق فلسطيني ونفي تركي
علّق رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه في كلمة له خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الفلسطيني على التقارير التي تقول بتسليم تركيا إسرائيل نقش “سلوان، قائلا: “في ضوء ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية حول نقش سلوان فقد تواصل وزير الخارجية (رياض المالكي) مع نظيره التركي (مولود جاويش أوغلو) الذي نفى صحة تلك الأخبار ووصفها بالزائفة”، وأشار إلى أن جاويش أوغلو أبلغ المالكي أن “المخطوطة ما زالت موجودة في متحف إسطنبول وأنه لم تجر أي مباحثات بين تركيا وإسرائيل حولها”، بالتزامن مع تأكيد بعض المسؤولين الأتراك نفيهم التقارير التي أفادت بأن أنقرة ستعيد “نقش سلوان” ووصفوها بـ”الكاذبة”.