أثارت مخاوف عودة شبح الحرب الاهلية إلى جنوب السودان قلق المجتمع الدولي بشكل عام والقارة الإفريقية بشكل خاص، بعد الاشتباكات الدامية التي وقعت بين أجنحة متصارعة تنتمي إلى حزب نائب رئيس دولة جنوب السودان، ما يهدد استقرار البلاد الذي جاء بعد صراعٍ مسلحٍ دام 5 أعوام وحصد أرواح أكثر من 400 ألف مواطن، وحتى بعد دق الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا “إيجاد” لناقوس الخطر وحشدها للجهود من أجل احتواء الخلافات بين المكونات السياسية والعسكرية في جنوب السودان، انقسمت الآراء بشأن قدرة الإيجاد على إيجاد الحل.
وفي هذا الإطار، اتهمت المعارضة المسلحة بدولة جنوب السودان الإيجاد بالفشل في تحديد جذور الانقسام بصفوفها، فيما رحب الموالون لنائب الرئيس ريك مشار، بمخرجات اجتماع وزراء “إيجاد”، فما السبب في احتدام المعارك في جنوب السودان؟ و ما التحديات التي تواجهها جنوب السودان ؟ و ما دور الإيجاد في هذا الملف؟
أسباب احتدام المعارك في جنوب السودان
منذ حصول جنوب السودان على الاستقلال بعد استفتاء 2011 وتصويت 98% من الجنوبين على الانفصال لم يتحقق الاستقرار المأمول بين أطراف النزاع، بينما تجددت الصراعات والاشتباكات المسلحة بين الأطراف المتنازعة على السلطة على رأسهم رئيس الجمهورية سلفاكير ميادريت ونائبه، في وقت لم يحظ فيه اتفاق السلام الموقع في 2015 برعاية الإيجاد بتنفيذ فعلي لإنهاء التوتر والصراع المستمر والذي خلف خسائر قدرت بما يقرب من 400 ألف قتيل ومئات الآلاف من النازحين.
لم يكن انفصال جنوب السودان يضع حداً لإنهاء الحرب الأهلية في السودان، إذ عاد الصراع بقوة منذ 2013، بعد زيادة الخلافات بين الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار وعزله من منصبه بعد اتهامه بمحاولة الانقلاب عليه عندما أعلن مشار رغبته الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2015، وهو ما كان الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية –القبلية – والتي استمرت خمس سنوات بين أتباع مشار من قبلية النوير وهي المجموعة الإثنية الثانية، وأتباع الرئيس سلفاكير من قبائل الدنكا التي تمثل الأغلبية السكانية، حتى تدخل السودان ومنظمة الإيجاد للتفاوض بين أطراف النزاع وتوقيع اتفاق السلام.
وبعد أن كان النزاع محتدما بين الخصميين الأساسين سلفاكير ومشار، تصاعدت حدة الانقسامات داخل حزب المعارضة الذي يقوده مشار، وهو ما يهدد بقوة إمكانيات تحقيق سلام فعلي، حيث انقسمت قوات الحركة الشعبية في المعارضة إلى ثلاث مجموعات متحاربة، انتهت بعزل رياك مشار من موقعه كرئيس الحركة الشعبية، مع استمراره في منصبه كنائب للرئيس حتى الآن.
كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة قد أعلنت مطلع أغسطس الماضي عزل مشار من رئاستها ومن ذراعها العسكري، وتم تعيين القيادي العسكري سيمون غاتويش دويل، رئيساً بالوكالة، وذلك بعد اتهام مشار بأنه فشل في إظهار صورة القيادي، وأضعف ثقل الحركة داخل الحكومة الائتلافية التي تشكّلت في فبراير 2020 وهو ما يكشف عن استمرار الصراع والخلاف على عمل الحكومة الانتقالية ونسب تمثيل المعارضة بها.
وهناك 3 أسباب رئيسية عميقة للإضطرابات الحالية في جنوب السودان
أولا:تاريخ استقلال هذا البلد قصير
قد اعلن عن استقلال جنوب السودان في 9 يوليو 2011، وهي دولة أكثر من 90% من سكانها أميين، والمسؤولين تنقصهم خبرة إدارة البلاد، و إن أكبر مشكلة يواجهها جنوب السودان سواء المسؤولين أو المواطنين العاديين “هو عدم معرفة كيفية إدارة الدولة”.
ثانيا : التأثير القبلي الكبير
توجد في جنوب السودان العديد من القبائل، وليس هناك قبيلة واحدة تمثل أغلبية السكان، ووفقا للإحصاءات فإن قبيلة الدنكا التي تعد القبيلة الأكبر في جنوب السودان تمثل 15% فقط من سكان جنوب السودان البالغ عددهم حوالي ١١ مليون نسمة ، والرئيس الحالي للبلاد هو من قبيلة الدنكا.
يعود ولاء سكان جنوب السودان أولا إلى القبيلة ثم إلى الدولة، في حين لم يت
فق سكان جنوب السودان على أي دور يجب أن تضطلع به القبيلة في الدولة، وبعد تأسيس الدولة، كان أول ما فكر فيه سكان الجنوب هو المصلحة الاقتصادية والسياسية التي من الممكن أن يجلبها الاستقلال لقبائلهم، ولذلك فإن النزاع على السلطة والمصالح بين القبائل كان أمرا لا مفر منه، وهناك بعض القبائل التي اختارت التمرد المسلح من أجل تحقيق هذا الغرض.
ثالثا: محدودية قدرة تحكم الحكومة المركزية في الجيش
الوضع القبلي المعقد في جنوب السودان يتجسد أيضا في جيش جنوب السودان، والجنود مستعدون للقتال من أجل مصالح قبائلهم، في حين تقف الحكومة المركزية عاجزة أمام ذلك.
التحديات التى تواجهها جنوب السودان
شهدت السنوات العشر الأولى من تاريخ دولة جنوب السودان التي تعتبر الأحدث في الخارطة العالمية، الكثير من المعاناة، بسبب الانتهاكات المرتبطة بالصراع والمجاعة والفيضانات والأمراض.
ووفقا لتقارير المنظمات الدولية، فإن الملايين من السكان عاجزون في الوقت الحالي عن الحصول على ما يكفي من الغذاء لإطعام أنفسهم أو أسرهم.
وبسبب المعاناة الهائلة التي سببها استمرار الحروب والنزاعات الأهلية، أصبح جنوب السودان من أكبر بلدان العالم تلقيا للمعونات الإنسانية، وتوقفت عجلت التنمية فيه تماما.
وقالت دول الترويكا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج) التي أشرفت على توقيع السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال في 2005، التي تضمنت حق تقرير المصير الذي أفضى لاستقلال جنوب السودان بشكل كامل في 9 يوليو 2011، إنه “من المحزن للغاية ألا يتحقق الوعد بالسلام والازدهار الذي قطع عند الاستقلال قبل 10 سنوات”. وأشارت “الترويكا” إلى أن التحدي الكبير الذي يواجه جنوب السودان الآن هو “استعادة الشعور بالوحدة والقوة والأمل الذي ساد قبل عشر سنوات”.
أوضاع اقتصادية متردية
ورغم مرور 10 سنوات على الاستقلال، فإن اقتصاد دولة جنوب السودان لا يزال يعاني من أزمات كبيرة.
ومن المتوقع أن يستمر الاقتصاد في تسجيل معدلات نمو سالبة خلال العامين المقبلين على الأقل، وذلك بسبب تراجع إنتاج النفط الذي يشكل المورد الرئيسي لاقتصاد البلاد.
ويعتمد اقتصاد دولة جنوب السودان على النفط في 98 في المئة من دخله، ويقدر متوسط إنتاجه بنحو 155 ألف برميل يوميا في الوقت الحالي مقارنة بنحو 600 ألف برميل قبل الاستقلال.
وتأتي الزراعة في المرتبة الثانية، لكن هذا القطاع يواجه مشكلات كبيرة، إذ أنه وبحسب منظمة الأغذية والزراعة، فإن دولة جنوب السودان تستغل اقل من 6 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة.
ووصل معدل الفقر في جنوب السودان خلال السنوات الأخيرة إلى نحو 66 في المئة، حيث يعيش أكثر من 6 ملايين من سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 11 مليون نسمة بأقل من دولارين في اليوم.
وإن حالة عدم الاستقرار واستمرار الحرب الأهلية، إضافة إلى عجز الدولة عن استخدام الموارد بالطريقة المثلى وانتشار عمليات الفساد، كلها عوامل عطلت التنمية في الدولة.
دوامة العنف
تعد الحروب الأهلية ودوامة العنف المستمرة من أكبر العقبات التي تشكل عقبة أمام استقرار وازدهار جنوب السودان، إذ تشير إحصاءات إلى مقتل نحو 400 ألف مواطن بسبب النزاعات والحروب وأعمال العنف التي اندلعت خلال السنوات العشر الماضية التي أعقبت استقلال البلاد.
وعلى الرغم من اتفاق السلام الموقع العام الماضي بين رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار، فإن التقديرات تشير إلى أن البلاد لا تزال غارقة حتى الآن في العنف.
وبحسب التقارير فإن دولة جنوب السودان لم تحدث تقدما يذكر في إنشاء أي من آليات العدالة الانتقالية، كذلك استمرار مستويات مذهلة من العنف في البلاد.
ما دور الإيجاد في جنوب السودان
برزت جهود “إيجاد” في بناء السلام في جنوب السودان، حيث لعبت دوراً مهماً في إجراء مفاوضات مطولة بين أطراف الصراع الذي اندلع في 2013، ونجحت في التوصل لعدة اتفاقات للسلام، من بينها اتفاق سلام 2015، واتفاق الخرطوم في عام 2018، وهو الاتفاق النهائي الساري حالياً لتسوية الصراع في جوبا
ودعت في ختام اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في “إيجاد” يوم ٩/٨/٢٠٢١ الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الحوار ووقف المعارك في دولة جنوب السودان.
وبالتأكيد دور الإيجاد محوري ومؤثر، ولا يُعتقد أن الانشقاق والاشتباك الذي حدث بين جناحي المعارضة المسلحة سيكتب نهاية اتفاق السلام، حيث أن كلا الطرفين يدرك الأدوار التي تلعبها الإيجاد على المستوى الجغرافية الإقليمية و الدولى.
ومن المؤكد أن الإيجاد ستعمل على جمع الفرقاء المتناحرين للتحاور لإنهاء الأزمة بأدوات السياسة، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تسعى الإيجاد بفاعلية أكبر لتوفير تمويل سخي وسريع من الدول الضامنة، والمنظومة الدولية للوفاء بمتطلبات تحقيق مصفوفة الترتيبات الأمنية، لتوحيد الجيش ولو تم هذا الأمر في الوقت المتفق عليه لكنا قد نزعنا فتيل اشتعال الأزمة الحالية، مع جمع شتات المعارضة، لتنفيذ الاتفاقية بكل تفاصيلها بما فيها منصب النائب الأول الذي خصص بالاسم للدكتور مشار، وتم توقيع كل الأطراف.