حالة ارتباك تسود منطقة الساحل الأفريقي، فبعد ثماني سنوات من وجود فرنسا المستمر في منطقة الساحل حيث ينتشر اليوم 5100 من عساكرها، تريد فرنسا الآن الانتقال من مكافحة التنظيمات المتطرفة في الخطوط الأمامية إلى الدعم والمرافقة بالاعتماد على العمليات الاستخباراتية واستخدام المسيرات والطائرات المقاتلة وغيرها، فبإعلان ماكرون مساء الخميس ١٠/٦/٢٠٢١ إنهاء عملية برخان العسكرية لمواجهة التنظيمات التكفيرية مفضلا المشاركة في ائتلاف دولي يدعم القوات المحلية، وهو رهان من دونه ستزداد المخاطر بشكل أكبر مع جيوش لا تزال ضعيفة في منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا، ومهمة صعبة لحشد التأييد الأوروبي.
تأتى تلك الخطوة فى إطار تجديد باريس إستراتيجية إعادة انتشار قواتها في أفريقيا فى ظل مخاوف دول المنطقة من أمكانية فتح الباب أمام الجماعات المتطرفة لإعادة تحديد خارطة توسعها وربما لن تقدر أي حكومة في منطقة الساحل على مواجهتها مستقبلا مما سيؤثر على أمن المنطقة بأكملها.
طبيعة الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل :
تدخلت  فرنسا عسكرياً في هذه المنطقة بطلب من دولة مالي فى يناير  2013 لمنع سيطرة تنظيم «القاعدة» على العاصمة باماكو في الجنوب، بعدما بسط التنظيم نفوذه عام 2012 على شمال البلاد، فأطلق الفرنسيون في مطلع عام 2013 عملية «سيرفال» العسكرية المكونة من 3 آلاف جندي، لضرب معاقل تنظيم «القاعدة» في شمال مالي، على ألّا تستمر العملية العسكرية لأكثر من سنة. وبالفعل، نجحت «سيرفال» في مهمتها الأولى فانسحب مقاتلو «القاعدة» من المدن واختفوا وسط الصحراء الكبرى، ليظهر الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند في مدينة تمبكتو التاريخية المالية ظهور الفاتحين وسط احتفاء شعبي كبير.
نظم مقاتلو «القاعدة» صفوفهم وأطلقوا «حرب عصابات» طويلة الأمد. بل إنهم وسّعوا نطاق عملياتهم الإرهابية لتشمل كلاً  من النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين؛، بالإضافة إلى مالي، ما أرغم الفرنسيين حينها على إنهاء عملية «سيرفال»، وإطلاق عملية جديدة تحت اسم «برخان» عام 2014، قوامها 4500 جندي. ومن ثم، وضعت باريس استراتيجية أمنية جديدة عمودها الفقري إطار إقليمي جديد هو «مجموعة دول الساحل الخمس»، التي ضمت موريتانيا، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد.
فيديو غرافيك: ما هي مجموعة دول الساحل الخمس؟ – المصدر france 24
منذ 2015، شكلت «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، بمختلف أفرعها، تحالفاً جديداً حمل اسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». وفي العام نفسه، دخل تنظيم «داعش» على الخط، ووصلت الحرب على الإرهاب ذروتها في المنطقة. وعندها، قررت فرنسا خلال العام الماضي رفع عدد جنودها في المنطقة ليصل إلى 5100 جندي، وأعلنت أن تنظيم «داعش» هو عدوها الرئيس في منطقة الساحل.
حتي جاء إعلان ماكرون الخميس ١٠/٦/٢٠٢١ بإنهاء عملية “برخان” الحالية وتقليص القوات العسكرية بالمنطقة، ليصير الوجود الفرنسي جزءً من القوة الدولية “تاكوبا” التي ستضم “مئات” من العسكريين الفرنسيين .
ما هي عملية تاكوبا ؟
الساحل
عملية “تاكوبا” – المصدر/ مونت كارلو
بدأ التحول في الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل العام الماضي مع تشكيل مجموعة “تاكوبا” من القوات الخاصة الأوروبية بمبادرة من باريس بهدف توفير فرق صغيرة من الضباط لدعم الوحدات المالية في القتال. وهذا البرنامج يقوم على شراكة عسكرية مماثلة لفرق المرشدين الغربيين التي تم نشرها في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لدعم القوات الأفغانية.
وتتركز “تاكوبا” في منطقتي جاو وميناكا الماليتين، وتتكون عملية “تاكوبا” التي من المنتظر أن تتولى المهمة من “برخان” حوالي  600 عنصر نصفهم فرنسيون، بالإضافة إلى عشرات من الإستونيين والتشيكيين ونحو 140 سويديًا. وتعهدت إيطاليا بالمساهمة بما يصل إلى 200 عنصر، ووعدت الدنمارك بمئة، فيما أبدت دول أخرى بينها اليونان والمجر وصربيا اهتمامها بالمشاركة فى تلك العملية.
 
لكن بعد الانقلاب الثاني الذي شهدته مالي في مايو الماضي جمدت فرنسا عملياتها المشتركة مع القوات المالية بما في ذلك مع قوة “تاكوبا”. ومن المرجح أن يؤدي التعليق إلى تراجع الدول الأوروبية عن المساهمة فى تلك القوة إذا استمر فترة طويلة.
الاستراتيجية العسكرية الفرنسية الجديدة؟
تسعى الخطة الجديدة التي أعلنها الرئيس ماكرون إلى أن يصل قوام القوة الخاصة الأوروبية إلى ألفي جندي، بالإضافة إلى 500 جندي فرنسي، وأن تعمل في وحدات خاصة تجمع الأوروبيين مع جنود من دول الساحل، وهدفها الرئيسي دحر التنظيمات الإرهابية وإعادة نفوذ الدول إلى المناطق المحرّرة. وفي المستقبل القريب، من المقرر أن تحل القوة الأوروبية تدريجياً محل القوات الفرنسية، على أن يكون الهدف على المدى البعيد تسليم قيادة العمليات للقوة العسكرية المشتركة التي شكلتها دول الساحل الخمس.
لكن ما زال أمام هذه الاستراتيجية عقبات كبيرة، أبرزها النقص الحاصل في تمويل وتجهيز وتدريب القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل، والتي يعد الاتحاد الأوروبي مموّلها الرئيسي (400 مليون يورو)، بالإضافة إلى بعض دول الخليج العربي. وفي المقابل، ترفض الولايات المتحدة الأميركية التعامل مع القوة على أنها «قوة إقليمية»، وتكتفي بتقديم مساعدات ثنائية للجيوش المحلية. أما فرنسا فهي شريك ميداني للقوة العسكرية المشتركة لدول الساحل، تؤمن الجانب الاستخباراتي والتقني، وتخطط للعمليات العسكرية النوعية، ورغم مشاركة تاكوبا في بعض العمليات العسكرية الميدانية العام الماضي، إلا أنها لا تزال في بدايات مرحلة التشكل. والسبب هو إحجام الدول الأوروبية عن الانخراط فيها.
لماذا تنسحب فرنسا الآن من منطقة الساحل؟
-إحباط من الشركاء :
أعرب الرئيس الفرنسي عن إحباطه من الشركاء خاصة مالي، بعد قبول الانقلاب والتحاور مع الجماعات الإرهابية، فصرح مستاءً “لا يمكننا تحمل الغموض. لا يمكننا إجراء عمليات مشتركة مع قوى قررت التحدث مع جماعات تطلق النار على شبابنا”.
كما أدان الرئيس الفرنسي اعتراف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي تضم 15 دولة بالزعيم العسكري المالي الكولونيل أسيمي غويتا الذي أدى اليمين الدستورية كرئيس انتقالي، وقال إن الاعتراف “بانقلابيّ” يخلق “سابقة سيئة”.
-إحباط شعبي:
على صعيد متصل، يجد صناع القرار في فرنسا ودول الساحل أنفسهم أمام ضرورة تسيير تعقيدات دولية شائكة بخصوص حرب طويلة الأمد، كلفتها المادية والبشرية باهظة. ويتوجب عليهم أيضا مواجهة رأي عام محلي أصبح يلعب دورا مهما في هذا الملف، خاصة في بعض دول الساحل التي ظهر فيها رأي عام مناهض للوجود العسكري الفرنسي والأجنبي. وكان بين أبرز المؤشرات وأحدثها المظاهرة التي سارت في العاصمة المالية باماكو الشهر الماضي، واستخدمت الشرطة القوة لتفريقها؛ لأنها كانت ترفع شعارات مناهضة للوجود العسكري الفرنسي في البلاد، وتصف فرنسا بأنها «قوة احتلال».
وتفسيراً لذلك التيار المتصاعد ضد التدخل الفرنسي، النابع مما يجري على الأرض؛ هو أن الحرب على الإرهاب في تلك المنطقة بدأت منذ قرابة عشر سنوات، والناس هناك تحس بأن الوضع يتدهور، وليس هنالك أي تقدم على مستوى المعيشة للسكان.
كما أن الرأي العام في بعض دول الساحل، وخاصة في مالي، بدأ يتبنى الانطباع بأن فرنسا تدخلت ليس من أجل حماية المنطقة من خطر الإرهاب فحسب، وإنما لحماية مصالحها بالدرجة الأولى، وهنا الإشارة  إلى مناجم اليورانيوم في شمال النيجر التي تستغلها شركة «آريفا» الفرنسية، واستثمارات شركة «توتال» النفطية الفرنسية. وهنالك من يعتقدون أن فرنسا تجعل من الإرهاب مبرراً للبقاء من أجل حماية مصالحها ونفوذها. بل إن بعض الماليين بات يتساءل عن مدى جديتها في القضاء على خطر الإرهاب.
الرأي العام الفرنسي :
“مارين لوبان” زعيمة اليمين المتطرف الفرنسى – أرشيفية
وقد ساهم الضرر الذي بدأ يلحق بصورة فرنسا، وحجم الخسائر المادية والبشرية التي تلحق بها في منطقة الساحل، فى إثارة الرأي العام الفرنسي، وبدأ يهتم بالعملية العسكرية الفرنسية في الساحل الأفريقي، لا سيما، في ظل ركود الساحة الداخلية الفرنسية وتركيز الإعلام على الملف ومنحه مساحة واسعة من التغطية، ومن ثم، ربطه بالمستقبل السياسي للرئيس ماكرون الذي يستعدّ لخوض انتخابات رئاسية حاسمة العام المقبل، ويواجه انتقادات حادة من منافسته المحتملة، زعيمة اليمين المتطرف “مارين لوبان”، ومن ثم بدأ الفرنسيون يعارضون التدخل العسكري لبلادهم في منطقة الساحل، وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن 51 % من الفرنسيين يعارضون هذا التدخل.
-اقحام القوة الأوربية والأفريقية :
من الواضح أن باريس تريد من شركائها الأفارقة دورا أكبر في عمليات مواجهة العناصر التكفيرية بسبب تكبدها بمفردها الخسائر الأكبر في العتاد والرجال، ومن المؤكد أن أي خطوة لتخفيض قواتها في الساحل الأفريقي ستورط دولا مثل مالي والنيجر في مواجهة أمن المنطقة، وبالتالي هي خطوة لتقليل الخسائر و تحمل دول الساحل مزيد من المسؤولية عن أمنها.
كما تهدف فرنسا بالانسحاب الآن كمحاولة لرفع مستوى الانخراط الأوروبي إلى جانب فرنسا في الحرب على الإرهاب في الساحل بدلًا من تكبدها بمفردها الخسائر الأكبر مادياً وبشرياً.
الانعكاسات المحتملة للانسحاب الفرنسي:
مع التسليم بأن قرار تقليص وإنهاء عملية “برخان” من منطقة الساحل يعبر عن اتجاه فرنسي رسمي وشعبي لإنهاء استنزاف الموارد الفرنسية مادياً وبشرياً، فإن هذا القرار ينطوي على عدة مخاطر، يتوقع أن تطال مستقبل منطقة الساحل، وكذلك مستقبل الاستراتيجية الفرنسية  في المنطقة، وذلك وسط غياب مؤشرات حقيقية على الأرض تشير إلى توقف العنف والحركات الارهابية، أو حتى تراجع معدلاتها، في وقت لم تعد لدى فرنسا رغبة في تحمل أعباء الوجود الأمني في المنطقة، على ضوء تغير أولوياتها السياسية والاستراتيجية.
وتتمثل أبرز التداعيات المحتملة لهذه الخطوة في:-
١-انهيار قدرات القوات الأمنية والعسكرية للجيوش المحلية: 
خلال السنوات الثمانية الماضية ومنذ دخول القوات الفرنسية منطقة الساحل اعتمدت القوات الأمنية والدفاعية للمنطقة على القوات الفرنسية وحلفائها، وطيلة هذه السنوات كانت القوات المحلية تعمل تحت مظلة جوية فرنسية، وبتخطيط وتدريب فرنسي. وفي هذا السياق، من المرجح أن يشكل الانسحاب الفرنسي ضربة قوية لمعنويات قوات الأمن المحلي لمنطقة الساحل، لاسيما تلك المنتشرة في نقاط التفتيش وداخل القواعد وعلى طول الجبهات الأكثر اضطراباً في البلاد، في ظل غياب الغطاء الجوي الذي كان يدعمها خلال المداهمات والمواجهات سواء مع  “القاعدة” أو “داعش“، وبصفة خاصة في ظل ما كانت تقدمة القوات الفرنسية  من دعم استخباراتي ومعلوماتي وتقني لإنجاح هذه العمليات إلى حد كبير.
وبحسب اتجاهات عديدة، فإنه في ظل الواقع الحالي لقدرات القوات المحلية لا يمكن استبعاد سيناريو إعادة “داعش والقاعدة ” سيطرتهما على المنطقة في وقت قصير عقب الانسحاب الفرنسي، لاسيما وأنهما باتا حالياً أقوى من ذي قبل.
٢-اختبار للجيوش المحلية :
تمثل خطة العمل الفرنسية الجديدة قبل كل شيء اختبارًا للجيوش المحلية التي ستجد نفسها في طليعة الجهد الأمني. وقد حذّر قادة محليون في المنطقة من أنهم سيتعرضون إلى مصاعب شديدة لمنع الجماعات المتطرفة المدججة بأنواع مختلفة من السلاح والطائرات المسيرة من تحقيق المزيد من الانتشار في حالة الانسحاب الفرنسي السريع.
ويتوجس قادة بوركينا فاسو والنيجر وتشاد ومالي من تصاعد المخاطر خاصة بعد أن قُتل رئيس تشاد المخضرم والحليف المقرب للفرنسيين إدريس ديبي في شهر أبريل الماضي، بينما أدى الانقلاب في مالي إلى تدهور شديد في العلاقات مع باريس.
وعلى الرغم من جهود التدريب الكبيرة في السنوات الأخيرة، فإن القوات المسلحة لمالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي من بين أفقر البلدان في العالم، لا تزال تعاني نقصا في التدريب والتجهيز وتتعرض لهجمات جهادية متكررة. كما أن تلك الجيوش متهمة بارتكاب انتهاكات ضد السكان المحليين.
تبدو القوات المشتركة لدول الساحل الخمس التي تشكّلت في العام عام 2017 عاجزة أمام تصاعد هجمات المسلحين في ظلّ تنافر هذه القوات ونقص تسليحها وسوء تشكيلها، فضلا عن تأخر دفع مساعدات وعد بها المجتمع الدولي. ولم تتلق القوة المشتركة سوى 300 من أصل 400 مليون دولار تم التعهد بها العام الماضي.
٣- إخفاق الاستراتيجية الفرنسية في مكافحة الإرهاب:
كانت فرنسا تنفق سنويا قرابة مليار دولار أميركي على أنشطتها العسكرية والتنموية في الساحل، بينما خسرت أكثر من خمسين جندياً، ولو أنها حققت مكاسب عسكرية مهمة، عندما حيدت المئات من مقاتلي «القاعدة» و«داعش»، وقتلت عدداً كبيراً من القادة، وخاصة، عبد المالك دروكدال، زعيم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ومؤسسه، منتصف العام الماضي.
رغم كل ذلك، بقي الوضع الأمني في تدهور مستمر، بل إن الاستخبارات الخارجية الفرنسية أعلنت الشهر الماضي أن تنظيم «القاعدة» وضع استراتيجية لتوسيع دائرة نفوذه لتشمل مناطق من غرب أفريقيا وخليج غينيا. كذلك، اتسعت دائرة الصراع العرقي في مالي وبوركينا فاسو، وتأزمت الأوضاع السياسية والاجتماعية في المنطقة، وأصبح الوضع بشكل عام أكثر صعوبة وتعقيداً، خاصة بعد الانقلاب العسكري في مالي، وانتخابات رئاسية تثير الجدل في كل من النيجر وتشاد وبوركينا فاسو.
وقالت إن ميزانية العمليات العسكرية الفرنسية على الصعيدين الخارجي والداخلي، ارتفعت في عام 2020، أكثر من 60 مليون يورو مقارنة بعام 2019.
وبالتالي، في ظل العجز الكبير لدى دول الساحل عن المواجهة العسكرية، والتحفظ الألماني (الأوروبي) على التورط العسكري في المنطقة، والموقف الأميركي غير الواضح حتى الآن، تجد فرنسا نفسها فيما يشبه «الفخ». فلا هي تستطيع الاستمرار في عملية عسكرية تكلفها خسائر مادية وبشرية كبيرة، ولا يمكنها – في المقابل – أن تنسحب من منطقة نفوذها التقليدي في أفريقيا لصالح تنظيمات إرهابية تستهدف مصالحها الاقتصادية الحيوية، وتشكل تهديداً لأمنها القومي، وأمن أوروبا والعالم ولذلك اتخذت إجراء تقليص قواتها وإعداد إستراتيجية جديدة لم تعلن عنها بعد  
٤-عودة قوة نشاط الجماعات الإرهابية :
عودة نشاط الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل الإفريقى – أرشيفية
من المحتمل أن تشهد منطقة الساحل خلال الفترة المقبلة عقب الانسحاب الفرنسي صعوداً قوياً لتنظيم “داعش“، وبروز ظاهرة المقاتلين الأجانب وتزايد وتيرة العمليات الإرهابية في المنطقة والعالم، لاسيما وأن انسحاب القوات الفرنسية من منطقة الساحل وتقليص دوره يأتي في توقيت بالغ الصعوبة، حيث تواجه دول الساحل عثرات متتالية، كما تتصاعد حدة العنف في البلاد بشكل ملحوظ.
 فالحركات الجهادية والتي ما زالت تتمتع بوجود مهم في مناطق عدة من دول الساحل؛ فيما يسمى “الدولة الإسلامية” ما زالت تنشط في مالي وخاصة في المناطق المتاخمة للنيجر وبوركينا فاسو، وكذلك حوض بحيرة تشاد. كما ما زالت بوكو حرام، المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، وأكثر الجماعات عنفاً ودموية، تنشط شمال نيجيريا؛ بينما تتحرك “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين،” التي تمثل تنظيم القاعدة، في مناطق عدة من مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ ومن ثم فإن انسحاب القوات الفرنسية سيمنح هذه الجماعات فرصة لإعادة بناء نفسها.
٥- قد يُمثل الانسحاب غطاءً سياسياً للنظم الحاكمة:
من المحتمل أن يمثل الانسحاب غطاءً سياسياً للنظم الحاكمة التي تعاني هشاشة وتحديات صعبة، للتفاوض مع الجماعات المتشددة؛ وهذا أمر، لو حدث، سيكون كارثياً بالفعل؛ لأنه سينسف النجاحات التي تحققت بفضل الدعم الدولي والفرنسي على وجه الخصوص؛ ولا يُستبعد أن تتمكن هذه الجماعات من الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها، أو السيطرة على مناطق معينة؛ خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعانيها دول الساحل مع انتشار الفساد وانعدام الحوكمة وغيرها من المشكلات التي تقوض جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة برمتها، والتي ظهرت بوادرها في مالي بالاعتراف بالانقلاب وبالزعيم العسكري المالي الكولونيل أسيمي غويتا كرئيس لمالي والتحاور مع الجماعات الإرهابية.
٦- تنامي التنافس:
كما يسود القلق في باماكو من تنامي التنافس الدولي والإقليمي في غرب إفريقيا بين قوى إقليمية من بينها تركيا وإيران وإسرائيل ودولية تتصدرها فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين.
في النهاية، يمكن القول إن الوضع على الأرض في منطقة الساحل حالياً يشير بأن المنطقة تبدو مقبلة على استحقاقات صعبة، خاصة أنها  ستتحول، مرة أخرى، إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، بعد الانسحاب الفرنسي، وسيُفتح الباب أمام الجماعات المتطرفة لإعادة تحديد خارطة توسعها وربما لن تقدر أي حكومة في منطقة الساحل على مواجهتها مستقبلا مما سيؤثر علي أمن المنطقة بأكملها.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version