ورده عبدالرازق

تمر السياسة التركية خلال الفترة الحالية بمرحلة من الاضطرابات والتحولات المتسارعة؛ إذ شهدت الأحزاب المعارضة انشقاقات واستقالات متكررة بين قياداتها وأعضائها، مما أثر على تماسكها الداخلي، فقد كانت البداية من انشقاق حزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار عن تحالف الأمة عقب الانتخابات الرئاسية. في الوقت ذاته، ظهرت تحالفات جديدة بين بعض الأحزاب الصغيرة، وإن كانت غير مستقرة حتى الآن، بالتزامن مع محاولات مستميتة من الحزب الحاكم للاستفادة من الاضطرابات الراهنة في صفوف المعارضة. وعليه، تتفاعل هذه الديناميات مع التنافس على النفوذ والتأثير، مما يخلق مشهدا برلمانيا معقدا، وواقعا سياسيا متقلبا في تركيا.

mostbet mostbet giriş mostbet mostbet giriş

وتأسيسا على ما سبق، يلقي هذا التحليل الضوء على أهم التحولات التي شهدها المشهد الحزبي في تركيا، ومدى تأثيرها على الوزن النسبي للأحزاب في البرلمان، وكيفية تعاطي حزب العدالة والتنمية مع ذلك.

انشقاقات في الأحزاب المعارضة التركية

يشهد حزب الشعب الجمهوري في الوقت الراهن حالة من التوتر الداخلي نتيجة خلافات قيادية بين رئيس الحزب الحالي أوزغور أوزال وأنصار رئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو، حتى أن نتائج المؤتمر الذي صعد من خلاله أوزغور أوزال يواجه طعونا قضائية بدعوى وجود مخالفات إجرائية، لتبقى شرعية القيادة معلقة على حكم قضائي مرتقب قد يقلب موازين الحزب، وتم تأجيل البت في القضية إلى ٨ سبتمبر المقبل.

 كما أن الملاحقات القانونية المتزايدة بحق بعض أعضاء الحزب في قضايا فساد، تزيد من تعقيد الوضع الداخلي وتفاقم حالة الاستياء داخل أروقة الحزب ومناصريه، فضلا عن حالة الاستقالات الجماعية من قبل بعض أعضاء الحزب، كان أبرزها استقالة أوزلام تشرشي أوغلو، رئيسة بلدية آيدن الكبرى، واحد أبرز وجوه المعارضة المحلية، إذ أعلنت انضمامها للحزب الحاكم، ورحب أردوغان بانضمامها لـ “عائلة الحزب” ضمن دفعة شملت ٩ رؤساء بلديات معارضين في الذكري ال ٢٤ لتأسيس الحزب.

بالإضافة إلى ذلك، دخلت بلديات حزب الشعب الجمهوري في مرمى حملة حكومية متصاعدة خلال العام الجاري، طالتها اتهامات بالفساد وارتباطات بالتنظيمات المحظورة، حيث أعفي ما لا يقل عن ١٥ رئيس بلدية معارض، أبرزهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، قبل أن تتوسع الحملة في الأشهر الأخيرة باعتقال رئيس بلدية بيه أوغلو مع عشرات الموظفين في قضايا فساد، وتشير التقارير إلى أن حصيلة الموقوفين في هذه الملفات تجاوزت 500 شخص على مستوى البلاد. فهذه التطورات في مجملها قد تؤثر سلبا على قدرة الحزب على مواجهة التحديات السياسية المقبلة والحفاظ على وحدته التنظيمية.

أما حزب المستقبل، فيواجه هو أيضا مشكلة كبيرة نتيجة الانقسامات الأيديولوجية بين أعضائه، حيث تتباين الرؤى والسياسات داخل الحزب، مما يضعف بالتالي قدرته على اتخاذ مواقف موحدة أو فاعليته في المشهد السياسي التركي عموما. هذه الانقسامات أدت إلى استقالات متتالية من نواب الحزب خلال الفترة الأخيرة، مما أثر على استقرار الحزب، ودفعه إلى إصدار بيانا أوضح فيه أن هذه الاستقالات جزء من “عملية تستهدف الحزب”، مما يعكس وجود ضغوط داخلية وخارجية تؤثر على استقرار الوحدة الحزبية. كما سبق وأن استقال ١١ عضوا من حزب المستقبل في ٢٠٢٣ بسبب سياسات الحزب “العنصرية” تجاه اللاجئين.

بينما شهد حزب الجيد استقالات جماعية من جانب قياداته المحلية، أبرزها استقالة رئيس شعبة الحزب في مدينة ماردين، سليمان أكار، صحبة عدد من القيادات المحلية الأخرى، وذلك احتجاجا على موقف الحزب من المبادرة المتعلقة بحل الأزمة الكردية. هذه الانشقاقات أثرت على القاعدة الشعبية للحزب في مناطق كانت تعتبر معاقل له، مما أدي إلى تراجع تأثير الحزب وتمثيله المحلي، مما قد يضعف من قدرته على مواجهة التحديات السياسية القادمة.

تحالفات جديدة بين الأحزاب الصغيرة

ووفقا لتقارير إعلامية، فإنه يتم الإعداد للإعلان عن تحالف جديد بين الأحزاب القومية ذات القاعدة الجماهيرية الصغيرة، مثل حزب النصر وحزب الجيد وحزب الطريق القويم وتحالف الأجداد وحزب kutlu، وذلك تحت مسمى تحالف “السيادة الوطنية”، بعد اجتماع لقادة هذه الأحزاب في أغسطس الجاري، بهدف معارضة مبادرة “تركيا بلا إرهاب” في إطار عملية السلام مع الأكراد.

كما اتفق حزب الديمقراطية والتقدم برئاسة على بابا جان وحزب المستقبل برئاسة احمد داوود أوغلو وحزب السعادة الذي يرأسه محمود أريكان، على تشكيل مجموعة مشتركة داخل البرلمان. وكخطوة مبدئية، طلب عضوان من حزب الديمقراطية والتقدم الانتقال إلى حزب السعادة بعد أن تم حل مجموعته البرلمانية رفقة حزب المستقبل.

ومع ذلك، قد تبقى هذه التحالفات هشة أمام الانقسامات المتتالية وتباين الأيديولوجيات أو تضارب مصالح الأحزاب المشاركة فيها، حيث يصبح من الصعب الحفاظ على وحدة موقف برلماني تجاه السياسات الحكومية أو القضايا الحساسة، مثل التعديلات الدستورية والمبادرات الأمنية، خاصة وأن الحزب الذي يفقد عددا من نوابه أو قاعدته الشعبية يصبح أقل قدرة على فرض موقفه ضمن التحالف. وبذلك، تصبح التحالفات الجديدة مجرد وسيلة مؤقتة لتثبيت الموقف النسبي للبعض الأحزاب المعارضة، دون أن توفر بالضرورة استقرارا طويل الأجل في مواجهة الاستراتيجية الرئاسية التركية.

كما أن مبادرة المصالحة مع الأكراد التي انتهجتها بعض الأحزاب المعارضة أثرت أيضا على مواقفها في البرلمان، حيث أصبح لها دور مزدوج بين تعزيز الوحدة الداخلية لأحزابها أو الانسجام مع أجندة التحالفات المعارضة.

تأثيرات محتملة على المشهد السياسي

على المستوى التشريعي، توثر الانشقاقات في أحزاب المعارضة التركية بشكل مباشر على التوازنات داخل البرلمان، إذ تؤدي إلى تغير في الوزن النسبي لكل حزب من حيث عدد المقاعد الفعلية والدعم البرلماني، مما يقلص تأثيرها على النقاشات البرلمانية وقدرتها على التصويت الموحد ضد سياسات الحكومية.

على المستوى الانتخابي، تعكس هذه الانقسامات هشاشة أحزاب المعارضة إزاء الضغوط الداخلية والخارجية، حتى أنها قد تؤثر على قدرة الأحزاب على تقديم مرشح رئاسي موحد أو استراتيجية انتخابية موحدة وفعالة. فالأحزاب التي تعاني انقسامات تكون أقل قدرة على حشد قواعدها الشعبية أو تنسيق حملاتها الانتخابية، مما يمنح الحكومة وحزب العدالة والتنمية ميزة إضافية في المنافسة الانتخابية، ويدعم في المقابل تقليص فرص المعارضة في التأثير على المشهدين التشريعي والانتخابي معا.

على الجانب الآخر، يحاول أردوغان تحويل هذه التطورات لصالحه وحزبه لتعزيز موقعه السياسي من خلال استراتيجيات عدة؛ فقد عمل على استقطاب بعض الأعضاء المستقيلين من الأحزاب المعارضة، سواء عبر تقديم مغريات سياسية أو عبر توفير منصات لدعم مبادراتهم الفردية، وتظهر هذه التحركات قدرة أردوغان على تحويل الخلافات الداخلية في صفوف المعارضة إلى فرصة لتعزيز قوة حزب العدالة والتنمية داخل البرلمان، سواء من خلال زيادة عدد المقاعد المؤيدة له أو بتقليل قدرة المعارضة على المناورة واتحاذ مواقف مشتركة.

ويسعى أردوغان لتأمين المقاعد اللازمة لتمرير التعديلات الدستورية، حيث يهدف في الدستور الجديد إلى تغيير نظام الانتخاب بإلغاء شرط الأغلبية المطلقة والاكتفاء بأغلبية نسبية، حتى يفوز بمنصب الرئيس بدون جولة إعادة، وبما يسمح أيضا لترشحه لولاية جديدة، حيث يتطلب تعديل الدستور موافقة ٣٦٠ عضوا لطرحه على الاستفتاء الشعبي، بينما يملك تحالف الجمهور ٣١٨ مقعدا فقط، الأمر الذي يعد أحد الأهداف الرئيسية من إعادة إحياء عملية السلام مع الأكراد.

حتى أن طرح أردوغان لعملية السلام مع الأكراد في حد ذاتها أسهم في زيادة حالات الانشقاق في صفوف المعارضة التركية، بين مؤيد لمبادرة الرئيس باعتبارها “دعوة للوحدة الوطنية” على خلاف رؤية الحزب نفسه التي ترى ملف الأكراد متعلقا بـ “الأمن القومي التركي”، باعتباره تسبب في سنوات من الصراع المسلح وخلف آلآف الضحايا.

وبذلك، يمكن القول إن استراتيجية أردوغان في استغلال الانقسامات والاستقالات لم تقتصر على تقوية حزبه فقط، بل أثرت بشكل مباشر على وزن المعارضة داخل البرلمان، وعلى قدرتها على تشكيل كتلة فعالة لمواجهة سياساته، مما يعكس ديناميكية سياسية معقدة في المشهد التركي الحالي.

ختاما، تشير التحليلات إلى أن الانقسامات والاستقالات داخل المعارضة التركية، إلى جانب هشاشة التحالفات الجديدة، تمنح حزب العدالة والتنمية ميزة استراتيجية في البرلمان والمشهد السياسي، حيث أن ضعف التمثيل البرلماني للمعارضة يقلل من قدرتها على التأثير في التشريعات والسياسات المهمة، بينما تستفيد الحكومة من استقطاب الأعضاء المستقيلين. كما تبقى التحالفات الجديدة محاولة من المعارضة لاستعادة وزنها السياسي، لكنها تواجه تحديات كبيرة في التماسك والتنسيق.

وبذلك، يعكس الوضع الحالي إعادة ترتيب مستمرة للتوازنات السياسية، مع بروز قدرة الحكومة على تعزيز سيطرتها واستراتيجيتها المستقبلية، فهذه الاستراتيجية تعكس نهجا سياسيا يقوم على إضعاف المنافسين وتحقيق السيطرة على المشهد السياسي عبر التلاعب بالتحالفات والهشاشة الداخلية للأحزاب المعارضة، ما يمنحه ميزة مستمرة دون الحاجة إلى الاعتماد على الإنجازات العملية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version