شهدت السنوات الأخيرة العديد من الأزمات والتحديات بالنسبة لأفريقيا. إذ شهدت القارة موجة من الانقلابات، ولم يقتصر الأمر على تلك الانقلابات حيث عانت القارة كذلك من تداعيات الحرب الأوكرانية والحرب في غزة والسودان، ويسعي هذا التقرير لاستكشاف آفاق المستقبل في إفريقيا عام 2024م.
عدوى الانقلابات في إفريقيا عام ٢٠٢٤
شهدت القارة الإفريقية ثمانية انقلابات في السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يجعل من السهل التنبؤ بمزيد من “عدوى الانقلابات” في عام 2024، حيث تظهر في العديد من البلدان أسباب تجعلها أهدافاً محتملة للانقلابات، مثل: الكاميرون، إذ يتسم نظام الرئيس بول بيا، البالغ من العمر 90 عاماً بالعجز الواضح على نحو متزايد بسبب الخصومات والانقسامات الداخلية مما يجعلها من الدول المعرضة للانقلاب خلال الفترة القادمة لاسيما في ظل احتقان الشارع ضد نظام الرئيس.
ويتضح أن أغلب الانقلابات الأخيرة التي حدثت في مختلف الدول الإفريقية تشترك في أسباب ومتطلبات عامة، من المرجح أن تستمر وتزداد في 2024 وذلك يشير بأن عام ٢٠٢٤ سيكون كذلك عام الانقلابات وهي على النحو التالي:
أولًا: ما تزال أنظمة الحكم في أغلب الدول الأفريقية تعاني من الهشاشة؛ نتيجة للأنظمة التسلطية التي شكلتها فترات طويلة من الحكم الاستعماري، فإن أغلب الدول التي تعاني من خطر الانقلابات هم المتمسكين حتي الأن بنظم حاكمة محدودة تربطها روابط مشتركة داخلية أو خارجية.
ثانيًا: ظهور جيل جديد من القادة الشباب يتحدثون بصوت الشباب والشعب، وقد اشتغل هؤلاء القادة ثورة الشباب والشعوب ضد السلطة والنظم البيروقراطية للوصول إلي السلطة، كما رأينا في مالي و النيجر والجابون.
ثالثًا: ضعف الجهات الدولية في معالجة أغلب القضايا التي تعاني منها الدول الأفريقية، وعلى الرغم من الاستثمارات المالية الكبيرة، في تعزيز القدرات العسكرية للجيوش الوطنية دون معالجة الأسباب الحقيقية للتمرد والاستياء العام للشعوب من ضعف الإنجاز وغياب عوائد التنمية وانهيار الاقتصاد وتفشي الفقر. ولعل ذلك كله يعني ضرورة البحث عن رؤى ومقاربات بديلة لتحقيق الأمن والتنمية في الدول الأفريقية، وهو ما يحتاج إلى تضافر الجهود الإقليمية والدولية التي من غير المرجح أن تتحقق في عام 2024.
الانتخابات والمخاطر السياسية لعام ٢٠٢٤:
من المتوقع إجراء العديد من الدول الإفريقية انتخابات خلال العام الجاري، ولكن التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي وعبء الديون قد تؤدي إلى إعاقتها أو إخراجها عن مسارها. ويحذر الاتحاد الأفريقي من أن هيئات إدارة الانتخابات ستواجه مهمة أكثر صعوبة تتمثل في ضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها، حيث يواجه الاقتصاد في القارة أوقاتا صعبة في أعقاب الأزمات العالمية.
ستعقد عشر دول إفريقية انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2024، بما في ذلك الجزائر وبوتسوانا وغانا وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا ورواندا وجنوب أفريقيا وتونس، ومن المتوقع أن تنجح الأنظمة الحالية في الاستمرار في معظم الانتخابات، ولكن هناك خطر متزايد يتمثل في أن تؤدي المشاعر المناهضة للزعماء المتمسكين بأهداب السلطة والاستياء الواسع النطاق من أداء الحكومات الحالية إلى نقل السلطة إلى المعارضة.
أجرت جمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر انتخابات رئاسية في أواخر عام 2023، ومازلت التوترات السياسية مستمرة حتى أوائل عام 2024 بسبب ظهور النتائج بإعلان فوز رئيس الكونغو بولاية ثانية. ومن شأن التوترات السياسية المتزايدة أن تزيد من خطر الاضطرابات المدنية، وخاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا ومدغشقر وجنوب أفريقيا وتونس.
وفي جنوب أفريقيا، نتوقع أن يفوز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، بقيادة سيريل رامافوسا، رئيس البلاد، في الانتخابات التشريعية عام 2024 بفارق ضئيل، لكن هناك احتمالا قويا بأن يفشل الحزب في تحقيق نسبة الـ50.% المطلوبة. وفي ظل هذه الظروف، سوف يحاول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي استمالة بعض الأحزاب الصغيرة، بدلاً من جماعات المعارضة الرئيسية، للبقاء في السلطة. سوف تستمر احتمالية تشكيل ائتلاف في الارتفاع مع تآكل التحديات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة لدعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. من المرجح أن تشهد غانا انتقالاً للسلطة من الحزب الوطني الجديد الحاكم إلى المؤتمر الوطني الديمقراطي المعارض، مدفوعاً إلى حد كبير بتدهور مستويات المعيشة ومحدودية فرص العمل وضعف الخدمات العامة.
مستقبل الحرب في السودان وتداعياتها على الدول الإفريقية
سيواصل الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد القوات المسلحة السودانية، رفض الحوار مع قوات الدعم السريع لأنه يسعى لتحقيق النصر، وضعًا في الاعتبار القدرة الواضحة لقوات الدعم السريع على مواجهة القوات المسلحة السودانية في دارفور والخرطوم والطبيعة الآخذة في الاتساع والتمدد للصراع – حيث ينضم المزيد من المتمردين والجماعات المسلحة إلى القتال كل شهر -بما يعني أن استمرار الحرب الأهلية هو السيناريو الأكثر ترجيحًا خلال العام القادم. من المتوقع أن تستمر الحرب الأهلية في السودان، وذلك سيؤدي إلى تتدفق اللاجئين إلى دول الجوار وبالتالي سيؤثر ذلك على استقرار المنطقة.
وتفيد التقارير أن مجموعة فاجنر الروسية زودت قوات الدعم السريع بالمعدات العسكرية، لتعزز قدراتها بشكل أكبر. ويبدو أن الاشتباكات في دارفور تتصاعد مع اتخاذ الصراع بعدًا عرقيًا. وكذلك يمتدد القتال لمناطق هامشية أخرى من البلاد مثل ولايات النيل الأزرق وكردفان وجنوب كردفان. ومن المرجح أن يؤدي القتال في المناطق الحدودية مع جنوب السودان إلى تفاقم التوترات العرقية والنزاعات الإقليمية وتفاقم النقص في الغذاء والمياه والإمدادات الطبية وخدمات الصرف الصحي.
مستقبل الصراع الدولي في أفريقيا ٢٠٢٤:
شهدت إفريقيا في السنوات الماضية دخول دول جديدة إلى ميدان المنافسة على موارد القارة الإفريقية، بالأضافة إلى القوى التقليدية مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، نجد قوى صاعدة مثل الصين وروسيا وتركيا، وأيضًا إيران والهند.
يضع حجم المنافسة والأهمية الإستراتيجية لإفريقيا تحديات جسيمة أمام القوى الساعية للنفوذ في القارة، فنجد الصين شريكًا مهمًّا للدول الإفريقية؛ بفضل إستراتيجيتها الاقتصادية العالمية والاستثمارات الضخمة في مختلف القطاعات ومشاريع البنية التحتية.
كما تُركِّز روسيا لتوسيع نفوذها من خلال الوجود الاقتصادي والعسكري وكذلك على أدوات التجارة والاقتصاد بوصفها مفاتيح لشراكة قوية مع إفريقيا.
وحققت السياسة الخارجية لتركيا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية نجاحًا كبيرًا، ولذلك أصبحت تركيا طرفًا مؤثرًا في إفريقيا، وتسعى لتعزيز وجودها من خلال التجارة والاستثمار، وتقديم المساعدة الإنمائية والتعاون الثقافي، كما مُنحت عضوية الاتحاد الإفريقي عام 2005م بصفة عضو مراقب، ثم سريعًا ما أصبحت شريكًا إستراتيجيًّا للاتحاد الإفريقي عام 2008م.
وشهدت الهند قفزات نوعية على كل الأصعدة مع إفريقيا خلال السنوات العشر الماضية،  حيث نجد الهند تسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع الدول الإفريقية، فبلغت الاستثمارات الهندية التراكمية في إفريقيا خلال الفترة من 1996م إلى 2022م نحو 74 مليار دولار، وهو ما يجعل الهند واحدة من أكبر خمسة مستثمرين في القارة.
وفي دخولها على خط الصراع على القارة؛ سعت إيران لتوطيد علاقتها بإفريقيا، وحظيت باهتمام مُضاعَف في عهد حكومة “رئيسي”، الذي قام خلال الأشهر الماضية بجولة في عدد من الدول الإفريقية، ركَّز خلالها على تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية وتسويق البضائع الإيرانية.
كما شهدت العلاقات العربية الإفريقية تطور واهتمام كبير في الفترة الأخيرة بسبب العديد من العـوامل الجيـوساسيـة، لعـل أبرزهـا الأهميـة الاستـراتيجيـة للقارة وما لهـا من تأثيـرات بالغـة، ليـس على الأمـن والمصـالح العـربية فحـسب، وإنمـا على حـركة المـلاحة الدوليـة والنشـاط الاقتصـادي ومؤشـرات الأسـواق الماليـة العالميـة.
وأعادت التطورات التي حدثت في بعض المناطق الإفريقية تشكيل توازن القوى السائدة في هذه المناطق، وما رأيناه منذ عام 2020م حتى العام الماضي من انقلابات عسكرية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا والشعور المعادي للوجود الفرنسي؛ كان مؤشرًا على انسحاب فرنسا وبعض القوى الأوروبية من دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، و هذا خلَق حالةً من الفراغ الأمني والإستراتيجي الذي حاولت أن تسده قوى أخرى، وتحديدًا روسيا في المجال الأمني والعسكري، والصين كقوة اقتصادية تركز على الاستثمارات ومشروعات البنية الأساسية.
نري أن ما يحدث هو تكالب دولي جديد على إفريقيا، والذي يميز التكالب الدولي الجديد الذي بدأ بعد انتهاء الحرب الباردة هو وجود قوة فاعلة جديدة، أبرزها الصين ثم روسيا، لذلك سيشهد عام 2024م مزيدًا من التكالب والتنافس بين القوى الدولية على إفريقيا، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تبنَّت سياسة الممرات عن طريق زامبيا وبوركينا فاسو للوصول إلى المحيط الأطلنطي غربًا بدلاً من التوجه نحو الشرق، وهذا مؤشر على منافسة مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
الإرهاب في الساحل الإفريقي ٢٠٢٤م:
من المرجح أن تظل منطقة الساحل الإفريقي مركز ثقل للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، حيث يستغل الإرهابيون فشل وهشاشة الدول والمساحات غير الخاضعة للحكم، والتي تتميز بالحدود التي يسهل اختراقها، وضعف الأجهزة الأمنية. وستواصل الجماعات الإرهابية، بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وولاية الساحل الإسلامية، وولاية غرب إفريقيا الإسلامية العمل مستغلة فرصة عدم الاستقرار السياسي والأمني ووجود مساحات شاسعة غير خاضعة للحكم.
ومن المرجح أن يستمر التشدد في جميع أنحاء مالي والنيجر وبوركينا فاسو في عام 2024. وستقوم الجماعات الإرهابية على تعميق موطئ قدمهم الإقليمي وتوسيع عملياتهم وشبكاتهم نحو دول أخرى في غرب إفريقيا. ومن المتوقع أن يتصاعد الفراغ الأمني في المنطقة الحدودية بين الدول الثلاث، إذ يبدو أن المجالس العسكرية غير قادرة على سد الفجوة التي خلفها رحيل القوات الدولية في عام 2022.
ومن المتوقع أن تقوم الجماعات الإرهابية بتعزيز شبكات التجنيد وتثبيت أنظمة حكم بديلة من خلال إعطاء الأولوية للرد العنيف، ستؤدي تصرفات الجيوش إلى تكثيف استهداف المدنيين والتوترات الطائفية، ومع تشتيت انتباه المجالس العسكرية بسبب التحديات الداخلية، ستستمر الجماعات المسلحة في التوسع نحو مناطق جديدة، مما يخلق بؤراً ساخنة جديدة للتشدد، بما في ذلك شمال بنين وتوجو وجنوب غرب مالي وربما جنوب النيجر.
وفي بوركينا فاسو، التي تواجه أعمال عنف إرهابية واسعة النطاق امتدت من مالي، عمدت السلطات إلى مضاعفة أعداد المتطوعين في مليشيا الدفاع المدني لتصل إلى نحو 100 ألف كجزء من تعهد الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري باستعادة الأراضي التي استولت عليها الجماعات الإرهابية منذ عام 2015، والتي تصل إلى قرابة 40% من مساحة البلاد.
ويمكن للجماعات الإرهابية استغلال الفراغ الأمني لبدء عمليات الحصار والاستيلاء في نهاية المطاف على مناطق كبيرة، وفرض سلطتها على مساحات واسعة من الأراضي في شمال مالي أو بوركينا فاسو. ويمكنها بعد ذلك استئناف حملة من الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين والمصالح الغربية في باماكو (مالي)، أو واجادوجو (بوركينا فاسو)، أو نيامي (النيجر)، كما حدث بين عامي 2015 و2018.
ومن المرجح أن تظل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من بين أقوى الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وتتطلع إلى توسيع عملياتها من منطقة الساحل إلى غرب إفريقيا الساحلية، ونظراً للمرونة التاريخية التي يتمتع بها التنظيم وميله إلى التكيف والتأقلم عندما يُتاح له الملاذ في الدول ، كما حدث في دول حزام الانقلابات في الساحل وغرب إفريقيا فإن هذه الجماعة الإرهابية سوف تتمدد وتسيطر على مزيد من الأراضي.
تُعد أزمة الساحل واحدة من أخطر الأزمات في العالم، ولكنها الأكثر إهمالاً، خاصة السنوات الماضية تدهور الوضع بشكل كبير إذ أثبتت المنطقة أنها أرض خصبة للصراع والعنف. ومن المرجح أن يتزايد الصراع في هذه المنطقة، ولاسيما مع تمدد الجماعات المتطرفة المختلفة مثل: بوكو حرام وتنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة بتنظيم داعش.
ومن المتوقع أن تواجه مالي وضعاً معقداً في عام 2024، فتعد مالي نقطة محورية لعدم الاستقرار في منطقة الساحل، فبالإضافة إلى الحرب المستمرة ضد الإرهاب، تواجه مالي عودة الحركة الانفصالية بقيادة تنسيقية حركات أزواد، ويتعرض اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في عام 2015 لتحديات وضغوط كبرى، ازدادت حدة بسبب انسحاب قوات الأمم المتحدة في يونيو 2023، وتسهم القضايا التي لم يتم حلها في مالي بشكل كبير في المشهد غير المستقر لمنطقة الساحل في عام 2024.
وفي الختام، ربما يكون عام ٢٠٢٤ من الأعوام المأزومة على الصعيد الأفريقي وهناك العديد من التحديات فيه، مع اتصال تلك التحديات ببعضها البعض في حلقة يصعب تحديد بدايتها ونهايتها؛ حيث التأثير المتبادل بين تلك العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، الأمر الذي يستدعي تعزيز التعاون الإقليمي سواء على المستوى الثنائي، أو متعدد الأطراف، وعلى مستوى المنظمات الإقليمية.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version