مقدمة
ساهمت الأزمات العالمية فى تدهور اقتصاديات الدول وارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، فقد تأثر الاقتصاد بعد كورونا ، ثم بأزمة سلاسل الامداد، وختامًا بالأزمة الروسية الأوكرانية؛ ليزداد الوضع سوءًا على الصعيد العالمى، فنجد الدول الاقتصادية الكبرى فى العالم تشهد زيادة فى معدلات التضخم مع تسجيل نمو اقتصادى بالسلب، مما دفع البنك الدولى إلى خفض توقعات النمو إلى 2.9% مقارنة مع توقعات سابقة بنسبة 4.1%.
وفى إسرائيل ارتفع معدل التضخم لأعلى مستوي 5.2% ، واستقر حاليا عند 4.6% ، وعلى أثره ارتفعت نسبة البطالة إلى3.7% ، ويعزى هذا إلى السياسات المالية التوسيعية التى انتهجتها اسرائيل فى أعقاب أزمة كورونا، ما ينبأ باستمرار معدلات التضخم فى اسرائيل؛ ولهذا قام بنك إسرائيل برفع سعر الفايدة إلى 2.75%، بعد أن ضعفت قيمة الشيكل عندما هبطت أمام الدولار بنسبة 8%، وأمام اليورو بنسبة 6.2%، كما أثرت الأزمة الروسية الوكرانية على الاقتصاد، فزادت أسعار الطاقة العالمية؛ نتيجة لانخفاض الصادرات الروسية من الغاز والنفط، كما شهدت أسعار الحبوب الزراعية زيادة؛ نتيجة لغياب الحصة الأساسية لروسيا وأوكرانيا في الصادرات الزراعية .
قُدرت ميزانية الانتخابات لعام 2022م بحوالى 538 مليون شيكل، 28% من هذا المبلغ مخصص لأجور الموظفين يوم الانتخابات ما يعادل(153 مليون شيكل)، وكانت الميزانية المقترحة لانتخابات الكينست السابقة حوالى 675 مليون شيكل، منها 231 مليون شيكل نفقات كورونا، وعلى الرغم من انخفاض الميزانية هذا العام، إلا أنها مرتفعة اذ ما تمت مقارنتها بالعام السابق .
ومن المؤكد أن توالى الانتخابات بهذا النهج أثر على الاقتصاد الإسرائيلى، حيث قُدرت تكلفة الانتخابات الواحدة نحو 3مليارات شيكل؛ ليبلغ اجمالى الضرر الواقع على الاقتصاد الإسرائيلى ما يقرب من 15 مليار شيكل نتيجة لتعدد الانتخابات.

نتنياهو وصراع البقاء
استطاع نتنياهو أن يدير المعارضة بشكل ممنهج للغاية، فلعب على عدة محاور ومنها: هوية اسرائيل اليهودية، وأزمة الاتفاق النووى الإيرانى، و ارتفاع الأسعار والمعيشة، وغيرها من المحاور السياسية والاقتصادية والأمنية التى استطاع تسييسها لمصلحته، وعلى غير عادته فضل نتنياهو اختيار الاقتصاد أساسًا لدعايته الانتخابية، ففى أغسطس2022م وعد نتنياهو الجمهور الإسرائيلي بالتعليم المجاني من سن الأولى- 3 سنوات، وتخفيض اسعار الوقود والكهرباء والمياه، وأيضًا تخفيض أسعار المواد الغذائية وإلغاء التعريفات الجمركية، وتعليق الضرائب على الممتلكات والإجراءات في مجال الإسكان لمدة عام ، وتخفيف أسعار المساكن عن طريق إصدار سندات مرتبطة بمؤشر أسعار المساكن، وتقصير وقت الحصول على تصاريح البناء، كما ألمح إلى دعم الأراضى المخصصة للبناء للأزواج الشباب، وتخصيص ميزانية لدعم البنية التحتية قبل البناء.
يرى اقتصاديون استحالة تنفيذ بعضًا من وعود نتنياهو الاقتصادية، ففيما يتعلق بتخفيض اسعار الوقود والكهرباء والمياه، لايمكن تنفيذ هذا الوعد؛ لعدم وجود سلطة له للتحكم فى تلك الاسعار، حيث أن هيئة الكهرباء والمياه هيئة مستقلة لايجوز التدخل فى قراراتها، كما أن أسعار الوقود يتم تحديدها وفقًا لأسعار الطاقة فى العالم. إن وعد نتنياهو بتخفيض اسعار المواد الغذائية وإلغاء التعريفات هو وعد سياسي يهدف لحشد الأصوات فقط، وذلك لأنه من الصعب تنفيذه نظرًا للاخفاقات الهيكيلية، وتعدد التعريفات للمنتجات الغذائية المختلفة، إضافة لذلك فقد قامت الحكومة الحالية بالغاء التعريفات الجمركية على بعض المنتجات فمن الصعب تخفيض المزيد من الرسوم.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، يرى 60% من الشباب الإسرائيلي (بين 18 إلى 35 عامًا) أن الاقتصاد هو المعيار الأساسي لاختياراتهم السياسية وتقييمهم لسياسة تجاه حكوماتهم، و يشعر 100% من الشباب الإسرائيلي بالسخط من قوانين العمل، وفرص الادخار، ومستقبل النمط الاستهلاكي للشباب على شراء السلع والخدمات. كما أن 88% من الشباب يشكو من عدم الاستقرار المهني والوظيفي، ويطالبون الحكومة بتكثيف البرامج التدريبية على المهارات، حيث قرر 75% من الإسرائيليين بشكل عام انتخاب أحزاب المعارضة في الكنيست، أي معسكر نتنياهو اليمينى.

الانتخابات ال25 وتحديات الحكومة القادمة
تواجه حكومة إسرائيل فى الوقت الراهن العديد من التحديات، حيث سعت حكومة “لابيد” لإيجاد الحلول المناسبة لحلها ولكسب تأييد الجمهور الإسرائيلى فى الانتخابات، فقد قامت بترسيم الحدود مع لبنان وبدأت انتاج الغاز بحقل كاريش، الذى يحتوى على احتياطى للغاز يُقدر بحوالى 1.3 تريليون قدم مكعب، بجانب حقل تمار وليفاثان؛لاستغلال أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط والغاز، بالإضافة لأزمة نقص الطاقة فى أوروبا، لتوفير الغاز للقارة العجوز، مما سيساهم فى زيادة معدلات نمو إسرائيل اقتصاديًا.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة للسيطرة على الأوضاع فى الداخل والخارج، ستظل هناك العديد من التحديات قائمة، ومنها عدم الاستقرار السياسي فى إسرائيل؛ نتيجة لتعدد الانتخابات، والذى بدوره يؤثر بطريقة مباشرة على حجم الاستثمارات، وزيادة معدلات التضخم، وأيضًا أزمة ارتفاع الأسعار.
محصلة القول أن الجمهور الإسرائيلى سعى لتأييد الحزب الذى يمكنه حل القضايا الاقتصادية التى وقعت فيها إسرائيل فى الوقت الراهن، فى إشارة واضحة إلى نتنياهو و الليكود، الذى اختار الجانب الاقتصادى ليبدأ به حملته الانتخابية.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version