بعد عقدين من المحاولات الإسرائيلية المستمرة للدخول إلى الاتحاد الأفريقى، استطاعت أن تحصل إسرائيل على صفة المراقب  من خلال تقديم سفير إسرائيل لدى إثيوبيا أدماسو الالى، أوراق اعتمادها عضوا مراقبا لدى الاتحاد الإفريقى، وقد وافق  موسى فقى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى على انضمام إسرائيل فى خطوة كانت مفاجئة، خاصة أنه لم يبحث طلب إسرائيل للانضمام مع الدول الأعضاء  فى الدورة 34 لمؤتمر الاتحاد الأفريقى التى انعقدت فى 6 – 7 فبراير 2021، كما أن طلب إسرائيل الانضمام إلى المنظمة رُفض ثلاث مرات قبل ذلك، خلال الأعوام 2013، و2015، و2016.

حصول إسرائيل على صفة المراقب لم يمر مرور الكرام وواجه اعتراض من عدد من الدول الأفريقية (مصر- الجزائر- تونس- موريتانيا- جنوب أفريقيا- ليبيا- جزر القمر) والذين أكدو أن رئيس المفوضية لم ينظر فى الطلب الإسرائيلى على نحو ما سار عليه سابقوه وفقا للمبادئ والأهداف الواردة فى القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى والمقررات الصادرة عن أجهزة الاتحاد المختلفة، وكذلك المصلحة العليا للاتحاد وآراء وانشغالات الدول الأعضاء ومعايير منح صفة مراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الإفريقى، إلا أن موسى فقى محمد، رد على هذا الرفض وأكد  أن قرار منح إسرائيل صفة مراقب بالاتحاد، يقع ضمن نطاق اختصاصاته الكاملة.

وحتى عام 2002، كانت إسرائيل عضوا مراقباً فى منظمة الوحدة الإفريقية حتى جرى حلها وإستبدالها بالاتحاد الإفريقى، وقد أثارت طريقة قبول عضوية إسرائيل بصفة مراقب فى الاتحاد الأفريقى جدلًا كبيرًا خاصة فيما يتعلق بالاعتباراتٌ القانونية وذلك لأن السلوك الإسرائيلى يتعارض مع القيم المكرسة فى ميثاق الاتحاد الأفريقى خاصة ما يتعلق بالدعم باستمرار حق الشعب الفلسطينى فى نضاله من أجل إقامة دولة مستقلة..

وقد سعت إسرائيل إلى تطبيع علاقاتها مع الدول الأفريقية منذ تأسيسها عام 1948، لما تتسم به من أهمية إستراتيجية وسياسية وإقليمية، وخلال هذه الأعوام، تفاوت مستوى العلاقات ما بين الانقطاع والتنامى التدريجى، وصولاً إلى العلاقات الوثيقة، ولكن منذ تولى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة العام 2009، وبخاصة خلال ولايته الثانية، شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية تطوراً ملحوظاً.

 تجسدت فى الزيارات التى قام بها إلى أفريقيا، وهى الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلى منذ 50 عاماً، أعلن خلالها أن “إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل، تلتها ثلاث زيارات مشابهة، شارك فى واحدة منها فى القمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) فى ليبيريا فى العام 2017، كأول زعيم غير أفريقى يُدعى لحضور القمة فى حدث غير مسبوق، كما شهدت إسرائيل عودة العلاقات مع عدد من الدول الأفريقية مثل غينيا وتشاد كما أصبح لإسرائيل 11 بعثة دبلوماسية فى القارة بافتتاحها، مؤخراً، سفارتها فى رواندا عام 2019.

هذا التطور فى العلاقات بين إسرائيل وأفريقيا صاحبه تراجع عربى فى أفريقيا ، فضلًا عن تراجع القضية الفلسطينية فلم تعد قضية مركزية تلقى إجماعاً من الدول الأفريقية ، وبدأت دول القارة، بشكل متفاوت، تقبل إسرائيل كجزء من المنظومة الدولية، دون الأخذ فى الاعتبار إنتهاكاتها بحق الشعب الفلسطينى، ومخالفتها للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، خلافاً لما كان عليه فى السابق.

دوافع انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقى كعضو مراقب

صفة مراقب هى امتياز تمنحه بعض المنظمات لغير أعضائها لمنحهم القدرة على المشاركة فى أنشطتها، وغالبا ما تُمنح صفة المراقب من قبل المنظمات الحكومية الدولية للأطراف غير الأعضاء والمنظمات الدولية غير الحكومية التى لها مصلحة فى أنشطة المنظمات الحكومية الدولية، ويتمتع المراقبون عموما بقدرة محدودة على المشاركة فى المنظمات الحكومية الدولية، حيث يفتقرون إلى القدرة على التصويت أو اقتراح القرارات، وقد حصلت فلسطين على  صفة المراقب فى الاتحاد الأفريقى.

. ويفسر النبرة الاحتفالية التى أعلن بها وزير خارجية إسرائيل يائير لبيد خبر قبول عضوية بلاده مراقبًا فى الاتحاد الأفريقى، باعتباره تتويجًا لجهودٍ استمرت عشرين عامًا تكللت بالنجاح حجم الإنجاز الذى تعتبره إسرائيل بإنضمامها للاتحاد الأفريقى، ويمكن إجمال أهمية انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقى بالنسبة لها لاعتبارات عدة أهمها…

*تحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية

 *حماية أمنها القومى باعتبار أفريقيا دائرة ثانية تقع فى نطاق دول المواجهة العربية والإسلامية وعلى رأسها مصر.

*منحها إنجازًا معنويًا قبل كل شىء، والوصول إلى القنوات الرسمية للتأثير فى القضايا التى تهم مصالحها.

*تقويض التعاطف الأفريقى مع القضية الفلسطينية، وهو ما ينعكس ليس على فلسطين فحسب، بل على المنطقة العربية برمّتها.

*الحصول على تأييد القارة السمراء فى المنظمات الدولية والاستفادة من الكتلة التصويتية لدولها.

*تطويق الأمن القومى المصرى من خلال التأثير على أمنها المائى والذى يعتبر هدف لإسرائيل منذ القدم، ومن الأدلة على ذلك يقول السياسى والجنرال السابق بالجيش الإسرائيلى إفرايم سنيه فى كتابه “إسرائيل بعد عام 2000”  إن “المجال الحيوى الإسرائيلى يجب أن يتسع خلال القرن الـ21 ليشمل كل دولة تستطيع أن تشارك فى العمليات الهجومية، أو أن تغلق ممرا مائيا، خاصة لو بها أنظمة معادية، كما أكد الجنرال الإسرائيلى أيضا أهمية توطيد العلاقات مع إثيوبيا وإريتريا نظرا لسيطرتهما على منابع النيل، وهو ما يخلق نوعا من التوتر مع مصر يمكن استغلاله بأفكار خلاقة.

*تحقيق هدفها المتمثل فى بناء دولة إسرائيل الكبرى حيث يحظى البُعد المائى أهمية خاصة فى السياسات الإسرائيلية تجاه القارة الإفريقية بوجه عام، وتجاه دول حوض النيل بوجه خاص، وهذا لأجل توفير المياه اللازمة لعمليات التنمية على أرضها، وللوفاء بمستلزمات بناء المستوطنات اليهودية والعمليات الزراعية وغيرها فى سياسات بناء دولة يهودية قوية  محط جذب لليهود من كافة بلدان العالم.

إسرائيل ـ أرشيفية

  موسى فقى كلمة السر

وقد لعب  رئيس المفوضية موسى فقى دوراً كبيراً فى تمرير قرار حصول إسرائيل على صفة المراقب عضوية المراقب حيث أنه المسؤول عن النظر فى الطلبات المقدمة من الدول، ولا يمكن النظر إلى قرار نقي بمعزل عن التنسيق مع دولة المقر إثيوبيا أو بلده تشاد، خاصة أن العلاقات الإسرائيلية التشادية تشهد نمواً منذ نهاية 2018 عندما زار الرئيس إدريس ديبى  والذى توفى فى إبريل 2021 تل أبيب، فى حين أعلن رسمياً عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين تشاد وإسرائيل فى 20 يناير 2019 وفى عام 2019، خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الحين بنيامين نتنياهو وصف تشاد بالشريك..

وقد تولى فقى منصبى رئيس الوزراء ووزير الخارجية فى تشاد وارتبط بعلاقات وثيقة برئيسها في ذلك الحين إدريس ديبى، فقد راهنت إسرائيل على دوره فى تمكينها فى الحصول على هذه المكانة، بوصف هذا أحد أهداف تطبيع العلاقة بين الطرفين، وباعتبار تشاد من الدول التى مكنت إسرائيل من تعزيز حضورها فى القارة السمراء.

غياب المغرب من قائمة دول شمال أفريقيا المعترضة على انضمام إسرائيل

لم يكن صمت المغرب وعدم رفضها إنضمام إسرائيل للاتحاد الافريقى كعضو مراقب أمر مفاجىء، خاصة بعد عملية التطبيع بين إسرائيل والمغرب التى تمت الفترة الماضية، وعودة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بشكل كبير كما أن المغرب موطنا لأكبر جالية يهودية فى شمال إفريقيا مع تعداد يبلغ 3000 شخص، ويعيش حوالى 700 ألف يهودى من أصل مغربى فى إسرائيل.

موقف المغرب اتخذته عدد كبير من الدول الأفريقية حيث أنه من بين 55 دولة عضوة فى الاتحاد الأفريقى، اعترضت 7 دول فقط وهو ما يؤكد التغلغل الإسرائيلى القوى فى القارة الأفريقية  وقدرتها على التأثير على الدول الأفريقية بعدم اتخاذ موقف معارض لانضمامها للاتحاد الأفريقى.

هل سيكون الاتحاد الأفريقى فى المرحلة المقبلة “ساحة للمواجهات”..؟

تسبب قبول إسرائيل كعضو مراقب فى الاتحاد الأفريقى لحالة من الانقسام بين دول كبرى بقيادة مصر والجزائر وجنوب أفريقيا ترفض الانضمام وبين دول أخرى لا تعترض على انضمام إسرائيل بل لها دور كبير فى قبولها على رأسها إثيوبيا وتشاد، لذلك فإن مجمل الحضور الإسرائيلى فى الاتحاد الافريقى سوف يمثل أزمة وزيادة للانقسامات القائمة بالفعل بين دول الاتحاد، وهو ما يتسبب فى مزيد من إضعافه ويعرقل خطط إصلاحه ليكون مؤسسة أفريقية قوية لها القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة وحل الصراعات والأزمات فى القارة الأفريقية على غرار الاتحاد الأوروبى.

 حيث من المتوقع أن تكون إسرائيل لاعب قوى ومؤثر داخل القارة الأفريقية، وسيكون لها تأثير فى مجمل القضايا الأفريقية حتى التى لا ترتبط بها وعلى رأسها قضية المياه والخلاف بين دول حوض النيل.

وختامًا .. تحتاج الدول الأفريقية المعترضة على انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقى إلى بذل جهود كبيرة الفترة القادمة وذلك لاقناع دول أفريقية أخرى باتخاذ موقف مماثل ورفض  وجود إسرائيل فى الاتحاد الأفريقى وذلك قبل  جدول أعمال القمة الإفريقية القادمة فى شهر أكتوبر المقبل وذلك لحسم هذا الملف وتجنب الانقسام فى الصف الأفريقى.

كما أن الدولة المصرية عليها التحرك فى إطار إستراتيجية مصرية عربية لمواجهة التغلغل الإسرائيلى فى أفريقيا وعدم ترك الساحة لإسرائيل  خاصة فى ظل توقيت دخول إسرائيل الاتحاد الأفريقى ودور إثيوبيا القوى فى هذا القرار، والذى يثير التساؤلات حول دور إسرائيل الفترة القادمة فى ملف سد النهضة ، فضلًا عن تعزيز تواجدها بشكل أكبر فى مفوضية الاتحاد الأفريقى لتجنب إتخاذ قرارات منفردة دون مراعاة لمشاغلها ومصالحها في القارة.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version