تسعى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي “نفتالي بينيت” إلى إحراز نجاحات دبلوماسية، ومحاولة توقيع اتفاقات سلام مع دول عربية، باعتباره اعترافًا من أي دولة توقع على اتفاق سلام بوجود إسرائيل الرسمي.

ومن ناحية أخرى تخوض الدولة الليبية الانتخابات الوطنية في ديسمبر المقبل، والتي ستحسم مستقبل البلاد فيما بعد، وتحدد هوية حاكم ليبيا، وسط تكهنات بأن المرشحين الأقوى وحسم المعركة هما سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، وكذلك المشير خليفة حفتر، الذي يسعى بحسب المحللين للوصول إلى السلطة، لذلك يواصل اتصالاته للحصول على دعم غربي، وبالطبع إسرائيل لن تختفي من الصورة

نشر موقع “ديبكا” الإسرائيلي تقريرًا يفيد بأن نجل حفتر التقى مسؤولين إسرائيليين الفترة الماضية سعيًا للحصول على دعم غربي لآل حفتر، سواء في انتخابات المجلس الوطني المقبلة، أو تولي الحكم في ليبيا فيما بعد، ولم يرد تفاصيل حول مكان اللقاء وظروفه.

يدور الحديث هنا حول صفقة بين إسرائيل وحفتر حال حسمه السباق الرئاسي، وذلك في إطار سعي الحكومة الإسرائيلية لمواصلة سلسلة اتفاقات سلام مع دول عربية، والصفقة بحسب موقع “The Washington Free Beacon”، الأمريكي تدور حول تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين ليبيا وإسرائيل حال وصول حفتر للسلطة، وحتى الآن لم يتم حسم المرشح من آل حفتر سواء العقيد صدام حفتر أو والده المشير خليفة حفتر، لكن المنافسة لن تكون سهلة بين سيف الإسلام القذافي وآل حفتر في الانتخابات المقبلة.

لم ينكر الجانب الإسرائيلي ومحللو الرأي الاتصالات التي جرت بين الجانبين في الفترات الأخيرة، وهو ما لمحت له سلسلة مقالات “أسرار السلام” التي كتبها روعي كياس ووجيلي كوهين ونشرتها هيئة البث الإسرائيلية، والتي تناولت تقييم الاتفاقات وماوراءها بعد مرور عام عليها، وخلصت إلى أن بعض الاتفاقات كانت مجرد اتفاقات شفهية، وما يهم هنا هو الإشارة في تلك المقالات إلى الاتصالات القوية الدائرة بين ليبيا وإسرائيل من أجل تطبيع العلاقات.

هل حفتر مٌجبر على التطبيع؟

لاستشراف مستقبل العلاقات الإسرائيلية الليبية ومدى إمكانية توقيع اتفاق سلام بين ليبيا وإسرائيل، فمن الضروري دراسة طبيعة القادة الحاليين وسياساتهم وتوجهاتهم وعلاقتهم، وهل فكرهم وتصرفاتهم تقود إلى هذه النتيجة؟ وهل من مصلحة ليبيا تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟

يحظى العقيد صدام حفتر بدعم كبير من دولة الإمارات، والتي سبق وأن وقعت اتفاقًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبات التبادل بين البلدين واضحا للجميع وفي مجالات عديدة، وبدا أن كلاهما استفاد من تلك الاتفاقية إلى حد كبير، وبحسب ما خلص إليه بعض المحللين الليبيين فإن المناخ يتم تهيئته بشكل كبير لتوقيع اتفاق يكون حفتر أحد طرفيه ممثلًا عن ليبيا، وفي هذا الصدد زعمت بعض التقارير وجود علاقات بين المشير خليفة حفتر ومسؤولين في الموساد الإسرائيلي، وطلب مساعدتهم لضرب أهداف جوية داخل ليبيا، ولم تعترض إسرائيل وقدمت المساعدة.

العلاقة بين إسرائيل والمشير حفتر تدلل على قرب التوصل إلى اتفاق سلام يبدو في الأفق حال وصوله للسلطة كرئيس لليبيا وتوليه للسلطة، وهو ما لمّحت له صحيفة هآرتس الإسرائيلية في أغسطس الماضي في مقالة نشرتها على نسختها الإنجليزية، بعنوان “نزاع قادة الموساد بسبب العلاقات مع الدول العربية”، وفيه تحدثت الصحيفة عن علاقة حفتر بالموساد والحكومة الإسرائيلية حيث دعمت الأخيرة المشير خليفة حفتر، وأكد المحلل الإسرائيلي والكاتب في صحيفة “هآرتس”، يوسي ملمان، أن ثمة علاقات سرية تجمع الموساد بحفتر لتنسيق عدة أمور من بينها التطبيع بين البلدين، وهو حقيقة لا شك فيه بحسب ميلمان، الذي شدد على أن مصدر معلوماته مصادر استخباراتية، كما أكد الكاتب نفسه ان الموساد يشرف على عملية تنسيق العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية نفسها وبين المشير خليفة حفتر، بل ذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك في عدة تغريدات سابقة له على تويتر تؤكد التنسيق بين حفتر وإسرائيل، مشيرًا إلى دعمها المشير حفتر بالسلاح، وبالطبع هذه دلائل تقودنا إلى إمكانية التنبؤ بوجود نية وتنسيق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وليبيا في ظل وجود المشير خليفة حفتر على رأس الحكم في الفترة المقبلة، وما يتبقى فقط هو نتائج انتخابات المجلس الوطني في ديسمبر المقبل.

بينيت – أرشيفية

وبشكل عام مواقع إسرائيلية عديدةمثل هآرتس ومعاريف، تزعم أن الحكومة الإسرائيلية تدعم تسليح حفتر، وأن ثمة تنسيقًا مخابراتيًا على نطاق واسع بين عدة جهات، في عملية مواجهة الميليشيات الليبية وحكومة الوفاق التي تدعمها تركيا، وهو ما قد يؤثر على مستقبل حفتر في السيطرة على ليبيا، بالتالي كان الدعم الإسرائيلي في الفترة الماضية، والمأمول هو استكمال الأمر بالتوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل وليبيا.

التطبيع قنبلة موقوتة وسلاح ذو حدين

ورغم اتسام العلاقات الليبية والإسرائيلية، خاصة منذ وصول العقيد معمر القذافي لسدة الحكم في 1969، بالعداء تجاه إسرائيل بسبب القضية الفلسطينية، خاصة بعد استهداف إسرائيل لطائرة ليبية اسقطتها فوق صحراء سيناء في 1973، ثم موقف القذافي من مصر بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد، حيث قرر وقتها قطع العلاقات مع مصر، والتي ساهمت في رسم صورة ذهنية لدى الرأي العام الليبي تعزز العداء التاريخي مع إسرائيل، حتى أن القذافي اتهم الثوار ضده قبيل ثورة السابع عشر من فبراير والتي أطاحت به، أن بعضهم يريد التطبيع مع إسرائيل.

واوشكت الانتخابات الليبية عل الانعقاد، وباتت المواجهة محسومة ووشيكة بين المشير خليفة حفتر وبين سيف الإسلام القذافي في معركة ستكون ورقة التطبيع حاضرة فيها بشكل غير مباشر.

ولا شك أن قضية التطبيع التي كان من الصعب طرحها، تشهد بعد 2020 تطورًا ملموسًا نتيجة انخراط العديد من الدول العربية مثل الامارات والمغرب والسودان والبحرين في اجرائها، بما يمهد الطريق لليبيا سواء من الناحية السياسية او الحكومية او حتى الشعبية لطرح تلك القضية، حيث بدأت بعض الأصوات تجاهر وتطالب علانية بالتطبيع، مثل مدير قناة ليبيا الحدث، محمود الفرجاني الذي طالب بالتطبيع مع إسرائيل وكشف أن الإرهاب تم تصديره إلى ليبيا من فلسطين وحركة حماس وليس من إسرائيل، بحسب ما نشرته “ليبيا الحدث” نفسها

مطالبات التطبيع نالت المسؤولين أيضًا، فوزير الخارجية الليبي السابق في حكومة المشير خليفة حفتر، عبدالهادي الحويج أعرب عن أمله في وقت سابق من 2019 في إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل وذلك بحسب حوار أجراه الحويج مع صحيفة “معاريف” الناطقة بالعبرية

حفتر – المصدر: وكالة رويترز

الخلاصة

بشكل عام يعتبر ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل حساس للغاية، وقد يكون انتحارا سياسيا لو جاهر به أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن ليس من المستبعد أن تكون هناك تنسيقات وترتيبات تتم في الخفاء، من أجل التوصل لاتفاق سلام، ويعزز ذلك التقارب الجغرافي بالنسبة إلى ليبيا من بلدان مثل مصر والسودان التي تقدمت فيها المفاوضات بشكل كبير مع إسرائيل لتوقيع اتفاق سلام مستقبلي، وكلها دول وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، كما أن الأوضاع في ليبيا من أزمات متشابكة ومعقدة ومتداخلة بين عدة أطراف قد تدفع القيادة القادمة في السلطة الليبية إلى اللجوء إلى تحالفات من أجل التخلص من براثن الميليشيات الإرهابية التي انتشرت في ليبيا، والمدعومة من أطراف خارجية مثل تركيا، لذلك عقدت صفقات سرية للتخلص من تلك الميليشيات أمر وارد وبقوة، خاصة ان تركيا تنفق المليارات من أجل الطمع في ثروات النفط الليبية، لكن الجيش الليبي تصدى لها وبقوة، كما أن اعلان الرئيس الأمريكي في وقت سابق من حملته الانتخابية أنه لن يعمل على اسقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكبح جماحه، وبالطبع التخلص من ذيول أردوغان في ليبيا ستكون من أولويات السلطة القادمة، وقد يكون ملف التطبيع المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية على طاولة التفاوض بين ليبيا وإسرائيل برعاية أمريكية.

بشكل عام الأيام المقبلة وقبل الانتخابات لن يتم الزج بورقة التطبيع لأي مرشح، لكن بعد الوصول للحكم ستبدو الأمور واضحة، خاصة أن استقرار الأوضاع في ليبيا من الناحية الأمنية وعدم وجود الميليشيات أمر يهم أمن إسرائيل.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version