فى واقعة ليست غريبة على القارة الافريقية قام العقيد مامادى دومبويا، قائد القوات الخاصة فى دولة غينيا كوناكرى الواقعة غرب أفريقيا بعمل انقلاب عسكرى على الرئيس ألفا كوندى واحتجازه  ووقف العمل بالدستور وحل الحكومة ومؤسسات الدولة وغلق الحدود البرية والجوية، معلنًا وضع حد لحكم ألفا كوندى، بعد أكثر من عقد فى السلطة وسيطرة الجيش مرة أخرى على مقاليد الحكم من خلال الإطاحة بالرئيس.

العقيد مامادى دومبويا تم اختياره من قبل الرئيس ألفا كوندى قائدا للقوات الخاصة، لخبرته فى الخارج، وتدريباته العسكرية المكثفة، فى بلدان عديدة، على رأسها فرنسا حيث درس وعمل بفرنسا لسنوات، وقد برر دومبويا الانقلاب بأنه هو وزملاءه فى “اللجنة الوطنية للمصالحة والتنمية”، تحملوا المسؤولية لإنقاذ البلاد من “الوضع السياسى الرهيب، وانتهاك مبادئ الديمقراطية، واستقلال القضاء، وتسييس الإدارة العمومية، وتدهور الوضع المعيشى والحريات العامة”

وعلى الرغم من امتلاك غينيا كوناكرى ثروة طبيعية هائلة وهو ما جعلها مطمع للقوى الكبرى التى تسعى لفرض سيطرتها، ورغم أن غينيا كوناكرى من أصغر الدول الافريقية إلا أنها تمتلك نصف إحتياطى العالم من خام البوكسيت (الخام الرئيسى فى تصنيع معدن الألمنيوم) ومع ذلك تعانى من التدهور الاقتصادى وانتشار الأمراض كإيبولا وقد عانت لسنوات طويلة من الحكم الديكتاتورى وتحكم الجيش الغينى فى مفاصل الدولة.

العقيد مامادى دومبويا – المصدر BBC

لماذاالانقلاب على الفاكوندى..؟

كان ألفا كوندى فى وقت من الأوقات أمل الغينيّين فى التخلص من الاستبداد والحكم الديكتاتورى ، وقد كافح لسنوات طويلة وتعرض للسجن لسنوات من أجل تحقيق ذلك ، حتى وصل السلطة فى انتخابات 2010 التاريخية، ليكون أول رئيس منتخب لهذا البلد بعد أكثر من نصف قرن على استقلاله، وأعيد انتخابه مرة أخرى عام 2015 بنسبة 57.9% من الأصوات فى الجولة الأولى، غير أن طموح كوندى فى الفوز بولاية ثالثة اصطدم  بالدستور، الذى يمنع أكثر من ولايتين ، لذلك دعا عام 2019 إلى تنظيم استفتاء شعبى يمنحه الترشح لولاية ثالثة.

وهى الدعوة التي رفضتها المعارضة الغينية بقوة، ووقفت لها فى احتجاجات شعبية كبرى، ووجهت بقمع كبير من السلطة، ما أدى لقتل العشرات، وزاد من حالة الاستقطاب إجراء الانتخابات الرئاسية فى 18 أكتوبر 2020 وفوز الرئيس ألفا كوندى  برئاسة لفترة ثالثة مما ترتب عليه الاستمرار فى حالة عدم الاستقرار السياسى التى تمر بها البلاد وإنخراطها فى موجة أخرى من العنف الانتخابى  بين جماعة المالينكى التى ينتمى إليها الرئيس وجماعة الفولانى التى ينتمى إليها المعارض سيلو دالين المنافس له فى الانتخابات، خاصة فى ظل سقوط الضحايا واستخدام قوات الأمن الغينية الرصاص الحى ضد المتظاهرين المعترضين على نتيجة الانتخابات، مما ساهم فى تأجيج الأزمة السياسية فى غينيا كوناكرى..

وقد بدأ بوادر  الخلاف بين ألفا كوندى والعقيد مامادى دومبويا مع رغبة الأخير فى أن تكون للقوات الخاصة التي يترأسها صلاحيات أكبر وأن تكون أكثر إستقلالًا عن وزارة الدفاع الغينية وزيادة مخصصاتها المالية وهو الأمر الذى رفضه كوندى.

الانقلاب العسكري في غينيا – المصدر وكالة فرانس بريس

غينيا كوناكرى ليست الأولى فى عام 2021

تعد الانقلابات العسكرية واحدة من أهم الظواهر التى تميز القارة الإفريقية بشكل عام ، كما أن تاريخ القارة حافل بالعديد من العمليات غير القانونية التى يقوم بها قادة الجيوش، وقد شهدت أفريقيا فى عام 2021 أربعة انقلابات عسكرية وذلك فى أفريقيا الوسطى فى مطلع العام الجارى أعلنت حكومة أفريقيا الوسطى، أن جماعات مسلحة حاولت الإطاحة بالرئيس، المعاد انتخابه حديثا حينها فوستين أرشانج تواديرا،غير أن السلطات فى أفريقيا الوسطى أحبطت محاولة الانقلاب، وفى النيجر حاول بعض عناصر المؤسسة العسكرية فرض التغيير بالقوة، لكن الجيش النيجيرى أحبط المحاولة، بعد وقوع إطلاق نار غير بعيد عن القصر الرئاسى الذى انتقل إليه الرئيس الجديد محمد بازوم خلفا لسلفه المنتهية ولايته محمد يوسوفو..

أما تشاد فإن نجل الرئيس الراحل إدريس ديبى الذى قتل على يد مسلحين متمردين، تولى السلطة خلفا لوالده، بعد منصب الجيش التشادى له إثر وفاة الزعيم التشادى رئيساً لمجلس عسكرى انتقالى يقود البلاد حاليا ما حدا ببعض خصوم السلطة هناك لاعتبار الأمر انقلابا عسكريا، بيد أن الاتحاد الأفريقى لم يعتبر الأمر كذلك، وفى مالى لم يرق للعميد أسيمى جويتا الذى قاد انقلابا على الرئيس إبراهيم أمادو كيتا، أسلوب الرئيس الانتقالى باه نداو ورئيس وزرائه مختار وان، فجرد الاثنين من كل صلاحياتهما، ، وأعلن نفسه رئيسا جديدا للبلاد.

صورة توضح أكثر البلدان التي شهدت انقلابات في القارة الافريقية منذ عام 1952 – المصدر BBC

ولعل القاسم المشترك بين هذه الدول أنها كانت مستعمرات سابقة لفرنسا ، وتشير التحليلات إلى ضلوع فرنسا فى الإنقلاب العسكرى الذى حدث فى غينيا كونكارى وذلك لعدة أسباب..

  • علاقة العقيد مامادى دومبويا بفرنسا حيث أنه عمل ظابطاً فى الفيلق الفرنسى ومتزوج من فرنسية وتدرب لسنوات بها، كما أن هناك معلومات عن حصوله على الجنسية الفرنسية.
  • توجه الرئيس الغينى للصين وتقوية العلاقات الاقتصادية بين الصين وغينيا الفترة الأخيرة الأمر الذى أزعج فرنسا.
  • تدهور العلاقة بين الرئيس كوندى وفرنسا الفترة الأخيرة خاصة بعد تعديله الدستور وحصوله على ولاية رئاسية ثالثة ، وقد قام الاعلام الفرنسى بهجوم كبير على هذا الرئيس المعزول قبل الانقلاب عليه بفترة قصيرة

الردود الدولية والإقليمية (إدانة واسعة بدون إجراءات عملية لإفشال الانقلاب)

كما حدث فى الانقلابات العسكرية التى شهدتها القارة الأفريقية هذا العام أدان المجتمع الدولى  بقوة الانقلاب العسكرى فى غينيا كوناكرى  داعيين إلى العودة الفورية إلى النظام الدستورى منعا للانزلاق إلى العنف والحفاظ على الاستقرار السياسى والاجتماعى فى غينيا كوناكرى.

حيث دعا الاتحاد الأوروبى ورئيس الكونغو الديمقراطية فليكس تشيسكيدي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى موسى فقيه محمد، مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة الموقف واتخاذ الإجراءات المناسبة وتلاها طلب من كتلة دول غرب أفريقيا بعودة النظام الدستورى فى غينيا كوناكرى، كما أعلن رئيس غانا نانا أكوفو-أدو، الرئيس الحالى لإيكواس، تنديده  بما وصفه “بمحاولة انقلاب”، ونددت الأمم المتحدة كذلك بشدة ووصفت الانقلاب بأنه استيلاء على السلطة بقوة السلاح، كما أدانت فرنسا استيلاء عسكريين على السلطة فى غينيا ودعت إلى إطلاق سراح رئيسها على الفور، كما أدانت واشنطن،  الانقلاب داعية جميع الأطراف إلى احترام الدستور والقانون وتجنب العنف، كما أعلن الاتحاد الأفريقى تعلّيق عضوية غينيا كوناكرى.

سيناريوهات مابعد الإنقلاب

يطرح المشهد الأمنى والسياسى فى غينيا كوناكرى عقب الانقلاب الأخير، العديد من السيناريوهات التى لا تخلو من المخاوف من انزلاق هذه الدولة، نحو مزيد من الفوضى وربما الانهيار من جراء اعتماد قادة المؤسسة العسكرية والساسة فيها، على استخدام القوة لإحداث التغيير أو لتصحيح الأوضاع وتنفيذ أجندة الإصلاح، بعيداً عن الحوار والتفاوض بين أطراف الأزمة الغينية المختلفين. ويمكن تناول أبرز تلك السيناريوهات على النحو التالى:

السيناريو الأول: تدخل عسكرى إقليمى ودولى لحماية المصالح وسعياً لعودة الرئيس المعزول ألفا كوندى ،وقد تسعى بعض الدول فى استخدام هذا التدخل كفرض سيطرة وفتح اتصالات جديدة مع النظام الجديد، إلا أن هذا السيناريو مستبعد خاصة بعد الانسحاب التدريجى الفرنسى من منطقة الساحل والصحراء وتغير إستراتيجيات القوة الكبرى من رفض التدخل المباشر لحل النزاعات داخل الدول الأفريقية.

السيناريو الثاني: تشكيل المؤسسة العسكرية حكومة انتقالية لفترة معينة، مع تحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، ويعد هذا السيناريو الاقرب للتنفيذ وذلك لتشابهه مع العديد من الأحداث التى حدثت فى الدول الأفريقية المجاورة لغينيا والتى تعرضت لانقلاب عسكرى، فضلًا عن وجود تأييد كبير من قبل المعارضة للانقلاب.

السيناريو الثالث: قد يتم تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة الغينية ولكن تكون تحت إشراف وضغط دولى وإقليمى، تلعب فيها فرنسا دوراً قوياً لحماية أهدافها ومصالحها، والتى تسعى لكسب ود النظام الجديد وإرسال رسالة سلام للشعب الغينى.

وختامًا.. على الرغم من نوايا  مامادى دومبويا  الواضحة فى الاستيلاء على السلطة والإطاحة بالرئيس ألفا كوندى، إلا أن قيام الرئيس بالالتفاف على الديمقراطية وتعديل الدستور والترشح لولاية ثالثة ساهم فى تكريس القبلية والإثنية وأعطى مبررات للقيام بالانقلاب العسكرى وترحيب المعارضة به، خاصة أن دومبويا ينتمى إلى نفس قبيلة كوندى ويحوز على تأييد من المعارضة  لذلك فإنه من المتوقع أن ينجح هذا الانقلاب فى الإطاحة بكوندى وأن تبدأ غينيا كوناكرى عهداً جديداً من سيطرة السلطة العسكرية.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version