وجهت المقاومة الوطنية الفلسطينية ضربة موجعة جدا لإسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023م، أطلقت عليها اسم “طوفان الأقصى”،  فدخل المقاومون الفلسطينيون اكثر من ستِ مستوطنات  في محيط قطاع غزة، لتأسر عددا كبيرا من المستوطنين، بين مدنيين وعسكريين، واستولوا على عربات ودبابات من الجيش الإسرائيلي، وسيطروا على الكثير من المباني، فشهدنا عملية هروب جماعي لبعض المستوطنين والعسكريين أمام شجاعة وجسارة هؤلاء المقاومين. وقد شهد العالم كله ما حدث، وكأنه مشهد دراماتيكي اصاب الإسرائيليين بصدمة  وفزع وهلع.

كشفت عملية “طوفان الأقصى” عن فشل الجهاز الاستخباراتي والمعلوماتي الإسرائيلي؛ فقد تم تجاوز الخط الحدودي المملوء بأجهزة استشعار وتصوير تعمل بالذكاء الاصطناعي. وتصور صحيفة “معاريف” الإسرائيلية ما حدث بأنه شهادة وفاة لأجهزة الأمن والاستخبارات، وليس مجرد إخفاق أو تقصير أو فشل، فضلا عن حالة الذُعر والقلق والصدمة التي هزت وزلزلت الإسرائيليين حكومة  وشعبا، ومن ثَم تشكلت أزمة جديدة تضاف إلى الأزمات التي تمر بها الحكومة الإسرائيلية، إلا أن ماحدث ليس مجرد أزمة وإنما زلزال بنيوي لن يعيد ماكان إلى حيث كان، فكل شيء تغير. أما حماس فتؤكد أن الهدف من هذه العملية هو تحرير الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وحماية المسجد الأقصى.

موقف الاحزاب الدينية

شكلت الإعتداءات الدائمة التي مارستها الأحزاب الدينية، بعد حصولها على الحقائب الوزارية، السبب في اشتعال غضب المقاومة، فلم يكن هناك حد لابن جفير ودعواته الدائمة لإقتحام المسجد الأقصى، وحث اليهود على إقامة الطقوس التلمودية، والصلوات اليومية والتراتيل الدينية دون مراعاة لمشاعر المسلمين، وكذلك بعض قراراته العنصرية العدوانية ضد الفلسطينيين عامة، والأسرى في السجون الإسرائيلية خاصةً، وكذلك سموتريتش عندما وقف أمام العالم وقال “أن الشعب الفلسطيني ما هو إلا اختراع منذ حوالي 100 عام”، رافعا خريطة لا يوجد فيها ذكر لدولة فلسطين على الإطلاق، ورئيس الحكومة اليميني نفسه وجدناه يقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رافعا الخريطة  نفسها متجاهلا تمامًا حتى الشعب الفلسطيني. ولكن بعد عملية طوفان الأقصى لم يُسمع لهم صوت.

حالة الإرتباك والتخبط الحكومي وتأثيرها على المجتمع:

سببت الضربة الفلسطينية ارباكا شديدا وقوىا لدى الحكومة الإسرائيلية، فعندما حدث اجتماع طارئ للوزراء لوحظ تغيب عدد من الوزراء، مثل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هآرتسي هاليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” الجنرال أهارون حاليفا، وهو ما وجه إليهما الاتهامات بتقصيرهما وفشلهما لهذا تهربا من حضور الاجتماع.

وعلى جانب قطاع الصحة صرح وزير الصحة موشيه آربيل: “أن خطوط المساعدة الصحية انهارت بسبب كثرة المتصلين من أُسر الجرحى والمصابين”.

وعلى جانب الإعلام وضحت وزيرة الإعلام جاليت ديستال: “أن الإعلام غير قادر على تقديم إجابات وافية للتساؤلات حول الضربة كيف حدثت ولماذا؟”.

أما عن أحزاب المعارضة فقد اتحدت كلها  لتصدر بيانا مشتركا يؤكدون فيه أن ما حدث أمر مُخجل في حق بنيامين نتنياهو، وأنهم متحدون ويرون أنه لابد من توجيه ضربة قوية للمقاومة الفلسطينية، مع ضرورة تشكيل لجنة للتحقيق فيما حدث.

وعلى نطاق الشارع الإسرائيلي يرى الكثيرونماحدث ماهو إلا بداية النهاية لنتنياهو وحكومته، وحدثت حالة من التخبط الذهني لدى العامة منهم، مطالبين بضرورة ضرب حماس بقبضة من حديد، والبعض الآخر يرى أن القادم أسوأ، ولم تعد إسرائيل في أمان، ولابد من وجود حل فعلي إما الهجرة أو حل الدولتين. والبعض الثالث تساءل رغم كل الميزانية التي وُضعت للجيش: ماهذا الإخفاق؟، وهل كان هناك نوع من الكذب، فأين أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي طالما جسدته الرواية الإسرائيلية؟. وهو ما يجعلنا نقول أنه ربما نشهد قريبا تغييرا حكوميا سياسيا، لتتشكل حكومة جديدة بمسميات جديدة تتفق والمرحلة الجديدة بتحدياتها الجديدة، وذلك بسبب الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها نتنياهو، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ومن ثم يمكننا وضع بعض السيناريوهات المحتملة الفترة القادمة.

سيناريوهات محتملة للتعامل مع هذه الأزمة:

1- ضرورة تدخل وسيط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للتهدئة ووقف العنف ، تمهيدا للتوصل الي اتفاق لتبادل الأسرى، وإرغام إسرائيل على قبول استئناف عملية السلام، على أساس  حل الدولتين.

2- استخدام القوة المفرطة عبر الاجتياح البري، ولكن هذا السيناريو له العديد من المخاطر على الأسرى أنفسهم، ونتذكر أن إسرائيل ظلت 6 سنوات في تفاوض حول جندي واحد اسمه “جلعاد شاليط” فما بال كل هذا العدد الكبير من الأسرى، فضلا عن تخوف إسرائيل من هذا الاجتياح لأن الثمن سيكون باهظا.

3- التهجير القسري لسكان قطاع غزة، وتفريغ القطاع بالكامل.

4- تدخل الأسطول الأمريكي، وحاملات طائرات أمريكية، وجسر جوى جديد لينقذ تل أبيب، هذا يعني أن الجيش الإسرائيلي سوف يحصل على أسلحة وذخيرة لم نكن نراها من قبل، وهذا أيضًا إعلان مباشر بالتدخل الأمريكي مباشرة في هذا الصراع. وربما يستدعي هذا التدخل الإيراني، ومن ثم التدخل الروسي، لتكون غزة هي النسخة الثانية من أوكرانيا، وساحة للحرب بالوكالة، ومنها تندلع حرب أقليمية في الشرق الأوسط.

5- دخول القوى الغربية فلسطين والانتشار فيها بدعوى الحفاظ على السلام؛ لأن الدور  الوظيفي لإسرائيل فشل. وهذه ليست المحاولات الأولى للتدخل فنجد على سبيل المثال محاولات دخول حلف الناتو بعد حرب غزة 2014 ومحاولته دخول ليبيا 2012، ومازالت محاولاته مستمره.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version