تتغير سياسات الدول وتحالفاتها الخارجية وفقًا لمصالحها العليا، فبعد أكثر من خمس سنوات من تدهور العلاقات الدبلوماسية التركية الإماراتية، إثر اتهام أنقرة للإمارات بدعم محاولة الانقلاب التركية المزعومة 2016، ورد أبو ظبي عليها بوصف تدخل تركيا في سوريا بـ “السلوك الاستعماري والتنافسي”، جاءت زيارة الشيخ طحنون بن زايد، إلى العاصمة التركية أنقرة في الثامن عشر من أغسطس المنصرم، محاولة جادة لدفع المياه الراكدة إلى مجاريها في سبيل تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي.

أرشيفية

رسائل إيجابية من الطرفين

زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى تركيا مؤخرًا سبقتها جولة من الرسائل الإيجابية والمباحثات السرية والاتصالات الهاتفية المتبادلة بين البلدين، والتي بدأت باتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين، هو الأول من نوعه منذ خمس سنوات، تم من خلاله تبادل التهاني بعيد الفطر المبارك، لكن أبرز تلك الرسائل الإيجابية على الإطلاق تصريحات وزير الدولة الإماراتي الأسبق للشؤون الخارجية أنور قرقاش التي قال فيها: “لا يوجد لدينا أي سبب لكي نختلف مع تركيا”، معربًا عن تطلعه لتحسين العلاقات بين البلدين”، وقد جاء الرد التركي سريعًا، إذ قال وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو: “إن أنقرة لا ترى أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع السعودية، والإمارات”.

قمة العلا ـ أرشيفية

قمة العلا كلمة السر

شهدت منطقة الشرق الأوسط بعد سنوات الربيع العربي توترًا شديدًا، ودخلت فيما يشبه الحرب الباردة، وانقسمت إلى معسكرين أحدهما يدعم الدولة الوطنية والآخر يتبنى سياسة الإسلام السياسي، وازدادت حدة التوتر بين المعسكرين.

لكن جاءت قمة مجلس التعاون الخليجي في دورتها الحادية والأربعين، وبيان “العلا”، لتعيد للمنطقة لحمتها، وتؤكد أن الأزمة كانت وضعًا استثنائيًّا، ومن ثم شجعت باقي دول المنطقة لبدء صفحة جديدة وطي خلافات الماضي جانبًا، وهذا ما أكدته تصريحات أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز عقب قمة “العلا” التي قال فيها: “إن بلاده تريد علاقات طبيعية مع تركيا”، متحدثًا عن مؤشرات مشجعة لتحقيق ذلك.

جو بايدن ـ أرشيفية

فوز بايدن وأثره على منطقة الشرق الأوسط

على عكس سياسة ترامب في تشجيع بعض الدول على التدخل في شؤون دول أخرى، وتغييب ملف الديمقراطية في بلدان المنطقة، وكذلك الملف الفلسطيني والسوري.توقع العديد من الخبراء أن فوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة الأمريكية، سيفرض الكثير من التغيرات على العلاقات بين دول منطقة الشرق الأوسط، أو على الأقل العمل على عدم وصول الخلافات للذروة. كما استقبلت شعوب المنطقة نبأ فوز بايدن بتفاؤل شديد، واتجهت أنظارهم وتوقعاتهم نحو حدوث تغيير جذري في تعامل الإدارة الأمريكية مع دول الإقليم، وأصبح لديهم الأمل في أن تنتهي سلسلة طويلة من إخفاقات دولهم في سياستها الخارجية.

تركيا تكسر العزلة بورقة الإخوان

أدرك أردوغان أن معركته ليست مع مصر أو دول الخليج العربي، وإنما معركته الحقيقية استعادة ثقة الأتراك فيه، والفوز بفترة رئاسية ثالثة، وحرمان المعارضة التركية من أي فرص مستقبلية للصعود السياسي، وأن خوضه معارك مع الدولة المصرية ودول الخليج العربي بالنيابة عن جماعة الإخوان المسلمين سيضر به سياسيًّا، وسيلحق أضرارًا بالغة بمصالح تركيا الإستراتيجية، كما بدا واضحًا أن دعم أردوغان للإخوان قد فشل في إحداث أي حراك، أو تحقيق نجاحات في مصر بصفة خاصة، وخَلُص النظام التركي إلى استحالة عودة الإخوان إلى السلطة.

لذا رضخ النظام التركي لمطالب الدول العربية وعلى رأسها مصر في التخلي عن دعم جماعة الإخوان الإرهابية وإسكات الأصوات التي تنال منهم وتخرج عن سياق ميثاق الشرف الإعلامي، ولمست الدول العربية أن أنقرة جادة في بدء صفحة جديدة بعد طلب السلطات التركية من إعلامي تلك الفضائيات تخفيف حدة البرامج السياسية وسط تهديدات بإغلاقها نهائيا حال مخالفة التعليمات والترحيل خارج البلاد.

دوافع تركيا للتقارب مع الإمارات

1-استعادة النفوذ الإقليمي وكسر العزلة، بعد سنوات من التصعيد السياسي والإعلامي خسرت تركيا بسببهما نفوذها، وتراجع تأثيرها إقليميًّا في عدة ملفات، بعدما كانت تتبنى سياسة تصفير المشاكل.

2-الخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فتركيا تعيش أوضاعًا اقتصادية في غاية السوء، حيث تجاوز حجم التضخم 25%، كما انهارت قيمة الليرة، وانكمش القطاع الصناعي بنسبة 30%، وارتفعت معدلات البطالة بنسبة 34%، وبلغ عجز الموازنة 12%، وهذا يدفع الدولة التركية إلى ضرورة الاستفادة من كل الفرص المتاحة من أجل استقرار العملة، وتعزيز فرص الاستثمار داخل تركيا، للحد من حالة التضخم ومعالجة آثار البطالة وتداعيات أزمة كورونا، والإمارات هي من أكبر مستوردي السلع التركية، كما تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 8 مليار دولار عام 2020، وتعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري عربي لتركيا، فيما بلغ حجم الاستثمارات المتبادلة  بين البلدين مؤخرا 5 مليار دولار.

3-التنسيق مع الدول الفاعلة في المنطقة في حل الأزمات العالقة كالأزمة السورية والليبية واليمنية، ومشكلة غاز المتوسط وترسيم الحدود البحرية، بل وربما المشاركة بجدية في حل أزمة سد النهضة، في إطارٍ من مراعاة المصالح الوطنية لكل دولة دون التعدي على مصالح الدول الأخرى، وذلك بعد ما أثبتت التجربة أن التدخل في حل أزمات تلك الدول بمبدأ البراجماتية السياسية زاد الأمور تعقيدًا، وأدخل المنطقة في أتون صراعات لا نهاية.

أرشيفية

دوافع إماراتية

لم تكن رغبة الإمارات العربية المتحدة في سعيها نحو التقارب بأقل من تركيا، وكان المحرك لها في ذلك العديد من الدوافع لعل أهمها:

1-تفادي الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة “كوفيد-19″، فعندما انخفضت أسعار النفط، بحثت الإمارات عن موارد جديدة لتنويع مصادر دخلها، ولا شك أن تركيا دولة قوية اقتصاديًّا وعسكريًّا ولديها تعداد سكاني كبير، وتشكل سوقًا استثمارية كبيرة؛ لذا تسعى الإمارات للاستفادة من السوق التركية.  

2-تحسين الصورة الذهنية لدى شعوب المنطقة، وأداء دور إقليمي أوسع، خصوصًا بعد انكماش دورها، حيث تدرك الإمارات فشل تدخلاتها في أكثر من ملف في المنطقة، وأن ذلك أدى إلى مزيد من احتقان الشعوب العربية ضدها، خصوصًا في ظل المتغيرات الدولية المتمثلة بذهاب ترامب وفوز بايدن، وسعي أنقرة لإعادة صياغة علاقاتها بالدولة المصرية والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى علاقتها القوية بدولة قطر، الأمر الذي تخشى الإمارات أن يتسبب في إبقائها في عزلة إقليمية.

وختامًا نقول: إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والإمارات المتحدة، ليس في صالح أيٍّ منهما، فأردوغان أدرك أن سياسته التصادمية، القائمة على مراعاة المصلحة الأحادية قد باءت بالفشل، وتركت بظلالها على الاقتصاد التركي المتهاوي، وأن الانتخابات القادمة إن ظلت الأزمة الاقتصادية مشتعلة لن تحمل أنباءً سارة لأردوغان وحزبه، لأن الناخب التركي برجماتي بطبعه، وأن الحالة الاقتصادية هي أكبر موجه له، وأن دول الخليج والإمارات بصفة خاصة باحتياطاتها النفطية وما تدره من أموال يمكن استثمارها في تركيا، أحد أطواق النجاة التي يمكن للحكومة التركية استغلالها، وبالمقابل فإن الإمارات العربية المتحدة أدركت أن تركيا دولة ذات ثقل إقليمي لا يمكن تجاهله، خصوصا بعد مزاحمتها للدول الكبرى في العديد من قضايا المنطقة، وعلى رأسها سوريا والعراق؛ لذا فإن مصلحة الإمارات المتحدة تكمن في تحسين العلاقات مع تركيا وليس في قطعها.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version